مرسي ومندريس ومانديلا.. كيف تلاقت أرواحهم وتشابهت مسيرتهم؟

محمد ثابت | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حياة الرئيس الراحل محمد مرسي (20 أغسطس/آب 1951 ـ 17 يونيو/حزيران 2019)، أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، تتشابه في مجملها مع عدد من رموز النضال في العالم، خاصة الذين وصلوا إلى أعلى مناصب الحكم في بلادهم، بعد رحلة كفاح من أجل الحرية والعدل والكرامة ضد مظاهر التخلف والاستبداد.

المدقق في التاريخ المعاصر يجد أن مرسي تجمعه أوجه شبه بداية من الرئيس الراحل لجنوب إفريقيا نيسلون مانديلا (1918ـ 2013) فكلاهما ناضل وسجن إصرارا على مواقفه الوطنية ومبادئه العظيمة وكلاهما وصل لمنصب الرئيس.

تتشابه ظروف حياة ونضال مرسي أيضا مع كفاح واستشهاد عدنان مندريس (1899ـ 1960م) أول رئيس وزراء أعدمه انقلاب العسكر في تركيا، فكلاهما (مرسي ومندريس) رفعا راية التحرر الوطني مطالبين بالعودة إلى أصول الدين، وكلاهما مات على يد العسكر، فأعدموا مندريس، وقتلوا مرسي بإهمال متعمد.

مانديلا العرب

"الشرعية ثمنها حياتي" ثلاث كلمات قالها مرسي في خطابه الأخير، قبيل الانقلاب العسكري عليه في 3 يوليو/تموز 2013، ودفع حياته ثمنا لها، ليعيد العالم مشهد نليسون مانديلا الذي وقف مدافعا عن نفسه ضد اتهامه بالخيانة العظمى.

مانديلا وقف خلال محاكمته في ريفونيا بجنوب إفريقيا عام 1956 قائلا: "إنني أعتز بالمفهوم المثالي للديمقراطية وحرية المجتمع، حيث يحيا جميع الأشخاص في تناغم وحقوق متساوية، إنها المثالية التي أحلم أن أحيا من أجلها وأطبقها، ولكن إذا ما دعت الحاجة لذلك فإنني مستعد للموت من أجلها أيضا".

نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا، المنتصر لذوي البشرة البيضاء على ذوي البشرة السمراء لم يختلف كثيرا عن نظامي مبارك والسيسي المتحيزين لطبقة الأغنياء وأصحاب النفوذ في مصر على حساب الأغلبية العظمى من الفقراء، وفي حالتي مصر وجنوب إفريقيا انهارت منظومة الأخلاق والقيم لحساب التمييز المقيت.

عانى مانديلا معاناة شديدة في سبيل رفعة جنوب إفريقيا وتحررها من التمييز العنصري، فسجن من عام 1964 حتى عام 1990، ليخرج إلى منصب الرئاسة في عام 1993.

ملابسات ميلاد وتجربة مرسي ومانديلا تتشابهان، ففي قرية صغيرة شرقي كيب تاون العاصمة التشريعية للبلاد ولد مانديلا عام 1918م، لأب ما لبث أن توفى وعمر مانديلا 9 سنوات، ليتدرج في تعليمه حتى أصبح عضوا في الكونجرس الإفريقي كناشط ثم مؤسس، ثم رئيس للمؤتمر الإفريقي الممتاز بداية من عام 1944م.

أما مرسي فولد في 20 أغسطس/آب 1951 بقرية العدوة بمركز هيهيا بمحافظة الشرقية شمالي البلاد، لأب فلاح وأم ربة منزل، ليتدرج في الدراسة حتى حصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة عام 1982.

انضم مرسي لجماعة الإخوان المسلمين في السبعينيات من القرن الماضي، وانتخب عضوا في البرلمان المصري دورة (2000ـ2005) حصل  خلالها على لقب أفضل برلماني، وسجن عام 2006، ثم اعتقل في يناير/كانون الثاني 2011، إثر اندلاع الثورة المصرية، ليخرج بعدها مؤسسا لـ "الحرية والعدالة" أول حزب سياسي للإخوان المسلمين في مصر.

في 7 أبريل/نيسان 2012 أعلن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان، ترشيح مرسي في انتخابات الرئاسة التي خاضها ببرنامج مشروع النهضة وأعلن فوزه فيها في 24 يونيو/حزيران 2012 قبل أن ينقلب عليه العسكر في 3 يوليو/تموز 2013، وإيداعه السجن بتهم باطلة حتى وافته المنية في 17 يونيو/حزيران 2019 متمسكا بمبادئه قابضا عليها.

