تبادل بيانات محتمل بين إسرائيل وأوروبا.. ما خطورته على الفلسطينيين؟

لندن - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت مباحثات الكيان الإسرائيلي والمفوضية الأوروبية بشأن تبادل محتمل للبيانات قلقا واسعا في صفوف الفلسطينيين رسميا وشعبيا وفصائليا، محذرين من خطورتها المستقبلية.

وتجري إسرائيل والمفوضية الأوروبية مفاوضات بشأن إقرار اتفاق لتبادل مشترك للبيانات يشمل سكان "مناطق السلطة الفلسطينية" في إشارة إلى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة و"القدس الشرقية".

سابقة سياسية

وكشفت مجلة "شبيغل" الألمانية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن القضية التي طرحت ضمن اجتماع داخلي للاتحاد الأوروبي أخيرا، وتشمل اتفاق تبادل للمعلومات بين أوروبا وإسرائيل.

وتحتوي مسودة الاتفاقية على بند من شأنه أن يسمح للسلطات الإسرائيلية باستخدام البيانات الشخصية من الشرطة الأوروبية "يوروبول" في الأراضي المحتلة.

وبّينت المجلة أن مسودة الاتفاق بقيت سرية لغاية طرحها، وتشير إلى أنه يجوز للسلطات الإسرائيلية استخدام البيانات "بشكل استثنائي في المناطق الجغرافية التي خضعت لإدارة إسرائيل بعد 5 يونيو (حزيران) 1967".

وبحسب الاطلاع على المحضر الداخلي من قبل المجلة الألمانية، تبيّن رفض 13 دولة من دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27، بما في ذلك ألمانيا، بشدة استخدام البيانات في الأراضي المحتلة. 

وكشف محضر الاجتماع عن تحذيرات أطلقها ممثل فرنسا، وممثلو دول أوروبية أخرى مثل أيرلندا ولوكسمبورغ، من أن ذلك سيخلق "سابقة خطيرة لها عواقب سياسية كبيرة".

كما أن الدائرة القانونية لمجلس الاتحاد الأوروبي، أعربت عن خشيتها من هذا القرار، وعبرت عن مخاوفها كما أوضح أحد الممثلين وفقا لمحضر الاجتماع.

إذ قالوا إن استخدام بيانات شرطة الاتحاد الأوروبي في "المناطق الملحقة" لن يكون فقط سابقة سياسية للغاية ذات تأثير هائل، لكنه ينتهك القانون الدولي أيضا.

بينما لم توضح المجلة الألمانية الخطوة النهائية التي يتوقع أن يقدم عليها الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه.

من جهته، انتقد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي عبر لقاء مع شبيغل، بشدة اتفاقية تبادل البيانات المخطط لها. ووصفها بأنها "هجوم على القانون الدولي".

وقال إن حقيقة أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تفاوضت على اتفاقية تبادل بيانات مع إسرائيل "التي يمتد تفويضها إلى الأراضي المحتلة في دولة فلسطين هي فضيحة غير مسبوقة".

وبين المالكي أن هذا الاتفاق لو طُبق سيكون بمثابة قطيعة مع السياسة السابقة للاتحاد الأوروبي، الذي كان حريصا دائما على عدم إضفاء الشرعية على مطالبة إسرائيل بالأراضي المحتلة.

وانتقد الوزير الفلسطيني مجرد قبول رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي بالتفاوض بموجب هذه المعايير، "فهذا بحد ذاته انتهاك صارخ للقانون الدولي".

وهذا يعني أن رئيسة المفوضية الأوروبية، تقبل كأمر واقع أن قوة الاحتلال تحاول ترسيخ إسرائيل بالقوة، وفق المالكي.

بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني إن "هذه المفاوضات تمثل انتهاكا لحقوق الشعب الفلسطيني والبروتوكولات الدولية".

ووصف ما يجري بأنه "يشكل سابقة سياسية خطيرة" وطالب دول الاتحاد الأوروبي "بوقف هذه المفاوضات والتراجع عنها".

خطورة المسودة

محمد عماد مدير الشؤون القانونية والسياسات لمنظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان يقول إن إسرائيل حريصة دائما على الحصول على معلومات عن الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة وأيضا أوروبا وغيرها من الدول.

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن الأهمية تزداد "ولا سيما مع الأشخاص الذين ترى إسرائيل أنهم يشكلون خطورة عليها كطلاب الدراسات الهندسية والعسكرية".

ورأى أن الفائدة الإسرائيلية من الاتفاقية المحتملة تكمن بالحصول على معلومات عن فلسطينيين لهم علاقات في الاتحاد الأوروبي ومع رجال الأعمال وأصحاب القرارات السياسية لإجهاض نشاطاتهم هناك.

