تسريب مرشح المعارضة ومدير المناظرة.. هل يقلب الطاولة بإسطنبول؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ساعات قليلة تفصل مدينة إسطنبول أكبر المدن التركية وأكثرها كثافة سكانية، عن جولة الإعادة من انتخابات البلدية على مقعد "الرئيس" فقط، المقرر إجراؤها الأحد 23 يونيو/ حزيران الجاري، ومن المنتظر أن يدلي فيها أكثر من 9 ملايين مواطن بأصواتهم، من أصل السكان البالغ عددهم 16 مليونا.

في 6 مايو/ أيار الماضي، قررت اللجنة العليا للانتخابات التركية إلغاء نتائج رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، في انتخابات جرت نهاية مارس/آذار، وإعادة إجرائها في 23 يونيو، استجابة للطعون المقدمة من حزب "العدالة والتنمية"، حيث وافق 7 أعضاء باللجنة على الطعون، مقابل اعتراض 4 فقط.

وفي 16 يونيو/ حزيران الجاري، جرت مناظرة تاريخية بين مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدريم ومنافسه أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، تجاوزت فاعليتها، وجدليتها، وقائع المناظرة نفسها إلى الحالة المحيطة بها، في ظل استقطابات غير مسبوقة تشهدها انتخابات المحليات، خاصة فيما يخص إسطنبول التي لها أهمية خاصة عند الأتراك، حكومة وشعبا.

وفي إطار شراسة المعركة الانتخابية، وحالة ما بعد المناظرة، ظهرت تسريبات، اعتبرت بمثابة "الفضيحة" لمرشح المعارضة، بعد الكشف عن عقده لقاء سريا مع مذيع المناظرة لعمل الترتيبات الخاصة بإدارتها، وهو ما اعتبره مرشح الحزب الحاكم سقطة أخلاقية كارثية، واتهم منافسه بالتدليس والكذب.

تفاصيل التسريب

في 18 يونيو/ حزيران الجاري، بدأت الصحف التركية، كشف النقاب عن حصول لقاء دار بين إمام أوغلو، والصحفي الذي أدار المناظرة إسماعيل كوتشوك كايا المذيع بشبكة "Fox News".

وأعلنت صحيفة "صباح" التركية واسعة الانتشار، عن لقاء سري جرى بين إمام أوغلو وكايا، قبل 3 أيام من المناظرة في فندق "The Marmara Otel"، بمنطقة تقسيم في إسطنبول، واستمر لمدة 45 دقيقة.

الفيديو المسرب يظهر دخول إمام أوغلو إلى الفندق، وولوجه إلى غرفة اجتماعات خاصة مع إسماعيل كوتشوك كايا.

في البداية نفت حملة مرشح حزب الشعب الجمهوري، اللقاء جملة وتفصيلا، ومع انتشار المقطع المسرب وتداوله، اعترف أكرم إمام أوغلو، لشبكة تلفزيون "تي.آر.تي" بحدوث اللقاء، قائلًا: "لم يكن اللقاء أمام الكاميرات لكنه غير سري، جلسنا مع السيد كوتشوك كايا وتحدثنا، قلت له أنا لن أتدخل فيما ستطرحه لكن يجب أن نتحدث عن قضايا إسطنبول، وأن نركز على أسباب إعادة الانتخابات، استمر اللقاء لمدة لم تتجاوز 2-3 دقائق".

تبين بعد ذلك من خلال الكاميرات أن اللقاء استمر أكثر من 45 دقيقة كاملة، وهو ما دعى يلدريم للتصريح بأن الأمر "كارثي وغير أخلاقي"، قائلا: "لماذا التقى إمام أوغلو بالمذيع؟ ولماذا لم يصرح بهذا اللقاء؟ لماذا تم إخفاء الأمر عن الجمهور؟"، و"كيف علم إمام أوغلو بالأسئلة مسبقا ليأتي ببعض اللوحات البيانية التي عرضها في المناظرة خلال إجابته على الأسئلة؟".

من جانبه هدد رئيس الجمهورية "رجب طيب أردوغان"، أثناء كلمة له يوم 19 يونيو/ حزيران 2019، في منطقة "سانجاق" بمدينة إسطنبول، بالكشف عن تفاصيل أخرى خاصة باللقاء الذي تم بين إمام أوغلو، وإسماعيل كايا.

يلدريم أثناء المناظرة استخدم أكثر من مرة، وهو يوجه حديثه لـ "أكرم" بشكل مباشر، كلمات (يكذب/ كذاب/ كذب)، بينما قام أنصار حزب العدالة والتنمية بتصدير هاشتاج، وعبارة "Ekrem yalancı" بالعربية تعني "أكرم الكذاب".

واعتبر الحدث بمثابة "فضيحة" تضرب مصداقية مرشح المعارضة، خاصة وأنه تعامل معها بشكل مرتبك، عبر إصدار مجموعة من التصريحات المتضاربة بين النفي، والإيجاب.

مذيع المناظرة كوتشوك كايا، أعلن أن المؤسسة التي يعمل فيها "Fox Tv" سوف ترفع دعوى ضد إدارة فندق "The Marmara" بسبب تسريبه صور اللقاء إلى وسائل الإعلام، فيما اعتبر مراقبون أن الواقعة تعد سقطة مهنية وأخلاقية للمذيع البارز بشبكة "fox news" الإخبارية.