الناشطة اليمنية توكل كرمان تقول عن مرسي: "خلال عهد مرسي والذي دام سنة واحدة، تمتعت مصر بحرية التعبير وحق التظاهر السلمي، لم يسجن أحداً من خصومه السياسيين. وحتى عندما أطيح به بالقوة، لم يقتل أحداً، ولم يسجن أحداً، ولم يلجأ أبداً إلى المقاومة العنيفة".

مضيفة في تغريداتها على تويتر "من خلال الحفاظ على هذا النهج السلمي، سيكون لمرسي وأتباعه دور لا يقل عن دور حزب منديلا، المؤتمر الوطني الإفريقي. على الرغم من التعرض للقتل والاعتقال والقمع، مازال أنصار مرسي متمسكين بالعملية الديمقراطية، الأمر الذي يمنع مصر من الانزلاق نحو حرب أهلية".

شهيد الواجب

ولد عدنان مندريس في ولاية أيدين التركية عام 1899م، وكافح برلمانيا مثله مثل مرسي، إلا أن مندريس بعد أن كان نائبا بالبرلمان التركي (1931 ـ 1943) عن حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، خرج ليشكل وأصدقائه الحزب الديمقراطي عام 1945، لرفضه وجود مواد مناهضة للديمقراطية في نظام الحزب الجمهوري.

في عام 1946 شارك الحزب الجديد في الانتخابات العامة، لكنه لم يحصل إلا على 62 مقعدا، ثم عاد ليشارك في انتخابات عام 1950 ليفوز بأغلبية ساحقة شكّل مندريس على إثرها حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923.

ومثلما حاول مندريس خلال سنوات حكمه العشر التصدي للحزب الجمهوري المستبد سعى مرسي لمواجهة ديكتاتورية الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي كان يرأسه مبارك.

وكما عمد مندريس في تركيا إلى إطلاق حملة شاملة لتطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرق والجسور ودور التعليم، عمل مرسي خلال عام حكمه على تنفيذ إصلاحات داخلية في مصر سواء اقتصادية كتشجيع الفلاحين على زيادة إنتاج القمح، ورفع الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة، وتطبيق منظومة توصيل الخبز لجميع فئات الشعب المطحونة.

كان مرسي حريصا على دينه وسمته الإسلامي واعتزازه بمذهبه السني حتى وهو رئيس للجمهورية فما زال الجميع يذكر إصراره على أن يصلي على الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهو في قلب العاصمة الشيعية طهران وهو ما لم يجرؤ أن يفعله أي رئيس مسلم سني زار طهران من قبل.

أما مندريس في تركيا فأعاد الأذان باللغة العربية بعد أن حوله أتاتورك للتركية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وافتتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم ووضع تركيا في مواجهة حركة القومية العربية الصاعدة آنذاك بزعامة عبد الناصر.

ومثلما انقلب الجيش على مرسي بعد عام واحد من حكمه، انقلب الجيش على مندريس في صباح 27 مايو/أيار 1960 ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقال مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء، وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.

وبعد محاكمة صورية تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.

ملابسات ما قبل الانقلاب على مرسي ومندريس تبدو متشابهة إلى حد كبير فحزب مندريس خسر جزءًا من مقاعده في انتخابات 1957م، وحشد معارضوه القوى العلمانية ضده حتى انقلب الجيش عليه مثلما انقلب على مرسي.

وبعد محاكمة صورية صدر الحكم على مندريس بالإعدام، تماما كما تم شحن العلمانيين ضد الرئيس مرسي في 30 يونيو/حزيران 2013، وصدر حكم بالإعدام على كليهما بالإضافة للسجن، الفارق الوحيد أن مندريس استشهد بإعدامه في 17 سبتمبر/أيلول 1960 فيما استشهد مرسي في ملابسات ما تزال غامضة أثناء محاكمته مؤخرا في قضية التخابر مع حماس.

صمود أسطوري

ياسر عبد العزيز، القيادي بحزب الوسط المصري يقول: "لم يكن الرئيس الشهيد محمد مرسي يطلب الرئاسة ولم يسع إليها يوما بدليل أنه كان المرشح الاحتياطي للإخوان وليس الأساسي لكن بعد شطب خيرت الشاطر أصبح مرسي مرشحا للجماعة ونجح في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في تاريخ مصر".