ولفت عماد إلى أن تل أبيب تعمل على جمع المعلومات عن الأشخاص المقيمين في أوروبا وفرزها ومن ثم تحديد مدى خطورتهم المزعومة عليها.

وتابع في السياق نفسه: "الاستفادة من المعلومات تكون عبر توجيه إسرائيل كل قوتها على أرض الواقع ضد نشاطات هؤلاء".

الحقوقي الفلسطيني بين أيضا أن المسودة تعطي إسرائيل السلطة القانونية أو غطاء قانونيا من أوروبا لممارسة الانتهاكات وملاحقة الأفراد داخل أراضي السلطة الفلسطينية.

ورأى أن الأمر "بمثابة تفويض من الاتحاد الأوروبي لأن يمارس الاحتلال الانتهاكات ضد الأفراد الموجودين في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى الخطورة التي يشكلها ذلك على الفلسطينيين في الخارج".

وعن مدى خطورة الأمر، قال إن الاحتلال لا يتردد باختطاف وإنهاء حياة أي فلسطيني يرى من وجهة نظره أنه يشكل تهديدا له، "وهو أمر شهدناه في عدة دول أخيرا".

وهذه المعلومات ونشرها تمثل انتهاكا خطيرا لقواعد القانون الدولي للأفراد وخصوصيتهم وأمنهم الشخصي والخطورة التي تترتب على تسريبها، وفق قوله.

وأردف: "إسرائيل لا تجمع معلومات عن الفلسطينيين خارج الأراضي المحتلة إلا للإضرار بهم من حيث معرفة معلوماتهم الشخصية وابتزازهم أو قتلهم".

ويزداد الأمر خطورة بالنظر إلى تجريم إسرائيل كل منتقد لانتهاكاتها بوصمه بتهمة معلبة تدعى "معاداة السامية" وهو أمر يأخذه الاتحاد الأوروبي على محمل الجد.

كما يأتي هذا التطور في محاولة لإجهاض نشاطات الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل المعروفة باسم (BDS) والتي حققت نجاحات واسعة خلال السنوات الأخيرة في أوروبا والعالم.

شرعنة وتوسيع

ويبدو من هذا التطور بحسب عماد أن سلطات الاحتلال تريد شرعنة استهداف الفلسطينيين في الداخل والخارج عبر تلك الاتفاقية.

وفي الدول التي لا تقيم إسرائيل علاقات رسمية معها، ينفذ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي (موساد) عمليات خطف واغتيال.

لكن يسعى الاحتلال لتجريم الفلسطينيين وملاحقتهم بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي، خاصة مع تصاعد أنشطته الخارجية أخيرا في دول أخرى.

وأبعد من ذلك، يلاحق الموساد الإسرائيلي الأكاديميين الفلسطينيين بالخارج والمتخصصين في مجالات معينة كالهندسة والتكنولوجيا خوفا من مساعدة الجهاز السيبراني لحركة المقاومة الإسلامية حماس.

ومن أمثلة ذلك، محاولة الموساد في 28 سبتمبر/ أيلول 2022، خطف خبير فلسطيني في تكنولوجيا المعلومات، ينحدر من غزة، وسط العاصمة الماليزية كوالالمبور.

كما أعلنت الشرطة الماليزية في 21 أبريل/نيسان 2018 اغتيال فادي البطش الأكاديمي الفلسطيني والخبير في الهندسة الكهربائية، في كوالالمبور. واتهمت وزارة الداخلية في غزة وأطراف ماليزية الموساد بتنفيذ العملية.

ومن بين الأمثلة على استهداف العقول الفلسطينية في الخارج، ما جرى في يناير/ كانون الثاني 2018، في مدينة صيدا جنوبي لبنان.

أصيب وقتها القيادي في حماس محمد حمدان جراء تفجير سيارته بعبوة ناسفة. وقالت وسائل إعلام عبرية لاحقا إنه كان يبني ورشة لإنتاج أجزاء الصواريخ والطائرات بدون طيار.

وبعدها بعام، قال الجيش اللبناني إنه اعتقل مشاركا في محاولة اغتيال حمدان واعترف بتشغيله من قبل الموساد منذ عام 2014، وأنه التقى مشغليه خارج لبنان، وتسلم عتادا وأجهزة إلكترونية خاصة بالرصد والتواصل. 

واختطف مهندس كهرباء فلسطيني يدعى ضرار أبو سيسي من أوكرانيا عام 2011، وانتهى به المطاف في سجن إسرائيلي بعد أكثر من أسبوع، وحكم عليه بالسجن 21 عاما بتهمة مساعدة حماس في تصنيع الصواريخ، من بين إدانات أخرى.

وفي عام 2016 اغتيل في مدينة صفاقس محمد الزواري العالم التونسي والقائد العسكري التابع لحركة حماس والذي قيل إنه كان يطور تكنولوجيا حرب الطائرات بدون طيار لكتائب القسام.

ونقل موقع "زمن إسرائيل" عن معلومات استخبارية دقيقة من جهاز الأمن العام "الشاباك"، أن الجيش الإسرائيلي اغتال في 12 مايو/ أيار 2021 "جمعة الطحلة" رئيس النظام السيبراني وقائد مشروع تحسين الصواريخ والطائرات بدون طيار وصاحب حقيبة البحث والتطوير في حماس.

وادعى الموقع أن الطحلة كان اليد اليمنى لمحمد الضيف، رئيس أركان الجناح العسكري لكتائب القسام "وكان إقصاؤه ضربة كبيرة لمشروع تعزيز قدرات حماس"، وفق وصفه.

تحذيرات واسعة 

بدوره، عبر "مؤتمر فلسطينيي أوروبا" عن رفضه لمسودة الاتفاق، مبينا أنها تشكل انتهاكا واضحا للقوانين والشرائع الدولية، واختراقا صريحا للمرسوم الأوروبي العام المتعلق بحماية البيانات الشخصية.

وأكد أن الاتفاق يعد انقلابا سياسيا صريحا في الموقف الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، وتفويضا لسلطة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقتلا لأي إمكانية لـ"حل الدولتين" التي يؤمن بها الاتحاد.

وثمن مؤتمر فلسطينيي أوروبا موقف الدول الأوروبية الرافضة لهذا الاتفاق، مطالباً بقية الدول بالتحلي بدرجة عالية من المسؤولية السياسية، والنظر إلى القضية الفلسطينية بأبعاد قانونية وسياسية عميقة، تفضي إلى رفض مسودة الاتفاق.

وطالب الفعاليات المناصرة للحق الفلسطيني كافة داخل أوروبا إلى التحرك بكل الآليات والوسائل، و"الضغط على صناع القرار السياسي الأوروبي، وثنيها عن إقرار مثل هذا الاتفاق الظالم؛ والذي يجترح الحقوق الإنسانية كافة؛ ومنها حقوق الشعب الفلسطيني". 

من جهتها، عبرت حركة حماس عن رفضها واستنكارها للمفاوضات الجارية، وطالبت في بيان صحفي المفوضية الأوروبية بوقف التفاوض مع الكيان الإسرائيلي لتبادل بيانات الفلسطينيين احتراماً لحق الشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال.

وعدّت الحركة هذه الخطوة سابقة خطيرة وانتهاكا فاضحا للقانون الدولي، ولا سيما الاعتراف بواقعية الاحتلال ومحاولة منحه الشرعية والسيادة على أراضينا المحتلة، على حساب أمن الشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية.

ودعت الاتحاد الأوروبي للتوقف عن هذه المفاوضات والتراجع عن أي اتفاقيات بهذا الخصوص، وعدم التعامل بازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي المحتل، "انسجاماً مع الموقف الأوروبي التقليدي برفض الاحتلال لأراضينا الفلسطينية، واحتراماً لحق الشعب الفلسطيني في التحرّر والاستقلال وتقرير المصير".

منظمة التحرير الفلسطينية، رأت أيضا في المفاوضات التي تجريها المفوضية الأوروبية، مع دولة الاحتلال حول هذه القضية، انتهاكا للقانون الدولي، ووصفتها بـ"الفضيحة".

واستنكر روحي فتوح رئيس المجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) هذه المفاوضات، وأكد أن استخدام بيانات شرطة الاتحاد الأوروبي من قبل الاحتلال "يتنافى مع جميع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمواثيق والمعاهدات الدولية ومجلس حقوق الإنسان بخصوص الأراضي الفلسطينية المحتلة".  

من جانبه، حذر تجمع المؤسسات الحقوقية الفلسطيني "حرية" الاتحاد الأوروبي من خطورة توقيع الاتفاق مع سلطات الاحتلال، وطالبه بالامتناع ودعاه لاحترام أحكام وقواعد القانون الدولي. 

وأكد التجمع، في بيان له، أن توقيع مثل هذا الاتفاق يشكل خرقا فاضحا لأحكام المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة والتي أكدت على حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ويرى أن الاتفاق يشكل هدرا لما قررته أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 ولاسيما ما نصت عليه المادة (17).

ونصت تلك المادة على عدم جواز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته.