مع انطلاق عملية "نبع السلام".. هذا ما تريده تركيا في سوريا

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع إعلان الرئيس التركي أردوغان انطلاق العملية العسكرية "نبع السلام" في شرق الفرات بالشمال السوري، تبرز تساؤلات حول مدى تمكن أنقرة من تحقيق أهداف العملية في ظل انسحاب أمريكي إلى الخطوط الخلفية، مقابل تفهم روسيا لدوافع أنقرة شن الهجوم.

عزم تركيا على إنشاء المنطقة الآمنة وفق رؤيتها المخالفة لأمريكا سابقا، دفع إلى التساؤل بشأن تخلي واشنطن عن أكراد سوريا حلفاءها السابقين وأسباب هذا التخلي؟ فضلا عن المصالح المشتركة التي قادت أنقرة وواشنطن إلى ما نراه اليوم من انسجام لم تخل منه لهجة التهديد.

الحرب بدأت

ترقب حذر يسود شمال سوريا، تزامنا مع بدء أولى خطوات العملية العسكرية التركية، وذلك بعد إعلان الرئيس التركي في تغريدة على "تويتر" بدء العملية العسكرية قائلا: "أطلقت القوات المسلحة التركية مع قوات الجيش الوطني السوري للتو عملية نبع السلام، ضد قوات بي كاكا (حزب العمال الكردستاني) و ي بي جي (قوات حماية الشعب الكردية) وإرهابيي داعش شمال سوريا". وأضاف: "مهمتنا هي منع إنشاء ممر إرهابي عبر حدودنا الجنوبية، وإحلال السلام في المنطقة". 

وقبل ذلك قال مدير الاتصالات بالرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، في ساعة مبكرة الأربعاء، على "تويتر": إن الجيش التركي سيعبر مع الجيش السوري الحر الحدود مع سوريا "قريبا"، وذلك لبدء عملية عسكرية شرق الفرات.

وأضاف ألتون: أن على المقاتلين الأكراد هناك أن يحولوا ولاءاتهم، وإلا اضطرت تركيا "لمنعهم من تعطيل" مساعيها في التصدي لمقاتلي تنظيم الدولة.

وأعلنت القوات المسلحة التركية في وقت سابق إنه تم، مساء الاثنين، إرسال مزيد من التعزيزات إلى وحداتها المتركزة على الحدود السورية.

وتضم هذه التعزيزات قوات خاصة وناقلات جند ومدرعات عسكرية، توجهت إلى الحدود السورية عبر ولاية كيليس، وقالت وزارة الدفاع التركية في تغريدة على "تويتر": إنها استكملت كل الاستعدادات اللازمة لعملية عسكرية محتملة في شمال شرق سوريا.

وأضافت: أن إقامة منطقة آمنة أمر ضروري للاستقرار والسلام وللسوريين حتى يتمكنوا من العيش في أمان. وفي السياق ذاته، أعلن "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية استكمال الاستعدادات والتجهيزات للمشاركة في معركة "شرق الفرات" ضد الوحدات الكردية.

ورغم عدم إطلاق القوات التركية رصاصة واحدة ضمن عمليتها المرتقبة، قالت وكالة أنباء النظام السوري الرسمية: إن قصفا تركيا استهدف موقعا لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في تل طويل بالمالكية في ريف الحسكة، وبث التلفزيون السوري صورا ليلية قال إنها لتقدم القوات التركية باتجاه الحسكة.

على الجهة المقابلة، وبينما تحدثت تقارير إعلامية عن بدء انسحاب أمريكي من نقطتين أو 3 نقاط مراقبة بالمنطقة الحدودية، تنفيذا لقرار الرئيس دونالد ترامب، قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: إن قرار ترامب لا يمثل انسحابا من سوريا.

المسؤول شدد على أن بلاده لم تعط أي ضوء أخضر لتركيا للتدخل في شمال سوريا، وإنما تسعى لحماية جنودها فقط، مضيفا: أن واشنطن أوضحت لأنقرة أنها لا تدعم ولن تشارك في أي عملية في شمال سوريا، كما أنها ليست في موقع الدخول في مواجهة مع تركيا فيما يتعلق بقراراتها بشأن سوريا.