مضيفا لـ "الاستقلال": "بعد انقلاب وزير الدفاع عليه، كان رد فعله أسطوريا، ورغم أن ذهب المعز كان حاضرا، فاختار الرجل أن يذبح بسيفه، على أن يتنازل عن الشرعية الثورية التي أوصلته لحكم مصر".

وحسب عبد العزيز فإن "أوجه الشبه بين مرسي ومانديلا كثيرة، تأكدت مع صمود مرسي الأسطوري في السجن، رغم الموت البطيء الذي تعرض له من منع الزيارات ليموت معنويا، ومنع الدواء ليموت بيولوجيا، فالرجل المريض بالسكري والضغط يحتاج عناية طبية خاصة، كما يحتاج تغذية خاصة، ورغم مطالبته حتى العلاج والتغذية على نفقته، شارك القضاة في قتله برفض مطالبه".

ويختتم عبد العزيز كلماته بالقول: "لا يستطيع منصف أن يحكم على الفترة التي قضاها الرئيس مرسي في الحكم بأنها فاشلة، فعناصر الإفشال كانت حاضرة داخليا وإقليميا ودوليا".

المؤرخ محمد إلهامي يقول لـ "الاستقلال": لا شك أن تجربة الرئيس مرسي، سيضعها التاريخ إلى جوار تجارب التحرر والاستقلال التي أخمدتها القوى الاستعمارية التي احتلت الأوطان، فهو لا يختلف في محاولته التحرر والخروج عن هيمنة الغرب وأمريكا من محاولات سلفادور الليندي وعمر توريخوس وبقية تجارب أمريكا اللاتينية".

مضيفا: "كما أن قصة مقتله في السجن لا تختلف عن قصص الانقلاب واغتيال الرؤساء الذين حاولوا نفس محاولته مثل: ضياء الحق في باكستان ومحمد مصدق في إيران ومندريس في تركيا ومحاولات جمهوريات أمريكا اللاتينية وغيرها".

الوعي الجماهيري

ويختتم إلهامي كلماته قائلا: "لكن الذي تختلف عنه تجربة الرئيس مرسي أنها كانت أكثر وضوحا ولا تحتاج إلى وقت طويل لكي يرد له اعتباره تاريخيا، فالشعوب التي تعاطفت معه، منذ لحظة الانقلاب عليه وحتى لحظة وفاته تشير إلى حالة الوعي الجماهيري القوية بأن الانقلاب عليه كان جريمة دولية".

الباحث السياسي المصري حمدي عبد العزيز يرى أن "هناك تشابها كبيرا في التجارب الشخصية والسياسية، لمرسي، وكلًا من مانديلا ومندريس بما يتطلب دراسة تجارب هذه الدول بما يفيد الإسلاميين في تعزز الانتقال الديمقراطي في بلادهم بعيداً عن الانتقال الشعبي العنيف أو الانقلابات العسكرية".

وقال الباحث لـ "الاستقلال": "مرسي سجن مثل مانديلا، لكن سجنه جاء بعد انتخاب شعبي لمنصب الرئيس لأول مرة في تاريخ مصر الحديث، بينما صبر مانديلا وأصر على العمل السلمي برغم عنف السلطة وانجرار فئات شعبية للعنف المضاد، وبعد سنوات طويلة جدا خرج من السجن وانتخب رئيساً لجنوب أفريقيا".

وأكد أن "مندريس الذي انقلب عليه الجيش التركي، وتم إعدامه سنة 1960م، كان عضواً في حزب الشعب الجمهوري ثم انتقل  لحزب آخر وانضمت بلاده إلى حلف الناتو، والانقلاب في مصر جاء في ظروف مشابهة تماما".

مضيفا: "حقق مندريس إصلاحات اقتصادية لم تؤتِ ثمارها، وارتكز على شرائح اجتماعية محددة تريد عودة الدين للحياة العامة في تركيا، ولم يتحرك الانقلاب إلا بعد مظاهرات في المدن التركية قادها حزب الشعب الجمهوري، وهو نفس السيناريو تقريباً الذي اعتمدته الدولة العميقة المصرية".

ودعا عبد العزيز إلى ما أسماه "تغليب العقل على العاطفة فيما يتعلق بدراسة تجربة مرسي مع مقارنتها بتجارب دولية أخرى شهدت انتقالا ديمقراطيا وحسمت العلاقة بين العسكري والمدني نسبياً لمصلحة عملية ديمقراطية يكون للمكونات الشعبية فيها تمثيل ودور حقيقي".