قمع واستبداد.. كيف تعيش الصحافة الخليجية مرحلة موت سريري؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الصحافة الخليجية تمر بأسوأ مراحلها، وتنتهج ممارسات مسيئة لأخلاقيات المهنة وحرية الإعلام، برز ذلك جليا في طريقة تناولها لأزمات عدة داخلية وخارجية.

أبرز الأزمات التي أظهرت عورة الصحافة الخليجية وقالبها الموحد كان في واقعة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول في تركيا، في 2 أكتوبر/تشرين أول 2018، قبلها أزمة قطع السعودية والبحرين والإمارات ومصر، العلاقات الدبلوماسية مع قطر، في 5 يونيو/حزيران 2017.

أغلب دول الخليج تتعمد تجهيل الرأي العام وإخفاء الحقائق عليها، بأموال النفط تشتري إعلام وإعلاميين وتسخرهم لخدمة أهدافها والترويج لخططها وأجنداتها وتلميع صورتها في الداخل والخارج والدفاع عن سياستها.

الرأي العام في دول الخليج أصبح حكرا على السلطة التي تشكله حسبما تريد، وعقوبة المخالفة في الرأي أو الانتقاد قد تكلف الصحفي حياته مثل خاشقجي، أو حريته وملاحقته وتجريده من الجنسية مثل العشرات من الكتاب والصحفيين.

آلة الخوف

منظمة "مراسلون بلا حدود"، المهتمة بقياس حرية الرأي والصحافة بدول العالم، قالت في تصنيفها الذي يقيم سنويا حالة الصحافة في 180 بلدا، إن آلة الخوف تعمل بأقصى طاقتها، مما يقوض بشدة ممارسة الصحافة في ظروف هادئة.

وأوضحت في تقريرها للعام 2019 الذي أعلنته في أبريل/نيسان الماضي، أن العداء المُعلن ضد الصحفيين، والكراهية التي ينقل عدواها بعض القادة السياسيين في العديد من البلدان، ترتب عليها أعمال عنف أكثر خطورة من ذي قبل وعلى نحو متكرر أكثر من أي وقت مضى، مما أدى إلى تفاقم الأخطار التي تنطوي عليها مهنة الصحافة، وهو ما خلق مستوى غير مسبوق من الخوف في بعض الأماكن.

وأشارت إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي حصلت على تصنيفات متدنية في نسب حرية التعبير والصحافة، وجاءت السعودية في المرتبة 172 من بين الـ 180 دولة في حرية الصحافة كأسوأ دول الخليج، تلتها البحرين في المرتبة 167، ثم الإمارات في المرتبة 133، وسلطنة عمان 132، وقطر 128، بينما جاءت الكويت في المرتبة 108.

اعتقالات المملكة

وأفادت المنظمة أن بوجود حوالي 37 صحفياً مسجوناً في السعودية، حيث تواصل السلطات حملات الاعتقال التي بدأتها منذ صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى سدة الحكم في 2017، وطالت حملة الاعتقالات التي شنتها في سبتمبر/أيلول 2017، كتّابا وصحفيين وأكاديميين واقتصاديين وشعراء وروائيين ومفكرين ودعاة إسلاميين على مدى العامين.

ورغم أن منابر عدة وضعته في إطار "مكافحة الفساد"، لكن تلك الرواية انهارت كاملة بعد تصفية خاشقجي، وتبين أن تلك الحملات تأتي في إطار القضاء على أي معارضة محتملة ضد بن سلمان.

واستمرت السلطات في اعتقال الصحفيين والمدونين وإصدار أحكام بحقهم، كان آخرها الإخفاء القسري الذي تعرض له الصحفي الأردني عبد الرحمن فرحانه منذ فبراير/شباط الماضي.

وفي أبريل/نيسان الماضي، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات جديدة طالت كتّابا ومثقفين، لتؤكد أنها مستمرة في تنفيذ مشروع ولي العهد محمد بن سلمان بعدم السماح ببقاء أي شخص غير موالٍ له تماماً خارج السجن.

في أعقاب تلك الحملة أعلن عن وجود 15 صحفيا ومدونا مفقودين، ليصدر حكم قضائي في فبراير/شباط 2018 على الصحفي السعودي صالح الشحي (كان من بين المفقودين)، بالسجن 5 سنوات بتهمة إهانة الديوان الملكي، وحتى ذلك الحين لم يكن اعتقاله رسمياً.

