عبر سماحها بحرق المصحف.. هكذا وضعت السويد نفسها أمام عواقب يصعب تحملها

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عاصفة سويدية محملة بالعنصرية والكراهية، هبت على الدول الإسلامية، في أعقاب سماح السلطات في 21 يناير/ كانون الثاني 2023، لزعيم حزب "الخط المتشدد" الدنماركي اليميني المتطرف "راسموس بالودان"، بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام مبنى السفارة التركية في العاصمة ستوكهولم. 

وزاد الطين بلة، إعلان شرطة ستوكهولم، أن "بالودان حصل على الإذن الحكومي لتنظيم مظاهرة قرب السفارة التركية يتخللها حرق المصحف"، ما أشعل غضبا عارما في العالم الإسلامي تجاوز أبعاد الخلاف التركي السويدي.

وتسعى الدولة الإسكندنافية المعروفة بمناظرها الخلابة وتاريخها الطويل في تجنب الانحياز إلى الأطراف المتحاربة في النزاعات الدولية، حاليا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" في الوقت الذي تواجه فيه عددا من التحديات على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.

لكن محاولات ستوكهولم الفاشلة للحصول على حماية تحالف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، تحطمت على صخرة تركيا الرافضة لذلك الانضمام، ما صعب قضيتها وصعد من خلافاتها مع أنقرة.

فما كان منها إلا أن سمحت بالمشهد الاستفزازي الذي نفذه "بالودان"، لتتسع هوة الخلاف بين السويد وتركيا وتصبح مع نحو ملياري مسلم، وعشرات الدول الإسلامية، التي رفضت السلوك السويدي، خاصة أنها ليست السابقة الأولى من نوعها. 

تركيا تتوعد

لم تقف أنقرة مكتوفة الأيدي طويلا أمام الفعل المشين، ورد الرئيس رجب طيب أردوغان في 23 يناير 2023، على الحادثة متوعدا بأن "السويد لن تحصل على دعم من تركيا فيما يخص عضويتها بحلف شمال الأطلسي لعدم احترامها معتقداتنا الإسلامية".

وفي خطاب أردوغان عقب اجتماع للحكومة بالمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، قال الرئيس التركي: "إذا كنتم لا تحترمون المعتقدات الدينية لتركيا والمسلمين، فلا تنتظروا منا أي دعم فيما يتعلق بعضويتكم في الناتو".

وشدد على أن "هذا الفعل القبيح في السويد هو إهانة لكل من يحترم الحقوق والحريات الأساسية للناس وعلى رأسهم المسلمين".

وأوضح: "القرآن الكريم الذي يحفظه الله لن يتضرر أبدا إذا أحرقت نسخة منه من قبل أحد بقايا الصليبيين، ونعلم أنه منذ الحملات الصليبية تساوي أوروبا بين مفهومي الإسلام والأتراك، ونحن فخورون بهذه المساواة".

 

وكانت مدينة إسطنبول شهدت في 22 يناير 2023 احتجاجات أمام القنصلية العامة السويدية على وقع حرق القرآن الكريم في ستوكهولم.

وأظهر المتظاهرون أمام مقر القنصلية الواقع في شارع "الاستقلال" الشهير وسط المدينة، عن استنكارهم لسماح السويد بالتطاول على المصحف.

كما تلوا آيات من القرآن الكريم ورددوا هتافات مناهضة للسويد، على رأسها المطالبة بقطع العلاقات.

وفي 26 يناير 2023، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: "إن الحكومة السويدية شريكة في حادثة حرق القرآن الكريم، بعد أن سمحت باقتراف هذا العمل الدنيء قرب السفارة التركية في ستوكهولم".

وأعلن جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الصربي إيفيكا داتشيتش في أنقرة، "أن هذه الحادثة جريمة كراهية وفعلا عنصريا، وليست حرية تعبير كما يريد البعض أن يفسرها". 

واستطرد: "إذا كانت السويد تقول: أنا الآن دولة عنصرية راديكالية لذلك غدوت دولة معادية للإسلام، والإسلاموفوبيا والعنصرية مسموحة، فهذا شأنها، لكنه أيضا مخالف لاتفاقيات المجلس الأوروبي".

 

غضب إسلامي 

وانتقل الغضب من تركيا إلى أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي، وحملت الاحتجاجات ضد السويد الطابعين الشعبي والرسمي. 

ففي 23 يناير 2023، اشتعلت المظاهرات في الأردن ولبنان واليمن، رافضة سماح السويد بحرق المصحف.

