"تنازلت عن مبادئها".. هكذا فقدت الأحزاب الإسلامية المغاربية قوتها

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة تركية الضوء على التطورات السياسية المهمة التي شهدتها دول المغرب العربي صيف 2021، خاصة في الجزائر وتونس والمغرب.

ونشرت صحيفة "يني شفق" مقالا للباحث في مركز "أورسام" مصعب يلماز قال فيه: "بعد المرحلة الانتقالية في الجزائر التي شهدت نزول الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن سدة الحكم بعد 20 عاما عقب الحراك الشعبي، أجريت الانتخابات البرلمانية في 12 يونيو/حزيران 2021، وتم تشكيل حكومة جديدة".

وتابع: "وعلى الناحية الأخرى، حل الرئيس التونسي قيس سعيد الحكومة بحركة انقلابية وجمد البرلمان في 25 يوليو/تموز 2021، وبامتلاكه صلاحيات الحكومة، أصبح سعيد يملك سلطة إصدار نصوص تشريعية بالقرارات التي نشرها في 22 سبتمبر/أيلول 2021".

وبينما كانت هذه التطورات تحدث في الجزائر وتونس، هزم حزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومات الائتلافية بالمغرب منذ 2011 في انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021، وحصل على 13 مقعدا فقط في البرلمان بعد أن كان يملك 125 مقعدا، وفقا للكاتب.

وقال يلماز: "والواقع أن هذه التطورات السياسية الداخلية لدول المنطقة المغاربية تشترك في مسألة فقدان الأحزاب الإسلامية قوتها والدعم الآتي من القاعدة الاجتماعية، وذلك بعد أن كانت تعتبر بديلا للأنظمة القائمة أثناء عملية التغيير الإقليمي التي بدأت مع انطلاق شرارة الربيع العربي".

وأوضح: "إذ كانت كل من حركة مجتمع السلم في الجزائر، وحركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب من أكثر الفاعلين السياسيين نشاطا في بلدانهم خلال العقد الماضي، غير أنه بدا واضحا أن الأحزاب الثلاثة فقدت شعبيتها السابقة بالنظر إلى التطورات في الأشهر الأخيرة".

"سِلم" الجزائر

واستدرك يلماز: "لقد احتل حزب مجتمع السلم المركز الثاني بعدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان خلال انتخابات 12 يونيو/حزيران 2021،  والحق أنه كانت لديه فرصة كبيرة للفوز بالانتخابات في ظل سقوط نظام بوتفليقة عقب الحراك الشعبي عام 2019، وفقدان الأحزاب الموالية للنظام سمعتها".

وأردف: "غير أن عدم حصول حزب مجتمع السلم على النتائج المرجوة في الانتخابات في مواجهة الأحزاب الموالية للنظام، أدى إلى ظهور تعليقات وتقييمات مفادها أن مجتمع السلم لا يختلف بنظر الشعب عن الأحزاب الأخرى الموالية للنظام".

وفي الواقع، كان "مجتمع السلم" الذي أسسه محفوظ نحناح عام 1990، قد بقي في ظل الجبهة الإسلامية للإنقاذ أثناء الانتقال إلى نظام تعدد الأحزاب في الجزائر.

لكن الحزب نجح في أن يكون أحد الأحزاب الأربعة الأولى بالبرلمان، في جميع الانتخابات التي خاضها، بعد أن زاد من نشاطه السياسي مع انتهاء الحرب الأهلية في عهد بوتفليقة.

وأضاف يلماز: "لكن ومع دخول الجزائر مرحلة جديدة، لم يستطع مجتمع السلم الذي كان بارزا باعتباره بديلا عن الأحزاب الموالية للنظام، الحصول على أغلبية المقاعد اللازمة لتشكيل حكومة رغم حصوله على عدد مقاعد أكبر مقارنة بالانتخابات السابقة".

ويعود ذلك في أصله إلى سعيه للحصول على حقائب وزارية في نظام بوتفليقة وتحقيق مكاسب سياسية سريعة، إذ بذلك فقد الحزب سمعته وتشوهت صورته في نظر الشعب وفوت على نفسه فرصة اكتساب مكانة قوية في السياسة بعد سقوط بوتفليقة، بحسب ما يراه الباحث التركي.

