تضييق أخنوش الخناق على التجارة الإلكترونية.. كيف ينعكس على المغاربة؟

جمال خطابي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة جديدة عدها متابعون تضييقا على المغاربة، فرضت حكومة عزيز أخنوش رسوما جمركية وضرائب إضافية على مقتنيات المنصات الإلكترونية الدولية مهما كانت قيمتها.

وفي 16 يونيو/حزيران 2022، صدقت الحكومة على مرسوم حكومي يُنهي عهد إعفاء المعاملات التجارية عبر المنصات الإلكترونية الدولية من أداء الرسوم الجمركية، على أن يدخل المرسوم حيز التنفيذ مطلع يوليو/تموز من نفس العام.

وكانت مدونة الجمارك (مجموع الأحكام التشريعية والتنظيمية التي تهم استيراد وتصدير البضائع) تُعفي من الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب المستحقة عن الاستيراد، بالنسبة للمنتجات والأشياء التي يشتريها المغاربة عبر المنصات الإلكترونية الدولية والتي لا تتعدى 1250 درهما (125 دولارا).

وحتى قبل التصديق على المرسوم الحكومي المذكور، حجزت الجمارك المغربية بمدينة طنجة (شمال المغرب)، طلبات آلاف الزبائن المغاربة لمنصة "Shein" الصينية لبيع الملابس، وأعلنت عن عرضها للبيع بمزاد علني في 3 يونيو 2022.

وتفاجأ زبناء "Shein" بتغييرات كبيرة في أسعار الملابس والإكسسوارات التي دأبوا على شرائها، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الشحن التي كانت في حدود 10 دراهم (دولارا واحدا)، وأصبحت الآن 160 درهما (16 دولارا)، كما ارتفعت أسعار الملابس المعروضة للبيع للمغاربة بنسبة 300 بالمئة.

خنق وتضييق 

قرار الحكومة تشديد الإجراءات الجمركية، عده مدونون وبرلمانيون وإعلاميون خنقا للتجارة من خلال المنصات الإلكترونية، وتضييقا على المغاربة الذين يلجؤون لشراء مقتنيات ذات قيمة مالية ضعيفة عبر عدد من المواقع الإلكترونية التجارية الدولية.

وسجل متتبعون أن هذا القرار يأتي في الوقت الذي كشفت فيه منابر إعلامية محلية عن إطلاق مجموعة "أكسال" الاقتصادية لصاحبتها سيدة الأعمال سلوى أخنوش، حرم رئيس الحكومة متجرها الإلكتروني "وصال".

الإعلامية مريم بوتروات، انتقدت تشديد الرسوم الجمركية على مقتنيات المغاربة عبر المنصات الدولية للتجارة الإلكترونية.

وأكدت بوتروات، في تدوينة عبر فيسبوك، رفضها التضييق على الفسحة التي كانت تُمكن المغاربة من أن يشتروا ما يريدون ومن أي مكان يريدون وبالثمن المناسب لهم، مشددة رفضها أيضا إثقال كاهل المغاربة بمزيد من الرسوم والضرائب.

وأفادت أنه كان من الأفضل التفكير في حلول مبتكرة تفسح مجال الحرية أمام المغاربة بالشراء عبر الإنترنت، وفي نفس الوقت يؤدي من يمتهن التجارة من خلال هذه المنصات رسوما ضريبية مثل باقي التجار.

بدوره، عبر الإعلامي والباحث في التواصل السياسي عبد الصمد بنعباد، عن استهجانه لقرار حكومة أخنوش. وخلال فيديو نشره في قناته على منصة "اليوتيوب"، أكد أن المغاربة تعبوا من الإجراءات غير الشعبية التي تتخذها الحكومة عكس مجرى التاريخ.

وأوضح بنعباد، أن مشكلة المغرب هي مع شركة واحدة، في إشارة إلى "Shein" الصينية، مبينا أنه عوض أن تعمل الحكومة على معالجة هذا الأمر، لجأت إلى الحل السهل وهو تشديد الإجراءات الجمركية على جميع الشركات.

