باحث سوري لـ”الاستقلال”: الجهود العربية بشأن دمشق لا تسعى لحل سياسي بل تنسفه

مصعب المجبل | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

كشف الباحث السوري الدكتور أحمد قربى، أن ثمة مسارا جديدا يهيمن حاليا على الأزمة السورية يتمثل في مبادرة تعرف بـ"خطوة مقابل خطوة".

وأوضح في حوار مع "الاستقلال"، أن هذه المبادرة تعني قيام دول العالم بتقديم تنازلات لنظام بشار الأسد، من أجل معالجة الارتدادات الأمنية والإنسانية ومن ثم إعادة اللاجئين السوريين، والانتقال إلى مشاريع التعافي المبكر، والتي قد تمهد لاحقا للدخول في مرحلة إعادة الإعمار.

ولفت قربى وهو مدير "وحدة التوافق والهوية المشتركة" في مركز الحوار السوري، إلى أن الجهود العربية في هذا السياق ذاهبة ليس باتجاه الحل السياسي بل باتجاه آخر قد ينسف الحل ويسهم في إعادة تعويم النظام من جديد.

دوليا، أشار الباحث السوري إلى أن الحرب في أوكرانيا وارتداداتها والمناكفة الغربية الروسية خلقت نوعا من عدم الاهتمام بالملف السوري ولم يعد له أولوية.

وشدد قربى على أنه "لا يمكن التوصل إلى حل للأزمة السورية في ظل استمرار نظام الأسد، لأن بقاءه يعني استمرار معاناة السوريين".

وقال قربي في حوار مع "الاستقلال"، إنه لا يوجد جهود لإحياء العملية السياسية بسوريا خاصة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي الأيام الأخيرة، أحيا ناشطون سوريون الذكرى الثانية عشرة لثورتهم التي انطلقت في مارس/ آذار 2011، ضد بشار الأسد، وأكدوا تمسكهم بإسقاط نظامه ورفض كل محاولات إعادة تطبيع العلاقات معه عربيا وإقليميا ودوليا.

ويحمل قربى شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، ونشر وكتب العديد من الأوراق البحثية حول ضمان الحقوق والحريات، ومسار الحل السياسي في سوريا، وسلوك الكيانات السياسية والعسكرية التي نشأت عقب الثورة السورية.

و"مركز الحوار السوري" مؤسسة أهلية سورية تهدف إلى إحياء الحوار وتفعيله حول القضايا التي تهم الشعب السوري، وتسعى إلى توطيد العلاقات وتفعيل التعاون والتنسيق بين السوريين.

ذكرى الثورة

في ذكراها الـ12، ما الذي ما تزال الثورة متمسكة به وتناضل من أجله؟

أعتقد أنه من المهم تحديد المقصود بالثورة، دعنا نتفق على أن المراد بها عادة في مثل هذه السياقات هو: الحاضنة الشعبية التي آمنت بمبادئ الثورة وخرجت مطالبة بها.

لعل الحاضنة ما تزال متمسكة بالمبادئ الأساسية التي خرجت من أجلها، والتي تمثلت بشعار "الله سوريا حرية وبس"، "الشعب السوري ما بينذل".

وبالتالي ما تزال هذه الشعارات هي الجذر الأساسي للمطالب الشعبية بالحرية والكرامة، وهذا ما تجسد وتجلى في أكثر من قضية.

لعل آخرها ما حصل عقب الانعطافة التركية بالتطبيع مع نظام بشار الأسد، حيث شاهدنا عشرات الآلاف من الناس تخرج في مظاهرات تحت عنوان "لن نصالح" في تعبير واضح على أن الشعب الذي نادى بالحرية والكرامة لا يمكن أن يقبل بالعودة لحكم "البوط العسكري".

