صحيفة روسية: الأوروبيون رفعوا شعار "الموت لليهود" والفلسطينيون دفعوا الثمن

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

شهدت الأشهر الأخيرة تدهورا متسارعا في علاقات الكيان الإسرائيلي مع روسيا، على خلفية غزو الأخيرة أوكرانيا، ووقوف إسرائيل إلى جانب المعسكر الغربي العازم على فرض عزلة دولية على موسكو.

وفي هذا السياق، سلطت صحيفة "لينتا دوت رو" الروسية الضوء على تاريخ نشأة الكيان الإسرائيلي، مؤكدة أن فلسطين وشعبها هم من دفعوا ثمن شعار "الموت لليهود" الذي ردده الأوروبيون طوال عقود.

دولة مزعومة

وذكرت الصحيفة الروسية أنه بعد انتهاء الإمبراطورية العثمانية منذ 100 عام وتقسيم أراضيها، منحت عصبة الأمم آنذاك بريطانيا والانتداب لحكم فلسطين.

وأضافت أنه هكذا تم وضع أساس "الوطن القومي اليهودي"، الذي أصبح فيما بعد "دولة إسرائيل"، وأعطى هذا القرار التاريخي الشعب الأمل في دولته الوطنية، وذلك لأول مرة منذ ألفي عام من التجول في جميع أنحاء العالم.

فلم يكن من السهل الوصول إلى مثل هذه النتيجة حيث لم يتمكن مؤسسو "دولة إسرائيل" في البداية حتى من تخيل العقبات التي سيتعين عليهم مواجهتها قبل إنشاء دولتهم. 

وأكدت الصحيفة أن من أهم الأسباب التي دفعت إلى إنشاء الكيان الإسرائيلي هو شعار "الموت لليهود".

فنشأت إسرائيل الحديثة إلى حد كبير بسبب انتشار الصهيونية في أوروبا، حيث هدفت الحركة إلى إعادة توحيد وإحياء الشعب اليهودي في أرض إسرائيل.

ويعد الصحفي اليهودي "تيودور هرتزل" وهو شخصية عامة من النمسا والمجر، الأب المؤسس للحزب السياسي الصهيوني.

ونشأ هرتزل في عائلة علمانية مندمجة، لكنه غالبا ما واجه معاداة السامية بين من حوله وأصبح مهووسا بإيجاد حل ينهي سنوات من التمييز ضد اليهود.

وفكرته الأولى كانت غير عادية وساذجة إلى حد ما، ففي عام 1893 وضع خطة للتحول الجماعي لليهود النمساويين إلى المسيحية.

ولكن لم يقدروا على ذلك، لذلك دافع "هرتزل" بأن جذور معاداة السامية ليست في الاختلافات الدينية وحدها.

وعمل "هرتزل" في باريس كمراسل لصحيفة "نيو فري بريس" النمساوية، وقام بتغطية محاكمة قائد الجيش الفرنسي "ألفريد دريفوس".

وقد اتهم ضابط من أصل يهودي زورا بالتجسس لصالح الإمبراطورية الألمانية، وحكم عليه بالنفي مدى الحياة وبإجراء مهين لخفض رتبته العامة، وهو ما يسمى بالإعدام المدني.

وذكر صحفي، كان حاضرا في المحاكمة، في وقت لاحق أن مشهد الحشد وهم يهتفون "الموت لليهود" جعل "هرتزل" يدرك الفراغ والعبث في محاولة محاربة معاداة السامية.

ثم أدرك "هرتزل" أن السبيل الوحيد للخروج هو إقامة دولة يهودية منفصلة.

مخطط مدروس

وأوضحت الصحيفة الروسية أنه في عام 1896، كتب العمل البرنامجي الذي أصبح الأساس الأيديولوجي للصهيونية، فقد كان يعتقد أن اليهود سيواجهون التمييز في كل مكان، وأن إعادة توطينهم في منطقة منفصلة ستكون مفيدة لجميع الدول الأوروبية حيث تسود معاداة السامية.

واقترح "هرتزل" فلسطين أو الأرجنتين كموقع للدولة الجديدة. وأوضح اختيار الأخير من خلال حقيقة أن دولة أميركا اللاتينية غنية جدا وواسعة، لكن عدد سكانها قليل، وبالتالي فمن مصلحة السلطات المحلية التنازل عن جزء من أراضيها لليهود على أساس السيادة.

لكن بعد عام من نشر كتاب الدولة اليهودية أي في 29 أغسطس/ آب 1897، انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا، وقد تولى "هرتزل" كل النفقات وتجمع حوالي 200 شخص في كازينو بازل.

وجاء حوالي ربعهم من روسيا، وأسس المشاركون في المؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية واتفقوا على برنامج لإنشاء دولة يهودية على أراضي فلسطين.

فبادئ ذي بدء كان المطلوب تنظيم إعادة توطين الفلاحين والحرفيين والصناعيين في أرض إسرائيل، وتطوير شبكة من المنظمات اليهودية حول العالم لإيقاظ المشاعر القومية لدى اليهود، وذلك عن طريق إقناع القوى الأوروبية بضرورة دعم الحركة الصهيونية.

وكان هناك الكثير من المشككين في الحدث، وقد أبلغ المبعوث الروسي إلى سويسرا "ألكسندر إيونين" سانت بطرسبرغ أن المؤتمر كان أشبه بـ"تجمع دولي" للراغبين في تناول الطعام والشراب، ووصف أهداف الصهاينة بأنها "خيالية وغير قابلة للتحقيق". 

وبدأت الهجرة الأولى، أو الموجة الأولى من المستوطنين اليهود، بالوصول إلى فلسطين، حتى قبل نشر كتاب "هرتزل"، وبعد اغتيال الإمبراطور "ألكسندر الثاني" عام 1881 اجتاحت موجة من المذابح اليهودية جنوب الإمبراطورية الروسية.

ما دفع يهود روسيا إلى الفرار من الاضطهاد إلى فلسطين. وقد حفز هذه العملية أولا المؤتمر في بازل، ثم الطرد الجماعي لليهود من موسكو في عام 1891، حيث هاجر حوالي 35 ألف شخص إلى فلسطين خلال الهجرة الأولى.

واندلعت موجة جديدة من الهجرة اليهودية بسبب مذبحة دموية في كيشيناو (عاصمة مولدوفا) في عام 1903 حيث قتل 49 شخصا، واغتصبت مئات النساء اليهوديات، ونهب وحرق أكثر من ألف منزل ومتجر يهودي.

كيان مصطنع

واجتاحت الإمبراطورية الروسية موجة من المذابح مرة أخرى خلال ثورة 1905، ما دفع آلاف اليهود إلى البحث عن ثرواتهم في الأراضي الفلسطينية.

وفي عام 1909، تأسست أول مدينة يهودية حديثة في تل أبيب، تم تشييدها في البداية على أنها الحي اليهودي في مدينة يافا القديمة، ولكن مع وصول المستوطنين الجدد نمت وتحولت إلى مدينة كاملة.

وبحلول عام 1914 كان يعيش 85000 يهودي في فلسطين. ومع ذلك، فإن اندلاع الحرب العالمية الأولى أوقف الهجرة حيث انضمت الإمبراطورية العثمانية إلى ألمانيا، وطردت الآلاف من اليهود من فلسطين.

وطوال ذلك الوقت كان الصهاينة يتفاوضون بشكل يائس مع القوى الأوروبية، محاولين إقناعهم بضرورة تزويد اليهود بأجزاء من أرضهم، حيث ناقش "هرتزل" مع السلطات البريطانية إنشاء دولة مصطنعة مؤقتة على أراضي قبرص أو شمال سيناء، ولم يكن كلاهما بعيدين عن فلسطين المرغوبة.

ومع ذلك ظهرت فكرة أخرى في لندن، وهي كيفية تحويل تدفق المهاجرين اليهود في الاتجاه الصحيح، وفي عام 1903 اقترح وزير المستعمرات "جوزيف تشامبرلين" أن ينشئ رئيس الحركة الصهيونية دولة يهودية في شرق إفريقيا ويطلق عليها اسم أوغندا (على الرغم من أنه كان من المفترض أن تقوم على أراضي كينيا الحديثة).

وكانت تأمل بريطانيا أن تعطي دفعة لتنمية المستعمرة الإفريقية. وعلى الصعيد الآخر اعتقد "هرتزل" أن شرق إفريقيا يمكن أن تصبح فقط ملجأ مؤقتا ليهود أوروبا الشرقية الفارين من المذابح.

وعقدت بريطانيا مؤتمرا للقادة اليهود والعرب في سبتمبر 1946، لكن المفاوضات توقفت، وفي عام 1947 قررت لندن التخلي عن الانتداب على فلسطين وتوجهت إلى الأمم المتحدة المنشأة حديثا للمساعدة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تقسيم فلسطين المنتدبة إلى دولتين عربية ويهودية. كان من المقرر أن تصبح القدس مدينة دولية لتجنب النزاعات حول وضعها.

ومع خروج القوات البريطانية اندلعت اشتباكات مسلحة بين الصهاينة والعرب الفلسطينيين، تمكنت خلالها التشكيلات اليهودية من بسط سيطرتها على الأراضي التي خصصتها لها الأمم المتحدة.

وعشية انتهاء الانتداب البريطاني في 14 مايو/ أيار 1948 أعلن رئيس وزراء إسرائيل الأول"ديفيد بن غوريون" رسميا إنشاء أول دولة يهودية مستقلة لأول مرة منذ ألفي عام.