الجيش المصري.. هل يكرر تجربته مع مبارك ويتخلى عن السيسي؟

يُعتبر الجيش المصري ومنذ عام 1952 دائمًا العمود الفقري للنظام القائم، سواء في عهد جمال عبد الناصر أو أنور السادات أو حسني مبارك أو الآن بزعامة عبد الفتاح السيسي.
وقالت صحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية: "رغم ذلك، لم يحدث من قبل أن كان المجال متاحاً للجيش للتعبير عن قوته، فالمؤسسة العسكرية كانت درع النظام في عهد ناصر، قبل زيادة دورها الاقتصادي، في مقابل انسحاب سياسي في عهدي الرئيسين السادات ومبارك".
لكنها عادت إلى دائرة الضوء بعد الانقلاب الذي وقع في 3 يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي انتُخب قبلها بعام في نهاية الفترة الانتقالية التي تلت الثورة المصرية.
وأوضحت الصحيفة أن الجيش يُعتبر اللاعب السياسي الوحيد المعترف به في بلد خالٍ من أي معارضة، وكذلك في عهد السيسي، يُعدّ مرادفًا لسيطرة أكبر على أجزاء كبيرة من الاقتصاد المصري، بعيدًا عن الدفاع.
محمد علي
وأشارت إلى أن محمد علي، رجل الأعمال المصري المنفي في إسبانيا، يتهم السيسي والمؤسسة العسكرية بالفساد في تسجيلات فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، بتحقيق أرباح فادحة وغير قانونية من خلال السيطرة على قطاع البناء.
كما بيّنت أن المظاهرات التي شهدتها البلاد نهاية الأسبوع الماضي كانت صدى لهذه الاتهامات، حيث أظهر محمد علي ما يعرفه الكثيرون بالفعل، لأنه، تحت رئاسة السيسي، تزدهر الشركات التابعة للجيش بطريقة غير مسبوقة.
وأكدت أن دعم القوة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية يتم من خلال ترسانة تشريعية غير مسبوقة، يضاف إليها الدعم السياسي والمالي من المجتمع الدولي، وخاصة الغرب وروسيا ودول الخليج، "فالخطاب معروف، السيسي بطل الاستقرار في المنطقة، والجيش هو الحصن الوحيد ضد الإرهاب".
وذكرت الصحيفة أنه "منذ عام 2013، ضخت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عشرات المليارات من المساعدات العامة والاستثمارات الخاصة في الاقتصاد المصري، ويتضح ذلك من خطة التحفيز البالغة 4 مليارات دولار التي أعلنت في أغسطس/آب 2013 بتمويل من أبو ظبي".
ووفقًا لمقال نشرته "بلومبرغ" في 14 مارس/أذار 2014، حصل الجيش على نصف المشاريع بينما لم يتم منح أي شيء لشركات المقاولات الكبرى.
دور الجيش
وقالت إن الجيش يستثمر بكثافة في المشروعات الضخمة من خلال فوائد مشكوك فيها. على وجه الخصوص، قناة السويس الجديدة، التي تكلّف حفرها 8 مليارات دولار، والعاصمة الإدارية الجديدة، بحوالي 300 مليار دولار.
ويوضح جيلبرت أشقر أستاذ العلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن أنه "مع السيسي، هناك عودة قوية للدور السياسي للجيش، ففي ظل تطور القطاع الاقتصادي، زاد دور المؤسسة العسكرية، حيث كان السيسي نفسه يعتمد على الجيش في مشاريعه".
ويُضيف "الأنشطة العقارية جزء جيد من أنشطة الجيش المصري وأحد الوسائل الرئيسية لإثراء طبقة كاملة تستفيد طفيلياً من كل هذا، وإضافة إلى بناء الطرق والجسور والأنفاق يستثمر الجيش حتى في المدارس الدولية الخاصة والطاقة الشمسية التي تجذب اهتمامه المتزايد، تبيع شركات الجيش كل شيء، بما في ذلك المكرونة أو زيت الزيتون".
من جهتها قالت ميشيل دن، خبيرة التغيير السياسي والاقتصادي في العالم العربي للصحيفة: "لقد كان الجيش يُنتج سلعاً استهلاكية لفترة طويلة، لكنه زاد من ذلك بشكل كبير في عهد السيسي".
