مبادرات عربية متسارعة للتطبيع مع نظام الأسد.. هل تقبل المعارضة السورية؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عادت الأضواء مجددا لتتسلط على المعارضة السورية في ظل بدء تقارب متسارع بين بعض الدول العربية ونظام بشار الأسد، وطرح مبادرات عربية للحل السياسي المتعثر في سوريا.

ويقابل ذلك التحرك العربي، بروز دعوات أممية لتبني المعارضة السورية نهج "المصالحة" مع النظام من أجل دفع الحل السياسي قدما نحو الأمام.

دعوات ومبادرات

ويشهد الملف السوري تعطيلا كاملا مع غياب أي مباحثات بين المعارضة السورية والنظام منذ عام بعد توقف جلسات اللجنة الدستورية في مدينة جنيف السويسرية التي يجتمع حولها الطرفان للخروج بدستور جديد للبلاد، بإشراف مباشر من الأمم المتحدة.

وأمام ذلك، حركت المبادرات العربية تجاه نظام الأسد مياه هذه اللجنة الراكدة، وقال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا "غير بيدرسون"، إنه "يتعين على اللجنة الدستورية السورية أن تعود إلى عملها في جنيف بشكل هادف وسريع بروح المصالحة"، وفق تعبيره.

ولفت بيدرسون خلال إحاطة خاصة بسوريا أمام ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، في 23 مارس/آذار 2023، إلى أن الوضع الحالي في البلاد عقب الزلزال (الذي ضربها هي وتركيا في 6 فبراير/شباط 2023) لا يمكن تحمله.

وبين أن "هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى لعملية سياسية يقبلها السوريون، بقيادتهم وبدعم من المجتمع الدولي، والتي تلعب فيها الأمم المتحدة دورا تيسيريا".

اللافت أن كلام المبعوث الأممي جاء متزامنا مع حدوث انقلاب في الموقف السعودي من الأسد بإعلان مصدر في وزارة الخارجية السعودية، في 23 مارس 2023 بدء مباحثات لإعادة العلاقات بين الطرفين، والتي قطعت أواخر عام 2011 بعد استخدام النظام الحديد والنار لقمع الثورة التي اندلعت ضده في مارس من العام المذكور.

وسبق ذلك تأكيد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، في تصريحات لقناة "العربية" السعودية في 11 مارس 2023، بأن "الوضع القائم في سوريا غير قابل للاستدامة وأن أي مقاربة جديدة ستتطلب حوارا لا محالة مع الحكومة في دمشق".

ومضى يقول: "نحن والدول العربية نعمل على الصياغات المناسبة بالتشاور مع شركائنا في المجتمع الدولي".

واتسق كلام وزير الخارجية السعودي، مع بروز "مبادرة عربية" للحل في سوريا، تقوم على دور مباشر ينخرط مع النظام السوري في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية، وفق تقارير صحفية متطابقة.

حتى إن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أكد لبيدرسون خلال لقاء بينهما بالعاصمة عمان في 21 مارس 2023 "التنسيق الكامل مع الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمبادرة الأردنية المستهدفة لحل الأزمة السورية، وإطلاع الأمم المتحدة على تفاصيلها".

وأشار الوزير الأردني إلى "استمرار التنسيق مع الدول العربية حول موعد إطلاق المبادرة وآليات عملها".

من جانبه، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد بن محمد الأنصاري في إحاطة إعلامية بالدوحة، 24 مارس: "إن موقف دولة قطر من الأزمة السورية يعتمد على محددين رئيسين، الأول أن يلبي النظام تطلعات الشعب السوري في الحل السياسي وبيان جنيف 1 (يونيو/ حزيران 2012) والمحدد الثاني هو الإجماع العربي حول هذه التحركات".

ونص البيان الشهير المعروف بـ"بيان جنيف 1" على سيادة "الجمهورية العربية السورية" واستقلالها، ووحدتها الوطنية، وسلامة أراضيها، ووضع حد للعنف، ولانتهاكات حقوق الإنسان، وتيسير بدء عملية سياسية، بقيادة سورية، تفضي إلى عملية انتقالية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري وتمكنه من أن يحدد مستقبله بصورة مستقلة وديمقراطية.

كما نص على "إقامة هيئة حكم انتقالية، باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية"، مشيراً إلى أن هيئة الحكم الانتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة. 

