عمرو أديب.. كبير كهنة الإعلام المصري الأقرب للسيسي والمدعوم خارجيا
.jpg)
الإعلامي المصري عمرو أديب، أحد المقربين بشدة من رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، يشتهر بثلاثة مشاهد لا تنسى، ليصنف ضمن "كتالوج" الشخصيات "المتسلقة" و"الحربائية" التي تتغير حسب طبيعة الأنظمة الحاكمة.
المشهد الأول، اشتباكه الشهير مع المحامي المعارض عصام سلطان (معتقل حاليا) خلال اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، إذ كان أديب من أشد المدافعين عن الرئيس المخلوع حسني مبارك واستمراره في الحكم، واتهم الثوار والمتظاهرين بإشعال البلاد وإحداث الفتنة.
الثاني، بعد إعلان سقوط مبارك بلحظات، في 11 فبراير/شباط 2011، إذ خرج عبر قناة "أون تي في" باكيا من الفرح، مهللا ومهاجما النظام الزائل بأقسى عبارات الشجب والغضب، واتهمهم بالطغيان وإفساد مصر على مدار 30 سنة.
المشهد الثالث وهو الأكثر جدلا، في حضرة المستشار بالديوان الملكي السعودي تركي آل الشيخ، خلال توقيعه عقدا مع مجموعة "إم بي سي" عام 2018، إذ قال آل الشيخ عقب التوقيع: "احنا نحب نقول.. بهاي (هذا) العقد هذا يصبح عمرو أغلى مذيع في الشرق الأوسط" قبل أن يضرب بقوة على كتفه، في حركة اعتبرت إهانة ودلالة على شراء الذمم.
وعندما تتجمع تلك الخيوط، سترسم بدقة شخصية أحد أبرز الإعلاميين التابعين للنظام المصري على مدى ربع قرن من الزمن.
إمبراطورية أديب
اسمه الكامل، عمرو عبد الحي مصطفى أديب، ولد في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1963 بمدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية (دلتا مصر)، والده هو الكاتب والسيناريست المشهور عبد الحي أديب، صاحب البصمة الكبيرة في السينما المصرية، بكتابة نحو 200 فيلم.
بدأ عمرو دراسته في مدرسة "فيكتوريا كوليدج" المرموقة بالقاهرة، وكانت من أبرز مدارس الطبقة الأرستقراطية في مصر، ثم تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1986.
ينتمي عمرو (58 عاما) إلى عائلة فنية متمرسة، فهو شقيق الإعلامي عماد الدين أديب، الذي كان معروفا بحواراته مع الرؤساء والزعماء بداية من الرئيس أنور السادات ثم مبارك.
وله شقيق آخر هو المخرج عادل أديب، المدير الفني لشركة "جود نيوز سينما" للإنتاج السينمائي، إحدى ممتلكات الإمبراطورية الإعلامية الشاسعة لعائلة "أديب"، والتي قدمت أفلاما بميزانيات هي الأضخم في تاريخ السينما المصرية، مثل "عمارة يعقوبيان" و"حليم" و"حسن ومرقص".
ولذلك فـ"عمرو" شريك أساسي في تلك الإمبراطورية الإعلامية رفقة شقيقيه، وبجوار عمله الإعلامي، يرأس محطة "نجوم إف إم" التي تعتبر أول إذاعة خاصة على أثير الإذاعة المصرية.
وعلى صعيد الحياة الشخصية تزوج عمرو مرتين، الأولى من أماني سوكا، عام 1992، ولديه منها خالد، قبل أن ينفصل عنها، ويتزوج الإعلامية لميس الحديدي عام 1999، ولديه منها نور الدين.

سلم الصعود
بدايات عمرو أديب المهنية كانت متنوعة، وإن دارت جميعها في فلك الإعلام، فعند تخرجه من كلية الإعلام جامعة القاهرة، واجهته مشكلة المقارنة بأخيه عماد الدين، الذي انتشر كالبرق في الصحافة ووسائل الإعلام العربية، باعتباره محاورا فذا.
