اشتباكات الصدريين والعصائب في ميسان.. هل تشعل شرارة الاقتتال الشيعي بالعراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع ترقب تشكيل حكومة جديدة بالعراق عقب انتخابات برلمانية جرت في 10 أكتوبر/تشرين الثاني 2022، تفجرت في محافظة ميسان جنوبي البلاد ذات الغالبية الشيعية سلسلة أحداث أمنية، بين التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، ومليشيا "عصائب أهل الحق" المنشقة عنه بزعامة قيس الخزعلي.

التصعيد الأمني في هذه المحافظة بين جماعتين شيعيتين، أثار تساؤلا بخصوص مدى تحولها إلى شرارة تشعل حربا داخل البيت الشيعي تمتد إلى باقي محافظات العراق، في الوسط والجنوب التي تمتلك فيها هاتان الجهتان نفوذا شعبيا وعسكريا.

بداية الصدامات

ومنذ مطلع فبراير/شباط 2022، شهدت محافظة ميسان وقوع عمليات اغتيال متتابعة طالت شخصيات محلية وأمنية وقضائية محسوبة على أطراف سياسية متنافسة داخل المحافظة الحدودية مع إيران، وتحديدا من التيار الصدري، و"عصائب أهل الحق".

واندلعت سلسلة الاغتيالات في الثاني من فبراير 2022 بقتل مسلحين مجهولين الضابط في وزارة الداخلية حسام العلياوي، شقيق وسام القيادي في "عصائب أهل الحق"، الذي قتل في أكتوبر 2019 خلال التظاهرات التي شهدتها مدينة ميسان.

عقب ذلك بأربعة أيام، فتح مسلحون مجهولون النار على القاضي أحمد الساعدي، المختص بقضايا المخدرات في محكمة استئناف ميسان، وخصص مجلس القضاء الأعلى مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الفاعلين.

وفي 9 فبراير 2022، اغتال مسلحون مجهولون أحد عناصر التيار الصدري البارزين ويدعى كرار أبو رغيف، بإطلاق النار عليه في مركبته بحي المعلمين، وتعرضت زوجته لإصابة خلال العملية.

يأتي ذلك في اليوم ذاته الذي زار فيه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي محافظة ميسان برفقة وفد أمني رفيع المستوى ضم وزيري الدفاع جمعة عناد والداخلية عثمان الغانمي، ودعا إلى "التحرك السريع وتحمل المسؤولية بشأن الأمن في المحافظة".

وحذر الكاظمي بحسب بيان صدر عن مكتبه في 9 فبراير 2022 من أن "الفوضى لا ترحم أحدا، والجميع سيدفع الثمن، فعلينا أن نعمل معا، ونتعاون لنصل إلى النتائج المرجوة"، موجها "بتشكيل قيادة عمليات أمنية خاصة بالمحافظة، وبسلسلة تغييرات في صفوف قادة الأمن أيضا".

وفي 11 فبراير 2022، اتفق وفدان من "التيار الصدري"، و"عصائب أهل الحق" على تهدئة التوتر الأمني في ميسان، وذلك عقب اجتماع جرى بين لجنتين شكلها الطرفان، للكشف عن ملابسات أحداث قتل جرت في المحافظة طالت الجانبين.

وذكر بيان مشرك للطرفين أنه "جرى الاتفاق على إدانة واستنكار جميع أعمال القتل في محافظة ميسان، والاتفاق على دعم ومساندة القضاء والأجهزة الأمنية من أجل أخذ الدور في فرض القانون والحد من الجريمة"، داعين الأهالي إلى "التحلي بالصبر وتفويت الفرصة على من يريد إثارة الفتنة".

عواقب كارثية

وبخصوص احتمالية تحول ما يجري في ميسان إلى اقتتال شيعي شيعي في العراق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع السابق في البرلمان حامد المطلك، إن "الانفلات الأمني في المحافظة إذا لم يطبق عليه القانون ويحصر ويعالج فإنه من المؤكد سيتمدد ويتسع".

وأضاف المطلك لـ"الاستقلال" أن "الأحداث المؤلمة والمخيفة في محافظة ميسان من مناوشات مسلحة واستهدافات متبادلة لم تتوقف حتى الآن رغم تدخل بعض القادة السياسيين والأطراف المشاركة وإدانتهم للقتل الذي يحدث".

وتابع: "لذلك إذا لم يوضع حد للأفعال ومحاسبة القائمين بها، ويطبق عليهم القانون وتمنع مثل هذه الأفعال في ميسان، فنحن نخشى أن تمتد إلى المحافظات الأخرى، لأن الجهات التي تتقاتل اليوم لديها أذرع في باقي المدن".

وأشار المطلك إلى أن "ما يجري في ميسان مخيف وخطير ويؤثر على العراق والمنطقة بشكل عام إذا تمدد ولم يجر تداركه، لأنه قد تدخل العشائر في هذا الصراع لمناصرة أبنائها المنخرطين ضمن الأطراف المقتتلة".

وأردف السياسي العراقي، قائلا: "سواء كان توقيت ما يجري في ميسان جنبة سياسية أم لا، فإن لها تأثيرات بين الجهات المتقاتلة أو على مستوى العملية السياسية في البلد، لكونه يربك الأمن والاستقرار ونحن مقبلون على مرحلة تشكيل الحكومة".

ورأى البرلماني السابق أن "هذه الأفعال في محافظة ميسان لن توقف أو تمنع إلا بتطبيق الأجهزة الأمنية حصرا للقانون بشكل حاسم وحازم على الجميع، أما موضوع اللجان والتسويف فهذا يجعلهم يستمرون في غيهم ضد بعضهم وبالنتيجة تكون العواقب كارثية".

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، غانم العابد إن "مثل هذا الاتفاق بين اللجنتين التابعتين للتيار الصدري والعصائب، يلغي دور الحكومة والقانون بأن يكون الأمن مستتبا في ميسان".

ونقل تقرير في 13 فبراير/شباط 2022 عن العابد، قوله: "هناك مشاكل كثيرة في المحافظة، منها الخلافات العشائرية، وتجار المخدرات، والصراع على النفوذ، والجريمة المنظمة، لذلك فإن ترك الوضع إلى لجان مرتبطة بأطراف سياسية، يلغي الدولة".

ولفت إلى أنه "من الممكن أن يصلوا إلى تفاهمات، لكن ليس بإمكانهم السيطرة على الجميع، بدليل أنه منذ أن بدأت اللجنة وحتى اليوم فقد كانت هناك اشتباكات مسلحة، وانتقلنا بعدها إلى حدوث انفجارات داخل ميسان".

وبرأي العابد فإنه "من الأفضل أن تفرض الحكومة سلطة القانون على الجميع واعتقال كل المسيئين، وسحب السلاح المنفلت للسيطرة على الوضع، لأن اللجان محرقة للوقت وتجعلنا نخسر الكثير من أرواح العراقيين".

استنساخ تجربتين

وعلى الصعيد ذاته، رأى الكاتب إياد العنبر أن "السياسيين في العراق يستحضرون في جلساتهم نماذج عن دول نجحت بتحقيق التنمية والتطور واستطاعت تجاوز آثار الحروب الأهلية وتمكنت من بناء دولة قوية".

لكنهم في واقع الحال يضعون أمام أعينهم تجربتين فقط لا غير؛ الأولى هي سرقة الدولة في لبنان، وتجربة اليمن في الصراع على الحكومة وإثبات عدم شرعيتها والتمرد عليها برفع السلاح. وهناك في العراق من يسعى جاهدا إلى استنساخ التجربتين".

وأضاف الكاتب العراقي خلال مقال نشره موقع "راديو سوا" الأميركي في 14 فبراير 2022 أنه "في الأيام الماضية كانت محافظة ميسان نموذجا واضحا لتداعيات غياب الدولة وفضيحة عدم فاعلية المؤسسات الأمنية الرسمية التي يفترض أنها تحمل شعار الدولة".