 وأشار الأنصاري وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية "قنا"، إلى أن قطر "منخرطة في العديد من المبادرات الهادفة في المقام الأول إلى تحقيق تطلعات الشعب السوري، ودعم أي جهد يحقق السلام الشامل وفقا للمحددين الرئيسين السابق ذكرهما".

الحل السياسي

والقرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، هو الممهد للحل بسوريا، إلا أنه ما يزال دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وذلك نتيجة مماطلة نظام الأسد في تحقيق أي تقدم في هذه السلال كما يؤكد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إحاطاته الصحفية.

واستغل الشارع السوري المعارض المتواجد في شمال غربي سوريا (مناطق المعارضة تضم 5 مليون سوري)، الذكرى الـ 12 للثورة في 18 مارس 2023، للتأكيد على تمسكه بإسقاط نظام الأسد ورفض محاولات إعادة تعويمه وحتى المصالحة معه.

وتجلى ذلك في الشعارات التي رفعها المتظاهرون في ريفي حلب وإدلب، وكتبت على لافتات ومنها: "مطلبنا محاسبة المجرم لا التطبيع معه"، "تخاذل العالم ونذالته لن تكسر إرادتنا وثورتنا اليتيمة حتى يسقط طاغية الشام"، "السيد بيدرسون لم نعد نثق بك ولا بسياستك في التعاطي مع الملف السوري"، "لن نصالح".

وأمام دعوات المصالحة والمبادرات العربية تجاه نظام الأسد، أكد الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، بأنه "لا سلام في سوريا والمنطقة بوجود منظومة الأسد الإجرامية التي مارست كل أنواع الجرائم بحق السوريين، ذبحا بالسكاكين ورميا بالرصاص وقصفا بالمدافع والبراميل والطائرات وخنقا بالأسلحة الكيماوية".

وأضاف البيان في بيان له نشره في 27 مارس 2023: "كل ذلك يستدعي الإسراع في فتح ملف المحاسبة الدولية والمحاكمة العادلة للمجرمين انتصارا للعدالة وإنهاء لمأساة السوريين".

وفي هذا السياق، أكد عضو الهيئة السياسية الجديدة للائتلاف، يحيى مكتبي، لـ "الاستقلال"، "أن طريق الحل السياسي في سوريا واضح وهو مبني على القرارات الأممية وخاصة بيان جنيف1 والقرارين 2118 و2254 والتي رسمت الطريق من أجل العملية السياسية وحصول انتقال سياسي".

وأضاف مكتبي: "نحن في الائتلاف لسنا بوارد ما يسمى المصالحة، إذا كانت تعني بقاء مجرم الحرب بشار الأسد بعد كل هذه المجازر التي صنفت كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهذا مرفوض".

واستدرك قائلا: "أما إذا كانت تعني مشاركة أكبر تاجر مخدرات بالعالم وهو بشار الأسد الذي صنفته الولايات المتحدة بـ (أوسكوبار سوريا) فهذا يعني أن الأمر أيضا مرفوض".

ولفت مكتبي، إلى أن "دعوة المصالحة ليست محل مناقشة على الإطلاق إذا كانت تعني الإبقاء على الأجهزة الأمنية التي ارتكبت آلاف المجازر بحق السوريين ونفذت عمليات اعتقال تعسفي وتغييب قسري لعشرات الآلاف ما يزال مصيرهم مجهولا".

وذهب مكتبي للقول: "إن الهدف الأساسي من العملية السياسية هي الانتقال إلى سوريا مختلفة عما كانت عليه خلال فترة الاستبداد الذي مارسه نظام الأسد على السوريين".

وأردف: "لدينا أسس للعملية السياسية والمطلوب من المجتمع الدولي أن يضع الأمر على السكة الصحيحة وألا يكون هناك عمليات التفاف عليها".

فذلك لن يكون مقبولا لدى شريحة واسعة من السوريين الذين جرى تهجيرهم وقتلهم وقصفهم بالبراميل المتفجرة واستخدمت ضدهم الأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد، كما قال.

