جيفري ساكس.. أكاديمي أميركي عينته الأمم المتحدة لدعم الضعفاء فدافع عن الطغاة

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يقف وراء الترويج للإمارات كـ"مركز للسعادة" في العالم عبر تقارير أممية "مشبوهة"، الاقتصادي الأميركي المخضرم جيفري ساكس، أحد أصحاب المراكز الثقيلة في الأمم المتحدة.

وجيفري ساكس (67 عاما) ذو علاقات وطيدة داخل المنظمة الدولية، ومعروف بدعمه للطغاة والمستبدين، ودافع عن سياسات الصين الداخلية والخارجية التي يغلب عليها الاستبداد واضطهاد الأقليات واستغلال الدول الفقيرة. 

وتتمثل خطورته، في كونه ممن يتحركون في الظل، ويرسمون السياسات خلف الكواليس، ويتحكمون بقوة في مراكز اتخاذ القرار داخل الأمم المتحدة، دون أن يكون لهم ظهور واضح وبارز لكنه في كل الأحوال مؤثر. 

قصة الصعود 

ولد جيفري ديفيد ساكس في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، في مدينة ديترويت بولاية ميتشغان الأميركية، لعائلة يهودية، وهو أحد أبرز الاقتصاديين الأميركيين في الوقت الراهن.

وهو حاصل على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد، قبل أن يعمل بها أستاذا في التجارة الدولية لأكثر من 20 عاما.

كما عمل ساكس سابقا أكاديميا ومحللا للسياسة العامة، ثم مديرا لمعهد الأرض بجامعة كولومبيا، ويعرف بأنه أحد الخبراء الرائدين بالعالم في مجال التنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر. 

وبلغ ساكس قمة صعوده داخل الأمم المتحدة في الفترة من 2001 إلى 2018، عندما تقلد منصب المستشار الخاص لكل من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان (2001-2007)، ثم بان كي مون (2008-2016)، وأخيرا أنطونيو غوتيريش (2017-2018).

وخلال مسيرته ألف الاقتصادي الأميركي عشرات الكتب، وشارك أيضا في تأليف أخرى، وجميعها من إصدار صحيفة "نيويورك تايمز"، ومن كتبه الأكثر مبيعا وتأثيرا، "نهاية الفقر " ، و"الثروة المشتركة.. اقتصاديات كوكب مزدحم"، و"ثمن الحضارة". 

"خان رسالته" 

على صعيد السياسة والعلاقات الدولية، رغم أن ساكس من أبرز رواد التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وأحد المكلفين من جانب الأمين العام بالترويج لأهداف سامية مثل، تعزيز الوصول للتعليم، ومواجهة أزمة المناخ، والقضاء على الجوع في العالم بحلول 2030.

لكن جانبه الآخر من دعم المستبدين والتغاضي عن القمع مثير للجدل والقلق في آن واحد، إذ كيف لهذا الموظف المرموق صاحب التاريخ في الأمم المتحدة أن يحمل وجهين متناقضين. 

فعلى سبيل المثال بطريقة صادمة في يناير/ كانون الثاني 2021، خلال مقابلة تلفزيونية، ورغم التحفيز المتكرر للمحاورة، راوغ ساكس جميع الأسئلة حول قمع الصين للإيغور من خلال التلميح إلى "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الولايات المتحدة أيضا في عديد من الدول". 

حينها كتب ستيفان ريختر، رئيس تحرير مجلة "ذا غلوبال ليست" الأميركية أن "ساكس خان رسالة مؤسسته"، وأضاف أنه "اتخذ نفس الموقف الذي اتخذته وزارة الخارجية الصينية، مع تحدثه عن تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان الأميركية، كطريقة لتجنب المناقشات حول إساءة معاملة الصين للإيغور، وهو انحراف ملحوظ لساكس".

وأكد أنه "انحاز للصين بوضوح من خلال التقليل من أهمية أولئك الذين تعرضوا للقمع من قبل الحكومة الصينية". 

داعم المستبدين

ويعد مسلمو الإيغور أكبر أقلية عرقية في إقليم شينغيانغ (سنجان) بالصين، وتحملوا العبء الأكبر من حملة القمع الحكومية التي يقودها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، إذ يسعى إلى محاصرتهم في مراكز عمل قسري من أجل تخليهم عن معتقداتهم الإسلامية.