وهنا حاول عمرو الخروج من جلباب أخيه، فاهتم أكثر بالعمل في الصحافة المكتوبة، واشتغل في مؤسسة "روزاليوسف" لفترة، وقد كان أيضا رئيسا لتحرير جريدة "البلد".
وخلال تلك المرحلة، شارك ممثلا في عدد من الأعمال بدأها عام 1992 بفيلم "عيون الصقر" أمام الفنان نور الشريف، وفي 1999 قدمه المخرج محمد فاضل في فيلم "كوكب الشرق" عن سيرة حياة أم كلثوم، وجسد فيه شخصية الصحفي، مصطفى أمين.
جاءت فرصة ظهور عمرو كمقدم برامج في 1998، من خلال قنوات "الأوربت" السعودية المشفرة آنذاك، إذ بدأ بتقديم برنامج "ليلة أوربت"، وكان من اكتشاف المخرج والمنتج الشهير طارق الكاشف الذي استشعر في "عمرو" مادة خاما لإعلامي ناجح.
وبعدما اقتنع به مسؤولو القناة، قدموه في مايو/أيار 2000 لتقديم أولى حلقات برنامج التوك شو "القاهرة اليوم"، والذي استمر قرابة عقدين كاملين من الزمن، ويصبح من أهم برامج "التوك شو" في الوطن العربي.
وظل البرنامج يحظى بمشاهدات نسبية في الأوساط الخليجية، ولكن بعد سنوات معدودة حظي بشهرة بين أوساط الشعب المصري بكل طبقاته، خصوصا بعد انتشار وصلات الدش وقنوات الكابل في مصر.
بعدها قدم أديب الكثير من الحلقات الهامة التي جعلته على قمة متابعة برامج التوك شو، أبرزها حلقة مقتل الفنانة التونسية ذكرى عام 2003، التي جعلت العالم العربي يلتفت أكثر إلى البرنامج ومقدمه، حيث كان من المقرر أن يكون زمن هذه الفقرة 30 دقيقة، لكنها استمرت 3 ساعات كاملة، ليصير "القاهرة اليوم" حديث الناس، ويصبح أديب إعلاميا مشهورا بعدها.
احتضنته السعودية
عامي 2009 و2010، دخل أديب في صدامات متعددة، بدأها بالاشتباك مع منتخب مصر لكرة القدم، الذي كان في أوج مجده وتألقه وقمة شعبيته آنذاك، حيث اتهم لاعبي المنتخب بارتكاب "أفعال لا أخلاقية" (إحضار فتيات ليل إلى غرفهم الخاصة) أثناء المشاركة في كأس العالم للقارات بجنوب إفريقيا.
الاتهام أدى إلى فورة غضب عارمة في الأوساط الرياضية والشعبية والإعلامية المصرية، واشتبك مع أديب لفظيا مدرب المنتخب آنذاك حسن شحاتة ومجموعة من النجوم ضمنهم محمد أبوتريكة وأحمد حسن، خاصة بعدما تبين اعتماد أديب على صحيفة "صفراء مجهولة" في جنوب إفريقيا، ورغم اعتذار أديب لكن بقيت الواقعة "وصمة عار" في تاريخه المهني.
بعدها تساءل أديب عام 2010، عن تلميع جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، في بعض الصحف المصرية، وقال "لماذا يتم كتابة 3 صفحات عن فكر جمال مبارك؟"، في إشارة إلى إمكانية توريثه الحكم، ليتم إيقاف برنامجه ومنعه من الظهور إعلاميا داخل مصر.
وقتها لم يجد أديب إلا أحضان رجل الأعمال السعودي الوليد الإبراهيم، مالك قنوات مركز تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي)، وقناة العربية الإخبارية، حيث قدمه كعضو ضمن لجنة التحكيم ببرنامج المواهب الشهير "Arabs Got Talent".
وقال أديب عن تلك التجربة" "الشيخ وليد الإبراهيم اتصل بي في ذلك الوقت، مكنتش لاقي اشتغل ولا لاقي آكل.. كنت في لندن، قالي إنزل بيروت دلوقتي علشان تشتغل".
