القاتل ليس من أطلق النار.. لماذا تزايدت الاغتيالات في العاصمة اليمنية المؤقتة؟

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ تحريرها من قبضة مليشيا الحوثي قبل سبع سنوات، تشهد العاصمة اليمنية المؤقتة عدن التي تسيطر عليها قوات موالية للإمارات، حالة تدهور أمني وخدمي غير مسبوق، وعمليات اغتيال متواصلة تستهدف عناصر من الجيش والأمن وشخصيات سياسية واجتماعية.

ومسلسل الاغتيالات المثير لتساؤلات عديدة في المدينة متواصل، وكان أحدث حلقاته مقتل كرم المشرقي، القيادي بقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، في 29 مارس/ آذار 2022، بعد استهدافه من قبل مسلحين مجهولين بوابل من الرصاص لحظة دخوله مقر عمله في القطاع الثامن بمنطقة الشيخ عثمان.

وهي ثاني حادثة اغتيال في عدن خلال أيام، إذ أودى انفجار سيارة مفخخة في 24 مارس، بحياة قائد محور العند العسكري، قائد اللواء 131 مشاة، اللواء الركن ثابت جواس، ما أدى إلى مقتله مع أربعة من مرافقيه، وإصابة عدد من المدنيين.

نزيف مستمر

وكانت عدن شهدت في 30 يونيو/ حزيران 2021، اغتيال القيادي في حزب الإصلاح بلال الميسري، ضمن سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال التي نالت قيادات الحزب الإسلامي في المحافظة خلال السنوات السبع الماضية.

 كما نالت العديد من المؤثرين مجتمعيا والشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية والنشطاء والخطباء والإعلاميين من مختلف الاتجاهات السياسية.

ففي 2 مايو/ أيار 2021، أطلق مسلحون مجهولون النار على الأمين العام للمجلس المحلي في مديرية المحفد "محمد سالم الكازمي"، أمام منزله في منطقة الحسوة بمديرية البريقة غربي عدن، ما أدى إلى مقتله على الفور.

وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2021، اغتال مسلحون مجهولون مدير الأمن السياسي في الحديدة أثناء وجوده في عدن، حيث اختُطف من أمام منزله في مديرية البريقة، ثم عُثر على جثته صباح اليوم التالي وعليها آثار طلقات نارية.

وتجاوز عدد ضحايا الاغتيالات 250 شخصا، بحسب إحصاءات أمنية وحقوقية، منذ طرد قوات الحوثي من المدينة، في 17 يوليو/ تموز 2015، ووفق بيان للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، شهدت عدن 200 حالة تصفية جسدية.

وفي يناير 2019، أشار تقرير لفريق الخبراء الأممي المعني باليمن إلى ادعاءات بمسؤولية قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيا عن عمليات اغتيال عدد من رجال الدين وقيادات حزب الإصلاح في عدن.

كما تعاني المدينة والمحافظات المجاورة لها، من سوء الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار وتردي الخدمات، لاسيما الكهرباء والمياه.

وتخضع عدن منذ أغسطس 2019، لسيطرة تشكيلات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد مواجهات مع قوات الحكومة اليمنية، تمكّنت خلالها قوات المجلس من هزيمة القوات الحكومية وإخراجها من المدينة بدعم وإسناد من الإمارات.

وبدأ المجلس بعد ذلك عملية إعادة نشر قواته بناء على نتائج المواجهة مع القوات الحكومية، ليسيطر بشكل كامل على المدينة.

فوضى أمنية

وتشهد مدينة عدن منذ أكثر من سبع سنوات، دورات عنف متفرقة كان آخرها في 6 فبراير/ شباط 2022، حيث اندلعت مواجهات هي الأعنف، بين وحدتين أمنيتين تابعتين للمجلس الانتقالي الجنوبي في مديرية المنصورة شمالي المدينة وتوسعت صوب مديرية خور مكسر المجاورة.

وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2021، شهدت منطقة كريتر، التابعة لمديرية صيرة جنوبي المدينة اشتباكات عنيفة بين فصائل مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال.

وتعصف خلافات غير معلنة بين مراكز القوى العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يترأسه عيدروس الزبيدي، المحافظ السابق لعدن.

وبدأت الخلافات تخرج إلى العلن مطلع 2019، ثم تصاعدت تدريجيا نتيجة دخول السعودية على خط المنافسة مع الإمارات التي تستأثر بنفوذ كبير في عدن، ذات الأهمية الاقتصادية، حيث ميناء عدن ومصافي تكرير النفط.

والتي تأتي ضمن صراع النفوذ والسيطرة والمصالح المالية بين مراكز القوى والكيانات المسلحة التي نشأت نتيجة الحرب.

بالإضافة إلى بروز تنافس قبلي ومناطقي داخل تركيبة قوات المجلس التي توزعت ولاءاتها بين ثلاث مناطق جنوبية فاعلة فيه: الضَّالِع، ورَدْفان، ويافِع.

ويسيطر مسلحون وقيادات في الانتقالي، على منازل مواطنين ومسؤولين سابقين في الحكومية اليمنية، بالإضافة إلى بعض المشاريع الاستثمارية التابعة لمستثمرين من أبناء المناطق الشمالية لليمن.

وفي 5 نوفمبر 2019، تم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، برعاية سعودية ودعم أممي، بهدف حل الخلافات بين الطرفين.

ومن أبرز بنود الاتفاق تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب يشارك فيها المجلس الانتقالي، إضافة إلى حل الوضع العسكري في عدن والمناطق الأخرى التي شهدت مواجهات بين الطرفين، مثل محافظة أبين.

