الليرة تواصل الانهيار.. لماذا يعجز لبنان عن تلبية شروط صندوق النقد؟ 

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

اندلعت الاحتجاجات في لبنان مرة أخرى ردا على تدهور اقتصاد البلاد، والانهيار الدراماتيكي لقيمة الليرة اللبنانية.

وفي 24 مارس/ آذار 2023، أشعل محتجون إطارات سيارات فارغة أمام المصرف المركزي اللبناني، بينما حاول آخرون اقتحام مصارف في بيروت.

وجاءت الاحتجاجات ردا على تعميم أصدره مصرف لبنان سمح فيه للمصارف التجارية والصرافين (فئة أ) ببيع الدولار على سعر 90 ألف ليرة، وتسليمه للمواطنين بعد 3 أيام كمحاولة لإيقاف انهيار الليرة الجديد.

لكن المودعين عدوا القرار "ظالما" خاصة بعد أن بلغ سعر الدولار في السوق السوداء نحو 145 ألف ليرة.وخسرت الليرة اللبنانية خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 97 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، كما تراجعت قيمتها مرة أخرى بنسبة 15 بالمئة في 21 مارس/ آذار 2023.

وكان الدولار في منتصف مارس يساوي 100 ألف ليرة لبنانية، وقبل أقل من أربع سنوات - وبالتحديد في سبتمبر/ أيلول 2019- كان الدولار الواحد يقابل 1500 ليرة لبنانية.

عجز اقتصادي

وقال موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي إن صندوق النقد الدولي عرض المساعدة على لبنان، بشرط إجراء إصلاحات حكومية، غير أن تلك الإصلاحات لا يمكن تنفيذها بالكامل إلا بعد انتخاب رئيس جديد، وهو ما يبدو أن ساسة البلاد غير مبالين به.

ووفقا لتقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، فإن 80 بالمئة من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر بعد الانهيار الاقتصادي للبلاد في عام 2019. 

وفي تقريرها الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2022، أوضحت المنظمة أن غالبية الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر.

وأضافت أن "ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، والارتفاع الهائل في معدلات التضخم، ورفع الدعم عن الأدوية والوقود، أدت إلى زيادة الصعوبة التي يواجهها الكثير من الناس لتلبية احتياجاتهم الأساسية".

وأكد "ذا ميديا لاين" أن الأزمة الاقتصادية في لبنان تفاقمت بسبب انفجار ميناء بيروت في عام 2020، هذا فضلا عن الفساد العام المستشري في الدولة وسوء الإدارة الحكومية.

وقال رئيس جمعية "التنمية الشاملة في لبنان"، محمد رضوان العمَر: " "تستيقظ في الصباح وأنت تمتلك مبلغا محددا من المال تدفعه مقابل شيء ما، ولكن قبل حلول المساء، يصبح هذا المبلغ غير كاف؛ لأن العملة فقدت بالفعل نسبة من قيمتها".

وأضاف "العمر" لـ"ذا ميديا لاين" أنه بعد المرور بأزمة اقتصادية، عادة ما يبدأ الوضع الاقتصادي في بلد ما بالتحسن، لكن في لبنان، لم يكن الحال هكذا.

وتابع: "بالنظر إلى ما يصدر عن البنك المركزي، فإن الاقتصاد اللبناني في سقوط مستمر منذ ما يقرب من ثلاث سنوات حتى الآن، لكن دون أن يتحطم تماما"، مؤكدا أن عدم الاستقرار الاقتصادي "أسوأ بكثير من الانهيار الأخير".

وأكد العمر أن "أناسا كثيرين جمعوا ثروات عبر استغلال هذه الأزمة، لكن الكثير منهم أيضا يعيشون أسوأ كوابيسهم بسبب الفقر".

وحذر العمر من أن الفجوة بين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية في لبنان ستستمر في الاتساع.

وخلال السنوات الأربع الماضية التي عانت فيها البلاد من الانكماش الاقتصادي، شهد لبنان أشد فصول الشتاء برودة، وأشد فصول الصيف حرارة خلال السنوات الأخيرة.

"وقد أدى هذا الطقس القاسي إلى معاناة جماعية، وحتى لموت البعض من أولئك غير القادرين على تحمل تكاليف الكهرباء أو الوقود، اللازمين للتدفئة في الشتاء وللتهوية في الصيف"، وفق الموقع الأميركي.

وأردف العمر: "مستشفياتنا شهدت أكبر عدد من الوفيات في السنوات القليلة الماضية بسبب نقص التغذية ونزلات البرد وغير ذلك"، مشيرا إلى أن بعض المواطنين توفوا في منازلهم؛ لعدم تمكنهم من الذهاب إلى المستشفى أو دفع تكاليف التأمين الصحي.