احتجاز تعسفي

"مراسلون بلا حدود" أشارت إلى أن هؤلاء "المختفين" احتُجزوا بشكل تعسفي من قبل السلطات، مشيرة إلى أن النظام السعودي يفرض السرية على هذه الحالات فيما تتحفظ الأسر على الحديث خشية الانتقام.

ورجحت المنظمة أن المعتقلين قد خضعوا للاستجواب بشأن كتاباتهم سواء في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي (تويتر، سناب تشات، إلخ)، أو في مداخلاتهم التلفزيونية، حيث يلومهم النظام الحاكم على ما يعتبره عدم الولاء للسياسة السعودية الحالية.

ومنذ صعود بن سلمان يئن الصحفيون السعوديون تحت وطأة ضغوط عنيفة للغاية، حيث فضل بعض الإعلاميين المقيمين في الخارج عدم العودة إلى المملكة، بينما أُجبر آخرون على الاستقالة من وسائل الإعلام التي تعتبرها السلطات في خانة "الأعداء".

فيما اختار آخرون الارتماء في خندق الرقابة الذاتية حيث توقفوا عن الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت تمثل لهم آخر مساحة حرة للتعبير عن آرائهم.

بدورها، أشارت المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن السعودية تشهد منذ تسلّم الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد زمام السلطة في البلاد، ازديادا في القيود على حرية الصحافة وتضاعفت الانتهاكات بحق روادها بهدف الانتقام من نشاطهم ودفعهم إلى الصمت.

وأوضحت في بيان لها في اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن من أشد أوجه هذه الانتهاكات تمثّل بعملية القتل الوحشي الذي تعرض لها الكاتب والصحفي الشهير جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 داخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية.

الحادثة لاقت انتقادات دولية شديدة اللهجة واستدعت فتح تحقيق دولي تقوده المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء أو التعسفية والموجزة أغنس كالامار.

شراء الأقلام

لا تُبدي المملكة أي تسامح مع أي من وسائل الإعلام الحرة مركزة في الوقت ذاته كل طاقاتها على تلميع صورتها في الخارج، حيث سلطت صحيفة إنفارمسيون الدنماركية الضوء على تلاعب العائلة الحاكمة في السعودية بالرأي العام العالمي عبر مؤسسات أجنبية تتولى تلميع صورتها.

وكشف تقرير نشرته مجلة شالانج الفرنسية، أن عدداً من الوكالات في باريس تعمل منذ 3 أعوام على تلميع صورة السعودية وولي عهدها في فرنسا والعالم، وتلقت إحدى هذه الوكالات  800 ألف يورو من المملكة مقابل "عقد علاقات صحفية" في عامي 2016 و2017.

وخصصت صحيفة ديلي بيست البريطانية تقريرا مطولا تحدثت فيه عن تلميع صورة بن سلمان في إعلام ترامب والحديث عن "المملكة الجديدة"، راصدة الصحف الأمريكية التي امتدحت بن سلمان وسياساته وتجاهلت الأوضاع الحقوقية والإنسانية والاقتصادية المتدهورة في البلاد.

علي الدبيسي رئيس المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أشار إلى أن الإعلام في السعودية تأسس ونشأ في أحضان الديوان الملكي، وطوال سنواته كان تحت قبضة السلطة، لافتا إلى أن الصحافة السعودية تدار من غرف القمع والاستخبارات والمباحث وهناك سيطرة تامة عليها.

الدبيسي أكد في حديثه مع "الاستقلال"، أن القبضة الأمنية على الصحافة زادت في عهد بن سلمان وتمارس بشكل مفضوح، مما يجعلها تفقد مصداقيتها وأهميتها ولم يعد يعتد بها، موضحا أن جميع الصحفيين ينفذون أجندة السلطات ويعبرون بشكل دائم عما يتوافق ويدعم توجهات الدولة القمعية في المملكة.

الدبيسي أشار إلى أن من يتحدثون عن حرية الصحافة في المملكة هم أنفسهم من صنع السلطات لإيهام الشعب وتضليله بأن هناك صحافة حرة في عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد بالسعودية.

