"الاستبداد ملة واحدة".. تحذيرات عربية للتونسيين من التصويت على دستور سعيد

تونس - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في صورة لافتة، دعمت أعداد كبيرة من الناشطين العرب حملة مقاطعة الاستفتاء على مشروع دستور أعده الرئيس التونسي قيس سعيد بمعيته، وقرر طرحه لاقتراع الشعب في 25 يوليو/ تموز 2022.

وحظيت الحملة بتضامن عربي واسع وتشجيع على المقاطعة وحث على إسقاط انقلاب سعيد ودستوره، الذي يكرس قواعد نظام ديكتاتوري ويمنحه سلطات مطلقة بينما يحتقر السلطات التشريعية والقضائية.

وتصاعدت دعوات المقاطعة بعدما نشرت الجريدة الرسمية في تونس نهاية يونيو/ حزيران 2022، مشروع الدستور الجديد، وسط أنباء عن أنه كان معدا منذ شهور من قبل سعيد، ولا علاقة له بالمسودة التي أعدتها اللجنة المكلفة بكتابته، لذا تبرأت منه لاحقا.

وانتقد رئيس الهيئة المكلفة بإعداد الدستور الصادق بلعيد، نشر نسخة مختلفة للدستور تؤسس لنظام ديكتاتوري، فيما قال عضو اللجنة أمين محفوظ، إن نسخة سعيد تضمنت ضربا تاما للنظام الديمقراطي.

الناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ربيع_عربي_واحد، أعلنوا تضامنهم مع التونسيين ورفضهم التلاعب بمصيرهم وثورتهم وعودتهم إلى الديكتاتورية بعدما تمكنوا من إسقاط نظام زين العابدين بن علي في 2011.

وغيروا صورة ملفاتهم الشخصية بصور تتضمن علم تونس مع عبارة قاطع الاستفتاء، استجابة لدعوة الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي في 2 يوليو/ تموز 2022، الذي نشر صورة حساب جديدة مع علم تونس.

وأوضح أن ذلك تأكيد لدعوته شعب تونس لـ#قاطع_الاستفتاء وتأكيد لدعوته أبناء #الربيع_العربي للمشاركة لأن "معركة تونس معركتهم، ووصف دستور قيس سعيد بأنه دستور قيس السيسي".

الأمر ذاته، أشار له ناشطون خلصوا إلى أن قيس سعيد نسخة مكررة من رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي الذي قاد انقلابا عسكريا على الرئيس الشرعي محمد مرسي في 2013 وكانت أبرز خطواته لتقنين انقلابه ومنح نفسه صلاحيات أوسع هي تغيير الدستور.

وتداولوا تصريحات أعضاء اللجنة المشكلة لصياغة الدستور التي أعلنوا فيها تبرؤهم من النسخة المعلنة وأعربوا عن خطورتها وأنها تقود البلاد إلى الديكتاتورية والهلاك، مستنكرين مشاركتهم منذ البداية في هذه المسرحية العبثية.

استجابة عربية

وتعليقا على المشهد، ناشد أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر الدكتور محمد المختار الشنقيطي، التونسيين، قائلا: "أيها الشعب التونسي الأبي قاطع الاستفتاء على الدستور الذي يريد الانقلابي قيس سعيد وسدنة الثورة المضادة فرضه عليك. تمسك بثورتك، ولا تشتر الوهم من أهل الزور والفجور".

كما ناشد التونسيين أيضا الكاتب والصحفي السوري الدكتور أحمد موفق زيدان، قائلا: "يا شعب خير الدين التونسي وأبا القاسم الشابي قاطع الاستفتاء، فدستور كتبه طاغية مستبد، اختطف باكورة ثورات الربيع العربي، وسلق دستورا، بأخطاء لغوية معيبة، لا يليق بتونس وحضارتها".

ونشرت الناشطة السياسية والحقوقية السعودية علياء أبو تايه الحويطي، صورتها مرفقة بالعلم التونسي ومذيلة بعبارة قاطع الاستفتاء، قائلة: "ربيع عربي واحد".

وأضافت: "وضعت علم تونس مع صورة حسابي استجابة لدعوة الدكتور منصف المرزوقي، لأن تونس مهد الثورة ونجاح حراكها إحياء لكل الساحات، ولأن قيس سعيد صبي السيسي في الهوس ويجب إسقاطه".

خطى السيسي

ورأى ناشطون أن الرئيس التونسي يسير على نهج السيسي وسيقود البلاد نحو الهلاك خاصة في ظل هيمنته على القرارات والاستيلاء على السلطة ومنح نفسه كافة الصلاحيات، مبشرين بأن ذلك لن يطول وسيقوم الشعب التونسي بإسقاطه والحفاظ على مكتسبات ثورته وإعادة بوصلة ثورات الربيع العربي.

