دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل.. تهديد أمني أم ضرورة ملحة؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد عملية طوفان الأقصى، بدأت إسرائيل عمليات انتقامية بحق العمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة بذريعة مسؤوليتهم عن تنفيذ هجمات وأنهم "مصدر تهديد أمني".

ولكن يفند معهد دراسات الأمن القومي (عبري) هذه المزاعم الإسرائيلية، التي أدت إلى منع منح التصاريح للكثيرين بعد عملية حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويستند في تحليله إلى قاعدة بيانات أصلية وجديدة حول 153 إسرائيليا قتلوا في مناطق "الخط الأخضر" (الأراضي المحتلة عام 1948) وفي شرق القدس في الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني 2007 إلى 6 أكتوبر 2023. 

جدل وانقسام 

ويشير المعهد إلى أنه "كان يعمل في إسرائيل 175 ألف فلسطيني، 150 ألفا منهم في المستوطنات داخل الخط الأخضر".

وتابع: "منذ اندلاع الحرب، منعت الحكومة الإسرائيلية دخول العمال الفلسطينيين إلى الخط الأخضر، باستثناء تصريح خاص لحوالي 8000 عامل منهم لتلبية الاحتياجات الأساسية الاستثنائية".

ويوضح أن "هناك انقساما حادا داخل الحكومة حول هذه السياسة، حيث يدعم الجهاز الأمني ​​(باستثناء الشرطة) دخول العمال الفلسطينيين إلى مناطق الخط الأخضر، بموافقة فردية لكل عامل وفي ظل قيود معينة".

وينقل وجهة نظر مؤيدي تجديد تصريح الدخول للعمال الفلسطينيين، إذ يؤكدون "أن هناك أضرارا جسيمة لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حظر دخولهم، وخاصة في قطاعي البناء والزراعة".

من جانب آخر، يشير المعهد إلى مخاوف من "أن تؤدي الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها عائلات العمال الفلسطينيين، إلى انضمام بعضهم إلى فصائل المقاومة، مما يزيد من زعزعة الاستقرار الأمني ​​النسبي في الضفة الغربية". 

ولفت إلى أن "معظم وزراء الحكومة يعارضون دخول العمال الفلسطينيين إلى مستوطنات الخط الأخضر".

ويعود السبب الرئيس وراء ذلك، إلى اعتقادهم بأن "دخول هؤلاء العمال يشكل خطرا أمنيا غير ضروري، ولا ينبغي تحمله في هذا الوقت، خاصة أن هناك بالفعل عدة هجمات نفذها فلسطينيون يحملون تصاريح عمل في إسرائيل".

بناء على ما سبق، يقول المعهد: "تقدم هذه الدراسة تحليلا كميا يبحث في الخصائص الرئيسة لجميع الهجمات التي نفذها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر في السنوات السبع عشرة الماضية، اعتمادا على قاعدة بيانات أصلية وجديدة".

ويبين أنه “قد جرى بناء قاعدة البيانات على أساس مصادر مرئية، تشمل معلومات مفصلة عن جميع القتلى والمهاجمين”.

وكذلك "الخصائص الرئيسة لجميع الهجمات، بما في ذلك تاريخ ومكان الحادث وكذلك السلاح الذي استخدمه المهاجمون في مهمتهم".

ويضيف: "بمساعدة قاعدة البيانات هذه، تم فحص الادعاء بأن العمال الفلسطينيين الذين يدخلون إسرائيل بتصريح عمل يمثلون خطرا أمنيا على إسرائيل ومواطنيها".

إحصاءات كاشفة

وفق الإحصائيات التي نشرتها الدراسة خلال الفترة قيد التحقيق، "قُتل 153 إسرائيليا في 87 هجوما، ونفذ الأكثر دموية منها في مركز الحاخام اليهودي بالقدس في 6 مارس/ آذار 2008، عندما قتل فلسطيني من شرق المدينة 8 من طلاب المدرسة الدينية بسلاح ناري".

وأكمل: "وقع الهجوم الثاني في القدس أيضا، عندما قتل فلسطيني في 23 يناير/ كانون الثاني 2023، بالرصاص، 6 إسرائيليين، وعاملا أجنبيا".

ويلفت الانتباه إلى "تقلب كبير في عدد الإسرائيليين الذين قُتلوا مع مرور الوقت". فبالاطلاع على الرسوم البيانية، يتبين أولا أن عدد العمال من الضفة الغربية العاملين في الخط الأخضر سواء بتصاريح أو بدون، في تزايد مستمر منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية (بعد عام 2005).

وبحسب الأرقام المتاحة في قاعدة البيانات، جرى تشغيل 65 ألف عامل من الضفة الغربية في الربع الثاني من عام 2012، ارتفع عددهم تدريجيا إلى أكثر من 147 ألف عامل في الربع الثالث من عام 2023.

