منع وتعليق صفقات.. كيف تلتف إسرائيل على وقف دول حليفة إمدادها بالسلاح؟

24 days ago

12

طباعة

مشاركة

تتأثر إسرائيل شيئا فشيئا بالضغوطات التي تتعرض لها من قبل الحكومات الغربية لوقف مبيعات الأسلحة التي تستخدمها تل أبيب في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على أهالي قطاع غزة.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل بدأ عدد من الدول برفض استقبال موانئه للسفن التي تحمل الأسلحة لإسرائيل، في موقف يعرقل عمليات الإمداد لمواصلة حرب الكيان على الفلسطينيين.

وفي موقف متسق مع أكثر الأصوات الأوروبية انتقادا للعدوان الإسرائيلي على غزة، رفضت إسبانيا السماح لسفينة تحمل شحنة أسلحة متجهة إلى ميناء حيفا بالرسو في ميناء إسباني، بحسب ما أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في 16 مايو/أيار 2024.

وقال الوزير للصحفيين في بروكسل "هذه هي المرة الأولى التي نرصد فيها سفينة تحمل شحنة أسلحة إلى إسرائيل تريد أن ترسو في ميناء إسباني".

وأضاف أنه من الآن فصاعدا "سينطبق الشيء نفسه على أي سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل وترغب في الرسو في ميناء إسباني".

وشدد الوزير على أن وزارة الخارجية سترفض بشكل منهجي عمليات الرسو هذه لسبب واضح. واستدرك قائلا: "الشرق الأوسط لا يحتاج إلى مزيد من الأسلحة، بل إلى مزيد من السلام".

من جانبه لفت وزير النقل الإسباني أوسكار بوينتي إلى أن الأمر يتعلق بالسفينة "ماريان دانيكا" التي طلبت الإذن بالتوقف في ميناء كارتاخينا في جنوب شرق إسبانيا في 21 مايو 2024.

التفاف إسرائيلي

ووفقا لصحيفة "الباييس" الإسبانية، فإن السفينة التي ترفع العلم الدنماركي تحمل حوالي 27 طنا من المتفجرات من الهند إلى حيفا بالأراضي المحتلة.

اللافت أن قرار حكومة بيدرو سانشيز، جاء بعد أيام فقط من حث بعض السياسيين الإسبان الحكومة على حظر دخول سفينة أخرى، تتبع لشركة الشحن الألمانية “بوركوم”.

وطلب الشركاء اليساريون منع وصول "بوركوم"، لموانئ البلاد دعما لفلسطين، مؤكدين أنها تحمل أسلحة إلى إسرائيل. 

وحصلت بوركوم على تصريح حكومي بالتوقف في ساحل قرطاجنة شرق إسبانيا في 17 مايو 2024 زاعمة أن وجهتها النهائية هي جمهورية التشيك، وليست إسرائيل.

ولكن اكتشف الحزبان اليساريان في إسبانيا سومار وبوديموس هذه الالتفافة وطلبا من الحكومة منع رسوها قائلين إنها تشحن أسلحة إلى إسرائيل.

وجاءت هذه التطورات وسط خلاف مستمر بين الاشتراكيين الحاكمين في إسبانيا وشركائهم اليساريين بشأن السماح بعبور السفن المحملة بالأسلحة إلى الموانئ الإسرائيلية.

ومع ذلك، ظل اليساريون قلقين من أن جمهورية التشيك قد تكون محطة وسيطة في الطريق إلى إسرائيل.

وقال زعيم حزب بوديموس اليساري إيوني بيلارا، إن إسبانيا قد تصبح "دولة عبور" لشحنات الأسلحة إلى إسرائيل بعد الهجمات على السفن على طريق البحر الأحمر.

وتعد إسبانيا التي أوقفت مبيعات الأسلحة لإسرائيل، واحدة من أكثر الأصوات الأوروبية انتقادا للعدوان المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 والذي خلف أكثر من 35 ألف شهيد إضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية وتشريد نحو مليون ونصف المليون من أهالي القطاع نحو جنوبه.

ووفقا لموقع "إمبريسا إكستريور" الإسباني٬ فإن نادي المصدرين والمستثمرين الإسبان قال، إن العلاقات التجارية بين مدريد وتل أبيب تتدهور بمعدل متسارع تدريجيا.

وأوضح نادي المصدرين الإسبان، أن الصادرات الإسبانية للاحتلال الإسرائيلي تراجعت بنسبة 32 بالمئة في يناير/كانون الثاني 2024، وتراجعت بنسبة 35.6 بالمئة في فبراير/شباط من العام ذاته مقارنة بالسنة الماضية.

ولتجاوز ذلك مع ما يرتبط به من حصار تفرضه جماعة الحوثي في البحر الأحمر، حيث تتجه السفن إلى إسرائيل، لجأت الأخيرة إلى طرق ومصدرين آخرين.

ففي 2 فبراير 2024، تسربت أخبار مفادها أنه تم تسليم عشرين طائرة بدون طيار هندية الصنع متوسطة الارتفاع إلى إسرائيل لاستخدامها في غزة. 

