"المعارضة مخدرة".. جون أفريك: إغلاق الحياة السياسية يعيد التونسيين للشارع

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في صورة فاجأت كثيرين، شهدت شوارع العاصمة التونسية خروج آلاف المتظاهرين في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 ضد الرئيس قيس سعيد، الذي يواصل إحكام قبضته على البلاد بعد انقلابه على السلطات الديمقراطية في يوليو/ تموز 2021.

ورأت مجلة "جون أفريك"، أن عودة الشارع التونسي للعب دور في الحياة السياسية من جديد، جاء نتيجة إغلاق سعيد السبل المشروعة كافة، وفي مقدمتها البرلمان المنتخب، مع التأكيد أن معظم الأحزاب السياسية بالبلاد حاليا تبدو "مخدرة ومشتتة".

غضب مشتعل

وذكرت المجلة الفرنسية أن المظاهرات الأخيرة في العاصمة التونسية شهدت مشاركة ما يزيد عن 20 ألف تونسي احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد وسياسة قيس سعيد التي أدت إلى ذلك. 

هذا الغضب المشتعل في تونس من المفترض أن يصب في مصلحة أحزاب المعارضة، وذلك قبل شهرين من الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.

لكن هذه الأحزاب والتنسيقيات المعارضة لانقلاب قيس سعيد، تبدو مخدرة بالكامل، وفق المجلة.

وأشارت إلى أنه، بعد شهرين من الآن، في 17 ديسمبر 2022، ستُجري تونس انتخابات تشريعية هي الأولى منذ اعتماد الدستور الجديد، بعد استفتاء متنازع عليه في 25 يوليو/ تموز 2022. 

وستكون هذه الانتخابات خطوة تُكمل ما يزعم سعيد أنها "عملية إصلاح النظام السياسي" منذ أن أطاح بالمجلس النيابي في 25 يوليو 2021، وتولى جميع الصلاحيات.

لكن هذه الانتخابات في 17 ديسمبر ستكون خاصة. فمن خلال إنشاء قوائم انتخاب على الأفراد، فإنها تفصل بين التكتلات الحزبية القوية، وهو ما يجب، بحسب تصور قيس سعيد، أن يحميه من تشكل برلمان جديد معارض له. 

وبما أن البرلمان القديم مغلق الآن لمدة خمسة عشر شهرا بالفعل، فإن المعارضين الآن يعبرون عن أنفسهم في الشارع.

والمظاهرات الأخيرة تعد حدثا كبيرا يشير إلى انعكاس، أو على الأقل انخفاض في الدعم لساكن قصر قرطاج.

فعمل قيس سعيد إلى وقت قريب، على صد التشكيلات السياسية وتقليل تأثيرها، بما في ذلك تأثير الأحزاب الموالية والمقربة منه. 

واستخدم جميع الأدوات القانونية المتاحة له- الدستور والقانون الانتخابي والإجراءات القانونية- ونشر حُجَجا شعبوية تهدف إلى الحفاظ على غضب مشتعل ضد الأحزاب؛ والتي حملها المسؤولية عن فشل التحول الديمقراطي والركود الاقتصادي الأخير طيلة العقد الذي تلى ثورة الياسمين مطلع 2011.

لكن الوضع يصبح أكثر تعقيدا مع تحول أصدقاء الأمس إلى أعداء اليوم، فالنهضة الآن تأسف علنا لأنها دعمت قيس سعيد في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2019.  

وعلى الرغم من ذلك، فإن الحزب الإسلامي، أحد الأحزاب القليلة التي لا تزال نشطة.

وهي بذلك تعزز صفوف الموالين لسعيد من خلال الكراهية التي تثيرها في الرأي العام والرئيس حريص على عدم إخراجها من الساحة السياسية المشتعلة صراحة، ويبدو أن ذلك هو السبب الرئيس.

تموقع جديد

ويدين أحد المؤيدين السابقين لـ"حزب التكتل الشعبي من أجل تونس" (داعم لانقلاب سعيد) بخيبة أمل ما يحدث حاليا في تونس.

أما "الحزب الدستوري الحر" الذي جعل من مناهضة الإسلاميين أحد أهم الفصول في برنامجه السياسي، فيعمل اليوم ليكون ملاذا لأولئك الذين يريدون حزبا تقليديا مستوحى من التجمع الدستوري الديمقراطي الذي أنشأه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. 

وتجدر الإشارة إلى أن "الحزب الدستوري الحر"، كان قد أثار من خلال قيادته للهجوم على النهضة في المجلس التشريعي المنحل، شعورا عميقا لدى الشعب ضد السياسة والأحزاب.

 الأمر الذي عزز بطريقة موضوعية جميع المبادرات التي نفذها الرئيس سعيد بعد ذلك.

