لم يتحسن شيء منذ 1913.. ما أسباب التضخم والتدهور في الأرجنتين؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يعلق العديد من الأرجنتينيين آمالهم على اقتصاد السوق لحل مشاكل البلاد خصوصا أن معدل التضخم يقترب من بلوغ نسب عالية في حدود 70 إلى 80 بالمئة هذه السنة.

وعن هذا، تقول صحيفة "لينكياستا" الإيطالية إن "أقل ما يقال عن الوضع الاقتصادي هناك بأنه دراماتيكي"، مشيرا إلى أنه لم يحدث أن شهدت دولة أخرى في العالم هذا الانخفاض الحاد في المئة عام الماضية. 

وذكرت أنه في بداية القرن العشرين، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الأرجنتين من بين أعلى المعدلات بالعالم وكان تعبير "غني كأرجنتيني" شائع الاستخدام في ذلك الوقت.

وأفاد بأن المقارنة بين البيانات الاقتصادية لعامي 1913 و2018 تظهر أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لم يزد بالكاد كما أن التضخم مقلق بشكل خاص.

ارتفاع التضخم

زار كاتب المقال بصحيفة "لينكياستا" العاصمة بوينس آيرس ومدنا أخرى في الفترة من 21 مايو/أيار إلى الأول من يونيو/حزيران من العام 2022، وتحدث مع اقتصاديين وسياسيين وممثلي مراكز فكرية وصحفيين وشباب. 

أوضح الكاتب بأنه أدرك ما يعنيه ارتفاع معدل التضخم عند دفع فاتورة الفندق، لافتا إلى أنه لم يرغب في الدفع ببطاقة الائتمان لأن ذلك يعتمد على سعر صرف البيزو مقابل الدولار أو اليورو. 

ويضيف "في السوق الحرة، غير القانونية تحصل على بيزو مضاعف مقابل دولار واحد ويعرف هذا السعر غير الرسمي بالدولار الأزرق".

وهو سعر الصرف الموازي للدولار الأميركي في الأرجنتين والذي يمثل تكلفة شراء وبيع الدولار النقدي في السوق السوداء.

ولفت إلى أن السلطات  تتسامح مع وجود ما يسمى "الكهوف"، وهي أماكن مخصصة لصرف الدولار أو اليورو إلى العملة المحلية.

رسميا، تعد هذه الأماكن متاجر بيدق أو أماكن لشراء وبيع المجوهرات أو الذهب، لكنها في الواقع مناطق سرية لصرف العملة.

ويشرح الكاتب بأنه "فقط حوالي خمس مبلغ 250 ألف بيزو التي احتجت إلى دفعها أنا ومترجمي لأربعة أيام في الفندق، كان من أوراق نقدية من فئة مئة دولار، أما الباقي فكانت من فئة صغيرة".

وقال إن "الدفع في الفندق استغرق أكثر من ساعتين، أسأل لماذا لا يستخدمون الآلة لعد الأوراق النقدية وأفهم أن السبب في ذلك هو أنه يتعين عليهم أولا التحقق من صحة كل ورقة نقدية بقلم وحساب النقود يدويا". 

وأضاف "بمجرد الانتهاء من العملية الطويلة لعد الأوراق النقدية يدويا، يحسبون في النهاية الأموال بواسطة جهاز العداد".

بحسب الكاتب الإيطالي، بالنسبة للأرجنتينيين، لا يعد التضخم مشكلة غير عادية، وهو ما أكده للصحيفة فاوستو سبوتورنو، كبير الاقتصاديين في مركز الدراسات الاقتصادية من خلال بيانات إحصائية.

وأظهرت البيانات المذكورة أن البلاد عانت دائما من مشكلة تضخم مزدوجة الرقم منذ عام 1945.

ويستثنى في ذلك فترة التسعينيات، عندما ربط الرئيس السابق كارلوس منعم العملة المحلية بالدولار الأميركي، مما أدى إلى التحكم في التضخم لعقد من الزمن، إلا أن ذلك أثر سلبيا على الصادرات ودفع إلى القضاء على تنافسية السلع الأرجنتينية.

الحركة التحررية

التضخم هو أيضا الموضوع الرئيس الذي تتعامل معه الحركة التحررية لخافيير ميلي البالغ من العمر 51 عاما، والذي يصف نفسه بأنه "رأسمالي  لاسلطوي-أناركي".

درس ميلي الاقتصاد ثم أصبح كبير الخبراء الاقتصاديين في شركات الاستشارات المالية الخاصة ومستشارا حكوميا.

في عام 2021، انتخب ميلي لتمثيل مدينة بوينس آيرس في مجلس النواب الأرجنتيني بعد فوزه بـ 17 بالمئة من الأصوات مع حزب لا ليبرتاد أفانزا.

 يتشكل مناصروه من الشباب والفقراء والذكور، والجميع يتوقع أن يترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2023.