واستغلت شركة "Shein" الإعفاء الضريبي على كل طرد يقل ثمنه عن 1250 درهما (حوالي 125 دولارا)، تعمل على تصدير أقل من ذلك المبلغ بعد الاتفاق مع زبائنها أو تقسيم البضاعة على دفعتين حتى تتهرب من الرسوم الجمركية.

البرلماني السابق والباحث في العلوم السياسية نبيل الأندلوسي، رأى قرار تشديد الإجراءات الجمركية، يعيد طرح مسألة تضارب المصالح لدى أعضاء الحكومة الحالية، ورئيسها عزيز أخنوش، خاصة أنه اتخذ مباشرة بعد إطلاق حرمه لمنصة "وصال" الإلكترونية.

وأوضح الأندلوسي، في حديثه للموقع الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية، في 16 يونيو 2022، أن هذا التزامن، يجعل القرار الحكومي يخدم بشكل مباشر مصالح زوجة رئيس الحكومة، عبر رفع الرسوم الجمركية على المقتنيات والمشتريات من منصات البيع الإلكتروني العالمية.

وهذه الأخيرة كانت توفر الآلاف من فرص الشغل للشباب المغاربة، ومتنفسا للطبقة المتوسطة من أجل شراء بعض السلع التي توفرها هذه المنصات بأثمنة مناسبة.

وارتفعت أسعار منتوجات منصات إلكترونية عديدة من بينها "Shein" و"علي بابا" في الأسابيع الأخيرة بشكل صاروخي حتى قبل أن تصدق الحكومة على مرسوم تشديد الإجراءات الجمركية.

وربط متتبعون بين تشديد الحكومة الخناق الجمركي على المعاملات التجارية، وإطلاق منصة "وصال" التي تسعى من خلالها لمنافسة باقي المنصات النشطة في المغرب والسوق الإفريقية.

وخلص الأندلوسي، إلى التأكيد بأن حكومة عزيز أخنوش تعمل على تضارب المصالح بامتياز، منبها إلى أن استمرارها بهذه المنهجية التي تستهدف المواطنين في أرزاقهم وأساسا الطبقة المتوسطة والفقيرة، يشكل تهديدا مباشرا للسلم الاجتماعي والسياسي بالمغرب.

توضيحات رسمية

وأمام الضجة التي أثارها قرار تشديد الإجراءات الجمركية في وجه مقتنيات المغاربة عبر المنصات العالمية للتجارة الإلكترونية، خرجت الحكومة لتوضيح أسباب إقدامها على اتخاذ هذا القرار.

وفي 16 يونيو 2022، قال الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، إن المرسوم "يأتي لتشديد المراقبة الجمركية على الإرساليات التي تتعلق بالمعاملات المنجزة من خلال المنصات الإلكترونية".

وأضاف بايتاس، في ندوة عقب اجتماع المجلس الحكومي، أنه "جرى رصد مجموعة من الممارسات التدليسية بهدف الاستفادة من الإعفاء من الرسوم الجمركية على المعاملات التي تقل قيمتها عن 1250 درهما".

وأشار إلى أن هذه الممارسات تضر بالتجارة المحلية والصناعة المغربية ككل، وتحرم الدولة من موارد مهمة.

وبين أن رقم هذه المعاملات بلغ حوالي مليار درهما (حوالي 100 مليون دولار) في 2021 ويتوقع أن يصل إلى ملياري درهم (حوالي مليوني دولار) عام 2022.

وفي 17 يونيو 2022، أوضحت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة (هيئة حكومية)، أنه "ابتداء من مطلع يوليو/تموز 2022، سيجرى استثناء المشتريات المنجزة عبر منصات التجارة الإلكترونية الدولية من الإعفاء عن الرسوم الجمركية عند الاستيراد بصرف النظر عن قيمتها".

وأشارت إدارة الجمارك، في بيان إلى أن هذا الإجراء "لا يخص الإرساليات التي ليست لها صبغة تجارية، المتوصل بها من أشخاص موجودين خارج الوطن والتي لا تفوق قيمتها 1250 درهما، حيث ستستمر في الاستفادة من الإعفاء الجمركي طبقا للمرسوم المذكور".