إذ تلعب مجموعة أداني، بقيادة أغنى فرد في الهند، غوتام أداني، دورا مركزيا في اقتصاد الأسلحة الإسرائيلي.

وبالإضافة إلى إنتاج الطائرات بدون طيار، تسيطر شركة أداني على "موندرا" أكبر ميناء في الهند، الواقع في ولاية غوجارات.

وقد أشادت وزيرة النقل الإسرائيلية، ميري ريجيف، بهذا كوسيلة لتجاوز الحصار الذي تفرض جماعة الحوثي على البحر الأحمر قبالة اليمن، أي عن طريق شحن البضائع من ميناء "موندرا" إلى الإمارات ثم نقلها برا إلى إسرائيل.

ومنذ عام 2017، جرى تصنيف الهند على أنها "شريك إستراتيجي" تشارك في إنتاج الأسلحة الإسرائيلية.

"نقاط اختناق"

ولهذا يرى الخبراء أن الحصار الحالي على البحر الأحمر، يمكن شركات الشحن والموانئ الكبرى الموحدة بشكل متزايد من أن تكون بمثابة نقاط اختناق ومساحات ذات نفوذ ملحوظ في عرقلة وصول الأسلحة إلى إسرائيل.

ومن هذه الإجراءات على مستوى العالم، إعلان نقابات النقل الثلاث الرئيسة في بلجيكا في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أن أعضاءها لن ينقلوا بعد الآن الأسلحة إلى إسرائيل، عن طريق البر أو الجو أو البحر.

كما أعلن عمال الرصيف في برشلونة أنهم سيرفضون تحميل أو تفريغ أي مواد عسكرية متجهة إلى إسرائيل.

لكن مع ذلك، فإن التأثير المطلوب لدفع إسرائيل لوقف حرب غزة، سيتطلب من نقابات النقل والخدمات اللوجستية الأخرى، خاصة في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة - التي توفر نصيب الأسد منها لفرض قيود على تلك الشحنات.

لا سيما أن قرار مدريد، تزامن مع تصويت مجلس النواب الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون في 16 مايو 2024 لصالح قانون يُلزم الرئيس جو بايدن بإنهاء تعليقه إرسال شحنة أسلحة لإسرائيل كان قد أقرها المجلس ولكن تم تجميدها بسبب مخاوف تتعلق باستخدامها في غزة.

وتأتي هذه الخطوة الرمزية التي لا تملك أي فرصة لتصبح قانونا، ردا على تعليق بايدن شحنة الأسلحة خشية وقوع إصابات جماعية بين المدنيين الفلسطينيين بينما تواصل القوات الإسرائيلية هجومها على مدينة رفح المكتظة بالنازحين.

ويمنع مشروع قانون "دعم المساعدة الأمنية لإسرائيل" بايدن من تجميد أي مساعدات عسكرية للدولة العبرية وافق عليها الكونغرس.

وقد كشف هذا السجال داخل الولايات المتحدة طبيعة تنويع إسرائيل مصادر الحصول على السلاح.

فبحسب ما أفاد به أحد المساعدين في الكونغرس الأميركي لوكالة الأنباء الفرنسية مشترطا عدم الكشف عن هويته، فإن حزمة الأسلحة الجديدة المخصصة لإسرائيل والتي تحتاج لمصادقة قبل شحنها، جرى شراؤها من صانعي أسلحة أميركيين تبلغ قيمتها نحو مليار دولار.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال أول من كشف عن الحزمة الجديدة للأسلحة، وقد قالت إنه من المحتمل أن تشمل ذخيرة دبابات بقيمة 700 مليون دولار ومركبات تكتيكية بقيمة 500 مليون دولار.

وقد انتقدت تقريرا لوزارة الخارجية الأميركية نشر في 11 مايو 2024 إسرائيل وقال إنها "استخدمت أسلحة بطرق لا تتفق مع القانون الإنساني الدولي".

وفي رد على منتقدي العدوان على غزة داخل حزبه الديموقراطي، أصدر بايدن في فبراير 2024 مذكرة تعرف باسم "إم إس إم-20" تطلب من الدول التي تتلقى مساعدات عسكرية أميركية تقديم ضمانات "ذات صدقية وجديرة بالثقة" بأنها تلتزم قوانين حقوق الإنسان.

 إستراتيجية هجينة

وكشفت الوقائع الميدانية للعدوان على غزة، أن إسرائيل وسعت دائرة أسواق شراء السلاح بطرق كثيرة والتفافية غير تلك القادمة من الولايات المتحدة الداعم الأول لها عسكريا في محاولة لضمان تدفق الأسلحة إليها.

ومرد ذلك للخلافات الأساسية بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية حول استخدامها الأسلحة خارج “القواعد القانونية”.

وأمام ذلك، يعتمد جيش الاحتلال بشكل كبير على الطائرات المستوردة والقنابل الموجهة والصواريخ للقيام بما وصفه الخبراء بواحدة من أكثر الحملات الجوية كثافة وتدميرا في التاريخ الحديث بقطاع غزة.