وفي مواجهة مثلث "قيس سعيد، النهضة، الدستوري الحر"، تبحث الأطراف السياسية الأخرى عن تموقع جديد في الفضاء السياسي. 

واختار بعض هذه الأحزاب، مثل "الشعب" و"تونس إلى الأمام" أو "حركة 25 يوليو"، الوقوف إلى جانب سعيد لكن من الواضح أنهم لا يجنون النتائج المُتوقعة.  

فلم يمنحهم انخراطهم معه الكبير في تبرير سياساته مكانة مميزة، ولا الآذان الصاغية المنتظرة من الرئيس الذي دائما ما يفضل دائرته المقربة عليهم. 

ودخل الجميع في لعبة "لجنة الصادق بلعيد"، التي كان من المفترض أن تعمل في يونيو/ حزيران 2022 على صياغة مسودة الدستور الجديد.

لكنهم شعروا جميعا أنه تم التلاعب بهم عندما أدركوا أن مقترحاتهم ظلت حبرا على ورق، ودستور سعيد كان مصاغا من قبل.

ومع ذلك، من الصعب عليهم أن يظهروا في المشهد السياسي بوصفهم الطليعة المعارضة لسياسات سعيد.

ويظل التأكيد على دعم قيس سعيد لهم هو السبيل الوحيد لإبرازهم، لأن هذه الأحزاب، في معظمها "أحزاب سيادوية"، لا وزن كبيرا لها على الساحة السياسية.  

فيما يظل قيس سعيد محلهم الوحيد للاختبار النهائي قبل أن يجري استبداله بتيارات أكثر انسجاما مع الأوقات المتغيرة.

حالة من الدهشة

ويعلق المحلل والمُختص في الاتصال السياسي "كريم بوزويتة" على الوضع السياسي الراهن بالقول إن "الأحزاب في حالة من الدهشة".

وقال إنه توقع أن في أعقاب انتخابات 2019، ستتأثر الأحزاب بفكرة "استبدال الجمهورية الثانية" التي يدعو لها قيس سعيد، وكانت هذه هي حالة "آفاق تونس".  

هذا الحزب الموصوف بأنه ليبرالي، لا يقدم تنازلات للإسلاميين ولا للحزب الدستوري الحر، ولا للموالين لسعيد ولا للتشكيلات الأخرى لجبهة الخلاص الوطني المعارضة. 

لكنه لا يزال يُنظر إليه على أنه ممثل النخبة وعالم رأس المال، على الرغم من الرغبة المعلنة في إدخال الليبرالية الجديدة مع عنصر اجتماعي.

وفي مواجهة هذا الشلل العام للأحزاب، سوف "تستمر أسباب الغضب وتزداد"، وفق بوزويتة.

ولن ينتهي هذا الشلل حتى تندمج أصوات احتجاجات أنصار 25 يوليو 2021 المناصرة لسعيد، مع أصوات الاحتجاجات الحالية المناهضة له.

وأوضح أن الأمر استغرق ما يزيد قليلا عن عام حتى تصبح الفقاعة الجديدة الحوكمة، حبيسة الوعود الكاذبة والعجز، شأن سابقاتها.

والوقت ملائم حاليا من الناحية النظرية للأحزاب للتحدث، لكن من يخاطبون لأن القانون الانتخابي لا يسمح لهم بتقديم مرشحين؟  

والاختلاف الوحيد مع قيس سعيد هو أن الرأي العام لم يعد يعتمد على الأحزاب أو على النقابات للتعبير عن نفسه، إنه اليوم يعمل لنفسه ومن أجله.

ومنذ 13 أكتوبر  2022، أدت الاشتباكات مع الشرطة كل مساء إلى إبقاء حي التضامن مستيقظا، وهو حي حساس للغاية للطبقة العاملة، يقع على بعد كيلومترات من تونس العاصمة.  

وتنتشر ظاهرة الاحتجاجات أيضا في محافظة بنزرت (شمال) ودخلت مدينة جرجيس (جنوب شرق) في إضراب عام في 18 أكتوبر؛ "كل ذلك والأحزاب صامتة" 

وهنا يكمن الخلل الحقيقي: الأطراف السياسية مشتتة ولا تتمتع بالقوة الأيديولوجية والمالية اللازمة لاستثمار هذا المجال الرحب من معارضة سعيد وكسب أشواط على حسابه.  

وفي تعليقه عن السبب وراء عجز الأحزاب في تونس في الوقت الحالي، قال بوزويتة إنهم "لم يأتوا بمشروع لتونس".

وكان يكفي "لرجل واحد -قيس سعيد- لا يعترف بالأحزاب أن يتولى زمام المسؤولية، عوضا عنهم".

 فيما خلص حسن الزرقوني، رئيس شركة "سيغما" لسبر الآراء في تونس، إلى القول إن "الأمر سيستغرق وقتا طويلا حتى تتعافى الأحزاب السياسية".