الدبيبة يحذر بوركينا فاسو و"نواب طبرق" يهدد باللجوء للقضاء الدولي.. لماذا؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

شكل تأميم بوركينافاسو مصرفا مشتركا مع طرابلس حالة استنفار سياسي بليبيا، وسط تأكيد على أن الخطوة علامة ضعف لسلطات البلد المقسم إلى إدارتين في الشرق والغرب.

ففي 23 مايو/ أيار 2024، أعلنت حكومة بوركينا فاسو تأميم المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية الذي جرى إنشاؤه بالشراكة مع المصرف الخارجي الليبي.

وبموجب اتفاقية موقعة في فبراير/ شباط 1984، أنشأ البلدان المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية (باليب)، والذي تحول فيما بعد إلى البنك التجاري لبوركينا فاسو (بي.سي.بي)، مع توزيع رأس المال بشكل منفصل بالتساوي بين الطرفين.

ووفق بيان صادر عن مجلس وزراء بوركينا فاسو فإنه "بعد 36 عاما من العمل، لا يزال البنك يواجه صعوبات كبيرة لا تسمح له بتحقيق أهدافه بشكل مناسب، حيث لوحظ عدم كفاية الدعم، الذي يقدمه الجانب الليبي".

وبحسب البيان، غاب الليبيون عن تمويل البنك. وكثيرا ما تحول ذلك إلى عائق، وحتى إلى صراع بين المساهمين حول مسائل مختلفة مثل اختيار المدير العام والإصلاحات الهيكلية.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، قررت بوركينا فاسو مراجعة اتفاقية إنشاء المصرف، محملة الشريك الليبي مسؤولية صعوبة عمل البنك.

ويرى مراقبون أن القرار يعد ضربة للجانب الليبي المتهم بالإهمال وعدم الجدية في التعامل مع عدد من الملفات الموروثة عن النظام السابق، حيث عادة ما يبحث عن الفوائد دون اهتمام بالواجبات أو الإصلاحات.

تحكيم دولي

وفي هذا الصدد، أعربت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي، عن وقوفها إلى جانب المصرف الليبي الخارجي في رفضه لعملية التأميم، وطالبت السلطات في بوركينا فاسو بالتراجع عن قرارها والعمل المشترك للتوصل إلى حل يحقق مصالح البلدين ويضمن حقوق المودعين والمساهمين.

ولوّحت في بيان بتاريخ 4 يونيو/حزيران 2024 باتخاذ إجراءات قانونية دولية في حال عدم التوصل إلى تسوية، بما في ذلك اللجوء إلى التحكيم والقضاء لإبطال قرار التأميم.

وأشارت لجنة الشؤون الخارجية إلى أن هذا القرار سيؤثر سلبا على العلاقات بين ليبيا وبوركينا فاسو. ودعت الجهات ذات العلاقة إلى إجراء دراسة للمخاطر الاستثمارية لتجنب تكرار مثل هذه الحوادث.

كما شدّدت اللجنة على ضرورة توحيد المواقف بين ليبيا والدول الإفريقية حول التعاون الاقتصادي والأمني وقضية الهجرة، مشيرة إلى أن مثل هذه الحوادث قد تجبر ليبيا على مراجعة علاقاتها مع بعض الدول الإفريقية.

وكانت حكومة بوركينا فاسو، قد أعلنت عن تأميم حصة المصرف الليبي الخارجي في المصرف التجاري البوركيني، مبررة ذلك بأن المصرف يواجه صعوبات عديدة، علاوة على غياب الشريك الليبي الذي لم يقدم الدعم المتوقع له، بحسب قولها.

وذكر موقع "Lefaso" البوركيني، في 22 مايو/أيار 2024، أن القرار جاء خلال مجلس للوزراء، ترأسه الرئيس الانتقالي رئيس الدولة النقيب إبراهيم تراوري.

وبحسب وزير الدولة، المتحدث الرسمي باسم الحكومة، جان إيمانويل ويدراوغو، فإن الحكومة أقرت مرسوما بتأميم البنك التجاري البوركيني، والذي تم إنشاؤه من قبل دولة بوركينا فاسو والدولة الليبية بالتكافؤ في العاصمة واغادوغو.

وقال إن صعوبات شابت عمل البنك، بسبب الشريك الليبي الذي لم يقدم الدعم المتوقع لسلاسة تشغيل البنك، مشيرا إلى أنه، وبعد مناقشات غير ناجحة مع الشريك الليبي، قررت دولة بوركينا فاسو تأميم البنك.