بيئة استبدادية

الوضع لم يختلف كثيرا في البحرين، فالأرقام التي أعلنتها منظمة مراسلون بلا حدود تفيد بتراجع حرية الصحافة في البلاد لتحصد المرتبة 167 بعد أن كانت 166 العام الماضي، مشيرة إلى أن الصحفيين والمواطنين البحرينيين يعاقبون بالسجن لمدد طويلة، وأحياناً بالسجن المؤبد بعد إدانتهم بتهم مثل "دعم الإرهاب" أو "المشاركة في المظاهرات".

وأكدت منظمة "أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" في المنامة، أن الحكومة البحرينية شنت حملة لقمع حرية الصحافة خلال السنوات الثمانية التي تلت الحراك المؤيد للديمقراطية عام 2011، وخلقت بيئة استبدادية باستخدام قوانين واسعة لمكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية لتجريم أي معارضة أو انتقادات للحكومة وسياساتها.

المنظمة أوضحت أن وزارة الإعلام قامت في يونيو/حزيران 2017، بتعليق عمل صحيفة "الوسط" وهي الصحيفة المستقلة الوحيدة في البحرين، بعد أن كانت تقوم باستمرار باستهدافها وحظرها عدة مرات في الماضي. بالإضافة إلى ذلك، كثيراً ما تمنع البحرين الصحفيين الأجانب من دخول البلاد، حيث تسعى لمنع مواطنيها من الانخراط في الصحافة الحرة والمستقلة.

وأفادت المنظمة بأنها وثّقت ما لا يقل عن 15 صحفياً يقضون حالياً عقوبة السجن في البحرين بسبب تقاريرهم ومواقفهم، مؤكدة أن السلطات تستهدف الصحفيين وتضايقهم وتعذبهم وتسجنهم.

مقبرة حقيقية

المنظمات الإعلامية والحقوقية الدولية تؤكد أن الإمارات أصبحت مقبرة حقيقية لحرية التعبير والصحافة، فالسلطات تتحكم في الإعلام من خلال المجلس الوطني للإعلام الذي يتبع مجلس الوزراء، وتبسط سيطرتها ورقابتها المطلقة على طباعة أو تداول أي محتوى إعلامي.

العقلية الأمنية في التعامل مع الإعلام وحرية الرأي والتعبير تسيطر في الإمارات عبر سلسلة من القوانين التي تمثل سيفاً مسلطاً على كل من يعبر عن رأيه حول السياسة الداخلية أو الخارجية للدولة.

وسائل الإعلام الإماراتية لا تملك القدرة على ممارسة حرية الرأي والتعبير بقدر ما تقوم بممارسة التضليل، لأن هذه الوسائل تخضع لإدارة ورقابة صارمة من جهاز أمن الدولة "حارس البوابة" الذي يناضل لتبقى كلمته هي السائدة والوحيدة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

حسب تقرير فريدوم هاوس (بيت الحرية) وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر قانون المطبوعات والنشر لعام 1980، واحدًا من أكثر قوانين الصحافة تقييدًا في العالم العربي، حيث ينظم جميع جوانب وسائل الإعلام ويحظر انتقاد الحكومة، ويمارس الصحفيون عادة الرقابة الذاتية، وكثيراً ما تنشر وسائل الإعلام بيانات حكومية دون نقد أو تعليق.

كل ذلك وغيره من التضييقات التي انتهجتها السلطات الإماراتية على الصحافة، مما تسبب في تراجعها إلى المرتبة 133 عالمياً في مؤشر مراسلون بلا حقوق، بعدما كانت في المرتبة 128 العام الماضي، والمرتبة 119 عام 2017.

"مراسلون بلا حدود" قالت في تقريرها السنوي إن الإمارات أصبحت رائدة في المراقبة الإلكترونية للصحفيين الذين أصبحوا أهدافًا دائمة بعد أن تمّ إقرار قانون الجرائم الإلكترونية سنة 2012.

مضيفة: "أصبح الصحفيون والمواطنون والمدوّنون هدفًا للسلطات بمجرّد تقديمهم أي نقد. ويقع اتهامهم عادة بالقذف والإساءة إلى الدولة ونشر أخبار زائفة قصد المس بصورة البلاد، وتهددهم عقوبات سجنية ثقيلة ويتعرضون إلى معاملة سيّئة".

