تطوق الصين.. لماذا تواجه الشراكة بين الهند وأميركا تحديات واسعة؟

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تسعى كل من الهند والولايات المتحدة إلى توسيع نفوذها العسكري والسياسي في مواجهة الصعود الصيني الكبير وخاصة في منطقة المحيط الهادئ. 

لذلك يرى العديد من المراقبين أن سعي الهند والولايات المتحدة إلى تعميق العلاقات في الفترة الحالية هو أمر بالغ الأهمية. 

ورغم دخول الدولتين في شراكة عبر الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، فإن هناك من يرى أن هذه الشراكة لا تلبي أهداف الدولتين. 

أهمية التحالف  

اعتبرت الإدارة الأميركية السابقة والحالية الهند شريكا إستراتيجيا يمكن الاعتماد عليه في إحلال السلام والأمن والاستقرار ومواجهة بكين التي ترى واشنطن أنها تنتهك القوانين الدولية عبر الاستفزازات في بحر الصين الجنوبي. 

ويرى تقرير لصحيفة فورين بوليسي الأميركي أن الهند ستشكل حليفا قويا للولايات المتحدة باعتبارها قوة نووية كبيرة ولديها أكثر من مليون جندي وبحرية متنامية وبرنامج فضائي من الدرجة الأولى.

وأشار التقرير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى أن هذا التحالف سيسمح لكلا البلدين بالحفاظ على قوتهما العالمية وتوسيعها، وسيمكن الولايات المتحدة، إلى جانب اليابان وأستراليا من تشكيل رادع حقيقي للتهديدات الإرهابية المحتملة في أفغانستان وكذلك في مواجهة الصين.

وأضاف التقرير: "مع عدم وجود قواعد أميركية متبقية في المنطقة ستؤثر الصين وإيران وروسيا وحتى باكستان على مستقبل هذه الجماعات الإرهابية، دون سبب وجيه لمساعدة الولايات المتحدة".

وتابع: "لدينا الآن شريك واحد فقط يمكنه مراقبة أفغانستان بشكل فعال، إنه الشريك نفسه الذي يمكنه تتبع الجناح الجنوبي للصين، أي الهند".

وتدير الهند قاعدة فاركور في طاجيكستان، وهي القاعدة الجوية الوحيدة على مقربة من أفغانستان.

وبوجود تحالف بين البلدين يمكن للهند أن تسمح لواشنطن بالوصول إلى قواعد إستراتيجية لحماية مصالحها في أفغانستان والمنطقة الأوسع.

واعتبر التقرير أن التحالف من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة ميزة إضافية أخرى من خلال إدراك الهند أن بكين تشكل تهديدا لها بسبب الضغوط التي تمارسها الصين على الحدود الهندية. 

 

وفي 16 يونيو/حزيران 2020 أعلنت الهند مقتل 20 جنديا في اشتباكات على الحدود مع الصين في المنطقة المتنازع عليها في إقليم كشمير جنوب جبال الهيمالايا. 

كما أعلنت الصين سقوط أربعة قتلى في صفوف قواتها خلال الاشتباكات التي وصفت حينها بأنها الأعنف بين البلدين منذ نحو نصف قرن.

ومنذ ذلك الحين أعادت الهند 50 ألف جندي إلى حدودها مع الصين ليصبح إجمالي القوات الهندية الموجودة حاليا في تلك المنطقة حوالي 200 ألف. 

وعلى الجانب الآخر عززت الصين وجودها العسكري على طول حدود جبال الهيمالايا بـ 100 قاذفة صاروخية متطورة بعيدة المدى بحسب تقرير فورين بوليسي. 

التحالف يمنع خطرا مزدوجا آخر عن الهند التي تعاني من العلاقات القوية بين الصين وباكستان اللتين تمثلان خطرا أمنيا عليها بسبب الصراع الثلاثي على إقليم كشمير. 

ويرى تقرير فورين بوليسي أن التحالف الهندي مع أميركا سيعطي حصنا للأولى ضد صراع جبهتين على حدودها، ومن شأنه أيضا أن يساعد في تخفيف نفوذ باكستان التي وصفها التقرير بأنها دولة راعية للإرهاب ومدعومة باستثمارات صينية في أفغانستان. 