واسترسل المسؤول البوركيني: "نريد أن نطمئن جميع العاملين في البنك بأن ترك الشريك الليبي، لن يؤثر على الطريقة التي تتم بها إدارة الموارد داخل البنك..".

وتابع: ويمكننا أيضا طمأنة العملاء بأن الجهود التي نبذلها وما سيتم القيام به، هو "من أجل زيادة تعزيز البنك، والتأكد من أنه قادر على لعب دوره بالكامل في اقتصادنا".

موقف طرابلس

تفاعلا مع قرار الحكومة البوركينبية، وجه عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، بضرورة التعاون بين مؤسسات الدولة للمحافظة على الاستثمارات الليبية في إفريقيا من المخاطر التي تهددها.

وذكرت "وكالة الأنباء الليبية"، في 26 مايو 2024، أن الدبيبة عقد اجتماعا لمتابعة أوضاع الاستثمارات الليبية في القارة الإفريقية، بحضور مبعوثه الشخصي في إفريقيا وزير الشباب، ورئيس وأعضاء لجنة إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار، ومدير عام المصرف الخارجي، ورئيس مجلس إدارة محفظة ليبيا إفريقيا، ومديري الشركات التابعة للمحفظة، ومدير إدارة المؤسسات والتعاون بوزارة المالية، ورئيس قسم المنازعات الخارجية بإدارة القضايا، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء.

وذكر الدبيبة أن المخاطر التي تهدد الاستثمارات في إفريقيا، هي عدم كفاية رؤوس الأموال، والتأميم الذي يستخدمه عدد من الدول الإفريقية دون إجراءات قانونية رسمية، وإنهاء مدة التراخيص الممنوحة، إلى جانب القضايا المختلفة مع المقاولين والبنوك والشركاء الحكوميين في أغلب الدول الإفريقية.

وشدد رئيس الحكومة الليبية على ضرورة مواصلة العمل القانوني الجاد والمستمر، بالتعاون مع مكاتب قانونية دولية، والقيام بشراكات مع أطراف موثوقة بشروط جيدة، عادا ذلك الخيار الأول في هذه المرحلة.

من جانبه، أكد مدير المصرف الليبي الخارجي خالد القنصل، أن قرار بوركينا فاسو بتأميم المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية، إجراء غير قانوني.

وبحسب موقع "العرب" اللندني، 05 يونيو 2024، أشار القنصل إلى مساهمات المصرف الخارجي في القارة الإفريقية، موضحا أنها تبلغ 7 مساهمات في الدول الإفريقية غير العربية وهي مصرف النيجر التجاري، والاستوائي المحدود بأوغندا، والساحل التجاري بمالي، والتجاري البوركيني، ومصرف شاري بدولة تشاد، والشركة المصرفية عبر إفريقيا بدولة التوغو، والشركة الزيمبابوية القابضة بدولة زيمبابوي.

وأشار القنصل إلى ما تعرض له مصرف بوركينا التجاري، وهو مساهمة بين المصرف الخارجي ودولة بوركينا فاسو بنسبة 50 في المئة لكل طرف، برأسمال يصل إلى 18 مليون دولار، وأسس في عام 1984.

وأوضح أن تأميم الجانب البوركيني للمصرف بحجة إلغاء الاتفاقية السياسية التي أسس المصرف بناء عليها، إجراء غير قانوني، رغم الجهود المبذولة من المصرف الخارجي ووزارة الخارجية في التواصل مع الجانب البوركيني من أجل التسوية القانونية.

وخلص المسؤول الليبي، إلى أن المصرف يعمل على متابعة القضية، بالتنسيق مع لجنة غرب إفريقيا من خلال وزارة الخارجية ومكتب دولي متخصص في هذه القضايا.

قراءات متعددة

في قراءته لما وقع، قال المحلل السياسي الليبي إبراهيم الأصيفر، إنه "بعد العملية العسكرية التي قام بها الجيش في بوركينا فاسو واستيلائه على السلطة بقيادة إبراهيم تراوري، دخلت البلد في حالة من عدم الاستقرار، خاصة إن أسقطنا واقع العلاقة المتوترة التي صاحبت هذه العملية مع الدول الغربية، خاصة أميركا وفرنسا".

وأوضح الأصيفر لـ "الاستقلال" أن "ما حدث بخصوص البنك هو عملية تخبط في إدارة البلد، وهذا يقع عادة بعيد أي عملية عسكرية، خاصة إن قام بها صغار الضباط"، مشيرا إلى أن "قائد هذه العملية صغير في السن وليست له تجربة عسكرية ولا سياسية سابقة في إدارة البلد".