ورغم تشكل حكومة مناصفة مع المجلس الانتقالي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم ملحوظ في مسألة تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض.

خصوصا دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع. 

أزمات متلاحقة

وتعيش عدن حالة من الفوضى والاختلالات الأمنية وتعدد الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي، الذي أدى إلى ازدواجية المهام وتشتت العمل الأمني، في ظل عدم خضوع الوحدات العسكرية والأمنية لوزراتي الدفاع والداخلية.

كما تتواصل عمليات البسط على الأراضي والمتنفسات، في ظل تورط مسؤولين في المجلس الانتقالي في عمليات سطو.

وساهم الاختلاف الكبير بين القوى المتصارعة في عدن ممثلة في الحكومة الشرعية من جهة، و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، في تعقيد الأوضاع سياسيا وأمنيا واقتصاديا ومعيشيا، في ظل غياب الدولة، وأجهزتها الأمنية والرقابية والتنفيذية.

وتعاني عدن ومحافظات الضالع ولحج وأبين، من أزمات متراكمة ومعقدة في مختلف الجوانب، حيث عجزت الحكومة والتحالف السعودي الإماراتي الداعم لها عن الإيفاء بأدنى الالتزامات الخدمية تجاه المواطنين.

ومع عجز الحكومة اليمنية عن دفع التعويضات ومعالجة آثار الحرب والبدء بإعادة الإعمار في تلك المحافظات، شهدت عدن في 21 أبريل/ نيسان 2020، فيضانات وأمطارا أدت إلى انهيار عشرات المنازل بشكل جزئي ومقتل وجرح عدد من الأشخاص.

وأعلنت حينها، الحكومة اليمنية عدن مدينة منكوبة، جراء خسائر بشرية وأضرار مادية كبيرة خلفتها سيول.

ويعاني اليمن ضعفا كبيرا في البنية التحتية؛ جراء حرب متواصلة للعام الثامن بين القوات الحكومية وقوات الحوثيين، المسيطرة على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ عام 2014.

وانخفضت القيمة الشرائية للريال اليمني إلى مستويات قياسية بعد أن فقد قيمته أمام الدولار وتجاوز الألف ريال للدولار الواحد، بعد أن كان قبل الحرب يساوي 215 ريالا يمنيا، بسبب تصاعد معدلات التضخم إلى مستويات كارثية.

وأدى توقف مبيعات النفط والغاز إلى بروز أزمة سيولة، وعدم تمكن الحكومة من تغطية حاجات الإنفاق الضروري، لا سيما رواتب موظفيها.

 وارتفعت أسعار السلع بشكل غير مسبوق، خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وحدت من قدرة المواطنين على توفير احتياجاتهم الغذائية الأساسية، لتشهد عدن ومحافظات اليمن عموما وضعا إنسانيا صعبا.

تصفيات ممنهجة

وتشهد محافظة عدن منذ يوليو/تموز 2015، موجة اغتيالات كبيرة نالت خطباء وأئمة وضباطا في الأمن والجيش والمقاومة الشعبية ورجال القضاء، وتتهم مليشيات تابعة للإمارات بتنفيذ العديد من تلك الاغتيالات.

وكان تقرير لفريق الخبراء بالأمم المتحدة بشأن اليمن قد انتقد دور الإمارات في الأزمة اليمنية المستمرة منذ عام 2014، وذكر التقرير الصادر في نهاية يناير 2022، أن تدخل أبو ظبي في اليمن يصعب فهمه.

وفي هذا الصدد، قال القيادي في المقاومة الجنوبية عادل الحسني، إن "عمليات الاغتيالات التي تحدث في عدن ليست وليدة اليوم فهي مستمرة منذ دخول التحالف والقوات الإماراتية إلى عدن عام 2015، التي اختارت مجموعة من أمراء الحرب ووزعتهم على عدن ولحج وأجزاء من أبين".

وأضاف الحسني لـ"الاستقلال": "لم تكن هناك منظومة أمنية ولا غرفة عمليات موحدة وبالتالي كانت الاغتيالات نتاجا طبيعيا للانفلات الأمني ناهيك عن تعمد بعض الاغتيالات وخاصة بحق العلماء والدعاة".

وزاد: "وتم الاعتراف بذلك من قبل المنفذين الذين استلموا الأموال من ضباط إماراتيين ومن نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، حتى المخابرات الإماراتية أخيرا رأت عبئا من ابن بريك وتم تحييده عن الساحة عندما كُشفت أوراقه".

وأوضح القيادي الجنوبي، أن الاغتيالات تستهدف كل الشرائح في المجتمع، فلم يسلم منها الأكاديميون والدعاة والعلماء والمعلمون والمحامون ولا ضباط البحث ولا القيادات الأمنية ولا أعضاء النيابة.

ومضى قائلا، "إذا تتبعنا الأحداث من 2015 إلى اليوم فسنجدها استهدفت جميع الشرائح، ما يدل على أنها كانت مرتبة ومنظمة ومدعومة ووراءها خلايا تديرها ومن يتحمل المسؤولية الكاملة هو من يدير هذه المناطق وهي العصابات التابعة للإمارات".

وختم الحسني بالقول، "هناك عمليات ربما الحوثيون هم من نفذوها لكن الأيادي ومن يسهل العمليات لهم ومن يرصد لهم ومن يباشر لهم هم هذه العصابات المأجورة التي تستلم الأموال من كل الجهات ولا تعنيها الدماء التي تسيل ولا الأرامل ولا الأسر ولا يعنيها إلا المال ثم المال".