منازل تُهدَم ومطبِّعون يحتفلون في القدس

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يمر على مدينة القدس عملية هدم جماعية منذ عام 1967 أكبر من عملية الهدم الكبيرة التي تمت في حي وادي الحمص في صور باهر جنوبي مدينة القدس قبل أيام. أكثر من سبعين منزلاً دفعةً واحدةً تم تدمير عدد منها بالجرافات وتم تفجير بعضها الآخر، لتسقط بطريقة دراماتيكية لم يشهدها المقدسيون منذ تم تدمير منازل "حي المغاربة" في البلدة القديمة، بعد احتلال شرقي المدينة المقدسة في حزيران عام 1967.

المشهد كان مؤلماً، بل لعله كان أكثر من مؤلم، ذلك أنه ذكَّر المقدسيين بوجود أكثر من 16 ألف مبنى سكني في القدس على قوائم الهدم الإسرائيلية، ويمكن أن يتكرر المشهد أكثر من مرة. وفي الماضي كانت قوات الاحتلال تهدم ما لا يزيد على مائة منزل طوال العام الواحد، لنفاجأ اليوم بتجرؤها على تدمير أكثر من سبعين منزلاً وتشريد حوالي 500 مقدسي في يوم واحد فقط.

وزير الأمن الداخلي المَوتُور "جلعاد أردان" دخل على خط تبرير هدم المنازل في منطقة وادي الحمص، مدعياً أن الهدم هو حق إسرائيلي للتعامل مع المنازل "غير المرخصة" في شرقي القدس، وأنه حق مكفول حسب اتفاقية أوسلو. وهذا الشخص –للعلم– يعد أحد عوامل التوتير في مدينة القدس باعتباره واحداً من أشد مناصري جماعات المستوطنين المتطرفة في شرقي القدس وفي المسجد الأقصى المبارك. وهو ما يبين أن القادم سيكون أشد وأصعب في القدس. 

اللافت أن هذا التطور الخطير الذي يرقى في حجمه إلى الكارثة مر في وسائل الإعلام العربية دون أدنى تركيز إعلامي حقيقي، ولم يتم ذكره على المستوى الرسمي العربي إلا بنفس أسلوب الاحتجاج والاستنكار الممجوج الذي ملَّته الشعوب العربية والإسلامية، وتبرعت السلطة الفلسطينية كعادتها لإعلان أنها "تراجع" الاتفاقيات مع إسرائيل.. وهو نفس الإعلان السخيف الذي بات كل فلسطيني يضحك مستخفاً به كلما سمعه. 

وأما وسائل التواصل الاجتماعي فإنها ضجت بمسألة أخرى أظن أنها إنما جاءت للفت الأنظار عن التطور الخطير في وادي الحمص، فانشغلت وسائل التواصل بشخص مغمور سعودي الجنسية يحاول فيما يبدو الشهرة على غرار الذي بالَ في ماء زمزم، فأعلن تهنئته لدولة الاحتلال الإسرائيلي في ما سماه "عيد الاستقلال" الذي يعني في الذاكرة الفلسطينية "النكبة" بكل ما فيها من آلام وأوجاع.

وزاد استفزازه للفلسطينيين بزيارةٍ إلى مبنى الكنيست الإسرائيلي وصورٍ داخله وخارجه، إحداها كانت مع الإرهابي الأحمر يهودا غليك، عرَّابِ تدميرِ المسجد الأقصى المبارك وجماعات المعبد المتطرفة. هذا الشخص دخل المسجد الأقصى بهيئة مستفزة –بالعباءة والغترة– لقيها المقدسيون بما يستحق من طرد وإهانة، لتدخل وزارة الخارجية الإسرائيلية على الخط وتبدأ تصعيد الموضوع وكأنه القضية الأساسية التي حدثت في ذلك اليوم!

لمن لا يعلم، في نفس ذلك اليوم صباحاً كانت القناة 12 الإسرائيلية قد أعلنت –ودون أي مقدمات– خبراً غريباً مفاده التوصل لاتفاق مع الأردن يقضي بإغلاق مصلى باب الرحمة الذي فتحه المقدسيون بالقوة في هبة باب الرحمة شهر شباط/ فبراير الماضي، على أن يكون الإغلاق بحجة الترميم وبشرط إعادة افتتاحه لاحقاً كمكاتب للأوقاف لا مصلى كما أراده المقدسيون، الأمر الذي دعا الأردن لإصدار نفي رسميٍّ بعد ساعات، ودولة الاحتلال تعلم تماماً حساسية هذا الموضوع لدى المقدسيين.

ثلاثة تطورات في نفس اليوم، كان واضحاً من طريقة تعاطي الاحتلال الإسرائيلي معها أنه هدفَ منها جميعاً إلى تشتيت الانتباه الجمعي الفلسطيني والعربي عن عملية هدم المنازل في وادي الحمص في القدس، وذلك ببساطة لأنه تعلم الدرس جيداً من قضية الخان الأحمر التي نجح فيها المقدسيون بوقف عمليات الهدم والتدمير الإسرائيلية بالتركيز الإعلامي والشعبي على القضية وحشد المقدسيين في المكان للدفاع عن المنازل التي أعلن الاحتلال نيته هدمها.

المؤسف في هذا الموضوع هو أن يكون أحد مساعدي الاحتلال الإسرائيلي في حربه المعلنة ضد المقدسيين بعض العرب المحسوبين على دول الخليج العربي، ومن الواضح أن هناك اتفاقاً أو على الأقل تساوقاً بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبعض الجهات التي تُشَغِّل ما بات يعرف باسم "الذباب الإلكتروني" في بعض الدول العربية.

وبالرغم من أنني أتمنى أن يكون هذا "الذباب" كله صادراً من مكاتب الوحدة الإلكترونية بجيش الاحتلال في تل أبيب، إلا أن من الواجب الاعتراف أن بعض الجهات العربية الرسمية باتت معنية بالفعل بمساعدة إسرائيل على إحكام قبضتها على القدس وإنهاء القضية الفلسطينية بأي شكل ودون أدنى حسابٍ للشعوب العربية التي أعلنت غير مرةٍ أن بوصلتها لم تتغير فيما يتعلق بفلسطين، وخاصة القدس. 

إن الواجب على المهتمين بقضية القدس أن يتنبهوا إلى خطورة ما يحدث في المدينة المقدسة من حرب متعددة الجوانب، فالمقدسيون وإن كانوا وحدهم في الميدان أمام الاحتلال، فإن العاملين والمهتمين بهذه القضية من أهم عوامل تثبيت وتركيز وإبراز الجهد المقدسي في دفاعه عن كيانه وهويته وهوية القدس.

واللازم في مثل هذه الحالات تنويع الاهتمام وعدم صبِّه على جهةٍ واحدة، مع الانتباه إلى عدم الانجرار وراء الدعاية الإسرائيلية بأي شكل، ولكن هذا لا يعني بأي شكل عدم الاهتمام بما يجري على الأرض من أحداث قد يظن البعض أنها بسيطة –مثل زيارة ذلك الشخص المشبوه إلى المسجد الأقصى، الذي أرى أن رد المقدسيين عليه كان طبيعياً– فالتوازن في التركيز والتغطية لما يجري في القدس هو مفتاح نجاح المقدسيين وكلِّ مَن وراءَهم في إبقاء القدس حاضرةً بشكل يومي على المستوى العالمي رغم أنف الاحتلال، الذي يحلم باليوم الذي يُسَلِّمُ فيه المقدسيون بضياع القدس وسقوطها من أجندتهم.. وهيهات!