العارفون بأمر الله

أسامة جاويش | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

هم فئة من الناس عالمون ببواطن الأمور، يرون ما لا نرى ويدركون ما لا ندرك، ويصلون إلى نتائج لا يمكن لعبد فقير مثلي أن يصل إليها، مهمتهم قتل الأمل في النفوس وإفساد أي مبادرة للحل وإفشال أي مشروع جديد، كلماتهم حق يراد به باطل وسلاحهم هو الإرهاب الفكري، فالويل كل الويل لمن يجرؤ على الحديث بشكل مغاير لما يعتقدونه هم.

فمن هؤلاء ومتى ظهروا؟ بعد الانقلاب العسكري في مصر يوليو/ تموز 2013 خرج قطاع كبير من المصريين إلى المنافي في الخارج منهم من تعاون مع رجال أعمال وأسس قنوات فضائية صارت ملء السمع والبصر الآن ومنهم من ذهب في اتجاه مراكز الأبحاث ومنهم من استكمل دراسته في العلوم السياسية والإعلام وغيرها، ومنهم من سلك طريق حقوق الإنسان لتوثيق ما يحدث من جرائم.

وكثير منهم لم يدر ماذا يفعل وكان في القلب منهم هؤلاء العارفون بأمر الله، فهم مجموعة ظهرت وانتشرت فجأة فلهم صفحاتهم على مواقع التواصل ولهم أصوات تردد ما يقولون ولهم طريقة فريدة في اختلاق قصص وهمية وروايات خيالية لتشويه أي مشروع تغيير حقيقي للأوضاع في مصر الآن.

في الفترة من ديسمبر/ كانون الأول 2014 وحتى مايو/ أيار 2015 كنت شاهدا بنفسي على هذا الأمر أثناء عملي في فضائية "مكملين" فترة إذاعتي لتسريبات مكتب السيسي، في الوقت الذي كان العالم يتحدث فيه عن التسريبات وأثرها الكبير على النظام المصري كان العارفون بأمر الله لهم رأي آخر، فمن أين جاءت التسريبات ولماذا يتم إذاعتها الآن وملؤوا الدنيا صراخا: انتبهوا فهذه التسريبات لعبة مخابراتية هدفها إلهاؤنا عن القضية الرئيسية وهي عودة شرعية الرئيس الراحل محمد مرسي.

ثم انطلقوا تشكيكا في "مكملين" ومن وراءها ومن يعمل بها وذهبوا إلى أنها ذراع استخباراتي خبيث جاء ليدمر مشروعهم الذي لا أعرف حتى الآن في الحقيقة له أي ملامح واضحة إلا بعض الشعارات الجوفاء.

أعلن عدد من السياسيين المصريين عن عدد كبير من المبادرات من وثيقة بروكسل إلى إعلان القاهرة مرورا بدعوات الاصطفاف الوطني وصولا إلى ما أطلق عليه وثيقة العشرة، وأذكر أنني استضفت نماذج كثيرة من العارفين بأمر الله على الهواء مباشرة وهم يشككون في كل شيء يأتي أمامهم فالوثيقة هدفها خبيث ومن شارك في كتابتها لهم أجندات ومن أعلنوها لم يدعموا الرئيس الراحل ومن باركوها هم خونة يخدمون السيسي.

وحتى القنوات التي ناقشت هذه المبادرات اتهموها أيضا بكل نقيصة، واللافت هنا أنه في كل مرة كانت الأسباب واحدة وكان التشكيك بنفس الطريقة وإذا ما سألتهم ما هو الحل فلن تجد إجابة واضحة إلا بعض الكلمات التي نؤمن بها جميعا وننتظر من هؤلاء لها طريقة للتنفيذ ولكنهم لا يجيدون إلا مهاجمة الآخر.

مؤخرا ظهر المقاول محمد علي في جولة خارجية إلى العاصمة البريطانية لندن، والرجل فيما بدا من متابعة وكالات الأنباء العالمية أن جولته حققت نجاحا باهرا لم يحققه أي سياسي مصري قبل ذلك، من تسليط الضوء على زيارة له ولقاء هيئات التحرير في مقرات كبرى الصحف والقنوات البريطانية، وأن يحضر له أكثر من ثلاثين وسيلة إعلام عالمية وعربية لتغطية بيان سيلقيه في مؤتمر صحفي.

محمد علي أعلن عن مشروع أو مبادرة ووعد بالسعي لتوحيد قوى المعارضة والعمل على مشروع وطني جامع، ولكن كيف للعارفين بأمر الله أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام مبادرة جديدة، أمام محاولة شخص آخر غيرهم أن يحقق حالة من النجاح، لم تمض ساعات قليلة على المؤتمر الصحفي إلا وانتشر هؤلاء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مرددين عبارات من نوعية أن محمد علي يريد إعطاء شرعية للسيسي فهو لم يناد لإسقاطه فورا وإنما دعى لبرنامج إصلاحي أولا ثم إسقاط السيسي.

وذهبوا أيضا إلى أن محمد علي ظاهرة مخابراتية لا يجب التعويل عليها كثيرا ووصلوا إلى خلاصة أن هذا الرجل جاء لاجهاض الثورة ووأد الحراك وأن من دعموه من قوى سياسية هم أنفسهم من تنازلوا عن شرعية الرئيس الراحل مرسي وهو حي يرزق.

الغريب أن علي لم يقل ما نقلوه على لسانه وكان واضحا في حديثه عن خطتين أولاهما خطة إصلاح حقيقية لإيجاد بديل للسيسي وثانيهما هي خطة إسقاط السيسي، واستخدم مصطلحات من عينة حراك أقوى تنظيما وأكثر تأثيرا وأعلى طموحا، ولكن العارفين بأمر الله علموا بما لديهم من مصادر أن محمد علي قرر التنازل عن رحيل السيسي، ولا أعلم من أين جاؤوا بهذا؟

خلاصة الأمر أن العارفين بأمر الله غارقون في الفشل على مدار ستة أعوام ماضية، وأصبح اعتيادهم على الفشل مبررا قويا لهم لمحاولة إفشال أي محاولة أخرى، وبات حالهم كالذي اعتاد على الفشل ولا يريد منافسا آخر له في فشله، والمصيبة أنهم لا يتخيلون أن هناك من يحاول النجاح بالفعل ولا يريد أن يضيف لرصيدهم فشلا على فشل.