تونس "النهضة"

واستطرد يلماز قائلا: "أما في تونس، فقد كانت حركة النهضة في وضع يمكنها من التأثير على السياسة التونسية وتوجيهها تحت قيادة راشد الغنوشي لعقد من الزمن بما أنها كانت إحدى الفاعلين السياسيين الأقوياء بهيكلها ذي الطابع المؤسسي ودعم الشعب لها".

وأضاف: "لكن ولضمان انتخابها، قامت الحركة بتأييد سعيد في انتخابات 2019 الرئاسية، غير أن الأمر انتهى بسعيد إلى حل البرلمان والحكومة والاستيلاء على زمام السلطة، بسبب تفاقم عدم الاستقرار السياسي المتولد عن الفشل في إقامة حكومات مستقرة في البلاد".

ورغم إبداء حركة النهضة رد فعل قوي على انقلاب سعيد، إلا أن عدم اتباعها سياسة نشطة في مواجهة ذلك، تسبب في التشكيك في الحركة وقائدها الغنوشي، وبدأت حركة استقالات في النهضة، كان من بينهم نواب ووزراء سابقون، يلفت الكاتب.

وأضاف: "كذلك، فإن إحراز حزب النهضة الذي فضله الشعب على النظام القائم في تونس بعد الربيع العربي، تقدمه من خلال تقديم تنازلات، أحدث ردود فعل كبيرة حتى داخل الحزب نفسه وتسبب في تلاشي الثقة عند القاعدة الشعبية له".

وأكد قائلا: "رغم أنها (التنازلات) تهدف إلى الحفاظ على ثقافة المصالحة الوطنية التي روج لها الغنوشي، يمكن القول إن التنازلات التي قدمتها الحركة حين مارست إدارة سعيد ضغوطا عليها، أضعفت من قوة الحركة وشوهت صورتها".

"مصباح" المغرب 

وعلى الناحية الأخرى، قال يلماز: "شهد حزب العدالة والتنمية (شعاره المصباح) تراجعا كبيرا في عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 8 سبتمبر/أيلول 2021، مع أنه كان يحتل المركز الأول في جميع الانتخابات التي أجريت منذ بداية الربيع العربي".

وهناك سببان لذلك، الأول، زيادة ثقل الناخبين من الريف مع تغيير قانون الانتخابات في مارس/آذار 2021.

والثاني، سياسات "العدالة والتنمية" التي أثارت ردود فعل، فلم يستطع الحزب اتخاذ موقف حازم من التطبيع مع إسرائيل، بل حتى وقع بقيادة سعد الدين العثماني على اتفاقية التطبيع في ديسمبر/كانون الأول 2020، بحسب الكاتب.

إضافة إلى ذلك، تسبب تقنين الحزب إنتاج المخدرات في التأثير على الناخبين من الريف في ثوران ردود فعل كبيرة من قاعدة الحزب وهكذا، احتل الحزب مكانه في ذيل الأحزاب التي فازت في الانتخابات، رغم أنه كان يحمل إمكانية تصدر الأحزاب في البرلمان.

وأردف يلماز مشددا: "خلاصة القول، شوه الفاعلون السياسيون الثلاثة الذين كانوا يشكلون بدائل عن الأنظمة في بلدان المغرب العربي الثلاث على سواحل غرب البحر الأبيض المتوسط ​​ويملكون قاعدة شعبية كبيرة، صورتهم بتنازلهم عن مبادئهم لتحقيق مكاسب سريعة ما أدى إلى إضعاف شوكتهم".

وتابع: "يبدو أن أنظمة هذه الدول نجحت في إبعاد الأحزاب التي شكلت تهديدا على سلطتها، عن طريقها، ولو تمكنت كل من حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحزب العدالة والتنمية من مواصلة سياساتها دون التنازل عن مبادئها والتعارض مع الأنظمة القائمة، لأصبحوا لاعبين سياسيين يمكنهم إحداث تغيير دائم".

وختم يلماز مقاله قائلا: "لو استطاعت الأحزاب الثلاثة الحفاظ على موقفها بالدعم الذي تلقته من الشعب، لم يكن ليجرؤ النظام القائم في تلك الدول على قمعهم، الأمر الذي يعني أن تغيير الأنظمة بالمنطقة المغاربية يعتمد على استعادة دعم الشعب ضد النظام من خلال تجديد هذه الحركات وتبني سياسات ومواقف مبنية على المبدأ وليس على المكاسب".