"تشاتام هاوس": سوريا وليبيا وجهان للصراع على الطاقة بالمنطقة.. كيف؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نشر معهد "تشاتام هاوس" للدراسات تقريرا بعنوان "الشرق الاوسط والتحول في سياسات مجال الطاقة" تناول فيه تغيّر دور النفط والغاز في الجغرافيا الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في الصراعات الجارية في كل من سوريا وليبيا.

ونقل التقرير الذي ترجمته صحيفة "الاستقلال" عن نيل كويليم، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قوله: "من المثير للاهتمام، أن الطاقة لا تلعب دورا كبيرا في سوريا؛ لأن البلاد ليست لاعبا هاما في مجال الطاقة".

وأضاف: "ما نراه في سوريا هو منافسة جيوسياسية بين اللاعبين الإقليميين، المملكة العربية السعودية، تركيا، إيران، وقطر، وعلى نطاق أوسع روسيا والولايات المتحدة الامريكية والصين".

اهتمام الصين بالدولتين

 تظهر الصين اهتماما بالموقع الإستراتيجي لسوريا، التي تجلس على قمة العالم العربي و تطل على البحر الأبيض المتوسط، مما يتيح لها الوصول إلى أوروبا؛ فالأمر إذاً يتعلق بأهمية سورية الإستراتيجية. أما ليبيا فهي مختلفة؛ لأنها تتربع على احتياطيات كبيرة من النفط، و لديها القدرة على إنتاج مليون و 800 ألف برميل يوميا بشكل مريح فى أوقات السلم، و لكن البلد بعيد عن بلوغ هذه النسب و لم يصل لها منذ السبعينيات، ومع ذلك هناك منافسة مباشرة علي الموارد الليبية بين روسيا وتركيا والصين، وفقا للتقرير .

وأضاف: إن "المنافسة الحقيقية هي بين الميليشيات المحلية المتنافسة على الأرض، التي تسعى إلى السيطرة على الموارد النفطية، حيث تدعم قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الذي يسيطر على العديد من أصول البلاد، قوى خارجية مثل الإمارات العربية المتحدة".

انسحاب قطر من أوبك

وتطرق تقرير "تشاتام هاوس" إلى أسباب انسحاب دولة قطر من منظمة "أوبك" بعد حصار مستمر فرضته عليها: السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر، متسائلا عن "مدى أهمية الدور الذي تلعبه الطاقة في الأزمة الاقليمية".

وأوضح: "استندت جذور الأزمة إلى الرؤية التنافسية لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، بشأن الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها المنطقة.

ويفصل التقرير هذه الدول إلى محورين: "أحدهما، يمكن أن نسميه بالمحور المعادى للإخوان المسلمين إذا أردتم- وهو مجموعة من الدول العلمانية في سياساتها الخارجية، والاستبدادية والديكتاتورية التي ترى دورا قويا للجيش في تنميتها السياسية، وتشمل هذه المجموعة من الدول: السعودية والامارات العربية المتحدة ومصر وحفتر في ليبيا وكذلك روسيا".

"وترى قطر من ناحية أخرى أن الإسلام السياسي، من خلال جماعة الإخوان المسلمين، يلعب دورا هاما في تنمية المنطقة، وهو ما يتوافق مع تركيا. وعلاقات قطر مع إيران تميل إلى أن تكون معقدة، ولكنها جزء من محور مماثل"، بحسب التقرير.

وعلى قدر تعلق الأزمة مع قطر بملف الطاقة، فقد ذكر التقرير إنه "من المهم أن نلاحظ أنه في حين أن السعودية هي واحدة من الدول المصدّرة الرئيسية للنفط في العالم، فإن قطر هي واحدة من المصدّرين الرئيسيين في العالم للغاز الطبيعي المسال، الأمر الذى سمح لها بتطوير دور مستقل إقليميا علي الصعيد العالمي. وبطريقة ما، فإن الانقسام بين النفط والغاز في الشرق الأوسط علي مدى العقدين الماضيين، قد عزز حقا قدرة قطر علي انتهاج سياسة خارجية مستقلة، والقيام بدور نشط في المنطقة وخارجها".

أين أمريكا من الطاقة؟

في أعقاب خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسحب القوات الأمريكية من سوريا واأفغانستان، والانسحاب الواضح من المنطقة، يتساءل "المعهد" عن "الأهمية الجيوسياسية للشرق الأوسط، خاصة من حيث موارد الطاقة في المنطقة، بالنسبة إلى روسيا والصين وإلى أي مدى تعتمد دول الخليج على التصدير الى أسواق الطاقة الروسية والصينية".

وأفاد التقرير بأن الصين تستورد 49 في المئة من احتياجاتها من النفط الخام للشرق الاوسط، و37 بالمئة من صادرات النفط في الشرق الأوسط توجّه الى الصين. وفيما يتعلق برأس المال، بلغت الصادرات الصينية إلى المنطقة نحو 123 بليون دولار في عام 2016، بينما بلغت قيمة الواردات من المنطقة 87.5 بليون دولار.

ويرجع ذلك إلى أن "الصين قامت بعدد من الاستثمارات الكبيرة في العراق وإيران، في حين استثمر المستثمرون القطريون والسعوديون في الصين، كوسيلة لتطوير سلسلة قيمة؛ تربط المصالح الاقتصادية طويلة الأجل للبلدين معا".

وفي المقابل، فإن "زيادة إنتاج الولايات المتحدة للنفط والغاز، الذي ساعد الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم للمرة الاولي منذ 1973، سوف يستمر في أزاحة الشرق الأوسط في أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا، وبالتالي خلق فرص جيدة بين الصين والشرق الأوسط".

وذكر التقرير أن "مصالح الطاقة الروسية في الشرق الأوسط قد تطورت بشكل كبير منذ أن فرضت الحكومات الغربية عقوبات على البلاد عقب إندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014؛ ولذلك كانت روسيا مدفوعة بالحاجة إلى تأمين أسواق جديدة لنفطها وغازها، وجذب الاستثمارات من دول الخليج، والعمل مع منتجي النفط الرئيسيين - مثل السعودية - لتحقيق استقرار أسعار النفط العالمية".

الوقود الأحفوري

وطرح معهد الدراسات تساؤلا حول تأثير التحول إلى الطاقة النظيفة على الوضع الراهن فى دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز، خاصة بالنظر إلى إعلان الشركة السعودية المملوكة للدولة إنها تخطط لتوسيع مشاريع استخراج الوقود الأحفوري لأول مرة في الخارج.

وأوضح أن "ذلك يتوقف على طبيعة المرحلة الانتقالية. ويبدو أن الغاز الطبيعي والنووي سيكون جزءا رئيسيا من العملية الانتقالية، الأمر الذي سيفيد الدول الغنية بالغاز في المنطقة، ولا سيما قطر وإيران. لكن هذا سيكون مزعجا بشكل خاص للسعودية- أكبر منتج للنفط في المنطقة والمنتِج الوحيد في العالم. ولذلك فإن المرحلة الانتقالية ستقوّض مكانتها المهيمنة في أسواق الطاقة وفي منطقة الخليج أيضا".

وفي الوقت نفسه، يبدو أن منافسها الرئيسي(إيران) سيستفيد بشكل كبير على المدى الطويل، إذا تمكن من التحرر من العقوبات الأمريكية وأصبح بلدا رئيسيا مصدّرا للغاز. وبالمثل، فإن قطر، التي تخضع للحصار الحالي، ستواصل التمتع باستقلاليتها بحكم كونها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، بحسب التقرير.