وفي تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية في 22 مارس/آذار 2021 شدد السفير الهندي السابق لدى الولايات المتحدة آرون سينغ على ضرورة بناء شراكات مع دول أخرى وأن تعمل بلاده على حماية مصالحها وأمنها في ظل تصاعد الوجود الصيني في منطقة المحيط الهندي. 

ونقلت الشبكة عن "دروفا جايشانكار" المدير التنفيذي في مؤسسة أوبزرفر ريسيرش فاونديشن أميركا قوله: "نظرا لأن الصين والهند تتشاجران بشكل متكرر حول المنطقة، فمن المحتم أن يكون هناك بعض التقارب الطبيعي بين نيودلهي وواشنطن".

وفي حين أنها ليست مهمة مثل وجودها في المحيط الهادئ فإن الولايات المتحدة لديها وجود دائم في منطقة المحيط الهندي من خلال القواعد العسكرية في الشرق الأوسط وجيبوتي وجزيرة دييغو غارسيا التي هي جزء من إقليم ذلك المحيط، وفق قوله.

وأشار جايشانكار إلى أن تطور العلاقات بين واشنطن ونيودلهي على مدى السنوات الماضية كان مدفوعا بالمخاوف المشتركة بشأن الصين. 

وقال: "نحن في مرحلة تجري فيها الولايات المتحدة والهند عددا كبيرا من التدريبات العسكرية فيما بينهما ومع شركاء آخرين". 

تحديات كبيرة

رغم وجود العديد من الملفات المشتركة بين الهند والولايات المتحدة التي يمكن البناء عليها لتعميق التحالف المشترك فهناك الكثير من التحديات التي تواجه تعميق تلك الشراكة. 

في عام 2018 وقعت الهند اتفاقا مع روسيا بقيمة 5.5 مليارات دولار تحصل الأولى بموجبه على أنظمة إس-400 الدفاعية وهو ما يجعلها تقع تحت طائلة قانون كاتسا الذي أقرته واشنطن في عام 2017 لفرض عقوبات على أي دولة تعمل مع قطاعي الدفاع والاستخبارات في موسكو.

ويرى العديد من المحللين أن مثل هذه الاتفاقية ربما تقف في طريق توثيق العلاقات بين نيودلهي وواشنطن.

وهو ما تحدث عنه بعض المشرعين الأميركيين الذين طالبوا إدارة الرئيس جو بايدن بإعفاء الهند من عقوبات قانون كاتسا. 

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021 كتب النائبان الجمهوري جون كورنين والديمقراطي مارك وارنر خطابا إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يطالبونه فيه بعدم توقيع عقوبات على الهند على أساس أن ذلك يخدم الأمن القومي والتعاون الأوسع بين البلدين. 

ونقلت وكالة رويترز الأميركية عن كورنين ووارنر، وهما الرئيسان المشاركان لتكتل الهند في مجلس الشيوخ، قولهما إنهما يشاركان الإدارة مخاوفها بشأن روسيا، لكنهما حذرا من إلحاق الضرر بالتعاون مع نيودلهي في حالة فرض عقوبات.

وقالا: "نعتقد أن تطبيق عقوبات كاتسا يمكن أن يكون له تأثير ضار على شراكة إستراتيجية مع الهند، بينما في الوقت نفسه لا يحقق الغرض المقصود لردع مبيعات الأسلحة الروسية". 

وأشارت الوكالة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى أن الهند قلصت مشترياتها من المعدات العسكرية من روسيا، التي كانت مصدرها الرئيس لسنوات، مع انخفاض بنسبة 53 بالمئة في صادرات الأسلحة الروسية إلى نيودلهي من 2016 إلى 2020 مقارنة بفترة الخمس سنوات السابقة.

في المقابل زادت صفقات الدفاع الهندية مع الولايات المتحدة بمبيعات بلغت 3.4 مليارات دولار في السنة المالية 2020، وهو ما اعتبره عضوا مجلس الشيوخ بأنه مؤشر إيجابي. 

وأوضح كورنين ووارنر أن فرض عقوبات في هذا التوقيت يمكن أن يعرقل تعميق التعاون مع الهند في جميع جوانب العلاقات الثنائية بما فيها التعاون الدفاعي وفي اللقاحات وإستراتيجية الطاقة وصولا إلى مشاركة التكنولوجيا.

صحيفة واشنطن بوست الأميركية سلطت الضوء على 5 تحديات أخرى يمكن أن تواجه البلدين خلال محاولتهما إقامة شراكة هادفة للتعامل مع المشكلات العالمية.