وفي الأردن، نظمت وقفة احتجاجية قرب سفارة ستوكهولم بالعاصمة عمان، تنديدا بالحادثة.

ووصف رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي، في كلمة بالمجلس، الحادثة بـ"العمل المتطرف"، مُطالبا وزارة خارجية بلاده بمخاطبة سفارة السويد لتقديم "اعتذار فوري".

كما شهدت مدينة طرابلس شمال لبنان، احتجاج ضد الحادثة، وأقدم شبان غاضبون على حرق علم السويد.

وأصدرت الخارجية التونسية، بيانا ندد بالحادثة، وذكر أنها "استفزاز صارخ لمشاعر المسلمين في أنحاء العالم كافة"، وحذر من "خطورة هذه الممارسات المرفوضة والمدانة على السلم العالمي".

وفي 24 يناير 2023، طالب 41 نائبا في الكويت، جميع البرلمانيين في العالم بمقاطعة السويد، احتجاجا على حرق نسخة من القرآن الكريم.

وجاء في البيان الذي وقعه النواب: "ندين ونستنكر بشدة نحن أعضاء مجلس الأمة حرق نسخة من المصحف الشريف بالسويد، ونطالب بمقاطعتها، ومقاطعة كل دولة لا تحترم القيم والثوابت الإسلامية".

أما الأزهر الشريف في مصر، والذي يعد أكبر مؤسسة إسلامية عالمية، فأصدر بيانا في 25 يناير 2023، طالب فيه الشعوب العربية والإسلامية بمقاطعة المنتجات السويدية والهولندية بجميع أنواعها نصرة للقرآن الكريم.

وقال الأزهر: "يجب اتخاذ موقف قوي وموحد نصرة لكتاب الله ولقرآننا الكريم، كتاب المسلمين المقدس".

ورأى البيان أن "المقاطعة رد مناسب لحكومتي هاتين الدولتين في إساءتهما إلى مليار ونصف مليار مسلم".

إدانات حكومية 

توافق موقف الحكومات العربية مع الموقف التركي الرسمي والموقف الشعبي الحاشد المناهض للسياسة السويدية. 

ففي 21 يناير 2023، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا، عبرت فيه عن إدانة واستنكار المملكة الشديدين، لسماح السلطات السويدية لأحد المتطرفين بإحراق نسخة من المصحف الشريف أمام سفارة جمهورية تركيا في ستوكهولم.

وأكدت على "موقف السعودية الثابت الداعي إلى أهمية نشر قيم الحوار والتسامح والتعايش، ونبذ الكراهية والتطرف".

وكذلك فعلت الإمارات عبر وزارة الخارجية التي رفضت بشدة ما أقدم عليه أحد المتطرفين في السويد، وأكدت في بيان رفضها لجميع الممارسات التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار والتي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية.

ولم يقف الأمر عند العالمين العربي والإسلامي فقط، بل وصل إلى المفوضية الأوروبية، التي أعلنت أنه يتوجب على السلطات السويدية اتخاذ خطوات بشأن حادثة إحراق نسخة من القرآن الكريم.

وصرحت على لسان المتحدث باسم المفوضية "يوهانس باهركي" في مؤتمر صحفي ببروكسل، في 23 يناير 2023، بأن مثل هذه الممارسات لا تتماشى مع القيم التي يرتكز إليها الاتحاد الأوروبي.

وشدد: "كما قلنا مرارا من قبل، لا مكان للعنصرية وكراهية الأجانب والكراهية العرقية والدينية في الاتحاد الأوروبي". 

حوادث متكررة

وتكررت حوادث حرق القرآن في السويد خلال الآونة الأخيرة، وأعطت الحكومة السويدية الضوء الأخضر لمثل هذا السلوك المتكرر في بلد يقطنه أكثر من 600 ألف مسلم، وحمل "راسموس بالودان" النصيب الأكبر من الاعتداءات.

ففي 28 أغسطس/آب 2020 أحرق 3 ناشطين في حزب بالودان "الخط المتشدد"، نسخة من القرآن في مدينة "مالمو" السويدية، اندلعت بسببها مواجهات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين مسلمين رافضين للواقعة. 

وفي 14 أبريل/نيسان 2022، أحرق بالودان نسخة من القرآن الكريم في مدينة "لينشوبينك" جنوبي السويد تحت حماية الشرطة.

لتندلع مواجهات عنيفة بين متظاهرين رافضين وأفراد من الشرطة أسفرت عن إصابة 26 شرطيا و14 متظاهرا وتحطم 20 سيارة شرطة.

