بينهم نجله.. هل تمهد المصالحة الليبية لترشح أنصار القذافي في الانتخابات؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"حالة ترقب" تشهدها ليبيا مع اقتراب الانتخابات المقررة ديسمبر/كانون الأول 2021، لإنهاء فترة انتقالية دامت قرابة 10 سنوات، تخللتها جولات متعددة من الصراعات المسلحة أودت بآلاف الضحايا وخلقت حالة من عدم الاستقرار أفشلت كل جهود بناء دولة ديمقراطية حديثة.

ومنذ 16 مارس/آذار 2021، تشهد ليبيا انفراجة سياسية برعاية الأمم المتحدة، إذ تسلمت سلطة انتقالية منتخبة، تضم حكومة وحدة ومجلسا رئاسيا، مهامها لقيادة البلاد إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

وللوصول إلى "بر الأمان" و"طي صفحة الماضي"، أطلقت الحكومة "مصالحة وطنية" لإدماج كافة أطياف الشعب في العملية السياسية، رغم ما رافقها من انتقادات خاصة داخل المعسكر المؤيد لثورة 17 فبراير/شباط 2011.

وكان أول قرار في جولة المصالحة، إطلاق سراح نجل الرئيس المخلوع (الراحل) معمر القذافي، "الساعدي" المعتقل منذ العام 2014، وسط تساؤلات عن فتح المشهد السياسي لأبناء القذافي وأنصارهم في تجاهل تام لـ"المرحلة البائدة" (1969-2011).

خطوات جدية

في بلاغ نشرته الصفحة الرسمية لرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في 6 سبتمبر/أيلول 2021، أعلن فيه رسميا عن انطلاق مشروع المصالحة الوطنية.

وثمن المنفي، كافة الجهود التي بذلت في سبيل تحقيق ما تم التوصل إليه من مصالحة، في إشارة إلى الإفراج على السجناء الموقوفين على ذمة قضايا مختلفة، والذين صدرت بحقهم أحكام قضائية.

واعتبر أن القرارات التي اتخذت ما كان لها أن تتخذ، لولا الرغبة الحقيقية والجادة، لدى الشعب من أجل طي صفحات الماضي المؤلمة، وتجاوز الخلافات، ونبذ الفرقة، وإيقاف نزيف الدماء، ووضع حد لمعاناته.

ورأى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي كإيفاء من المنفي وشركائه في السلطة التنفيذية الجديدة بما تعهدوا به خلال مؤتمر جنيف الذي انتخب فيه يوم 5 فبراير/شباط 2021، خلفا للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.

وأعلن حينها أن من الأهداف الأساسية للمجلس المصالحة الوطنية، وتوحيد المؤسسة العسكرية، والوصول بالبلاد إلى انتخابات عامة يشارك فيها كل أطياف الشعب.

وكان أول قرار في جولة المصالحة الحالية، إطلاق سراح الساعدي، وهو ما أكده الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية، محمد حمودة.

وقال حمودة: إن هذا القرار جاء تنفيذا للإفراج الصادر عن النيابة العامة في حقه منذ سنتين، كما يتماشى مع تأكيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على ‏أنه لا يمكن الإبقاء على أي سجين خارج نطاق القانون.

من هو الساعدي؟

يحتفظ الليبيون في ذاكرتهم منذ أزيد من 10 سنوات، بصورة النجل الثالث للراحل معمر القذافي، الساعدي، وهو يقود الفرق الليبية التي انتمى إليها إلى انتصارات في دوري كرة القدم. 

هو نفسه الذي وظف أموال ليبيا ونفوذ والده للعب في الدوري الإيطالي لدقائق معدودة كان أبرزها حاملا لأزياء فريق بيروجيا الذي لعب له 15 دقيقة ضد يوفنتوس أوقف بعدها 3 أشهر لثبوت معاقرته "الناندرولون".

مسيرة كرة القدم لم تستمر طويلا، قبل أن يدخل القذافي الابن معترك الحياة السياسية مساعدا لوالده في مهام أمنية لم تكن تمنح سوى لمقربين جدا من العائلة، في وقت بدأ يسطع نجم شقيقه سيف الإسلام كوريث محتمل للسلطة.

لكن مع اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط 2011، كان لكتيبة الساعدي الأمنية دور بارز في محاولة إخماد الثورة، حيث قاتلت الثوار في عدة جبهات، كان أهمها معركة بنغازي الثانية حينما وصلت الكتائب إلى مشارف بنغازي وأطبقت حصارا على المدينة التي تعد أقوى معاقل الثوار، لكن فشلت في ذلك وهرب بعدها الساعدي إلى النيجر.

وفي مارس/آذار 2014، أودع الساعدي وقائد قواته الخاصة الذي فر إلى الخارج إثر هزيمته وسقوط نظام والده، أحد سجون طرابلس بعدما سلمته النيجر التي كان يخضع فيها للاعتقال المنزلي.

مصالحة شاملة

بعد ساعات من إطلاق سراح الساعدي، تم الإفراج أيضا عن أحمد رمضان، صندوق أسرار القذافي، ويده اليمنى وسكرتيره الخاص ومدير مكتب معلوماته، منذ عام 1969 حتى سقوط نظامه.

عمليات الإفراج لم تطل الأحياء فقط، حيث بدأ الحديث عن نية الكشف عن موضع دفن معمر القذافي وأحد أبنائه، فيما أعلنت بعض وسائل الإعلام المحلية نقلا عن مصدر أمني من مدينة سرت، أن أعيان مدينة مصراتة أبلغوا أعيان قبيلة القذاذفة لاستلام رفات كل من معمر ونجله المعتصم.

وظل موضع دفن جسد القذافي مخفيا طوال عقد كامل، حتى أعلن قائد "كتيبة الصمود"، صلاح بادي أنه من دفنه بيده وعلى استعداد للتفاوض بشأن تسليمه، ضمن دعم المصالحة الوطنية والذهاب إلى الانتخابات.

وأكد بادي خلال حوار عبر تطبيق "كلوب هاوس"، عن استعداده للكشف عن قبر القذافي، بعد مقتله في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، إثر معركة دامية في سرت مسقط رأسه، إلا أنه اشترط "الاتفاق مع الأعيان والمدن الليبية".

وكشف بادي أنه "دفن القذافي مع آخرين بأيديهم بعد أن غسلوه وكفنوه، بل كانت هناك مجموعة أخرى شاركته في الغسل والتكفين بينهم خالد تنتوش، وهو قيادي ديني كان مقربا من نظام القذافي".

نهاية الإقصاء

هذه المصالحة تأتي قبل قرابة 100 يوم عن الاستحقاق الانتخابي المنتظر في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، والذي سيختار من خلاله الليبيون رئيسا جديدا للبلاد وبرلمانا منتخبا وممثلا لكل المناطق والمدن. 

غير أن الوصول لهذا الاستحقاق يعترضه "إشكال قانوني"، فقبيل انتخاب البرلمان الجديد بعد انتهاء ولاية المؤتمر العام الذي أدار المرحلة الانتقالية الثانية التي تلت سقوط نظام القذافي، سن بشبه إجماع في 5 مايو/أيار 2013 قانون "العزل السياسي".

القانون يضبط المسؤوليات والوظائف التي يمنع على من تولاها في عهد القذافي تقلد مناصب قيادية في مؤسسات الدولة الجديدة لمدة 10 سنوات أو المشاركة السياسية.

ويرى عدد من المتابعين للشأن الليبي أن الإقصاء السياسي بسبب "العزل السياسي" يعد مسألة قد تجاوزها الواقع الجديد.

هذا الوضع الجديد يبدو أنه كان دافعا لإعلان نجل القذافي، سيف الإسلام، عن قراره رسميا الترشح للانتخابات الرئاسية، بحسب ما نشره موقع "بوابة إفريقيا" المقرب من عائلة القذافي في 3 سبتمبر/أيلول 2021.

وعندما سئل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، عن ترشح سيف الإسلام الابن للرئاسيات، رد بإجابة تحتمل أكثر من تأويل "هو مواطن ليبي من أبناء قبيلة مهمة في ليبيا، ولا مانع مني لترشح أي مواطن ليست لديه مشاكل قانونية".

فالدبيبة من جهة لا يعارض ترشح "سيف الإسلام"، لكنه بالمقابل يشترط أن "لا يكون لديه مشاكل قانونية" وهو ما لا يتوفر فيه، إلا إذا أصدر المجلس الرئاسي عفوا عنه، في إطار المصالحة الوطنية، وبتشجيع من روسيا.

وسيف الإسلام، محكوم عليه بالإعدام، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من محكمة في طرابلس، كما صدر أمر بالقبض عليه من المدعي العام العسكري في 5 أغسطس/آب 2021، ناهيك أنه مطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية بنفس التهم.

معقدة جدا

وفي حديث لـ"الاستقلال" اعتبر الخبير في الشأن الليبي بشير الجويني أن "مسألة المصالحة الوطنية في ليبيا معقدة جدا، وهي تمر حتما عبر إطلاق سراح رموز النظام القديم وهو ما بدأ بالفعل خلال الأيام الماضية". 

واعتبر الجويني أن البلاد منقسمة إلى مجموعة من التيارات أبرزها تيار "ثورة فبراير" بمختلف مكوناته السياسية والمناطقية وتيار النظام القديم أو كما يسمى "تيار سبتمبر" نسبة لثورة القذافي في 1 سبتمبر/أيلول 1969 وحتى وجود تيار سياسي محسوب على الملكية السنوسية ونظام ما بعد الاستقلال الذي أطاح به القذافي.

وشدد على أن "كل هؤلاء مدعوون اليوم بالفعل إلى المشاركة في العملية السياسية الجديدة وبناء مؤسسات الدولة دون إقصاء". 

ولفت الجويني إلى أن "نجاح عملية المصالحة مرتهن بأن لا تكون مرتبطة فقط بأجندة سياسية قريبة المدى مثل انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2021، ولكن بشرط أن يكون مسارا مكتمل الأركان يطوي بالفعل صفحة الماضي". 

وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن "ترشح سيف الإسلام ليس مرتبطا فقط بملف المصالحة، ولكن كذلك بجملة من القضايا الجنائية الداخلية والخارجية، حيث إن القذافي الابن ما زال مطلوبا لمحكمة الجنايات الدولية".

في المقابل اعتبر الجويني أن "تيار النظام القديم سيكون مؤثرا في المرحلة المقبلة وممثلا في المشهد الجديد بعد انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2021، إلا أن السؤال أن هذا التيار سيكون منافسا لمن؟ لتيار ثورة 17 فبراير أم لمعسكر حفتر؟".