الاغتيالات تعصف بمدينة عدن اليمنية.. هذا هو القاتل

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

" توجهنا من قاعدة عسكرية إماراتية في الصحراء، إلى قاعدة أخرى في عصب أريتريا، عبر طائرة نقل تابعة للقوات الجوية الإماراتية، وخلال الرحلة قام ضابط إماراتي، يرتدي الزي الرسمي، بإطلاعنا على قائمة اغتيال مكونة من 23 اسما"، كان هذا جزءا من تصريح لضابط سابق في القوات الأمريكية الخاصة يدعى إسحاق غيلمور، أدلى به لوكالة "باز فيد نيو" الأمريكية.

وكشف الضابط  في تحقيق استقصائي أجرته الوكالة في 16 من تشرين الأول/ أكتوبر أن "صور بعض الأسماء، مرفق مع كل اسم بطاقة تحمل صورة الهدف، ومعلومات عنه، ومكان إقامته، ودوره في الحياة السياسية اليمنية.. كان بعضهم أعضاء في حزب الإصلاح، وآخرون من رجال الدين، و إرهابيين".

وقالت الوكالة إن شركة تعهدات أمنية خاصة تدعى (مجموعة عمليات الرمح) أسسها الهنغاري الإسرائيلي أبراهام غولان في ولاية ديلاوار الأمريكية، وقعت عقدا من الحكومة الإماراتية للقيام بأجندة تتضمن عمليات اغتيال لأعضاء من حزب الإصلاح وغيرهم في مدينة عدن اليمنية.

حتى صدور هذا التحقيق، لم يكن أحد يعلم بمن يقف وراء عمليات الاغتيال، التي طالت أعضاء بارزين في حزب الإصلاح، و خطباء، وأئمة مساجد، وشخصيات اجتماعية، وناشطين، و ضباطا أمنيين في عدن. كانت القضية، في كل مرة، تُقيد ضد مجهول، بينما كان العشرات يتساقطون، في صمت مريب قبل الجهات الأمنية المختصة، وتجاهل من منظمات حقوق الإنسان.

 بحسب تقرير حديث بعنوان" القاتل الخفي" صدر عن منظمة "سام" للحقوق والحريات، ومقرها في جنيف، فإنه تم التحقق من 103 عمليات اغتيال في مدينة عدن، خلال الفترة بين 2015 و 2018، بدأت أول تلك العمليات بعد 43 يوما من استعادة مدينة عدن من يد الحوثيين في 17 تموز/يوليو 2015، وسيطرة القوات الإماراتية على المدينة.

تخضع المحافظات الجنوبية اليمنية، بما فيها مدينة عدن، لسيطرة الحزام الأمني، وهو تشكيل مسلح مواز أنشأته الإمارات عقب دخولها عدن، ضمن عملية عاصفة الحزم التي أطلقها تحالف (الرياض ـ أبو ظبي)، بحجة دحر الحوثيين، وإعادة الشرعية.

استهدفت أول عملية لشركة " الرمح " رئيسَ حزب الإصلاح في عدن أنصاف علي مايو، في 29 كانون الأول/ديسمبر 2015، وهي عملية باءت بالفشل، يقول التحقيق: كانت المعلومات قد وردت لفريق الاغتيال بأن اجتماعا يجمع أنصاف مايو بأعضاء من الإصلاح في مقر الحزب بعدن، ما عده الفريق وقتا مناسبا للقيام بالعملية، لكن القيادي الإصلاحي كان قد خرج قبل عشر دقائق من العملية، وكان الهجوم أيضا قد فشل في تحقيق أهدافه، رغم القيام به.

بحسب "الاسوشيتد برس"، فإن مسؤولا أمنيا كبيرا، طلب عدم الكشف عن هويته، لأسباب أمنية، أفاد بأن الإمارات هي من تقف وراء عمليات الاغتيال التي تطال رجال دين وضباطا أمنيين بعدن.