لكن في الفترة الأخيرة اتجه الساسة من حلفاء إسرائيل الغربيين إلى مراجعة أو تعليق صادرات الأسلحة لها؛ بسبب فشلها في القيام بما يكفي لحماية أرواح المدنيين بغزة وضمان وصول احتياجاتهم من المساعدات الإنسانية إليهم.

ففي منتصف أبريل 2024 أيد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حظر الأسلحة، حيث صوتت 28 دولة لصالحه، مقابل معارضة ستة، وامتناع 13 دولة عن التصويت. 

وصوتت الولايات المتحدة وألمانيا – اللتان تمثلان الغالبية العظمى من واردات الأسلحة الإسرائيلية – ضد القرار. وقالت برلين إنها فعلت ذلك لأن القرار لم يدن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" صراحة.

وقد ركز موردو الأسلحة الرئيسون لإسرائيل على إدخال المساعدات إلى غزة لتصل إلى الفلسطينيين الذين يتعرضون للهجوم بالعديد من الأسلحة التي باعوها لتل أبيب.

وقد وردت أسماء دول أخرى، مثل أستراليا وكندا وفرنسا وبريطانيا، في تقرير للأمم المتحدة في فبراير 2024 على أنها تحافظ على إمداداتها لإسرائيل.

وحذرت الأمم المتحدة بالفعل من المخاطر القانونية لتصدير الأسلحة إلى تل أبيب في تقرير خبرائها، الذي يحمل عنوانا لا لبس فيه: يجب أن تتوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل على الفور.

ووفقا لتقرير صدر عام 2023 عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يدرس الصراعات والأسلحة، فإن 69 بالمئة من مشتريات إسرائيل من الأسلحة تأتي من شركات أميركية، و30 بالمئة من ألمانيا، و0.9 بالمئة من إيطاليا.

كما أن دولا أخرى، مثل المملكة المتحدة وكندا وهولندا، تزود إسرائيل أيضا بمكونات الطائرات المهمة، فيما تستورد تل أبيب أيضا مواد أخرى تستخدم لأغراض عسكرية من دول أخرى مختلفة.

إلا أنه في مارس/آذار 2024 أعلنت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي أن أوتاوا أوقفت صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الهجوم العسكري على قطاع غزة.

أيضا أعلنت إيطاليا في يناير 2024 أنها أوقفت الصادرات لإسرائيل في بداية العدوان على غزة.

وكذلك قضت محكمة هولندية في فبراير 2024 بأنه يجب على البلاد التوقف عن تسليم الأجزاء المملوكة للولايات المتحدة للطائرات المقاتلة من طراز إف 35 إلى إسرائيل.

وصنفت دراسة لمعهد SIPRI نشرت في مارس 2024، إسرائيل في المرتبة الخامسة عشرة بين أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، حيث استحوذت على 2.1 بالمئة من إجمالي الواردات، وفقا للبيانات المتاحة عالميا من 2019 إلى 2023. 

وقالت دراسة المعهد السويدي وهو مركز أبحاث، يقدم البيانات والتحليلات والتوصيات بشأن المسائل المتعلقة بالأمن العالمي، إن إسرائيل تعد تاسع أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وهي مسؤولة عن 2.4 بالمئة من الصادرات.

وأشارت إلى أنه ليست كل المعلومات المتعلقة بتجارة الأسلحة تتسم بالشفافية، خاصة على الجانب الإسرائيلي، وبالتالي قد تكون بعض المشتريات والمبيعات مفقودة في التقرير.

ووجدت الدراسة أن إسرائيل تعد ثالث أكبر وجهة لصادرات ألمانيا العسكرية، حيث تتلقى 12 بالمئة من الصادرات بعد أوكرانيا (12 بالمئة) ومصر (20 بالمئة).

وأكبر عميل لإسرائيل للإمدادات العسكرية هو الهند، التي تستحوذ على حصة 37 بالمئة من الصادرات الإسرائيلية.

وفي ظل وضع بعض الدول عقبات أمام وصول الأسلحة بذات الوتيرة السابقة، فإنه من غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من تحقيق الاكتفاء الذاتي الشامل من الذخائر في أي وقت قريب، ولن يكون لديها القدرة وحدها على تجديد مخزونها بالمعدل الضروري.

ولهذا ترى "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في تقرير نشرته في 14 مارس 2024 أنه "لضمان حصول إسرائيل على الأسلحة التي تحتاجها في المستقبل، ينبغي لها اتباع إستراتيجية هجينة تركز على الحصول سريعا على ذخائر رئيسة بكميات كبيرة من أميركا عندما يكون ذلك ممكنا".

ويضيف التقرير: "بما أن ميزانية إسرائيل الدفاعية الضخمة لا تكفي لتلبية المتطلبات الحالية، تحتاج إسرائيل إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، خاصة بالنسبة للذخائر التي تحتاجها بشدة لخوض معارك دائمة على جبهات متعددة".

لكن مع تزايد الدعوات بين منتقدي إسرائيل في جميع أنحاء العالم للحد من مبيعات الأسلحة لها، تظهر البيانات الصادرة في الأيام الأخيرة أن جميع واردات تل أبيب تقريبا تأتي من شركات في الولايات المتحدة وألمانيا.