نجاح العطار.. سياسية سورية تشغل منصب "نائب الأسد" رغم اضطهاده لأسرتها

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"سوريا وطن الشجعان لا يليق بها إلا رئيس كالقائد (بشار) الأسد"، بهذه الكلمات عبرت نجاح العطار نائبة رئيس النظام السوري عن فرحها بـ"الانتخابات الرئاسية" الأخيرة التي أجريت في سوريا 26 مايو/أيار 2021.

وضمن منصب احتفظت به العطار، البالغة من العمر 81 عاما، كأول امرأة تتولاه في سوريا منذ 22 مارس/آذار 2006، أعاد رأس النظام بشار الأسد تسميتها كنائب له أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021.

إبقاء النظام السوري العطار في منصب حكومي رفيع له أهداف عدة، ولا سيما أن الشارع السوري يصفها بـ"سيدة التناقضات" كونها قادمة من عائلة محافظة، علاوة على أنها شقيقة المرشد العام السابق لجماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا عصام العطار.

تلك الجماعة نكل والده رئيس النظام السابق حافظ الأسد وأخوه رفعت بأفرادها وعوائلهم وشردهم وأعدم الكثير منهم وزج بالآلاف المنتمين لها في السجون إلى اليوم، وارتكب فيهم مجزرة سجن "تدمر" الشهير الواقع شرق حمص، في 27 يونيو/ حزيران 1980.

وتؤكد مصادر محلية أن قوات "سرايا الدفاع" التي يقودها رفعت الأسد نفذت المجزرة وقتل فيها نحو ألف معتقل رميا بالرصاص والقنابل اليدوية، من المعتقلين السياسيين المعارضين لحافظ بمن فيهم أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين" المصنفة كجماعة إرهابية لدى نظام الأسد.

ولم تهدأ حرب الأسد على الجماعة، حتى أعطى أخاه رفعت، ووزير دفاعه آنذاك مصطفى طلاس في الثاني من فبراير/شباط 1982 أمرا بقمع "الإخوان المسلمين"، بمحافظة حماة وسط سوريا.

وعلى مدى 27 يوما قتل 40 ألف سوري، بحسب توثيق محلي، بعدما أفرغ رفعت إجرامه وحقده على أهالي المدينة المناهضين لحكم الأسد، ولقب رفعت منذ ذلك الوقت بـ"جزار حماة".

النشأة والتكوين

ولدت نجاح رضا العطار في 10 يناير/كانون الثاني 1933 بمدينة دمشق، ودرست الابتدائية في مدرسة الراهبات الفرنسيسكان، والتحقت بجامعة دمشق عام 1950 ودرست اللغة العربية وتخرجت عام 1954.

تزوجت العطار من الطبيب ماجد العظمة الذي وصل إلى رتبة لواء وشغل منصب المدير العام لإدارة الخدمات الطبية العسكرية التابعة للنظام وتوفي عام 2018، ولها منه وائل وأروى.

سافرت مع زوجها إلى بريطانيا وحصلت هناك على دكتوراه في الأدب عام 1958 من "جامعة إدنبرة"، وقبل ذلك حصلت على دبلوم في الدراسات الإسلامية عام 1956، وآخر في النقد الفني، ودبلوم ثالث في التربية عام 1955.

وعملت كمديرة للتأليف والترجمة في "وزارة الثقافة والإرشاد القومي"، كما شغلت عضوية المكتب التنفيذي لـ"اتحاد الكتاب العرب"، وعضوية "الجمعية المصرية للنقد الأدبي"، وألفت العديد من الكتب في مجال الأدب والنقد والسياسة، ومنها كتاب تحت عنوان "حافظ الأسد، القائد الذي صنع التاريخ".

عقب عودتها من لندن رفضت جامعة دمشق وجود امرأة في ميدان التدريس الجامعي، فسنحت لها الفرصة لاحقا للعمل في وزارة الثقافة كموظفة بمديرية التأليف والترجمة إلى أن أصبحت عام 1974 مديرة لتلك الدائرة.

وكانت النقطة الفارقة في حياتها حينما اختارها حافظ الأسد، لمنصب وزيرة الثقافة عام 1976 ضمن تشكيلة حكومة اللواء عبد الرحمن خليفاوي الثانية.

 وأصبحت بذلك أول امرأة سورية تشغل منصب وزيرة في تاريخ الحكومات السورية منذ الاستقلال عام 1944، وبقيت في المنصب حتى عام 2000 الذي توفي فيه حافظ.

الولاء للأسدين

وحينما اندلعت الثورة السورية في مارس/آذار 2011، أغمضت نجاح عينيها عن المذبحة السورية على يد أجهزة مخابرات الأسد وقواته الذين قتلوا مئات الآلاف وشردوا نحو عشرة ملايين سوري بعد تدمير مدنهم فوق رؤوسهم.

وخلال الثورة أطلقت العطار تصريحات تلقفها الشارع السوري بكثير من السخرية حينما قالت في 28 يونيو/حزيران 2011، "يمكنني أن أقول بكل ثقة إن 99 بالمئة من السوريين يدعمون ويساندون الإصلاحات التي يجريها الرئيس بشار الأسد".