في السياق نفسه، وعلى المستوى السياسي، ما يزال جمهور الثورة متمسكا بحل سياسي ينهي الوضع المأسوي الذي وصل إليه الشعب السوري في مختلف مناطق السيطرة بما فيها مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، يلبي الحد الأدنى من المطالب التي نادى بها والتي تلخص بقضيتي الحرية والكرامة. 

إشكالية الدول المتدخلة في سوريا أنها باتت ترى في القضية السورية مشكلات إنسانية وأمنية مثل قضايا اللاجئين ومكافحة الإرهاب.

في حين أن الحقيقة التي يعرفها الشعب السوري وتعرفها هذه الدول أن هذه المسائل هي نتائج وتبعات للحرب التي شنها الأسد وحلفاؤه على الشعب السوري.

وبالتالي فالحل لا يكون بمعالجة الأعراض، وإنما بالتخلص من مسببها وهو نظام بشار الأسد. لذلك فإن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون في ظل استمرار نظام الأسد، لأن بقاءه يعني استمرار معاناة السوريين.

كل ذلك لا يعني إهمال القضايا الإنسانية التي نتجت عن حرب الأسد على الشعب السوري، بل هنالك مطالب محقة بضرورة تلبيتها وزيادة الدعم الدولي لتلبيتها خصوصا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا والشمال السوري، والذي تضررت منه آلاف العائلات السورية التي يقيم معظمها في مناطق قوى الثورة والمعارضة.

ولكن تبقى هذه المطالب في إطار معالجة آثار وارتدادات الحرب المدمرة التي شنها الأسد وحلفاؤه على الشعب السوري.

محاسبة الأسد

كيف تقيم جهود المنظمات الحقوقية والقانونية في ملاحقة النظام السوري وتفعيل المحاسبة؟

أعتقد أن هناك مسارا مثاليا لمحاسبة نظام الأسد على الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين عقب عام 2011، متمثل في إحالة هذه الجرائم ومرتكبيها إلى محكمة دولية لمحاسبتهم عليها.

هذا المسار متوقف حاليا لغياب الوسيلتين الحصريتين لتشكيله: الأولى متمثلة في صدور قرار من مجلس الأمن بإحالة هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية نتيجة الفيتو الروسي.

والثانية، تتجسد في عدم انضمام سوريا بالأساس إلى نظام روما الأساسي الذي تشكلت وفقه محكمة الجنايات الدولية.

وفي ظل غياب أفق واضح لتشكيل هذا المسار المثالي، لا يبقى أمام المنظمات الحقوقية السورية منها والدولية سوى العمل على خيارات بديلة جزئية. منها على سبيل المثال:

- الدعاوى التي يجرى تحريكها في بعض الدول التي تنظر في الجرائم الدولية وفق مبدأ "الولاية العالمية للقضاء الوطني في بعض الدول للنظر في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية".

كما حصل في كل من ألمانيا وفرنسا، حيث تم رفع عدة دعوى من أجل ملاحقة بعض مجرمي نظام الأسد ومحاكمتهم على هذه الأراضي، وإصدار بعض مذكرات التوقيف بحق بعض مسؤولي نظام الأسد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الشعب السوري.

- توثيق الجرائم المرتكبة في سوريا منذ عام 2011، عبر التقارير الصادرة عن مختلف المنظمات الدولية والسورية، كما هو الحال في تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، والشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وكل ذلك بانتظار أن تتاح الفرصة لتقديم هذه الملفات أمام المحاكم الدولية أو الوطنية في بعض الدول لمحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا.

- حملات الضغط والمناصرة التي يتم القيام بها من قبل بعض المنظمات والناشطين من أجل التذكير بجرائم النظام بحق السوريين، بما يساعد على منع جهود تعويمه سياسيا.

- العقوبات التي تفرضها بعض الدول بناء على التقارير التي توثق جرائم النظام، كما هو الحال في قانون قيصر الأميركي لمعاقبة نظام الأسد.