وبات واضحا في الآونة الأخيرة وجود أنظمة عربية تلهث وراء إعادة تعويم النظام السوري وفق الرؤية الروسية القائمة على تحسين سلوك الأسد، وبحسب مراقبين فإن في ذلك قفزا مباشرا على قرارات مجلس الأمن الدولي في الوصول لحل سياسي في سوريا وفق قرار 2254.

تعويل مأمول

ومن هنا فإن كثير من المراقبين يرون أن بعض الجهود العربية في هذا السياق ذاهبة ليس باتجاه الحل السياسي بل باتجاه آخر قد ينسف الحل ويسهم في إعادة تعويم نظام الأسد من جديد.

وضمن هذه الجزئية يرى الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني، أن "المعارضة السورية بالتأكيد ستتعاطى بشكل إيجابي مع المبادرات أو القرارات الدولية".

وأضاف حوراني لـ "الاستقلال": "حتى اللجنة الدستورية السورية على سبيل المثال وهي رغم تواضع وهزالة أدائها لكنها قدمت نموذجا لجهة ترغب في الوصول لحل للمسألة السورية ولو كان ذلك على حساب تنازلات من طرفها لا تحقق الهدف الأساسي للثورة".

وعدّ أن "المعارضة السورية ليست طرفا في المبادرات العربية، ولم تعلم بها، لعدة أسباب منها أن العرب المبادرين باتجاه الانفتاح على النظام والتطبيع معه يمتلك الأخير الأوراق التي يريدها العرب منه وهي مثلا وقف تهريب المخدرات ووضع حد للنفوذ الإيراني".

واستدرك قائلا: "المعارضة لديها يقين راسخ أن النظام ليس بمقدوره تحقيق ما هو مطلوب منه عربيا، إضافة إلى تعويلها على الموقف الدولي الأميركي والأوروبي رغم عدم حزمه تجاه الأسد".

وزاد حوراني بالقول: "كما أن المعارضة السورية تدرك أن المبادرات العربية إن نجحت فهي لن تفضي إلى حل نهائي للمسألة السورية لوجود أطراف متدخلة عسكريا في سوريا (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران)".

ولهذا "تعول المعارضة السورية أيضا على الموقف التركي الذي أكد بأنه لن يجري التفريط بها وبمطالبها بعد التطبيع مع النظام".

والآن باتت العملية السياسية بسوريا مختزلة باللجنة الدستورية والتي انطلقت برعاية أممية أواخر عام 2019، لكنها لم تنجز مادة دستورية واحدة.

إذ عمدت روسيا حليفة نظام الأسد وداعمته عسكريا، إلى تعطيل جلساتها بعدما رفضت انعقاد الجولة التاسعة منها في مدينة جنيف كما هو معتاد بحجة أن سويسرا دولة غير محايدة، وذلك لأن موسكو تعد سوريا ورقة تفاوض في الحرب الأوكرانية.

وهنا يؤكد عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة طارق الكردي، لـ "الاستقلال"، أن "الهيئة تعاطت بشكل إيجابي وبناء في اللجنة الدستورية، وانخرط ممثلوها بجدية كبيرة وحس وطني عالٍ من قناعة أن اللجنة يمكن أن تكون مدخلا لتنفيد القرارات الدولية ذات الصلة".

وأردف الكردي قائلا: "لكن مع الأسف وفد الأسد لم يتعامل بالشكل الوطني السليم مع أعمال اللجنة وخضنا ثماني جولات من اجتماعات لجنة الصياغة لم يسمح لها النظام بأن تنتج أو أن تبدأ بولايتها".

ورأى أن "القضية اليوم ليست عقد جولة أو أكثر للجنة، وهذا جيد ولكن الأهم أن يكون هناك اتفاق واضح بين الأطراف على منهجية العمل وجدول زمني لإنجاز مهمتها المتمثلة بصياغة دستور جديد لسوريا".

وراح الكردي يقول: "إن قوى الثورة والمعارضة ومنذ اليوم الأول في الثورة السورية هدفها إيجاد حل سياسي يحقق الانتقال السياسي الديموقراطي في سوريا، لكن النظام وحلفاؤه كانوا دائما وما زالوا يؤمنون بالحل العسكري".

وختم بالقول: "إن هدف نضال الشعب السوري ونحن جزء منه تنفيذ القرار 2254 والقرارات الدولية ذات الصلة والوصول إلى سوريا الحرة الخالية من الاستبداد والإرهاب والفساد".