وسجلت إدارة الجمارك، أن هذا القرار يأتي بعد أن "عرفت أخيرا التجارة الإلكترونية عبر المنصات الدولية نموا مضطردا"، مضيفة أنه بعد تحرياتها، تبين أن "بعض الممارسات غير القانونية هي التي كانت وراء هذا التطور المقلق". 

وتابعت أنه "تبين أن الإرساليات المبعوثة من طرف بعض منصات التجارة الإلكترونية الدولية هي في الواقع عمليات استيراد لكميات كبيرة من البضائع تحت غطاء التسهيلات الجمركية المخصصة للإرساليات الاستثنائية التي ليست لها أي صبغة تجارية وللبضائع ذات قيمة زهيدة".

هذا الوضع، بحسب إدارة الجمارك المغربية، أدى إلى "ظهور سوقا غير مهيكلة تنشط من خلال إعادة بيع السلع المقتناة عبر مواقع التجارة الإلكترونية الدولية، معتمدة على الغش في قيمة المقتنيات المصرح بها أو تجزئتها على عدة مستفيدين رغم أن المشتري الفعلي هو الشخص نفسُه".

ولتصويب هذا الوضع، أكدت إدارة الجمارك أنه "أصبح من اللازم تشديد المراقبة الجمركية على إرساليات التجارة الإلكترونية لفرض احترام الضوابط المؤطرة للتجارة الخارجية المتعلقة بهذه المعاملات".

تشويش وإزعاج

وفي تعليقها على مرسوم تشديد الإجراءات الجمركية على مقتنيات المغاربة عبر المنصات العالمية للتجارة الإلكترونية، أكدت لبنى الكحلي، الباحثة في الاقتصاد التطبيقي وعضو لجنة المالية بمجلس النواب سابقا، أن ما يزعج المغاربة هو سياق إصدار المرسوم.

وأضافت الكحلي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هذا المرسوم يأتي في سياق ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وعدم تحرك الحكومة لاتخاذ أي إجراء يمكن أن يرفع من القدرة الشرائية للمواطن ويحد من الارتفاع الصاروخي للأسعار.

وفي المقابل، أردفت الكحلي، أن الحكومة تُقدم على إجراء يُقيد حرية المواطن في أن يلجأ لمنتوجات أخرى، منبهة إلى أن هذا الأمر يزيد في تأجيج الوضع وربما قد يؤدي إلى احتقان اجتماعي بلادنا في غنى عنه. 

وتساءلت الكحلي، عن دواعي الاستعجال في إصدار هذا المرسوم وسط الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها المغاربة وفي ظل الارتفاع الكبير لأسعار المواد الأساسية.

واستغربت من غياب أي حديث رسمي عن الأثر المالي لهذا القرار، أي المداخيل والموارد الجديدة التي ستستفيد منها خزينة الدولة بعد دخول القرار حيز التنفيذ.

وأفادت أن من حق الحكومة حماية المنتوج الوطني وتعزيز رواجه، لكن الإشكال هنا، تضيف الكحلي، هو أن هذا المنتوج فيه "تركيبة" أو "معادلة" لا يتقبلها المستهلك ترتبط بالجودة وبالثمن.

وهو ما يدفع المغربي إلى اللجوء لمنصات دولية يجد فيها جودة معينة وثمنا مناسبا لقدرته الشرائية.

وأوضحت الكحلي أن التجارة الإلكترونية بالمغرب شهدت انتعاشة مهمة وساهمت في تمكين مجموعة من الشباب من مورد رزق خاصة في ظل ظروف جائحة كورونا وما بعدها وما نتج عنها من فقدان العديد من مناصب الشغل.

وتابعت أن منصة وصال ستكتسح السوق الوطنية وتحتكره إضافة إلى إعلانها أنها تريد أن تنتشر في السوق الإفريقية كلها.

وأضافت أن المنافس الأساسي لهذه المنصة الجديدة، هي شركة "Shein" التي أصدر المرسوم بشأنها.

وبالتالي، تؤكد الكحلي، أن هذا المرسوم هو تعبير عن تضارب المصالح والاحتكار وزعزعة ثقة المستهلك الوطني في التنافسية وتنوع السوق الوطنية، وتعبير عن استفادة فئة معينة وعن إغناء الغني وإفقار الفقير.