وعندما قارن المعهد تلك الأرقام بالعمليات المسلحة، وجد "أن متوسط عدد القتلى الإسرائيليين خلال ذات الفترة 6 أشخاص فقط، باستثناء عامي 2008 حيث قتل 28 شخصا، و2014 حين قتل 38".

ويستنتج أنه بالرغم من الزيادة المستمرة لعدد العمال الفلسطينيين، كانت هناك "تقلبات" متغيرة في أعداد القتلى الإسرائيليين، مما دفعه للقول: "تؤدي الاتجاهات المختلفة إلى نتيجة أولية مفادها أنه لا يوجد علاقة بين المتغيرين عندما يكون الارتباط بينهما أقل من 0.01".

وتابع: "مما يؤكد هذا الاستنتاج أن معظم القتلى داخل الخط الأخضر، قتلوا بهجمات كان المهاجم يوجد فيها بقطاع غزة وقت تنفيذ الهجوم".

فبحسب الرسوم البيانية، "حوالي 44 بالمئة من إجمالي القتلى (67 شخصا) قتلوا في هجمات أطلقت من قطاع غزة".

كذلك أشار المعهد إلى أن "الزيادة في عدد الأشخاص الذين قُتلوا في عامي 2008 و2014، ترافقت مع تنفيذ إسرائيل عمليات عسكرية في قطاع غزة، وإطلاق صواريخ على المستوطنات ومناطق تجمع الجيش في هذه السنوات".

وأضاف: "في هذه السنوات، قُتل 13 و27 إسرائيليا داخل مستوطنات الخط الأخضر من قطاع غزة".

وفي رسم بياني آخر، أوضحت الدراسة شرائح القتلى بحسب السلاح الذي استخدمه المهاجم في تنفيذ العملية.

وتنوعت بين عبوة ناسفة ورصاص حي، وصواريخ تشمل قذائف هاون ومدافع مضادة للدبابات، وأسلحة بيضاء كالسكاكين، أو حتى رشق حجارة وخنق، أو نيران قناصة من قطاع غزة، أو عمليات دهس عبر السيارات.

وأكثر الأماكن التي حدثت بها هجمات مسلحة، كانت القدس المحتلة، حيث قُتل 58 إسرائيليا، تلاها مناطق غلاف غزة، فقُتل في عسقلان ومنطقة باشور تحديدا 52 إسرائيليا، وقُتل 11 شخصا في تل أبيب.

وتابع: "في كل منطقة من المناطق الأخرى، قُتل أقل من 5 إسرائيليين خلال الفترة المعنية، بينما لم تحدث أي عملية مطلقا في باقي الأماكن".

كما لفت المعهد إلى أن سكان شرق القدس كان لهم نصيب الأسد في قتل الإسرائيليين، حيث قتلوا 51 شخصا. 

وأشار إلى أن "هؤلاء السكان بالأساس مواطنون إسرائيليون أو يحملون إقامة إسرائيلية، ولا يحتاجون إلى إذن لدخول مستوطنات الخط الأخضر".

وخلاصة القول، وبناء على ما سبق من بيانات، "قُتل ما مجموعه 118 إسرائيليا، في هجمات لم يكن من الممكن منعها عبر منع دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية، وهم يشكلون 77 بالمئة من جميع القتلى في فترة الدراسة".

ويواصل المعهد: "خلال الفترة التي جرت الدراسة فيها، وقعت 44 عملية نفذها مهاجمون وُجدوا ضمن حدود الخط الأخضر، وجرى كشف جميع العمليات واعتقال المنفذين أو قتلهم أثناء العملية".

وأردف: "جرى جمع معلومات عن 62 مهاجما من خلال البحث في الصحافة والتقارير الدورية لمركز استخبارات مئير عميت، وتشمل المعلومات العمر ومكان الإقامة والانتماء التنظيمي والخلفية الأمنية، وهل كانوا يعملون في إسرائيل بتصريح عمل أثناء تنفيذ العملية أم لا".

وكشفت المعلومات "أن 33 من بين 44 عملية نفذت من قبل مهاجم منفرد، أما المتبقية فقد نفذت عبر خلايا مكونة من 2 أو 3 مهاجمين".

وأظهرت أن "65 بالمئة منهم كانوا تحت سن 23، 21 منهم (34 بالمئة) كان لهم خلفية أمنية (بما في ذلك اعتقال سابق بالسجون الإسرائيلية)". 

كما أفادت المصادر بالانتماء التنظيمي لـ 35 من المهاجمين؛ 20 من حماس، 6 من الجهاد الإسلامي، 5 من الجبهة الشعبية، واثنان من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وتنظيم الدولة.