لهجة التهديد كانت حاضرة في إعلان ترامب قراره بسحب قواته، فقال: إنه حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من "مشكلة كبيرة" إذا تعرض أي جندي أمريكي للأذى في الشطر الذي هددت أنقرة بالتوغل فيه من سوريا.

ترامب أضاف أنه أبلغ أردوغان: "ستكون هناك مشكلة كبيرة إذا تعرض أحد أبنائنا للأذى". وتابع: "أبلغت تركيا أنها إذا قامت بأي شيء يتجاوز ما نعتقد بأنه آدمي، فسيواجهون عاقبة اقتصاد متهالك للغاية".

طعنة بالظهر

على الرغم من التأكيد الأمريكي على عدم التماهي كليا مع العملية العسكرية التركية واشتراط المسؤولية عن أسرى تنظيم الدولة والتهديد أيضا بسحق الاقتصاد، إلا أن المحصلة تشير إلى تخلي واشنطن عما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" حليفها الأكبر في سوريا.

على موقع "تويتر"، كتب ترامب: "الولايات المتحدة كان من المفترض أن توجد في سوريا لثلاثين يوما فقط، وقد كان ذلك منذ أعوام عديدة. لكننا بقينا وانخرطنا أكثر وأكثر في حرب بلا هدف في الأفق".

وأضاف ترامب: "وعندما وصلت أنا واشنطن، كان تنظيم داعش يعيث في المنطقة، وسرعان ما أنزلنا بخلافتهم هزيمة 100 بالمئة"، وعن الأكراد قال ترامب: "لقد حارب الأكراد معنا، لكنهم حصلوا مقابل ذلك على كميات هائلة من الأموال والمعدات". 

وتابع: "بعد نحو ثلاث سنوات، لقد حان الوقت لكي نخرج من تلك الحروب التي بلا نهاية، وأن نعيد جنودنا إلى الوطن. لقد انتخبت بناء على ذلك، عودوا وألقوا نظرة إلى تصريحاتي السابقة".

رد "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تتبع "وحدات حماية الشعب الكردي"، المسيطرة على المنطقة جاء سريعا، حيث اتهمت واشنطن بالإخفاق في "الوفاء بمسؤوليتها".

وقال المتحدث باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، كينو جابرييل: "كانت هناك تطمينات من الولايات المتحدة بأنها لن تسمح لأي عملية عسكرية تركية في المنطقة". وأضاف: "لقد جاء البيان الأمريكي مفاجئا ويمكننا القول إنه طعنة في ظهر قوات سوريا الديمقراطية".

ولعل ترامب أخبر الجميع صراحة بالغرض من قرار الانسحاب، ففضلا عن إنجاز التحالف مع الأكراد لمهمة طرد تنظيم الدولة، فهو وعد انتخابي بالأساس، والرئيس الأمريكي يواجه الآن عاصفة تهدد جلوسه على عرش البيت الأبيض، وربما يسعى لإحراز انتصارات انتخابية.

وقال الرئيس الأمريكي ترامب، الأربعاء، في تغريدة على "تويتر": إن الولايات المتحدة "لم يكن عليها الوجود بالشرق الأوسط". وأضاف: "لقد سحبت جنودنا الخمسين. ويتوجب على تركيا أن تتحمل مسؤولية مقاتلي تنظيم الدولة المحتجزين، الذين ترفض أوروبا عودتهم إليها".

ورأى مراقبون أن تلاقي المصالح الأمريكية الكردية لم يعد قائما، وبالتالي انتهى تحالفهما، فأكراد الشمال السوري كانوا بحاجة لدعم واشنطن لتقوية وجودهم فيه، وحمايتهم من أي تدخل تركي، وواشنطن كانت تحتاج لحليف في ذات المنطقة للقضاء على تنظيم الدولة.

واعتبروا أن أكراد "قوات سوريا الديمقراطية" بدورهم، يغيرون مواقفهم تبعا لمصالحهم، فهم تارة مع الولايات المتحدة، وتارة أخرى مع روسيا وسوريا، كما تعاملت الولايات المتحدة من جانبها، معهم وفقا لمصالحها، واستخدمتها أيضا كورقة ضغط على أردوغان.