وتابعت "مراسلون بلا حدود": ونحن في 2019 فإنّ الصحفي المواطن أسامة النجار، الذي وقع إيقافه سنة 2014، لا يزال خلف القضبان رغم أنّه أنهى العقوبة في مارس/آذار 2017".

صحافة الإيميلات

أما سلطنة عمان التي تأتي في الترتيب 132، الصحافة لديها هي مجرد نقل الصورة الجيدة فقط للسلطنة عن طريق إظهار جوانب التنمية في الدولة وشكر السلطة على ذلك، بل يتم تشويه المعلومة أحيانا وإخراجها عن حيزها الطبيعي عن طريق تفخيم بعض الأخبار وإظهارها كأنها إنجازات كبيرة جدا وجب الوقوف عندها والاحتفاء بها.

السلطنة لا تتقبل كل أنواع النقد في كل أشكالها الصحفية سواء كانت التحقيقات الاستقصائية أو مقالات الرأي، حتى الأخبار والتقارير السطحية تعد مرفوضة من قبل السلطة حتى لو لم تكن تخالف القوانين.

كل الصحف في عمان تكتفي بالأخبار التي يتلقونها من أقسام العلاقات العامة بالمؤسسات الحكومية والخاصة. وهذا النوع من الصحافة أصبح يطلق عليها صحافة العلاقات العامة أو صحافة الإيميلات.

وبالنسبة للقوانين داخل السلطنة فأغلب مواد قانون النشر والمطبوعات الصادر بمرسوم سلطاني سنة 1984 تقيد حرية الصحافة، منها "لا يجوز نشر ما شأنه النيل من شخص جلالة السلطان أو أفراد الأسرة المالكة، وحظر النشر في كل ما يخص الأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمتها ولوائحها الداخلية وأية وثائق أو معلومات أو أخبار أو اتصالات رسمية سرية".

ويقيد القانون نشر كل ما من شأنه "الإضرار بالعملة الوطنية أو يؤدي إلى بلبلة الأفكار عن سوق المال بالسلطنة أو الوضع الاقتصادي للبلاد".

ومن بين الصحف التي تم وقف نشرها في السلطنة، جريدة الزمن، وصحيفة البلد الإلكترونية، وشبكة مواطن الإعلامية.

وضع مخيف

الكويت تبدو من الوهلة الأولى أنها الأفضل بين دول المجلس حيث حلت في المركز الأول خليجيا من حيث حرية الصحافة، وجاءت في الترتيب 108 عالميا، وفقاً لتقرير منظمة "مراسلون بلا حدود"، لكن في الحقيقة تراجعت الحريات الصحفية بالكويت عن العام الماضي وخسرت 3 مراكز في الترتيب بعدما كانت تحتل المركز الـ 105 عالميا.

الصحفي الكويتي والمعتقل السابق عياد الحربي، قال لـ "الاستقلال": إن وضع الصحافة الكويتية الراهن بشقيها الورقي والإلكتروني "مخيف ومعقد وسيء للغاية، ويأتي بعد حزمة إجراءات سلطوية على المواطنين بشكل عام وعلى الصحفيين والمغردين والنشطاء بشكل خاص، من ملاحقات سياسية وقيود أمنية وقضايا تُنظر بالمحاكم كانت كثير من أحكامها بالسجن أو بالكفالات المالية الباهظة الثمن ومضايقات بالوظائف والمعاملات الحكومية".

الحربي كشف عن إغلاق السلطات الكويتية لصحيفة عالم اليوم وقناة اليوم وسحب جنسية مالكهما السيد أحمد الجبر، وإغلاق صحيفة وقناة الوطن، مؤكدا أن "المسموح به اليوم هو المديح والتزلف إما بالترهيب أو الترغيب".

ولفت "الحربي" إلى إقرار السلطات حزمة قوانين عبر نوابها الموالين في مجلس الأمة من شأنها سحق حرية التعبير عن الرأي ومعاقبة الصحفيين والمغردين والنشطاء مثل قوانين النشر الإلكتروني والمرئي والمسموع، وكافة قوانين الفضاء الإلكتروني مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون أمن الدولة الخاص بالعلاقات مع الدول الشقيقة وغيرها.