وما يؤكد ذلك، ما نقلته وكالة "باز فيد" عن إبراهام غولان قائد الفريق الذي نفذ العملية ضد ماي، بالقول: "كان هناك برنامج اغتيالات في اليمن، كنت أديره وقمنا به، ووافقت عليه الإمارات ضمن التحالف".

وأضاف غولان: "في 15أيلول/ ديسمبر، استقلينا طائرة غالفستريم (جي 550). وفي الجو أخبر جليمور الطيارين أن هناك تعديلا طفيفا، وهو أنه لن يتم الهبوط في المطار التجاري الرئيسي في أبو ظبي، بل في قاعدة عسكرية إماراتية في الصحراء. وصلنا القاعدة العسكرية، وكان في استقبالنا المسؤول السابق في السلطة الفلسطينية محمد دحلان، كان يرتدي بدلة مصممة بشكل جيد، (يعمل محمد دحلان حاليا مستشارا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد)، وأبرمت الصفقة على مأدبة غداء في مطعم إيطالي في نادي الضباط الإماراتيين، ووقع على الصفقة قائد الفريق أبراهام غوالان، و محمد دحلان ممثلا عن الجانب الإماراتي، وبدأت مجموعة عمليات (الرمح) العمل".

بحسب غوالان وغيلمور، فقد نص العقد على "إعطاء الفريق 1.5 مليون دولار شهريا، بالإضافة إلى مكافآت مقابل عمليات الاغتيال الناجحة".

لماذا تعادي الإمارات حزب الإصلاح؟

 أصدرت الإمارات في عام 2014، مرسوما حكوميا قضى بحظر جماعة الإخوان المسلمين وإدراجها في قائمة التنظيمات الإرهابية، حيث أن معظم التصريحات التي تصدر و التغريدات التي يكتبها مسؤولون إماراتيون عن الإخوان المسلمين، وأبرزهم: أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، ونائب قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خفان.

وتؤشر هذه التصريحات إلى أن الإمارات مسكونة بذهنية تعتقد من خلالها أن تنظيم الإخوان يحد من طموحها، و قادر على تشكيل خطر حقيقي على نظامها السياسي، بالطبع لا يمكن للإمارات أن تفصح عن هذه المخاوف، أو تصرح عنها بها بشكل مباشر، لكنها استبدلت الحديث عن تلك المخاوف بتصنيفها كجماعة إرهابية، وهي أيضا تظن أن حزب الإصلاح اليمني (إسلامي التوجه) يمثل امتدادا لفكر جماعة الإخوان، لهذا فقد عملت جاهدة ، منذ سيطرتها على المحافظات الجنوبية وخصوصا عدن، على إزالة أي عقبة تظن أنها ستقف في طريقها، وهذا ما أكده الضابط جليمور في حديثه لوكالة "بازفيد نيوز" أن "دحلان كان واضحا تماما في طلبه بأن الغرض هو تدمير حزب الإصلاح في اليمن الفرع السياسي لمنظمة إرهابية".

بخصوص استهداف القادة الأمنيين، فيشير تحقيق منظمة "سام" عن مصادر لم تكشف عن هويتها لأسباب أمنية، إلى أن التوتر الحاصل بين ألوية الحرس الرئاسي التابعة للرئيس هادي، والحزام الأمني المدعوم من الإمارات، يقف وراء تلك العمليات، مضيفا أن "العمليات طالت ثمانية ضباط أمن يعملون على التدقيق في حركة المسافرين من وإلى مطار عدن، ما يشير إلى أن جهة ما تعمل على تسهيل مرور أشخاص لا تود أن يثير تواجدهم تساؤلات أو يخلق علامات استفهام تسهم بالكشف عن بعض الأوراق، وبالتالي فإنها تعمل على استهداف كل من يمكن أن تكون له علاقة بعرقلة مشروعها".