ويقود الحكومة السويدية رئيس الوزراء ذو الاتجاه المحافظ "أولف كريسترسون"، المنتمي لحزب التجمع المعتدل، وبدأ ولايته في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

ووصل إلى المنصب عقب تلقيه دعما غير مسبوق من حزب اليمين المتشدد، بعدما أعلن عن اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية تضم ثلاثة أحزاب، وتعهد بحسم ملفات الهجرة واللجوء ضمن أولويات الحكومة الجديدة.

وهو تفسير لسياسة احتواء المتطرفين والعنصريين المحاربين للإسلام والجالية الإسلامية في البلاد، وعلى رأسهم بالودان. 

بالودان المتطرف

وبالودان الذي تحتضنه السويد لاستفزاز المسلمين وتركيا، يميني متطرف، يبلغ من العمر 38 عاما وقد ترك بصمته من خلال نشر مقاطع فيديو على موقع يوتيوب، وهو يحرق المصحف.

وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في 11 سبتمبر/ أيلول 2020: "أنه بين عامي 2017 و2019، شوهدت فيديوهات بالودان أكثر من 24 مليون مرة".

وأوضح تقرير الصحيفة أن بالودان يصرح دائما بقوله "نحن نفعل ذلك بشكل طبيعي للاستفزاز ولخلق صراع يظهر مدى عنف المسلمين"، وفق زعمه.

وكان هناك تحول دراماتيكي لما يفعله في عام 2019 عندما جمع المتطرف 20 ألف توقيع وقدم قائمة للانتخابات التشريعية في 5 يونيو/حزيران.

وأشارت لوموند إلى فشله في دخول البرلمان، لكنه حصل على أكثر من 60 ألف صوت.

وذكرت أنه في 29 أغسطس/آب 2020 عبر زعيم حزب الخط المتشدد بالودان، جسر أوريسند بين كوبنهاغن ومالمو لحرق القرآن هناك.

وهناك رحب به ضباط الشرطة على الحدود، لكن السلطات أعادته إلى الدنمارك وحظر لمدة عامين من دخول السويد، وهو قرار استؤنف حينذاك.

لكنه دعا السويديين للمزيد من الاصطدام مع الإسلام وفي نفس الشهر أُلقي القبض على رجل في وسط مدينة "مالمو" السويدية بسائل قابل للاشتعال وولاعة، وقبض على آخرين هناك وهم يركلون القرآن ويصرخون "اللعنة على الإسلام".

 

حرب الكراهية

تعليقا على هذا الأمر، يقول إمام المركز الإسلامي بمدينة "درسدن" الألمانية أحمد زيدان، : "إن سلوك الحكومة السويدية المشين يرقى لجريمة كراهية وعنصرية كاملة تجاه مئات الآلاف من المسلمين على أراضيها، والملايين في الاتحاد الأوروبي، وقرابة ملياري مسلم في جميع أنحاء العالم". 

وأضاف زيدان لـ "الاستقلال": "ليس معنى وجود خلاف سياسي بين الحكومة السويدية وحكومة إحدى الدول الإسلامية مثل تركيا، أن يستغل عامل الإسلاموفوبيا المتصاعدة ويسمح لليمين المتطرف الموتور بإهانة المقدسات الإسلامية والقرآن الكريم، فهذا غير مقبول ويعود بالعالم للقرون الوسطى رغم ادعاءات الحداثة". 

وأوضح: "هناك معتقدات مختلفة تعج بها البلدان الأوروبية غير الإسلام والمسيحية واليهودية، فهناك الهندوسية والبوذية والبهائية وعشرات الديانات والمذاهب، فلماذا استثنوا الإسلام بالهجوم والعنصرية المستمرة". 

وذكر أن: "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا والمؤسسات الإسلامية بشكل عام تتجه لتنظيم سياسة جديدة عبر مجموعة من الخطوات لتوحيد الكلمة، وصياغة شكل قانوني يستطيع الدفاع عن المسلمين في كل بلدان الاتحاد بحفظ حقوقهم وحمايتهم من الكراهية والعنصرية".

وتابع: "السويد تحديدا من البلاد التي تصاعدت فيها تلك الحالة، وحكومتها الحالية هي الأكثر تطرفا، وحولت البلاد إلى بؤرة للكراهية بعدما كانت مضربا للأمثال في التسامح والتعايش". 

واختتم الداعية الإسلامي حديثه بدعوة الشعوب والجاليات الإسلامية لتفعيل مقاطعة المنتجات السويدية كعقاب للدولة التي انتهكت المقدسات، وكتعبير سلمي عن الرفض الكامل لهذه الممارسات، والانتصار لديننا وشريعتنا.