ماذا تريد تركيا؟

على مدار 6 أشهر وبدعم أمريكي غير مسبوق تمكن تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الذي تصنفه تركيا إرهابيا من السيطرة على أهم المناطق الإستراتيجية شرق الفرات، فأخرج تنظيم الدولة من مدينة عين العرب (كوباني) بريف محافظة حلب، ومن ثم من مدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة.

ووسع التنظيم نطاق المساحات التي احتلها فيما بعد، ليشمل مناطق سكنية مهمة مثل رأس العين وسلوك والدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية بريف محافظة الحسكة.

ورغم الانتقادات التي تتعرض لها أنقرة أو على الأقل التحذيرات، فإنها تضع مجموعة أهداف تسعى لتحقيقها من خلال العملية العسكرية المرتقبة، أول بنودها القضاء على التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي تطال المدن التركية القريبة من الحدود.

التنظيم الكردي يستهدف منذ نحو 5 أعوام، بين الحين والآخر، المناطق السكنية التركية المجاورة للحدود السورية، ويشكل خطرا على الحدود التركية من خلال الأسلحة الموجودة بحوزته، حيث يوجد في مناطق سيطرة التنظيم 13 مستودعا يتم فيه الاحتفاظ بالأسلحة المرسلة إليه من الولايات المتحدة الأمريكية منذ أبريل/نيسان 2016.

ويوجد في هذه المستودعات أسلحة متنوعة بإمكانها استهداف الأراضي التركية، ولهذا السبب فإن العملية التركية تستحوذ على أهمية بالغة للحفاظ على أمن الحدود التركية مع سوريا، كما تسعى تركيا من خلال العملية المرتقبة إلى منع عناصر التنظيم من الوصول إلى الأراضي التركية وعرقلة فعالياته المسلحة قرب حدود البلاد.

ومن بين أهداف العملية التركية، إنشاء منطقة آمنة لملايين السوريين الذين اضطروا لترك ديارهم بسبب الحرب المستمرة في بلادهم منذ نحو 9 أعوام، وكان أردوغان هو أول من طرح فكرة إقامة منطقة آمنة، وذلك خلال زيارته إلى واشنطن في مايو/أيار عام 2013، حيث طرح حينها للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فكرة تأسيس منطقة حظر للطيران وإنشاء منطقة آمنة للمدنيين.

وفي كلمته خلال الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، سرد أردوغان تفاصيل المنطقة الآمنة التي تنوي تركيا تأسيسها في شمال سوريا، وأوضح أن المنطقة الآمنة الممتدة على طول 480 كيلومترا، ستستوعب في المرحلة الأولى ما بين مليون إلى مليونين سوريا.

ويحتل تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" حاليا، كامل مناطق شمال شرق سوريا، ما يعادل ثلث أراضي البلاد، وتقول أنقرة أنه يقوم في المناطق الخاضعة لسيطرته، بكتم كافة الأصوات المعارضة، ويحاول التحكم بالحراك السياسي.

كما تقع في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، موارد الطاقة والمياه والأراضي الزراعية في البلاد، وفي هذا السياق يبرز هدف تركي آخر تقول أنقرة إنها تسعى إليه وهو ضمان الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

خريطة جديدة

وعلى الرغم من أن التوغل التركي المرتقب ليس الأول من نوعه، حيث سبقه توغلان منذ عام 2016، إلا أن هذه المرة ستكون مختلفة عما قبلها، إلى حد قد ترسم فيه خريطة جديدة للصراع في سوريا، يكون لأنقرة يد عليا فيه.

أكراد سوريا في بداية سلسلة المتأثرين بالعملية العسكرية التركية، حيث باتت المساحة الشاسعة التي تسيطر عليها شمال وشرق سوريا مهددة، فقد تنهار سيطرتهم كليا في حال حدوث هجوم تركي كبير، وقال "مجلس سوريا الديمقراطية": إن الهجوم سيفجر موجة نزوح جماعي جديدة.

وتمثل "وحدات حماية الشعب الكردي" أكبر فصائل تحالف "قوات سوريا الديمقراطية"، وستعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحتفظ بقوات في مناطق أخرى من الشرق والشمال الشرقي في سوريا.

ومن شأن الانسحاب الأمريكي الكامل أن يدفع الأتراك للمزيد من التوغل، وربما يفعّل عودة تنظيم الدولة، أو لمحاولات الحكومة السورية المدعومة من إيران وروسيا استعادة أراض.

لغة المصالح هذ وحدها التي تحرك قوات سوريا الديمقراطية، ففي العام الماضي عندما واجه الأكراد احتمال انسحاب القوات الأمريكية، طرقوا أبواب دمشق بهدف إجراء محادثات تسمح للنظام السوري وحليفه الروسي بالانتشار عند الحدود.

ولم تحقق المحادثات أي تقدم، لكن مثل هذه المفاوضات قد تصبح خيارا مطروحا مرة أخرى في حال انسحاب أمريكي أكبر.

تسيطر القوات الكردية على المنطقة الحدودية في الشمال الشرقي، وتمتد مسافة 480 كيلومترا من نهر الفرات في الغرب إلى حدود العراق في الشرق، ويبدو أن خطط تركيا العسكرية تنصب في الوقت الحالي حول قطاع حدودي بين مدينتي رأس العين وتل أبيض اللتين يفصلهما نحو 100 كيلومتر.

ولم تحدد تركيا نطاق العملية المرتقبة أو تركيزها المبدئي. وقال مسؤول تركي لوكالة "رويترز" إن: "مكان وتوقيت ونطاق تنفيذ الإجراءات الرامية لمواجهة المخاطر الأمنية ستقرره تركيا مجددا".

من المعروف أن روسيا وإيران تدعمان بقوة رئيس النظام السوري بشار الأسد بقوة على النقيض من تركيا والولايات المتحدة اللتين دعتاه للتنحي ودعمتا معارضين يحاربون للإطاحة به.

وتقول روسيا إن لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها، لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال: إنه ينبغي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإن على كل القوات العسكرية الأجنبية التي لها "وجود غير مشروع" أن ترحل عن سوريا.

وإذا سحبت الولايات المتحدة كل قواتها من شمال شرق سوريا، فإن حكومة دمشق مدعومة من روسيا قد تحاول استعادة السيطرة على معظم المنطقة التي لم تسيطر عليها تركيا.

لا يوجد دعم علني من حلفاء تركيا الغربيين لخطتها من أجل إعادة مليوني لاجئ سوري، والباعث الرئيسي لقلق الغرب هو أن يؤدي تدفق السوريين العرب السنة على شمال شرق سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة.

ورغم أن الأراضي المعنية خارج سيطرة الحكومة السورية بالفعل، فإن التوغل التركي سيعني أن الكيان المسيطر على المنطقة سيتحول من قوة غير معادية (الأكراد)، إلى تركيا ومقاتلي المعارضة الذين يريدون الإطاحة بالأسد.وطالما اعتبرت دمشق أنقرة قوة احتلال لها مخططات في الشمال السوري، كما ألمحت أحيانا إلى استعدادها إبرام اتفاق مع الأكراد على الرغم من أن مفاوضاتهما الأخيرة وصلت لطريق مسدود.

يبرز في الواقع الجديد أثناء وبعد العملية العسكرية التركية مسألة أسرى تنظيم الدولة الذين وضع ترامب مسؤوليتهم في عنق تركيا، وسبق أن حذر قادة أكراد من أن "قوات سوريا الديمقراطية" ربما لا تتمكن من مواصلة احتجاز أسرى التنظيم، إذا تدهور الوضع في حالة الهجوم التركي.

ووفقا لإدارة العلاقات الخارجية في الإدارة التي يقودها الأكراد بشمال سوريا، فإن "قوات سوريا الديمقراطية" تحتجز خمسة آلاف مقاتل من العراق وسوريا، إضافة إلى ألف أجنبي من أكثر من 55 دولة.

وإذا ما حصلت فوضى في المنطقة سواء كانت مباشرة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، أو متعمدة من الأكراد، فإن تنظيم الدولة قد يستغل الفرصة وينهض من جديد مرتكزا على الآلاف من مقاتليه الذين ربما يتمكنوا من الهرب.