كان تحقيق "باز فيد نيوز" يشير بشكل صريح، وبدون إي موارية إلى تورط الإمارات، وبالطبع شكك  البعض في مصداقية هذا التحقيق ، لكن أدلة أخرى كفيلة بدحض هذه الشكوك، فالصحفي المقرب من حزب الإصلاح عبدالله دوبلة، كان قد أفاد في تصريح خاص بـ"الاستقلال" إنه " كان أحد الحاضرين في ذلك الاجتماع، وأن تفاصيل العملية تتطابق مع ما ورد في التحقيق من حيث المكان والزمان وتفاصيل عدة، إلا أنه استدرك قائلا: "لم يكن المقر مشرفا على بوابة المقر بحيث نرى المدرعة والجنود، إلا أننا أُخبِرنا من شهود عيان بعد دقائق من الحادثة أن جنودا كانوا يتحدثون بالإنجليزية، هم من قاموا بالعملية، وكانوا وينادون بصوت عالٍ آمرين بالانسحاب: (Go .. Go)".

وقال آخرون إن "عمليات اغتيال مصورة لبعض المشايخ والضباط أظهرت أن قتلة بزي مدني هم من قاموا بعمليات الاغتيال"، وهذا يتنافى مع رواية وكالة "باز فيد نيوز" من أن ضباطا أمريكيين بزي عسكري قاموا بعمليات الاغتيال"، لكن التحقيق كفيل بالرد على هذا التشكيك.

وكان معد التحقيق  الصحفي أرام روستون قد عرض أسماء وصور عدد من القتلى لغيلمور، فأفاد بأنه يعرف اثنين منهم، لكنه لم يشارك في قتلهما، ما يشير إلى أن هناك متعهدين آخرين قاموا بتنفيذ عمليات الاغتيال، وهو ما يتطابق مع الفيديوهات المصورة لبعض العمليات.

إضافة إلى ذلك، فقد قدم التحقيق أدلة مادية توثق العملية أثناء وقوعها، منها، على سبيل المثال، مقطع فيديو لطائرة بدون طيار، وهو ما تحدث عنه قائد العملية الاسرائيلي أبراهام غولان، إضافة إلى صورة تجمع الضابطين غولان وغيلمور بمحمد دحلان.

ماذا كان رد الحكومة والإصلاح؟

وففي السياق ذاته، أشارت الدكتورة إليزابيث كيندال من جامعة أوكسفورد البريطانية في تغريدة لها على "تويتر" إلى "وجود علاقة بين عمليات الاغتيالات والإمارات والحزام الأمني التابع لها"، من غير ذكر تفاصيل.

يحصل كل هذا والصمت يلجم كل الجهات المسؤولة، فالسلطات الأمنية في عدن لم تكشف عن قاتل واحد من إجمالي 103 عملية اغتيال، وكانت قد أعلنت في وقت سابق أنها قبضت على قتلة الشيخ عبدالرحمن مرعي، لكن لا نتائج حتى الآن. 

وفي الطرف المقابل، فإن حزب الإصلاح، أيضا لم يعلق على تحقيق الوكالة حتى اللحظة. كما أن المكتب الإعلامي التابع لسفارة الولايات المتحدة في الإمارات رفض الرد على المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية، وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه"، فبحسب التحقيق، فإنها أنكرت معرفتها بهذه الشركة.

وكذلك، نفى عميل في الوكالة مساهمة أمريكيين في الشركة، لكنه حقق في القضية واكتشف صحة الأمر، ثم اتصل بكاتب التقرير، يعبر عن دهشته، وأضاف أن "أعضاء عملية الرمح تلقوا رتبا عسكرية لتكون بمثابة غطاء قانوني لهم".

وكان الوحيد الذي علق على عمليات اغتيال أعضاء من حزب الإصلاح هو هاني بن بريك نائب رئيس ـ ما يسمى ـ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، عبر تغريدة له في 10 كانون الثاني/ديسمبر 2016، قال فيها إن" بؤر المفجرين المنتحرين هي المساجد، ومن المؤسف أن يجد من يقف ضد تطهير المساجد من دعاة هذا الفكر الإجرامي".

الكلمات المفتاحية