وأوضحت في الثاني من أغسطس/آب 2021 أن التحدي الأول هو كيف يتم تشكيل الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان في ظل وجود مؤسسات أخرى كبيرة مثل حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وبين كريستوفر كلاري وهو أستاذ مساعد للعلوم السياسية والشؤون الدولية بكلية روكفلر الأميركية أنه "مع وجود القليل من الأخبار الفعلية حول الرباعية، فمن غير الواضح ما إذا كانت هذه المجموعة ستتطور أم أنها ستعمل فقط كمنتدى للقمة الافتراضية والمادية".

التحدي الثاني وفق كلاري هو التعاون في مجال لقاح كورونا، وشراكة اللقاحات الرباعية التي بدأت في مارس/آذار 2021 وتعثرت على الفور بعد أن احتفظت إدارة بايدن بقيود التصدير على لقاحات فيروس كورونا الأميركية لصالح مواطنيها. 

في المقابل سعت الهند التي صدرت 60 مليون جرعة من اللقاح في الفترة من فبراير/شباط إلى أبريل/نيسان 2021 في إطار برنامج مايتري (لقاح الصداقة) قبل أن تتوقف بشكل مؤقت لمواجهة موجة مميتة خلال الربيع أدت إلى وفاة عدة ملايين من الهنود بحسب تقديرات لدراسات خارجية موثوقة. 

وبدلا من قصة نجاح رباعية مبكرة، دفعت مبادرة اللقاح وصراعات الهند العميقة مع الفيروس بعض المتشككين إلى التساؤل عما إذا كان الوباء قد كشف عن نقاط ضعف متأصلة في المجموعة الجديدة.

التحدي الثالث هو مدى إمكانية اعتماد الهند والولايات المتحدة على بعضهما البعض في مواجهة الصين. 

الخبير في العلاقات الهندية الصينية في معهد بروكينغز، تانفي مادان، استبعد في تصريحات لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية استعادة العلاقات بين نيودلهي وبكين. 

وقال تانفي في 22 يوليو/تموز 2021: "لا أعتقد أن هناك نقاشا بشأن الصين في الهند بعد الآن، النقاش في نيودلهي يدور فقط حول مدى قربنا من الولايات المتحدة". 

ويوضح كلاري أن الهند التي تتعامل مع الصين الأكثر تصادمية تسعى للحصول على مساعدة واشنطن في تعزيز قوتها، وفي الوقت نفسه تسعى لتجنب منح الولايات المتحدة القدرة على تقييد الخيارات الهندية. 

وأضاف: "وبالنظر إلى الخلافات السابقة خلال الحرب الباردة وحول برنامج الأسلحة النووية الهندية فإن نيودلهي لديها مخاوف مستمرة بشأن مصداقية واشنطن. 

ويبرز التحدي الرابع تخوفات الهند من عودة طالبان في أفغانستان؛ حيث يشعر المراقبون الهنود بقلق عميق من تقدم الحركة، ويخشون عودة ظهور ملاذ آمن للمتشددين المناهضين للهند.

وهنا يقول كلاري إنه من غير الواضح ما إذا كانت الهند ستلعب دورا في تشكيل تحالف ما بعد الولايات المتحدة لمنع سيطرة طالبان بشكل كامل، على اعتبار أن سجل واشنطن في أفغانستان يعزز مخاوف نيودلهي من أن البيت الأبيض لا يزال شريكا متقلبا.

وأشار كلاري إلى أن التحدي الخامس والأخير يتمثل في القيم المشتركة بين الهند والولايات المتحدة، وما إذا كانت الشراكة بينهما ما زالت قائمة على الديمقراطيات؟ 

واعتبر أن من بين شركاء الولايات المتحدة الثلاثة في المجموعة الرباعية، تعتبر الهند الدولة الوحيدة التي لديها السكان والموقع ليكونوا بمثابة ثقل موازن محتمل للصين. 

وأضاف كلاري: "إن الانتعاش بعد الوباء في نيودلهي، مع نمو الاقتصاد بنسبة 9.5 بالمئة هذا العام وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، من شأنه أن يساعد المسؤولين الأميركيين على التغاضي عن أي مخاوف لديهم بشأن الهند الجديدة كشريك سياسي وأمني واقتصادي".