الحدود العراقية السورية.. كيف تحولت إلى ممر للجماعات المسلحة؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت تلك الحدود تسلل آلاف المقاتلين العرب والأجانب من الأراضي السورية تجاه العمق العراقي، ومع كل إمكانيات الولايات المتحدة والقوات العراقية وما سُخّر لهما من معدات وطائرات، إلا أنّ أحدا لم يستطع إمساك الحدود، كما كان عليه الحال قبل الغزو الأمريكي.

جغرافية الحدود

يبلغ طول الحدود المشتركة بين العراق وسوريا قرابة 590 كيلومترا، تبدأ من أعالي نهر دجلة الذي يفصل طبيعيا بين البلدين لمسافة قليلة، ثم تمتد جنوبا لتشمل عشرات المدن والقرى على جانبي الحدود.

ومن أبرز المناطق أو المدن على الجانب العراقي للحدود هي محافظة نينوى - مركزها مدينة الموصل – وسنجار وربيعة والقائم، أما من الجانب السوري فأبرز المناطق المتاخمة للحدود هي مدن القامشلي والشدادي والبو كمال.

تعد الحدود العراقية السورية إحدى إفرازات معاهدة "سايكس بيكو"، التي قسمت دول المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا، إذ أن الحدود العراقية السورية ما هي إلا خطوط وهمية موضوعة على خارطتي البلدين، دون أن يكون لها أي واقع على الأرض.

فغالبية الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، عبارة عن أراضي سهلية منبسطة تمتد لمئات الكيلومترات.

ويستثنى من هذا الوصف منطقة حدودية صغيرة في محافظة الأنبار تتميز بوعورتها وصعوبة المرور فيها، ودائما ما كانت تستخدم قبل الغزو في تهريب الممنوعات بين العراق وسوريا.

استغلال الحدود

استغل النظام السوري الحدود العراقية السورية في تسهيل مرور المقاتلين العرب إلى العراق بعيد الغزو الأمريكي، إذ أن محافظتي الأنبار ونينوى المحاذيتين للحدود السورية تتميزان بكونهما من المحافظات السنية المغلقة والتي شهدتا مقاومة شرسة ضد القوات الأمريكية بعيد الغزو.

ويؤكد الخبير الأمني العراقي، رياض العلي، أن النظام السوري أسهم بشكل كبير في عدم استقرار العراق بعد الغزو الأمريكي، وقال في حديث لـ"الاستقلال"، إنّ تسهيل النظام السوري لمرور المقاتلين من شتى الدول إلى العراق، كان الهدف منه إبقاء البلد في حالة من الفوضى الأمنية مع إيصال رسائل للأمريكيين بأن المستنقع العراقي لا يمكنهم أن يكرروه في سوريا.

ومع الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 وفق الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين في 2008، تراجع معدل التسلل عبر الحدود، إلا أن ذلك العام كان شهد انطلاق الحراك الشعبي في سوريا والذي تواصل إلى اليوم الذي ألغى فيه التنظيم الحدود بين البلدين في يونيو/ حزيران 2014، ومنذ ذلك الحين ولفترة ناهزت الثلاث سنوات تنقل فيها مقاتلو التنظيم على جانبي الحدود الطويلة، إلى أن استعادت القوات الأمنية العراقية السيطرة على مدينة القائم في نهاية عام 2017.

قوات عراقية مختلفة الصنوف والتبعية تنتشر على الحدود من الجهة العراقية، إذ أن قوات متنوعة من الجيش العراقي وحرس الحدود والحشود العشائرية والحشد الشعبي تنتشر على طول الحدود بين العراق وسوريا.

وعلى الرغم من أن انتشار قوات رسمية وشبه رسمية على الحدود من الجهة العراقية، إلا ان منطقة سنجار لها خصوصية معينة، إذ يقول الخبير الأمني والاستراتيجي هشام الهاشمي، إنّ منطقة سنجار الواقعة في أقصى الشمال الغربي العراقي، يتولى مسؤولية الحدود فيها الحشد الأيزيدي الموالي لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تعده أنقرة ارهابيا.

ويضيف الهاشمي، لـ"الاستقلال"، أنّ الجهة الأخرى للحدود (سوريا) تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع الـ PKK(حزب العمال الكردستاني)، وبالتالي فإن هذه المنطقة تعد منطقة هشة أمنيا يستغلها الحزب في تحركاته.

قوات الحشد الشعبي من جانبها، كانت قد انتشرت في جزء واسع من الحدود العراقية السورية منذ انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة في ديسمبر/ كانون الأول 2017.

ويقول الضابط في قيادة محور الأنبار لعمليات الحشد الشعبي، منتظر مهدي، إن قوات الحشد الشعبي تمسك جزءا كبيرا من الحدود مع سوريا وخاصة في المناطق التي تواجه الحدود السورية التي لا يزال تنظيم الدولة نشطا فيها.

وأضاف مهدي، في تصريح لـ"الاستقلال"، أن "قواته تفتح نيرانها في بعض الأحيان تجاه مقاتلين من داعش يحاولون الاقتراب من الحدود"، لافتا إلى أن "أجزاء من الحدود العراقية السورية في الأنبار تتبع قيادة عمليات الأنبار وتقع خارج سيطرة قوات الحشد".

الانسحاب الأمريكي

جاء إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب"، الانسحاب من سوريا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليضع القوات العراقية في وضع صعب، بعدما أوردت تقارير عدة بعودة نشاط تنظيم الدولة في المناطق الحدودية.

وجاء تعقيب الحشد الشعبي سريعا، إذ أكد بيان له نقلته شبكة "روداو" الإعلامية، "ان قوات الحشد تواصل مسك الحدود مع سوريا وإحباط كل محاولات تنظيم الدولة للتسلل إلى الاراضي العراقية او محاولة ايجاد موطئ قدم لها لاسيما بعد التداعيات التي خلفها الإعلان الأمريكي عن الانسحاب من سوريا".

وكان الحشد قد اتهم في يونيو/ أيار من العام الماضي القوات الأمريكية باستهداف قواته على الحدود مع سوريا، إذ اتهم نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق "أبو مهدي المهندس" الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف قوات الحشد على الحدود مع سوريا قرب منطقة القائم غربي العراق، ما أسفر عن مقتل 22 من عناصرها.

الخبير الأمني العراقي، حسن العبيدي، أوضح لـ"الاستقلال"، أنه لا غرابة من استهداف القوات الأمريكية لقوات الحشد الشعبي، ما دامت الولايات المتحدة عازمة على لي الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا.

ويعتقد العبيدي أن حالات الاستهداف ستتكرر وقد تشهد تصاعدا خلال الأسابيع القادمة، مع زيادة حدة الصراع الإقليمي بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة، لافتا إلى أن العراق سيكون ساحة تصفية الحسابات بين الطرفين.

وعن إمكانية دخول القوات العراقية أو الحشد الشعبي إلى عمق الاراضي السورية لاستهداف مقاتلي تنظيم الدولة، استبعد العبيدي ذلك، موضحا ان اي تحرك من هذا القبيل، سيواجه بضربة أمريكية قوية للقوات المتقدمة، وأن الحشد يعي ذلك.

وعن الضربات الجوية العراقية في العمق السوري، أوضح العبيدي أن سلاح الجو العراقي لا يمكن له أن ينفذ أي طلعة دون علمي أمريكي مسبق، وأن ما تم من استهداف لبعض مقاتلي تنظيم الدولة في البو كمال، تم بتوجيه أمريكي.