وأوضح السياسي والحقوقي المصري أسامة رشدي، أن ما يفعله قيس سعيد هو نفس الاستبداد، وسبقه في ذلك السيسي المنقلب الذي جلب لجنة سميت بلجنة الخمسين كتبت ما كتبت وهو يضمر أن يضع دستورهم في النهاية في أقرب صفيحة زبالة بل ويعيد تفصيله.

وأضاف: "وقرر أن يحكم بالدبابة والزنزانة وأسماها أيضا الجمهورية الجديدة"، مؤكدا أن "الاستبداد ملة واحدة".

ورأى هشام فؤاد، أن دستور قيس سعيد يرفع شعار "السلطة لا تزال في جيبي" ويستلهم أسلوب إحكام السيطرة والقبضة على مؤسسات الدولة والشعب والمسؤولين والمعارضين من دستور السيسي المصري الذي أحكم قبضته على مكونات الدولة كلها.

وتوقع الباحث في مؤسسة مشارق ومغارب عباس شريفة، أن تكون تونس شرارة إسقاط الانقلابات المضادة للربيع العربي، كما كانت شرارة البداية لثورات الربيع العربي، داعيا إلى مقاطعة الاستفتاء وألا يكون أحد سببا لشرعنة دستور قيس سعيد. وكتب الكاتب السوري حسن الدغيم أبو بكر: "لتونس فضل على تفكيرنا وحياتنا واسترداد إنسانيتنا حيث كانت ميلاد الربيع العربي، وستكون بإذن الله عنوانا لرفض الانقلاب ووصاية الاستبداد".

طغاة مستبدون

وصب ناشطون غضبهم على الرئيس قيس سعيد، مشيرين إلى أنه حتى المشاركون في مسرحيته تبرؤوا منه وكشفوا تلاعبه بالدستور وكتابته على هواه ما يعني أن اللجنة المشكلة ما هي إلا واجهة لإسكات الرأي العام.

أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة، قال إن تصرفات الرئيس التونسي تثير الذهول ولا يمكن لأي عاقل قبولها، متسائلا: "كيف له أن يشكل لجنة فنية لكتابة دستور جديد لتونس، ثم يطرح للاستفتاء نصا آخر تماما صاغه بنفسه؟ ومتى وفي أي نظام كان يحق لرؤساء الدول أن يكتبوا الدساتير بأنفسهم؟".

وأضاف أن "هذا لا يحدث إلا في العالم العربي فقط!!".

وأشار الإعلامي سامي كمال الدين، إلى أن قيس سعيد أخد مسودة الدستور من اللجنة وعدل عليها وغيرها ونشرها للاستفتاء عليها، ووصفه وأمثاله بأنهم "طغاة يرون أنفسهم فوق البشر.. فلاسفة الاستبداد." وسخر الكاتب والإعلامي ياسر أبو هلالة، من تعليق شقيق سعيد علي نوفل سعيد، على التصريحات الأخيرة للصادق بلعيد وأمين محفوظ (لجنة إعداد مشروع الدستور) بالقول إن الهيئة المكلفة بإعداد مشروع الدستور استشارية والجميع على علم بذلك وقد قبلوا العمل على هذا الأساس و"للرئيس وحده الكلمة الفصل."

وعقب قائلا: الرئيس "وحده" لا شريك له في السلطات، طبعا شقيقه "ولي العهد" في الأسرة القيسية الحاكمة لها حق توبيخ رئيس لجنة إعداد الدستور الأجير عند ولي النعم مؤسس الإمارة القيسية في تونس.

واستنكر مغرد آخر إشارة شقيق سعيد، إلى أن "أعضاء اللجنة الاستشارية لا يرتقون إلى درجة وعي الرئيس"، موضحا أن هذا معتقد ولاية الفقيه عند الشيعة، حيث يعتقدون أن الولي الفقيه هو فوق درجة الإنسان ودون مرتبة الإله وأنه معصوم والولي الفقيه هو وكيل الإمام المهدي يقوم محله في الأرض حتى خروجه للناس. وأشارت رئيسة تحرير موقع بوابة تونس وجدان بوعبدالله، إلى أنه حتى الداعمون لقيس سعيد إلى الرمق الأخير أعلنوا أنه "خان الأمانة" بنشره مشروع دستور مختلف عن مشروع الدستور الذي صاغته اللجنة. 

ورأت أن خروج بلعيد ومحفوظ للإعلان أن ما نشر في الرائد الرسمي هو دستور سلطوي، يعد اعترافا خطيرا يسقط شرعية الاستفتاء أصلا ومضمونا.

وأوضح الكاتب والباحث جلال الورغي، أن الصادق بلعيد ركب قطار الانقلاب، بل أراد أن يدستره، لكن لأن الانقلاب يكرس منطق الفرد المتفرد، فقد أنزله قيس سعيد من القطار، فلا هو نال غنيمة من الانقلاب، ولا هو كان له شرف الموقف الرافض له.