وقائع المناظرة

في مساء الأحد 16 يونيو/ حزيران الجاري انطلقت مناظرة تلفزيونية بين المرشحين بن علي يلدريم، وأكرم إمام أوغلو، استهلها الجانبان بتبادل هدايا بمناسبة "عيد الأب" العالمي وأكدا على أهمية إجراء الانتخابات في أجواء ديمقراطية.

جرت المناظرة التي استمرت ساعتين في مركز "لطفي قيردار" للمؤتمرات والمعارض بإسطنبول، وسط إجراءات أمنية واسعة، وتم بثها على الهواء مباشرة بشكل مشترك عبر العديد من القنوات المحلية، وحظيت بمتابعة ملايين الأتراك.

المذيع سأل المرشحين مباشرة عن سبب إعادة الانتخابات التي تمت في 31 مارس/ آذار الماضي، فقال يلدرم: "لجنة الانتخابات لاحظت حصول تلاعب بعد أن أعادت فرز بعض المناطق وأقرت إعادتها".

وأردف: "البعض يوجه لنا اتهامات بأنا قمنا بخداع المواطنين، نحن استخدمنا حقنا الطبيعي في الاعتراض، نحن نقول لكم إن الفارق انخفض بيننا إلى 13 ألف صوت بعد أن كان 29 ألفًا بعد إعادة فرز 10% فقط من الأصوات".

وكرر إمام أوغلو خلال المناظرة سؤاله لخصمه حول سبب توقف وكالة الأناضول عن بث نتائج الانتخابات لـ 12 ساعة، لكن بن علي أجاب، قائلا: "لست مسؤولا عن وكالة الأناضول والسؤال يجب أن يوجه إليها".

أما عن موضوع السوريين في تركيا، قال إمام أوغلو،"لاحظنا مع الأسف ارتفاع وتيرة التوتر بين المهاجرين والسكان المحليين في الفترة الأخيرة"، وتعهد في حال فوزه بإنشاء مكتب خاص لمتابعة شؤون السوريين، مضيفًا: "سندافع عن حقوق نسائهم وأطفالهم".

ومن جهته، كرر بن علي يلدرم موقف حزبه من السوريين، معتبرًا أنهم "المهاجرون"، والأتراك هم "الأنصار"، موضحًا أن منحهم وثيقة الحماية المؤقتة يعني أن وجودهم في تركيا "مؤقت"، مشيرًا إلى عودة 500 ألف سوري إلى مناطق عفرين وجرابلس، بعد دخول الجيش التركي إليها.

كان هناك سؤال يشغل الرأي العام التركي قبل المناظرة، طرحه أيضا يلدريم على إمام أوغلو، وهو: "هل سيعتذر إمام أوغلو إلى محافظ أوردو أم لا؟".

وكان مرشح حزب الشعب الجمهوري وصف محافظ أوردو بــ"الكلب"، حين منعه رجال الأمن من استخدام صالة كبار الشخصيات في مطار أوردو، ثم أنكر إمام أوغلو ذلك رغم وجود شهود ومقطع فيديو سجل الإساءة بالصوت والصورة.

يلدريم شكك مرة أخرى في مصداقية إمام أوغلو، حينما قال له: "أنت وعدت الناخبين بتخصيص حديقة للأطفال في كل حي من أحياء إسطنبول، لكنك كنت وعدت الناخبين في بلدية بيليك دوزو بتخصيص 11 حديقة عامة في القضاء لكنك وخلال رئاسته للبلدية 5 سنوات، لم تنجز سوى حديقة واحدة فقط، فشلت في عمل 11 حديقة، كيف ستنجز 150 حديقة؟".

جدل كبير

الدكتور سعيد الحاج الباحث المتخصص في الشأن التركي قال لـ "الاستقلال": "هناك جدل كبير في تركيا بعد المناظرة التلفزيونية بين يلدرم وإمام أوغلو، وتسريب فيديو لقاء المذيع مع إمام أوغلو قبل المناظرة".

مضيفا: "إن استطاع حزب  العدالة والتنمية إثبات تحيز مدير المناظرة وتورط إمام أوغلو في ذلك وكتمه وعدم الإعلان عنه، ستكون ورقة قوية في يده، خصوصا، أنه لم يكن هناك فارق شاسع بين الطرفين في المناظرة".

الحاج أكد: "ما بعد المناظرة أهم منها وأكثر تأثيرا، حيث اجتهد كلا الفريقين في تسويق تقييمات محددة واقتباسات بعينها من المناظرة لإقناع الناخبين بتفوق مرشحهم، ما يعني أن الساعات المتبقية ستكون أكثر سخونة فيما يبدو من سابقيها".

وحول خصوصية التسريب قال الحاج: "يوجد نقاش آخر لا يقل أهمية متعلق بكيفية تسريب الصورة ومن يقف خلفها، وهل كان التسريب بطلب من مدع عام أو قاض في محكمة؟ أم تسريب من الفندق؟ أم من أحد العاملين فيه؟ أم من جهات أمنية؟ وإلى أي مدى يمكن أن يكون تسريب الصورة قد انتهك حق أفراد، بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع ما فعلوه، وخصوصيتهم دون مسار قضائي ومسوغ قانوني".