تحدثت الصحيفة الإيطالية إلى الناشطة التحررية ونائبة رئيس حزب ميلي، ليليا ليموين البالغة من العمر 41 عاما وهي عارضة أزياء وممثلة، بالإضافة إلى  كونها شخصية مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي وتملك مئات الآلاف من المتابعين.

تشغل رسميا منصب الرئيس الفخري للحزب وتوضح بأن "الاعتقاد بأن الفقراء لا يريدون العمل وقد اعتادوا على الدعم الذي تمنحه الدولة عار عن الصحة".

وقالت إن "هذا صحيح فقط لعدد قليل جدا، يرغب معظم الشباب في العمل، لكن الدولة بفرضها ضرائب عالية لا تمنحهم فرصة حقيقية". 

وتابعت "هؤلاء الفقراء يائسون، ويرجع ذلك أساسا إلى التضخم، لقد علقوا آمالهم على حركتنا التحررية".

لاحظت الصحيفة بأن هذه الخصوصية تتميز بها الأرجنتين وأن الفقراء اليائسين في البلدان الأخرى يميلون إلى الاشتراكية وحكومات أكثر تدخلا، أو أنهم متطرفون يمينيون ولا توجد بلدان أخرى بها فقراء يريدون المزيد من الرأسمالية.

بدوره، يأمل النائب ريكاردو لوبيز مورفي أيضا حدوث تحول لصالح السوق الحرة، إلا أن مواقفه ليست راديكالية مثل مواقف ميلي الذي يريد إلغاء البنك المركزي. 

وهو كذلك خبير اقتصادي وشغل منصب وزير الدفاع والاقتصاد خلال رئاسة فرناندو دي لا روا ويعد مرشحا رئاسيا محتملا. 

وأكد أنه سيحارب الحمائية وسيحد من البيروقراطية واللوائح (على سبيل المثال في سوق العمل) وسيخفض الضرائب بشكل جذري إذا ما تقلد منصبا مسؤولا.

وذكر أنه حاليا تضطر الشركات التي يعمل بها 200 موظف على الأقل إلى بيع نسبة معينة من منتجاتها بالأسعار التي تحددها الدولة.

ويقول لوبيز مورفي إن "عدد الأشخاص الذين يعملون بشكل غير قانوني اليوم يقدر بأكثر من عدد العاملين بعقود قانونية".

"بحاجة إلى ثورة"

وبدوره، يبدو الخبير الاقتصادي خوسيه لويس إسبيرت مقتنعا بأن الحل بالنسبة للأزمة الاقتصادية الأرجنتينية يكمن في المزيد من الرأسمالية. 

ويقول "نحن بحاجة إلى ثورة رأسمالية" معبرا عن تفاؤله بأن"الأفكار الليبرالية تنطلق بالفعل في الأرجنتين". 

وفي سؤال الصحيفة عما يمكن أن يغير إسبيرت في الأرجنتين إذا كان ذلك ممكنا؟ ذكر أولا، مسألة الحرية التجارية،أي محاربة الحمائية والضرائب المفرطة وإلغاء أكبر للوائح التنظيمية. 

كما يعتقد أنه يجب سجن العديد من قادة النقابات الفاسدين لثني الآخرين عن ذلك.

والتقت الصحيفة ثلاث شابات في بوينس آيرس ينتمين إلى حركة "السيدات من أجل الحرية"، من بينهن فالنتينا التي تبلغ من العمر 21 عاما، تنحدر من مدينة مندوزا، بدأت نشاط إعادة التدوير واستخدام النفايات في سن 13 عاما.

وبينت أن السنوات القليلة الأولى كانت صعبة حقا: "كل يوم يأتي اللصوص إلى شركتي للسرقة، الشرطة لا تحميني والدولة تأخذ تقريبا كل ما أكسب نتيجة الضرائب المرتفعة".

لهذا السبب أصبحت تحررية، وفي سن 17 انضمت إلى حركة "طلاب من أجل الحرية" و في التاسعة عشرة أسست مجموعتها التحررية. 

نمت الحركة بسرعة وجذبت العديد من الأعضاء الذين عارضوا إجراءات الحكومة في فترة تفشي جائحة كورونا.

"كان لدينا حظر تجول لسبعة أشهر، لا يمكنك مغادرة المنزل إلا لمدة ثلاث ساعات في أيام معينة للذهاب للتسوق"، تذكر الشابة الأرجنتينية. 

بينما فرت أدرينا البالغة من العمر 27 عاما من فنزويلا بعد أن صدر بحقها حكم بالسجن على إثر مشاركتها في الاحتجاجات ضد النظام الاشتراكي وتعمل كمبرمجة كمبيوتر في بوينس آيرس وتنشط كذلك ضمن الحركة التحررية. 

في توكومان، وهي بلدة في الشمال، ألقى كاتب المقال محاضرة  أمام 70 شابا يتابعون دورات مركز فكري ليبرالي.

وختم بالقول "إنهم ضد المؤسسة وضد النفوذ المفرط للدولة ويعيشون على أمل أن تتمكن الرأسمالية من حل مشاكلهم".