لكنها تثبت أن انتشارها في الدوائر الرسمية والشوارع ما هو إلا حضور شكلي إن لم تكن هي خاضعة لسيطرة قوى اللادولة.

وبحسب العنبر، فإنه "في أسبوع واحد تكررت حوادث الاغتيالات لشخصية برتبة أمنية رفيعة بدعوى علاقته مع أحد الفصائل المسلحة وخلافه مع فصيل مسلح آخر".

كما اغتيل قاض في محكمة مختصة بقضايا المخدرات، لتتكرر بعدها حوادث الاغتيالات المتبادلة بين أفراد الجماعات المليشياوية، ودخول العشائر طرفا في الصراع.

وتابع: "قد يكون غياب الدولة في ميسان نموذجا لتخاذل الحكومات السابقة عن فرض سيطرتها على النزاعات والصراعات بين قوى اللادولة في أغلب محافظات العراق، لكن الانفلات الأمني في المحافظات الجنوبية قد وصل إلى مرحلة خطيرة جدا".

وأردف العنبر قائلا: "باتت هذه المحافظات ساحة للصراع على السلطة والنفوذ ليس بين المليشيات المسلحة فحسب، وإنما لسلاح العشائر المنفلت الذي بات حاضرا في النزاعات ويستخدم في استعراض القوة في المناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى سلاح مافيات تهريب المخدرات التي تحتمي بعناوين جماعات سياسية وعناوين عشائرية وفصائل مسلحة".

وأشار إلى أن "من كان يحذر من وجود مؤامرة لاقتتال شيعي- شيعي هو اليوم طرف رئيس في تصاعد وتيرة الصراع المسلح في مدن محافظة ميسان، وما هذه المحافظة إلا نموذج للتنافس على النفوذ الذي يريد أن يفرض نفسه بقوة السلاح الخارج عن القانون".

وهو تجسيد حقيقي لمخاطر ثنائية السلاح والسياسية، لأن القوى التي تخسر حظوظها في التنافس الانتخابي تريد تعويض الخسارة بقوة سلاحها لتضمن بقاءها في دائرة السلطة، بحسب قوله.

وخلص الكاتب إلى أنه "ما دامت الدولة تغط في سبات ونوم عميق، فالفرصة متاحة لقوى اللادولة لتحول جنوب العراق إلى ساحة لتصفية حسابات سياسية".

وتابع: "شهوة الهيمنة والاحتكار والانتقام تكاد تكون محركا أساسيا لسلوك زعامات قوى اللادولة، التي ترفض التنازل عن غنائمها من ريع الدولة ومؤسساتها التي تحولت إلى إقطاعيات يتقاسمها حاشية زعماء المافيات السياسية".

وفي محاولة من الحكومة فرض القانون في هذه المحافظة جنوب البلاد، أعلنت خلية الإعلام الأمني بالعراق في 12 فبراير 2022 القبض على متهم مسؤول عن عمليات اغتيال وخطف في محافظة ميسان.

وقالت الخلية في بيانها: "قيادة عمليات ميسان ومن خلال قوة من لواء القوات الخاصة الأول في الجيش العراقي وبمعلومات ومتابعة مديرية استخبارات ومكافحة إرهاب المحافظة التابعة لوكالة الاستخبارات، تلقي القبض على المجرم (حسن طراد غليم) المسؤول عن تنفيذ العديد من عمليات  الاغتيالات والخطف وإرهاب المواطنين هناك".

وأضافت: "هو مطلوب إلى القضاء العراقي وفق المادة 4 إرهاب، وألقي القبض عليه في عملية مداهمة نوعية في ناحية المشرح".

ورغم أن ناشطين أكدوا انتماء (حسين طراد غليم) إلى مليشيا عصائب أهل الحق، فإن الأخيرة أصدرت بيانا نفت ذلك وأشارت إلى أنها تبرأت منه منذ نحو عامين، متهمة من ينسبه إليها بأنهم "جهات مشبوهة تضلل الرأي العام، هدفها إذكاء الفتنة بين أبناء الوطن الواحد".