وذكر أن بوركينا فاسو استغلت في اتخاذ قرارها، ضعف وهشاشة الدولة الليبية، وحالة الانقسام السياسي الذي ألقى بظلاله على كل تفاصيل الوضع في البلاد، وحتى خارج البلد.

واسترسل، "كما استغلت سوء الإدارة من مؤسسة الاستثمار الخارجي الليبية، ومن محفظة الاستثمار الإفريقية، وحالة التخبط التي تعاني منها هذه المؤسسات"، مشيرا إلى أن "هذا الوضع استغلته بوركينا فاسو ودول أخرى".

ونبه الأصيفر إلى أنه، وبعد العملية العسكرية ببوركينا فاسو، دخلت البلاد في منعطف الأزمات السياسية والمالية، مما جعلها تبحث عن أي ثغرة أو ممول مالي للمساهمة في عملية الاستقرار.

وفي تقديري، يقول المحلل السياسي، لن يتوقف الأمر هنا، بل ستدخل ليبيا في دوامة القضاء والأمم المتحدة، وقد تلجأ إلى رفع دعوى قضائية بخصوص المصرف، مشددا أن "نتائج هذا الأمر لن تكون سريعة أو قريبة الأمد، وستكون الاستثمارات الليبية والدولة الليبية هي الخاسر الأكبر في النهاية".

ونبه الأصيفر إلى أن "ما جرى له أبعاد أخرى، إذ إنه سيؤثر سلبا على العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، خاصة في ظل حالة الانقسام والتشظي بليبيا وحالة التهلهل ببوركينا فاسو، مما يجعل علاقات البلدين لن تكون كالسابق، على الأقل في المدة القريبة المقبلة".

بدوره، أوضح علي السويح، عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا، أن الجميع يعلم أن الاستثمار في الدول الإفريقية محفوف بالمخاطر، وأن النظام السابق كان يستثمر في إفريقيا لأهداف سياسية وليس لأهداف استثمارية ربحية.

وتبعا لذلك، يقول السويح لـ "الاستقلال"، نرى الآن أن هناك نجاحا قليلا لهذه الاستثمارات، وتحديدا في بعض الدول الإفريقية، خاصة منها المستقرة سياسيا.

وشدد المسؤول الليبي، على أن "هناك ضعفا كبيرا أو انعداما في الكفاءات في المسؤولين على الاستثمار"، منتقدا "عدم إتاحة الفرص للشخصيات المؤهلة في مجال الاستثمار".

وأردف السويح، من ناحية أخرى، نسجل أيضا عدم المتابعة القانونية من الجهات المسؤولة، عندما يحدث إشكال قانوني أو مصادرة أو تأميم للاستثمارات في الخارج.

وخلص المتحدث ذاته إلى الإشارة إلى ارتباط القرار البوركيني بسوء الوضع داخل ليبيا، بتأكيده أنه "لا تستطيع دولة أن تنجح في استثمارات خارجية وهي فاشلة في إدارة شركاتها ومؤسساتها داخل البلد".

وهذا ما ذهب إليه أيضا المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، قائلا إن الليبيين جميعا يدركون أن الإجراءات المتخذة من قبل دول أخرى، هي نتيجة لوجود سلطات ضعيفة وهشة تمثل ليبيا.

وذكر محفوظ لموقع "أصوات مغاربية"، في 27 مايو 2024، أن حالة الصراع والانقسام السياسي في ليبيا، نتج عنها إهمال وعدم اهتمام حيال الاستثمارات الليبية في الخارج ومستقبلها، وأصبح الجميع يتبادل الاتهامات.

ورأى أن هذا الوضع "أدخل هذا الملف ضمن المناكفات السياسية، دون الالتفات لمصلحة الدولة العليا ومصلحة الشعب، باعتداد تلك الاستثمارات من أموال الشعب الليبي".

ويتخوف المتحدث ذاته من أن يؤدي استمرار حالة الانقسام، إلى رؤية المزيد من حالات التأميم للاستثمارات الليبية في الخارج أو الاستيلاء عليها، متوقعا ألا يكون ما حدث في بوركينا فاسو هو الأخير. 

وشدد على أن استمرار ما وصفه بـ"صمت" الشعب الليبي سيكون سببا في استمرار ضياع حقوقهم وثرواتهم، سواء في داخل ليبيا أو خارجها.

وخلص محفوظ إلى أن الإجراء البوركيني ستكون له تداعيات سياسية على العلاقة بين البلدين، وقد ينعكس في شكل أزمة دبلوماسية متبوعة بجملة من الإجراءات التي قد يتخذها البلدان في إطار المعاملة بالمثل.