واعتبرت العطار حينها أن تصريحات بعض الساسة الغربيين التي تشير إلى أن الأسد فقد الشرعية "مضحكة".

ومنذ ذلك الحين حرصت العطار على حضور المناسبات التي يقيمها النظام السوري للترويج لـ "المؤامرة الكونية التي يتعرض لها" كما يسميها، وكذلك تلبية دعوات مناسبات السفارات الداعمة للأسد مثل إيران وروسيا وفنزويلا والصين.

وكتبت نجاح العطار عددا من مقالات الرأي في صحف ومواقع النظام السوري، روجت فيها لرؤية النظام لحقيقة ما يجرى في سوريا، وحرصت على إظهار وتجديد الولاء المطلق للأسد من خلالها.

وبينما كانت غوطة دمشق تحرقها طائرات الأسد وروسيا وتحول الأطفال والنساء والرجال إلى أشلاء، أغاظت العطار السوريين، حينما نشرت رسالة رثاء في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 عبرت فيها عن حزنها العميق لوفاة الشاعر المصري فاروق شوشة آنذاك.

وأثارت الكلمات استنكار السوريين بسبب تعامي العطار عن حرب الأسد على شعبه ولا سيما أنها دست فيها كلمة "الغوطة" بقولها: "من دمشق التي بكتكَ، ومن قاسيون الذي انحنى على البعد إجلالا لموكبك.. ومن الغوطة وفوح عطرها نرسل لك ونحن نستشعر آلام فقدك".

كما أن قوات النظام السوري كانت تستخدم جبل "قاسيون" المطل على الغوطة كمربض لمدفعيته التي تدك منها مدن غوطة دمشق صباح مساء، وتسمع العطار صوت سقوط القذائف والصواريخ لحظة انفجارها.

شقيقة المراقب

ويرى الكثير من السوريين أن العطار هي أحد بيادق الأسدين، اللذين جعلا منها وزيرة بالاسم، على الرغم من كون شقيقها محكوما عليه بالإعدام بأمر من الأسد الأب، والذي اغتالت مخابرات النظام زوجته بنان الطنطاوي في مارس/آذار 1981 بألمانيا.

لكن قدرة الأسدين على الحفاظ على توليفة غريبة جعلت الأخ والأخت في خندق مواجه طوال أكثر من نصف قرن، هي الأصعب على عصام العطار الذي كلما ذكرت زوجته تذكر أخته نجاح المؤمنة بنظام القتل المتواصل منذ عام 1980.

وناهض عصام العطار؛ شقيق نجاح، انقلاب البعث منذ لحظته الأولى عام 1963 عندما كان خطيبا مفوها وصعد المنبر وسط الجموع وقال: "أرفض أي ضرب من ضروب الحكم الديكتاتوري الاستبدادي".

وقدم العطار نظرة استشرافية لمصير سوريا في حال صعد حزب البعث إلى الحكم وتولى مقاليد الأمور، وأودع حينها رهن الإقامة الجبرية، حتى خرج إلى الحج عام 1964 ومنع من العودة إلى بلاده وانتهى به المطاف منفيا في مدينة آخن الألمانية.

وقاد حضور عصام وشخصيته المتزنة لأن يقع عليه اختيار جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ليصبح مراقبا عاما عقب وفاة مصطفى السباعي عام 1964، إلا أن الخلافات المتصاعدة بلغت ذروتها عام 1972، وأفضت لعزل العطار وتعيين الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.

ويؤكد محمد العلي، الذي عمل في وزارة الثقافة السورية حتى عام 2008، أن "نجاح العطار كانت مهمشة في وزارتها"، موضحا أنها "اكتشفت ذلك وطمعت بالمنصب وتوجهت أكثر لتنظيم الندوات الثقافية والملتقيات الأدبية وتمثيل سوريا في زيارات مهرجانات ومناسبات عربية ودولية، وكانت تستغل ذلك للحصول على أوسمة من رؤساء وحكومات الدول".

وأضاف العلي "أعتقد أن النظام السوري أبقى على العطار في هذا المنصب كورقة لأي احتمال سياسي مستقبلا، وخاصة أنها منذ زمن حافظ الأسد جرى إشغالها باستقبال ممثلين عن الاتحادات العربية، وعن جمعيات الصداقة مع سوريا وتوسيع العلاقات الثقافية مع بلدان العالم".

أما بالنسبة للعلاقة مع أخيها عصام، فيرى العلي: "أن نجاح منذ حياتها الجامعية شقت طريقها بعيدا عن عائلتها الدمشقية الملتزمة دينيا ولاسيما أن والدها رضا العطار كان قاضيا معروفا بورعه".

واستدرك قائلا: "إن زواجها هو ما غير حياتها وجعلها بعيدة عن بيئتها الأصلية وصنع منها منافقة سياسية تطبل للقومية من فكرة الأسد الأب وتمسكت ببشار رغم كل الدماء التي سالت عقب الثورة عدا عن ذاكرتها المليئة حتما بقصص جرائم حافظ الأسد بحق الإخوان".