وفي يوليو/ تموز 2019، وقعت 22 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أبرزها بريطانيا وألمانيا وفرنسا والسويد، على رسالة تنتقد معاملة الصين للمسلمين الإيغور في "شينغيانغ" وغيرهم من الأقليات، ودعت لوقف سياسة الاحتجاز الجماعي والفصل العنصري التي تنتهجها ضدهم.

وتغاضى جيفري ساكس عن كل ذلك في سبيل دفاعه عن الحزب الحاكم في الصين. 

لذلك صرح آرييه نير، أحد مؤسسي منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي أشرف على تمويل جهود ساكس مطلع الألفية، قائلا "لطالما ساورني شعور بأن جيفري ليس شخصا مهتما بحقوق الإنسان، وأنه لطالما كان من المدافعين عن الحكومات المتعسفة".

ويدعم ذلك الطرح زيارة ساكس إلى الرياض في عام 2020، بعد قرابة عام ونصف العام من القتل البشع للصحفي السعودي جمال خاشقجي، للحديث في مؤتمر تستضيفه شركة استثمار سعودية، تابعة للمسؤول عن عملية القتل، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

ولطالما كانت علاقات ساكس متقدمة بالزعماء الذين يثني عليهم، مثل ابن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وغيرهم.

 كما أن شبكة حلول التنمية المستدامة في الأمم المتحدة التي يرأسها ساكس لها مراكز في الإمارات والصين، علاوة على أن مجلس إدارة المنظمة غير الربحية يضم في عضويته مسؤولين حكوميين من البلدين.

رشاوى إماراتية 

والصادم في مسيرة ساكس، ما كشفه تقرير لموقع "ذي إنترسيبت" الأميركي، عندما أورد صرف الإمارات 3 ملايين دولار من أجل تمويل "حملات السعادة"، لتلميع صورة البلاد وإظهارها بأنها راعية "الفرح والسعادة" ورعاية حقوق الإنسان في المنطقة والعالم. 

وسلط التقرير المنشور في 31 ديسمبر/كانون الأول 2021 الضوء على الدور المشبوه الذي لعبه ساكس، من أجل إعداد تقارير تصنف أبوظبي في مصاف "أكثر الدول سعادة" حول العالم.

وأشار إلى أن منظمة شبكة حلول التنمية المستدامة غير الربحية، التي يرأسها ساكس، تلقت 3 ملايين دولار على الأقل من الإمارات. 

وذكر أن المبلغ استخدم لتمويل العمل على تقرير السعادة العالمي، وهو تصنيف سنوي لجودة الحياة في الدول، إلى جانب التقرير العالمي لسياسات السعادة الذي يقدم مجموعة من التوصيات السياسية المصاحبة للتصنيف.

وأقدم ساكس على مساعدة الإمارات في وضعها بمصاف الدول السعيدة، بينما تغافل عن الانتهاكات والتقارير الحقوقية المنددة بالأوضاع الإنسانية المتردية للمعارضين في تلك الدولة الخليجية. 

فبحسب تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2020/ 2021، سجنت الإمارات 24 مدنيا بينهم أحمد منصور المدافع عن حقوق الإنسان. 

وأشار التقرير الصادر في 6 أبريل/نيسان 2021 إلى أن الإمارات استمرت في تقييد حرية التعبير وأسكتت أصوات المواطنين والمقيمين المنتقدين لقيود متعلقة بوباء كورونا وقضايا سياسية واجتماعية.

كما حاكمت الإمارات 94 معارضا في عام 2013 بتهمة السعي لتغيير نظام الحكم. 

فيما اعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان "ماري لولور" أن إصدار أحكام بالسجن بحق المدافعين عن حقوق الإنسان ليس فقط محاولة لإسكاتهم، ولكن أيضا لترهيب وردع الآخرين عن الانخراط في هذا العمل المشروع.

ومع كل ذلك رفض ساكس الادعاءات، حيث وصف الدعم المالي الإماراتي بأنه "مساهمة في جهود الأمم المتحدة لنشر استخدام مؤشرات وأهداف السعادة والرفاه في تصميم سياسات التنمية الوطنية على مستوى العالم".

وعند الإشارة إلى تراجع الإمارات إلى المركز الـ27 في مؤشرات الرضا عن الحياة لعام 2021، زعم أن سبب ذلك يرجع إلى انخفاض الرضا عن الحياة بين العمال والأجانب الذين يمثلون 88 بالمئة من تعداد سكان البلاد.

دون أن يحمل الحكومة الإماراتية المسؤولية، أو يوجه أي لوم للحكام المتورطين في الانتهاكات، على رأسهم ابن زايد.