- إنشاء آليات جزئية للمضي ببعض الملفات الحقوقية كما هو الحال في ملف المعتقلين والمختفين قسرا، والذي قد يساعد مستقبلا على تحديد هوية القتلى الذين قام نظام الأسد بتصفيتهم، وتحديد هوية المعتقلين في سجون الأسد.

هل تعتقد أن المجتمع الدولي بحاجة لتفعيل طرق إضافية لمحاسبة المسؤولين في نظام الأسد؟

في ظل عجز مجلس الأمن الدولي وعدم قدرته على اتخاذ قرار تحت الفصل السابع في إحالة الجرائم المرتكبة في سوريا، إلى محكمة خاصة أو محكمة الجنايات الدولية، بسبب الفيتو الروسي، فإنه يجرى اللجوء إلى العقوبات الغربية وتحديداً الأميركية ضد نظام الأسد وتوسيعها.

وكذلك التوسع في تطبيق مبدأ الولاية العالمية، بحيث توجد الدول تشريعات وطنية لتحريك دعاوى ضد مرتكبي الانتهاكات في سوريا.

وهذه الجهود قد تبدو خجولة وليست كافية، خاصة الدعاوى التي رفعت في بعض الدول الأوروبية محصورة فقط بحق الشخصيات المتهمة والموجودة في هذه الدول.

وبالتالي نحن نحتاج إلى إيجاد آليات لتحريك الدعاوى ضد شخصيات نظام الأسد التي ليست في تلك الدول الغربية، الأمر الذي يتطلب تعديلاً في التشريعات الخاصة بهذه الدول.

الحل السياسي

كيف تنظر إلى الجهود لإحياء العملية السياسية بسوريا رغم تعطيل نظام الأسد وروسيا لمسارات الحل وفق القرارات الأممية؟

مسار الحل السياسي بسوريا عندما بدأ عام 2012 من خلال بيان جنيف1 ثم أعيد تفعيله من خلال قرار مجلس الأمن 2254، كانت الفكرة الأساسية أن جوهر العملية السياسية مرتبط بهيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، وما يتبعها من الإصلاح الأمني والقانوني وتعديل الدستور وإجراء الانتخابات وإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية والعدالة الانتقالية ومكافحة الإرهاب.

لكن هذه الأمور كلها جرى تجاوزها بداية من خلال فكرة السلال الأربعة التي تتمثل في (الحكم الانتقالي، والدستور والانتخابات، ومكافحة الإرهاب)، ثم حذف هذه السلال والتناغم مع الرؤية الروسية خاصة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر لمنع سقوط الأسد في سبتمبر/ أيلول 2015.

وباتت العملية السياسية مختزلة باللجنة الدستورية والتي انطلقت برعاية أممية أواخر عام 2019 لم تنجز مادة دستورية واحدة وخاصة أنها منذ عام لم تجتمع.

وعليه فإنه لا يوجد جهود لإحياء العملية السياسية بسوريا خاصة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث بات العالم منشغل بهذه الحرب وارتداداتها والمناكفة الغربية الروسية، ما خلق نوع من عدم الاهتمام بالملف السوري حتى على المستوى العربي والغربي ولم يعد له أولوية.

بالأساس لا يوجد جهود للمضي بالمسار السياسي السوري، سوى جولات للمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون الذي لم يأت على ذكر الحل السياسي في سوريا في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن.

على أرض الواقع هناك ما هو عكس ذلك من جهود حثيثة من بعض الدول العربية للانطلاق بمسار آخر، والذي اصطلح عليه بمبادرة الأردن عام 2021 (خطوة مقابل خطوة) والتي طرحت على الإدارة الأميركية الحالية.

وبالتالي يبدو أنها أفكار بيدرسون، وتبدو ناسفة لمسار جنيف كله حيث تتحدث عن مقاربة جديدة للتعامل مع الملف السوري يقوم جوهرها بأن تقوم دول العالم بما فيها الدول الغربية بتقديم تنازلات لنظام الأسد من أجل معالجة الارتدادات الأمنية والإنسانية، مع تغييب جوهر الحل السياسي.

وبالتالي فإن مبادرة "خطوة مقابل خطوة" هي رؤية روسية معدلة، من خلال العمل على إعادة اللاجئين السوريين، ومكافحة الإرهاب، ورفع العقوبات، ليتم الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة دعم مشاريع التعافي المبكر، والتي قد تمهد لاحقا للدخول في مرحلة إعادة الإعمار.  

بالمقابل يبقى نظام الأسد في السلطة، وقد يتم الاكتفاء بتعديل الدستور، مما يعني أن الجهود العربية قد تكون ذاهبة ليس باتجاه الحل السياسي بل باتجاه آخر قد ينسف الحل ويساهم في إعادة تعويم النظام من جديد.

مع ذلك يبدو أن الموقف الغربي ما يزال ثابتا حول اللاءات الثلاث: لا للتطبيع مع نظام الأسد، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار إلا بعد انخراط نظام الأسد في مسار الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254.

هل تعتقد أن الانفتاح العربي والدولي الذي خلقه الزلزال يشكل فرصة للأسد لاستعادة نفوذه السياسي؟

نعم لقد شكل فرصة لنظام الأسد وقام باستغلال الأمر، لكن هل يستمر، الأمر مرتبط بعدة عوامل.

بمعنى أن الزلزال أعطى فرصة لتسريع عجلة التطبيع مع نظام الأسد، ولكن استمرارها مرتبط بعوامل أخرى أبرزها:

ماذا سيقدم نظام الأسد لهذه الدول؟ وما طبيعة التنازلات التي سيعطيها إياها؟ وماذا ستعطيه بالمقابل؟ بمعنى آخر أن الأمر سيكون محكوما بلغة المصالح أكثر من لغة التضامن التي سادت عقب الزلزال.

في هذا السياق، الدول العربية منقسمة بالأساس إلى 3 أقسام:

القسم الأول: دول عربية على رأسها الإمارات والبحرين والعراق والجزائر ولبنان هي دول بالأساس لم تقطع علاقتها معه ومطبعة معه، بل زادت مساعداتها الإنسانية وساعدته سياسيا.

القسم الثاني: دول عربية لا تتبنى مواقف حدية تجاه نظام الأسد مثل الأردن وتونس وموريتانيا، وهذه الدول زادت من حراكها السياسي تجاه نظام الأسد، مع تزويده بالمساعدات.

القسم الثالث: دول غير مطبعة مع نظام الأسد، وهي تشمل ثلاث دول فقط: السعودية وقطر والكويت، الأخيرتان موقفهما ثابت حتى الآن، بأنه لا للتطبيع مع نظام الأسد سياسياً وإنسانياً.

بينما السعودية لم تتحدث عن تطبيع سياسي بل قامت فقط بإرسال مساعدات إنسانية للنظام عقب الزلزال إلا أن تصريحات وزير خارجيتها تشير إلى تغير محتمل في الموقف السعودي تجاه النظام.

كيف يمكن لجمهور الثورة السورية أن يشكل عامل ضغط كبير أمام منع إعادة تعويم الأسد؟

لا شك بأن هذا الأمر هو المعول عليه، وخاصة أن الاستجابة عقب الزلزال في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا، أظهرت عجزا لدى القوى الرسمية.

وبالتالي فإن المعول عليه هو منظمات المجتمع المدني بمختلف تشكيلاتها المنظمات الإنسانية والحقوقية والنقابات.. إلخ فضلا عن الجاليات السورية في الخارج.

مما يعني أن الموقف الشعبي يجب أن يستمر في قول كلمته وتنظيم نفسه وإيجاد نوع من التنظيمات المدنية والسياسية التي تحشد هذه الطاقات وتنظمها وتعبر عن مطالبها وتمثل مصالحها بالدرجة الأولى والبحث عن تحالفات وتقاطعات مع الدول الأخرى.