وأضاف المعهد: "29 مهاجما قتلوا أثناء تنفيذ العملية، و33 اعتقلوا". ومن هنا، يكرر تأكيده أن تصاريح العمال الفلسطينيين لا تهدد أمن إسرائيل.

وأوضح أن "42 بالمئة من الإرهابيين يعيشون في القدس الشرقية، كما تبرز محافظتا جنين والخليل كمناطق إقامة لهم"، وفق زعمه.

وتابع: "من بين الذين لا يعيشون في القدس الشرقية، كان 5 فقط يعملون في إسرائيل وقت الهجوم، وكان 3 منهم فقط يحملون تصريح عمل".

وأكمل: "نفذ هؤلاء هجمات في تل أبيب عام 2015، وفي بتاح تكفا عام 2020، وفي حولون سنة 2022، وقُتل فيها جميعها 4 أشخاص".

إضرار بالفلسطينيين 

ويحمّل المعهد الحكومة الإسرائيلية حالة الشلل التي أصابت قطاع البناء، فقد رفضت تنفيذ توصيات لجنة "إيكشتاين" بشأن تشغيل العمال الأجانب (2008).

وكان من شأن القبول بالتوصيات أن تدفع الشركات العاملة في صناعة البناء إلى اعتماد تحسينات تكنولوجية من شأنها أن تؤدي إلى زيادة إنتاجية العمل ودخول العمال الإسرائيليين للسوق.

وتابع: "وبما أن توصيات اللجنة لم يجر اعتمادها، فقد وظفت صناعة البناء حوالي 100 ألف عامل فلسطيني قبل الحرب الحالية".

وبحسب تقديرات بنك إسرائيل، فإن الشلل الذي تعاني منه صناعة البناء يتسبب في تكلفة سنوية تزيد على 25 مليار شيكل (6.75 مليار دولار تقريبا).

وأردف: "في ذات الوقت، تحاول الحكومة جلب عمال أجانب من دول أخرى إلى إسرائيل، لكن هذا الحل غير قابل للتطبيق، لأنه لا يوجد أكثر من 80 ألف عامل أجنبي (غير فلسطيني) مستعدون للانتقال إلى" الأراضي المحتلة.

وينتقد تلك الفكرة من الأساس، قائلا: "ولكن حتى لو كان هؤلاء العمال موجودين، فإن جلبهم إلى إسرائيل ينطوي على تكاليف اقتصادية واجتماعية كثيرة".

إذ إن "إنتاجيتهم قد تكون منخفضة، كما أنهم يحتاجون إلى السكن والخدمات الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية، ويؤثرون على النسيج الاجتماعي الإسرائيلي، وبعضهم غير مستعد لمغادرة البلاد في نهاية فترة عملهم".

من الناحية الأخرى، يحذر المعهد من أن "عدم دخول العمال الفلسطينيين يضر بشكل كبير بالاقتصاد الفلسطيني، حيث إن عمل هؤلاء العمال في إسرائيل يسهم بحوالي 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لهم".

بدورها، أفاد المعهد الأمني بأن "المؤسسة الأمنية تحذر من أن الضفة الغربية تقترب من نقطة الغليان بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم وجود فرص عمل بديلة لمن عملوا في إسرائيل".

وينبه إلى "أن استمرار الوضع القائم يمكن أن يؤدي إلى اشتعال الوضع في الضفة الغربية ويسبب تحديات أمنية كبيرة".

وأكمل: "بما أن دخول العمال الذين يحملون تصاريح إلى إسرائيل، حتى 7 أكتوبر لم يكن يشكل تهديدا أمنيا، فإنه لا توجد مؤشرات على حدوث تغيير جوهري في سلوك الفلسطينيين الذين يعيشون في أراضي السلطة بالضفة الغربية". ولذلك، يوصى بإعادة النظر في سياسة الحكومة. 

وأضاف: “لا يمكن استبعاد احتمال تنفيذ ناشطين فلسطينيين يحملون تصاريح عمل، هجمات داخل مستوطنات الخط الأخضر”.

وذلك "مثل خليل دويكات، ذي الـ 46 عاما، من سكان نابلس، وكان لديه تصريح عمل، وقتل شاي أوهيون في بيتح تكفا عام 2020، لكن هذا الحادث نادر جدا (3 حالات فقط في السنوات الـ 17 الماضية)".

وفي ختام مقاله، أكد المعهد أن خطر عمليات المقاومة الفلسطينية التي تهدد أمن إسرائيل، قائم سواء كان الشخص يمتلك تصريحا أو لا.

إذ إنه "سيحاول تنفيذ هجوم حتى لو لم يكن لديه تصريح عمل، إن لم يكن في الأراضي الإسرائيلية، ففي الضفة الغربية، كما فعل معظم الإرهابيين الآخرين"، وفق تعبيره.