حد الكفاف

ولفت الموقع الأميركي إلى أن الاحتجاجات الحالية يقودها في الغالب أفراد متقاعدون من قوات الأمن في البلاد، وموظفون متقاعدون آخرون تقل مخصصاتهم التقاعدية عن 50 دولارا في الشهر.

وفرّقت الأجهزة الأمنية اللبنانية في 22 مارس/ آذار 2023، احتجاجا سلميا لضباط الجيش والشرطة المتقاعدين للمطالبة بزيادة الرواتب.

وقال العمر: "عندما نتحدث عن القطاع الخاص، فإنهم جميعا أعادوا تنظيم أسعارهم ودخلهم، ربما بشكل غير كاف، لكنه يعتبر حد الكفاف اللازم للبقاء على قيد الحياة بالنسبة لهؤلاء العاملين بالقطاع الخاص".

وأوضح العمر أن العاملين بالمؤسسة العسكرية يتلقون تمويلا من سفارات مثل الولايات المتحدة وقطر، ومن الأمم المتحدة، هذا بالإضافة إلى رواتبهم من الحكومة اللبنانية.

"وبالمقارنة مع العاملين في القطاع الخاص والعسكريين الحاليين، فإن المتقاعدين العسكريين هم الأكثر تضررا"، وفق الموقع.

"إذ إن معظمهم غير مؤهلين للحصول على وظيفة جديدة، ما جعلهم معتمدين فقط على معاشاتهم التقاعدية، التي تقلصت قيمتها بشكل كبير"، يضيف الموقع.

"علاوة على ذلك، لم يعد العسكريون المتقاعدون مشمولين بنسبة 100 بالمئة في التأمين الصحي وعدة مزايا أخرى"، حسب الموقع الأميركي.

خطة إنقاذ

ولتدارك التدهور المستمر، عرض صندوق النقد الدولي على الحكومة اللبنانية خطة إنقاذ، بشرط أن توافق على إجراء إصلاحات معينة.

وما زالت تلك المحادثات جارية بين وفد من صندوق النقد الدولي برئاسة، إرنستو راميريز ريغو، ومسؤولين في الحكومة اللبنانية.

ومن جانبه، ذكر رئيس لجنة المالية والميزانية في مجلس النواب اللبناني، إبراهيم كنعان، أن صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية توصلا بالفعل إلى بعض الاتفاقات خلال المحادثات.

وقال كنعان: "اتفق الجانبان على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية كنقطة انطلاق لإعادة هيكلة المؤسسات، وتكوين فريق حكومي متجانس، لديه خارطة طريق واضحة للإنقاذ المالي والاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة".

وأكد أن "الأمر لا يتعلق فقط بتشريع بعض القوانين لبدء تنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولكن الأهم من ذلك، إمكانية احترامها وتنفيذها لاستعادة الثقة المحلية والدولية، وبالتالي جلب الاستثمارات".

ويعاني لبنان من فراغ رئاسي بعد أن أنهى الرئيس السابق ميشال عون، ولايته التي استمرت ست سنوات، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وأكد "ذا ميديا لاين" أن البرلمان اللبناني يواجه مأزقا سياسيا حقيقيا، حيث إنه حتى الآن لم ينجح في انتخاب رئيس جديد.

بدوره، يعتقد الباحث في تطوير الإدارات العامة والدراسات الاستراتيجية، شادي نشابة، أن خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي لن تُنفذ إلا عندما تكون هناك إرادة سياسية كافية.

وأضاف: "القضية الرئيسة هي تحمل المسؤولية وفتح تحقيق مالي، فضلا عن خطوات أخرى من الإصلاح، وهو الأمر الذي لا يريد السياسيون اللبنانيون القيام به".

وشدد البرلماني اللبناني على أن الحكومة بحاجة إلى التوصل إلى تسوية اقتصادية وانتخاب رئيس، متوقِّعا أن تؤدي التسوية "إلى صفقة مع صندوق النقد الدولي، أو صفقة أخرى لضخ الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد اللبناني".

وبحسب العمر، فقد بدأت الحكومة اللبنانية بالفعل تنفيذ بعض شروط صندوق النقد الدولي، حيث بدأت في معالجة أزمة الكهرباء في البلاد، وقدمت خطة جديدة للتنمية، ووضعت خطة للحد من الفساد.

وأشار العمر إلى أن هذه الإصلاحات لن تكون كافية إذا لم تتمكن البلاد من الانتقال إلى حكومة شرعية بدلا من حكومة تصريف الأعمال الحالية.

وختم بالقول: "نحن بحاجة إلى انتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن، حتى يتمكن من تشكيل حكومة شرعية جديدة تتمتع بالصلاحيات والسلطة الكاملة لتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي".