"سايبر" حماس يرعب إسرائيل.. ماذا وراء عملية الموساد الفاشلة في ماليزيا؟

12

طباعة

مشاركة

لم تكن ماليزيا البعيدة جغرافيا عن الشرق الأوسط ضمن دائرة اهتمام مراكز التجسس الإسرائيلي خلال العقود الماضية، إلا بعدما بدأت الدولة الآسيوية الصاعدة باستقطاب الفلسطينيين والتعاطف معهم.

ومنذ بدء الحصار على قطاع غزة عام 2006 وما تبعه من حروب إسرائيلية عليه، بدأت وفود ماليزية بالقدوم إليه بهدف إدخال الغذاء والدواء، وزادت المنح الطلابية الجامعية المقدمة من كوالالمبور للفلسطينيين.

وخلال تلك السنوات ازدادت أعداد الفلسطينيين هناك، وقال موقع "الجالية" الذي يقدم معلومات عن الجاليات الفلسطينية عام 2018، إن أعدادهم تقدر بنحو 4 آلاف، كما افتتح مقر لهم في كوالالمبور خلال سبتمبر/ أيلول 2022.

تفكيك شبكة

الأعداد الكبيرة والنشاط الواسع جعل الفلسطينيين في دائرة استهداف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "موساد"، وفي أحدث مظاهر ذلك نجحت أجهزة الأمن في ماليزيا بتفكيك شبكة تجسس تابعة للكيان الصهيوني.

ونقلت صحف ماليزية في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بينها وكالة أنباء "برناما" الحكومية، عن مسؤولين قولهم إن الموساد جند خلية من 11 ماليزيا على الأقل بهدف تعقب ناشطين فلسطينيين.

وأشارت إلى أن خلية الموساد اختطفت خبيرا فلسطينيا في تكنولوجيا المعلومات، ينحدر من غزة، وسط العاصمة كوالالمبور في 28 سبتمبر/ أيلول ونقلته إلى منزل ريفي في ضواحي العاصمة.

وبعدها تمكنت المخابرات الماليزية من الوصول إلى الخاطفين خلال 24 ساعة واعتقلتهم وحررت الرهينة الذي غادر البلاد بعد الحادث بأيام. 

ولفتت "برناما" إلى أن الشاب تعرض للتحقيق من عناصر إسرائيلية عبر الهاتف خلال خطفه. وأراد الإسرائيليون معرفة خبرته في تطوير تطبيقات الكمبيوتر وقوة (حركة المقاومة الإسلامية) حماس في البرمجيات. وفق ذات المصدر.

وماليزيا دولة ذات أغلبية مسلمة وداعمة قوية للقضية الفلسطينية، ولا يوجد لديها أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. 

من جانبها، قالت صحيفة "نيو سترايتس تايمز" الماليزية إن الخلية حاولت خطف رجلين فلسطينيين يشتبه بأن لهما علاقة مع حماس، فيما لم تنجح إلا باختطاف أحدهما، وقدم الآخر بلاغا لدى الشرطة.

وذكرت مصادر ماليزية أن التحقيقات كشفت ضلوع خلية الموساد بالتجسس على مواقع مهمة في البلاد منها مطارات.

كما أنها اخترقت شركات إلكترونية حكومية. ولم تستبعد هذه المصادر وجود خلايا أخرى نشطة للموساد. 

وقالت المصادر ذاتها إن الموساد استعان لتنفيذ العملية بعملاء ماليزيين كان دربهم في دول أوروبية.

وأشارت الصحيفة الماليزية إلى أن الفلسطيني الذي جرى خطفه تعرض أيضا للاعتداء داخل السيارة، فيما حاول الخاطفون فتح هاتفه الشخصي.

واقتاد الخاطفون الشاب الفلسطيني مقيدا ومعصوب العينين إلى منزل معزول، وهناك جرى تكبيله. وأشارت إلى أن الشاب استطاع التعرف على الخاطفين وتأكد له أنهم ماليزيون. 

وأوضحت: "عندما داهمت الشرطة المنزل وكان الاستجواب لا يزال مستمرا سمع رجال إسرائيليون على الطرف الآخر من خط الهاتف، وعندما دخل عناصر الأمن ارتبك الجميع، وقال الإسرائيليون بصوت عال: "مرحبا، مرحبا، ثم قطعوا الاتصال مباشرة".

وأكدت الصحيفة أن الشابين الفلسطينيين غادرا ماليزيا. وقالت مصادر في الشرطة الماليزية إن "الشاب المخطوف كان سيختفي لولا التدخل السريع لأجهزة الأمن والشرطة".

وكانت الشرطة الماليزية نشرت قبل الحدث بأسبوع تسجيلا مصورا لعملية اقتحام منزل تحصنت فيه عصابة اختطاف، ولم تشر في تصريحاتها إلى عمليات تجسس إسرائيلية وهوية المستهدفين. 

وأعربت وزارة الداخلية بقطاع غزة، التي تديرها حماس في بيان، عن تقديرها لجهود السلطات الماليزية في إنقاذ الفلسطيني الذي اختطفه الموساد.

وقالت: "نقدر الجهود الكبيرة التي بذلتها السلطات الماليزية في إنقاذ مواطن فلسطيني من سكان غزة تعرض للاختطاف في ماليزيا من قبل الاحتلال الإسرائيلي على يد الموساد بالإضافة لكشف أفراد الخلية والعمل على ملاحقتهم".

وأضافت: "نستنكر هذه الجريمة التي ارتكبها الاحتلال بحق أحد أبناء شعبنا الفلسطيني في ماليزيا".

ودعت الوزارة "إلى محاسبة الفاعلين ومحاكمتهم"، معربة عن "شكرها للشرطة والأجهزة الأمنية الماليزية".

استهداف العقول

لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، فالشرطة الماليزية كانت قد أعلنت في 21 أبريل/ نيسان 2018 اغتيال الأكاديمي الفلسطيني فادي البطش، بـ" إطلاق نحو 10 رصاصات عليه أثناء توجهه إلى أحد المساجد القريبة من منزله في كوالالمبور، لأداء صلاة الفجر". 

ونقلت وكالة "برناما" عن قائد شرطة كوالالمبور  مازلان لازيم قوله آنذاك، "أطلق شخص أو اثنان كانا يستقلان دراجة نارية الرصاص على الأكاديمي الفلسطيني (35 عاما) أثناء سيره على ممر المشاة". 

والبطش، المولود في عام 1983 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية (إلكترونيات القوى) من جامعة "مالايا كوالالمبور" في ماليزيا عام 2015. 

كما كان يحمل الماجستير في الهندسة الكهربائية (أنظمة التحكم) عام 2009 من "الجامعة الإسلامية" بغزة، والبكالوريوس في الهندسة الكهربائية (اتصالات وتحكم) عام 2006 "الجامعة الإسلامية" أيضا.

وفي 9 يناير/كانون الثاني أعلنت وزارة الداخلية، في قطاع غزة، أنها أوقفت أحد المتورطين باغتيال البطش.

وقال الناطق باسم الوزارة إياد البزم في بيان: "من خلال التحقيقات الجارية لدى الأمن الداخلي تشير اعترافات أحد الموقوفين بتورطه في اغتيال الشهيد البطش، المتورط اعترف بتكليفه من جهاز الموساد الإسرائيلي". 

وإثر اغتياله، نشرت القناة العبرية العاشرة خبرا على موقعها الإلكتروني بعنوان "اغتيال مهندس حماس في ماليزيا".

واكتفى أفيغدور ليبرمان الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الجيش بالقول إن البطش كان متورطا في تصميم أنظمة صواريخ حماس.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" وقتها أن المهندس البطش كان قد نشر بحثا عن الطائرات بدون طيار، وأنه كان خبير صواريخ. بينما نفى والده وذووه هذه المعلومة.

واتهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الماليزي وقتها زاهد حميدي، إسرائيل، دون أن يسميها، بالمسؤولية عن اغتيال البطش، وقال "هناك دولة شرق أوسطية مستعدة لأن تعمل أي شيء من أجل قتل إمكانات وقدرات الشعب الفلسطيني، للحيلولة دون قيام انتفاضة جديدة ضد الاحتلال".

وقالت "وول ستريت جورنال": "أصبح استخدام الطائرات بدون طيار من قبل أعداء إسرائيل للمراقبة وكسلاح مصدر قلق متزايد للقوات المسلحة الإسرائيلية".

وادعت تل أبيب سابقا أنها أسقطت طائرات مسيرة تابعة للمقاومة في المجال الجوي الإسرائيلي.

وفي 13 مايو/أيار 2021، وردا على عدوان إسرائيلي على غزة، استخدمت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس طائرة "شهاب" المصنعة محليا في استهداف منصة الغاز الطبيعي في عرض البحر المتوسط وحشودا عسكرية ومواقع إسرائيلية. وأدخلت هذه الطائرة إلى الخدمة في ذلك الوقت.

ومن بين الأمثلة على استهداف العقول الفلسطينية في الخارج، ما جرى في يناير/ كانون الثاني 2018، في مدينة صيدا جنوبي لبنان.

أصيب وقتها القيادي في حماس محمد حمدان جراء تفجير سيارته بعبوة ناسفة. وقالت وسائل إعلام عبرية لاحقا إنه كان يبني ورشة لإنتاج أجزاء الصواريخ والطائرات بدون طيار.

وبعدها بعام، قال الجيش اللبناني إنه اعتقل مشاركا في محاولة اغتيال حمدان واعترف بتشغيله من قبل الموساد منذ عام 2014، وأنه التقى مشغليه خارج لبنان، وتسلم عتادا وأجهزة إلكترونية خاصة بالرصد والتواصل. 

واختطف مهندس كهرباء فلسطيني يدعى ضرار أبو سيسي من أوكرانيا عام 2011، وانتهى به المطاف في سجن إسرائيلي بعد أكثر من أسبوع، وحكم عليه بالسجن 21 عاما بتهمة مساعدة حماس في تصنيع الصواريخ، من بين إدانات أخرى.

وفي عام 2016 اغتيل في مدينة صفاقس محمد الزواري العالم التونسي والقائد العسكري التابع لحركة حماس والذي قيل إنه كان يطور تكنولوجيا حرب الطائرات بدون طيار لكتائب القسام.

وفي الداخل، عانى النظام السيبراني لحماس من ضربة قاسية خلال العدوان الإسرائيلي عام 2021 الذي أطلق عليه "عملية حارس الأسوار"، وفق مصادر عبرية.

ونقل موقع "زمن إسرائيل" عن معلومات استخبارية دقيقة من جهاز الأمن العام "الشاباك"، أن الجيش الإسرائيلي اغتال في 12 مايو 2021 "جمعة الطحلة" رئيس النظام السيبراني وقائد مشروع تحسين الصواريخ والطائرات بدون طيار وصاحب حقيبة البحث والتطوير في حماس.

وادعى الموقع أن الطحلة كان اليد اليمنى لمحمد الضيف، رئيس أركان الجناح العسكري لكتائب القسام "وكان إقصاؤه ضربة كبيرة لمشروع تعزيز قدرات حماس"، وفق وصفه.

وفي 13 أكتوبر 2022، كشفت "كتائب القسام" عن تشكيل وحدة "سلاح السايبر" التي تأسست للعمل ضد إسرائيل منذ 8 أعوام.

وخلال حفل تأبين للطحلة في غزة، كشف القيادي في "حماس" زكريا أبو معمر، أن الرجل "أشرف على تأسيس وتشكيل وهيكلة وحدة الحرب الإلكترونية - سلاح السايبر، وقاد بنفسه هجمات عديدة استهدفت منظومة العدو الحيوية".

وضع مقلق

في خضم ذلك، ترجح وسائل إعلام في ماليزيا استمرار الموساد في محاولة قتل المتخصصين في مجالات الهندسة والتكنولوجيا من الفلسطينيين هناك. 

وذكر تقرير نشرته صحيفة "نيو سترايتس تايمز" الماليزية أن جهاز الموساد الإسرائيلي يراقب ستة أهداف فلسطينية داخل البلاد ويتحين الفرصة لاغتيالهم أو اختطافهم، حسبما نقلت عن مصادر أمنية.

وأشار إلى أن الأهداف المذكورة من الأوساط الأكاديمية ويلقون محاضرات في جامعات محلية في عدة تخصصات، منها الهندسة.

ولفت التقرير إلى أن حادثة الاختطاف الأخيرة تأتي في إطار عملية أوسع للاستخبارات الإسرائيلية تستهدف برنامج حركة حماس لإرسال العلماء والمهندسين الفلسطينيين إلى الخارج لاكتساب المعرفة في مجالي التكنولوجيا والأسلحة.

وبين أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي لديه قائمة بالأهداف المفترضة وأنه "من الواضح لهؤلاء الفلسطينيين أنهم على رادار الموساد وأن اختطافهم أو قتلهم يمكن أن يكون مجرد مسألة وقت".

وتابع أنه "في أحد مواقع البروباغندا الإسرائيلية، جرى وضع العلم الماليزي وفي داخله قائمة بالأهداف المفترضة".

وفي هذا الشأن، قال باحث فلسطيني بالدراسات العليا يقيم في ماليزيا لـ "الاستقلال" إن القلق بدأ يسود الأوساط الفلسطينية هناك منذ اغتيال فادي البطش.

وأردف الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه أن تنبيهات واسعة جرى نشرها في الأوساط الداخلية لناشطي حماس وآخرين يدرسون تخصصات بعينها بضرورة الحذر في تحركاتهم.

وتركزت تلك التحذيرات وفق قوله على ضرورة عدم نشر معلومات على وسائل التواصل عن طبيعة التخصصات التي يدرسها الفلسطينيون هناك، وأيضا عناوين أبحاثهم الأكاديمية.

وتوقع أن يواصل الاحتلال عملياته ضد المهندسين والمبرمجين الفلسطينيين لتحجيم القدرات الإلكترونية التي تسعى حركة حماس لتطويرها.

وتحدث الباحث الفلسطيني عن قلق الاحتلال من الإمكانات التقنية المتطورة لدى حماس التي تعمل دائما على تحسين نظامها السيراني. 

وبدوره قال موقع "زمن إسرائيل"، إن "المنظومة الإلكترونية لدى حماس تتجهز للعمل ضد البنى المدنية والأمنية الإسرائيلية في الحرب القادمة".

إذ يعمل نظامها السيبراني مع إيران لاختراق أجهزة "أندرويد" لدى الإسرائيليين، عبر سلسلة من المهندسين المحترفين، وفق قوله.

وبعد الحادثة الأخيرة، كشف الموقع أن حماس استطاعت سابقا قطع الكهرباء عن التجمعات الاستيطانية المحيطة بقطاع غزة، وضرب العشرات من الخوادم والمواقع الإسرائيلية، والتسلل إلى الهواتف وأجهزة الكمبيوتر للجنود الإسرائيليين.

وأيضا تمكنت من اقتحام الكاميرات الأمنية في عدد من المنشآت الأمنية، والتشويش على الترددات، واختراق أجهزة حاسوب لحافلات شركة إيغد الرئيسة، وأيضا اختراق القنوات التلفزيونية الإسرائيلية.

وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي إن الحادثة الأخيرة "تسلط الضوء على  الحرب السرية التي تشنها إسرائيل ضد حماس ومحاولة منعها من حيازة قدرات علمية وتقنية قد تكسر التوازن القائم حاليا ولو في مجالات محددة".

وبين أن "هذا هو هدف اختطاف أشخاص ذوي قدرات في المجال السيبراني، وهو المجال الذي تخشى إسرائيل أن تحدث أسلحته أضرارا إستراتيجية بالغة الخطورة".

من جانبه، ذكر الخبير الأمني الإسرائيلي "يوني بن مناحيم" أن "الذراع العسكري لحماس أسس نظامه السيبراني، الذي أطلق عليه رسميا Cyber ​​Corps، في عام 2014 بعد العمل سرا لمدة 8 سنوات".

وأضاف في مقال بموقع زمن إسرائيل أن "عملية ماليزيا، المنسوبة إلى الموساد الإسرائيلي، فشلت بالفعل، لكن يمكننا أن نتعلم منها الأهمية الكبيرة التي توليها إسرائيل لمسألة الحرب الإلكترونية والجهود الكبيرة التي تبذلها لمعرفة قدرات أعدائها، خاصة تلك التي تتعاون مع إيران".