وبحسب الصحيفة، فإن تقديرات حصة الاقتصاد الخاضع لسيطرة الجيش غير واضحة، إذ نقلت منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية في تقريرها أن النسبة 40٪، ويقول أشقر: "طبقًا للعديد من الخبراء، الجيش يُسيطر على ثلث الاقتصاد".
ويقول روبرت سبرينجبورج، الخبير في القوات المسلحة المصرية إن الجيش هو اللاعب الاقتصادي السائد في جميع المجالات المتعلقة بتطوير البنية التحتية مثل الموانئ والطرق وبناء السفن والمناطق الصناعية والإسمنت والإعلام والاتصالات"، مضيفاً: "يلعب الجيش دوراً متنامياً في قطاع الأراضي والزراعة والتعليم والإلكترونيات وما إلى ذلك".
ويًُشير مقال لـِ"رويترز" في 16 مايو/أيار 2018 إلى أن بعض رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب قلقون بشأن التوسع العسكري في المناطق المدنية ويشتكون من الفوائد التي تعود على الشركات التي يحتفظ بها الجيش مثل الإعفاء من الضرائب.
وحذّر صندوق النقد الدولي في سبتمبر/أيلول 2017 من أن التنمية الخاصة وخلق فرص العمل يمكن تقويضها من خلال "إشراك الكيانات التابعة لوزارة الدفاع".
مبارك والسيسي
وأوضحت الصحيفة أنه إذا كان الجيش هو صانع وهازم القادة منذ 1952، فإن ظهور الرئيس أنور السادات في عام 1970 وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل عام 1978 أشار إلى بداية زيادة كبيرة للمؤسسة العسكرية اقتصادياً في البلاد، فالسادات أراد التخلّص من التراث القومي لسلفه".
ووفقاً للصحيفة فإن إرث جمال عبد الناصر هو انعكاس للديكتاتوريات العسكرية التي تعمل في سياقات حرب طويلة، متمثلاً بجهاز عسكري يقترن بالصناعات العسكرية للدولة.
بيد أن أنور السادات، جعل الجيش يستفيد من النتائج الإيجابية للتحرير الاقتصادي للبلد، مقابل التخلي عن دوره السياسي، وخطوة بخطوة، طوّر الجيش شركات في المؤسسات والصناعات المدنية حتى يتحوّل المجمع الصناعي العسكري إلى منافس مع القطاع الخاص.
وتابعت: "في عهد حسني مبارك، أصبحت هذه المنافسة موضوع نزاع عنيف بين ابن الأخير، جمال مبارك، الشخصية الرمزية لرأسمالية المحسوبية المصرية، والجيش، حيث يتنافس أتباع مبارك الشباب، رجال الأعمال، مع الشركات العسكرية في المجالات الرئيسية للصناعات الثقيلة، وخاصة في الأسمنت والصلب".
وبحسب بعض المراقبين، هذا هو أحد الأسباب التي جعلت الجيش يصطف إلى جانب المحتجين في عام 2011 خلال الثورة التي أطاحت بنظام مبارك. ويقول روبرت سبرينجبورج "رأت النخبة العسكرية أنهم سيخسرون، إلى جانب الجيش بأكمله، أدوارهم السياسية والاقتصادية إذا بقيت الرئاسة داخل أسرة مبارك".
وعلى الرغم من هذا النمو الاقتصادي الهائل، لم يكن الجيش في خط النار الذي حدث يوم الجمعة الماضي، وتخلص ميشيل دن إلى أنه "حتى ذلك الحين، يستهدف المحتجون شخصية السيسي بدلاً من الجيش".
فميزان القوى الحالي لا يسمح بالمواجهة المباشرة دون التعرض لخطر القمع الوحشي. بينما يؤكد أشقر "يشعر الناس أنه لا يُمكنك التخلّص من شخص مثل السيسي دون الجيش".
من جهته يرى روبرت سبرينجبورج أن "الاحتجاجات نفسها لا يمكن أن يكون لها تأثير كبير إلا إذا قادت فصيلًا داخل النظام لمعارضة السيسي. هناك تكهنات بأن هذا الفصيل وراء أشرطة الفيديو التي نشرها محمد علي. في وقتٍ ما، قد يشعر عدد كافٍ من كبار الضباط بأن دور الجيش مهدد من قبل السيسي ويجعله يغادر، كما حدث سابقًا مع مبارك".