وأضاف: "مسألتش عن البرنامج.. قالي عندك طلبات، قولتله اقطعي التذكرة لإني مش معايا حاجة خالص.. قعدت في بيروت 3 شهور والبرنامج كسر الدنيا".
محرض حربائي
إبان اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ظهر أديب فجأة في المشهد، رغم منعه وإبعاده من قبل النظام، ومع ذلك حارب الثورة، وكان ضمن صفوف الإعلاميين المدافعين عن منظومة حكم مبارك، المطالبين باستمراره.
وبرز خلال إحدى الحلقات رفقة الإعلامية رولا خرسا (زوجة رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون المصري آنذاك، عبد اللطيف المناوي)، مطالبا بإعطاء مبارك فرصة وعدم المطالبة بسقوط حكمه، ما أدى إلى دخوله في اشتباك لفظي حاد مع المحامي عصام سلطان.
ولكن المثير أنه في يوم سقوط مبارك 11 فبراير/شباط 2011، خرج أديب باكيا، مذكرا بـ"الظلم" الذي تعرض له، وشمت في سقوط نظام مبارك، الذي كان يدافع عنه قبل أيام قليلة، ما جعله عرضة لسخرية قطاع واسع من الشعب.
بعد ذلك، لعب أديب دورا بارزا خلال فترة المرحلة الانتقالية وكان من المساهمين الرئيسين في إفشال مكتسبات "ثورة يناير"، والدعاية للانقلاب العسكري الذي جرى يوم 3 يوليو/تموز 2013 على حكم الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي.
وبالتتابع، تورط أديب في التحريض على دماء المدنيين والمتظاهرين العزل، من خلال برنامج "القاهرة اليوم" على قناة "اليوم" التابعة لشبكة "الأوربت"، حيث حشد بقوة ليوم "التفويض".
ودعا المصريين من منابر مختلفة، إلى النزول للشارع في 26 يوليو/تموز 2013؛ لتفويض وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، للقيام بالتعامل مع معارضي الانقلاب السلميين على أنهم "إرهاب"، وهو ما ترتب عليه سقوط عدد كبير من القتلى في فض الاعتصامات يوم 14 أغسطس/ آب 2013، بميداني رابعة العدوية في القاهرة، والنهضة في الجيزة.
الأقرب للسيسي
بعدما استتب الوضع لرئيس النظام السيسي، في 3 يونيو/حزيران 2014، وتسلمت أجهزة المخابرات العامة والحربية، إدارة الملف الإعلامي وقامت بالتصفية، عبر إبعاد أصوات بارزة وتقريب أخرى، ظل أديب ضمن فئة قليلة جدا من "النخبة الإعلامية" التي لم تمس، وأصبح من أقرب الأذرع الإعلامية للسيسي.
وغيرما مرة، انفرد بإجراء حوارات هاتفية أو مرئية مع رئيس النظام، الذي اختصه بنقل رسائل محددة إلى الجماهير.
الأهم أن جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وزوج ابنته، وعراب صفقة القرن، اختار أديب بوجه خاص، ليكون المحاور والنافذة التي يخاطب من خلالها كوشنر الرأي العام العربي في 2 فبراير/ شباط 2020، ويبرر لهم الموقف الأميركي من تهويد القدس وجعلها عاصمة لدولة الاحتلال، وضرورة التطبيع مع إسرائيل.
وفي 24 سبتمبر/أيلول 2021، خلال أمسية خاصة على "MBC مصر" في الذكرى الثلاثين لتأسيس "مجموعة MBC" السعودية، تمنى أديب أن يختتم حياته المهنية في تلك المجموعة، لتكون متسقة مع بداياته، حيث بدأ من خلال شبكة سعودية، واحتضنته المملكة أثناء سقوطه وإخفاقه.
ويريد "صوت الأنظمة الفاشية" أن يعتزل في شبكة سعودية أيضا، ما يفسر أن مرتكزات ونفوذ أديب ليست من مصر فقط، وإنما من الخارج أيضا، عبر أمراء المال والإعلام في البلد الخليجي.