سياسي تركي: سنسقط بالقانون جنسية المشاركين في الإبادة الجماعية بغزة (خاص)

"سيمنح هذا المشروع إذا صار قانونا شجاعة كبيرة للمسؤولين الأتراك"
في تطور لافت، وافق مجلس الأمة التركي، في 10 يوليو/ تموز 2024، على مناقشة مشروع قانون قدمه حزب "هدى بار" الإسلامي الكردي، بشأن إسقاط جنسية المواطنين الأتراك مزدوجي الجنسية، الذين يشاركون في الإبادة الجماعية على غزة ضمن صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي حوار مع الاستقلال بهذه المناسبة، قال محمود شاهين نائب رئيس حزب "هدى بار" (الدعوة الحرة) إن هذا المشروع إذا صار قانونا سيمنح شجاعة كبيرة للمسؤولين الأتراك، ومن ناحية أخرى سيضيق الخناق أيضا على اللوبي الصهيوني الموجود داخل تركيا بشكل كبير.
وأوضح أن مشروع القانون يتضمن إجراء تحقيق فعال مع مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية ومواطني الدول الأجنبية المشتركين فيها سواء كانوا أتراكا أو مزدوجي الجنسية، وإسقاط الجنسية التركية عنهم، ومصادرة أموالهم.
وعن موقف تركيا والعالم العربي والإسلامي من العدوان المتواصل على غزة، قال شاهين إن موقف البلدان العربية والإسلامية من العدوان الإسرائيلي على غزة يتسم بالفوضى، لدرجة أنه قد يرقى موقف حكام بعض الدول إلى مستوى الخيانة.
ونال مشروع القانون تأييدا واسعا من الأحزاب كافة الممثلة في البرلمان، باستثناء حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، وحزب الشعوب الديمقراطي (علماني كردي).
وتشن إسرائيل عدوانا سافرا على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بالقطاع.
ويُعتقد بوجود مئات من الجنود اليهود يحملون الجنسية التركية ويشاركون في صفوف جيش الاحتلال بالعدوان على غزة، بحسب وسائل إعلام تركية، ولا تتوفر إحصائية رسمية عن عددهم.

خطوة كبيرة
ما تفاصيل مشروع القانون الذي اقترحه حزبكم لمحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية في غزة؟
يتضمن مشروع القانون إجراء عملية تحقيق فعالة مع مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية ومواطني الدول الأجنبية المشتركين في هذه الإبادة سواء كانوا يحملون الجنسية التركية أو مزدوجي الجنسية، ورفع دعاوى قضائية ضدهم ومعاقبتهم بأشد العقوبات، وإسقاط الجنسية التركية عنهم، ومصادرة أموالهم لصندوق الأسرة والشباب.
وفي هذا الصدد من الضروري الحديث قليلا عن جريمة الإبادة الجماعية، فهي جريمة ترتكب ضد الإنسانية وتعد من أكبر وأخطر الجرائم بحسب القانون الدولي والقانون المحلي التركي.
والضحية المباشرة لهذه الجريمة هي الإنسانية جمعاء. وهناك مسؤوليات جسيمة تقع على كاهل الدول الأعضاء باتفاقية جنيف لعام 1951 التي تجرم الإبادة الجماعية وتعاقب مرتكبيها.
ويتوجب على أي دولة موقعة على هذه الاتفاقية اتخاذ تدابير ورفع دعاوى ضد الجهات التي ترتكب الإبادة الجماعية بغض النظر عن مكان وقوعها أو جنسية مرتكبها، حتى لو ارتكبت من قبل جهة أجنبية ضد جهة أجنبية أخرى، يحق للدول الموقعة على الاتفاقية التدخل ورفع دعوى.
وتركيا من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية ويقع على كاهلها مسؤوليات كبيرة في هذا الخصوص، من بينها رفع وزارة العدل التركية دعاوى لدى الجهات القضائية المختصة وطلب معاقبة مرتكبي هذه الجريمة.
لكن هذا الأمر ليس فعالا حاليا، لأنه متروك للسلطات السياسية والإدارية، ونحن في مشروع القانون الذي تقدمنا به نريد إعطاء الحق للسلطة التشريعية أيضا لرفع مثل هذه الدعاوى إلى جانب السلطة التنفيذية.
ونعتقد أنه من الواجب تمهيد الطريق أمام هذا الأمر؛ لأنه من المعروف أن الحكومات قد ترى مخاطر في رفع مثل هذه الدعاوى واضعة في الحسبان بعض التوازنات السياسية. لكن في حال قرر جميع أو بعض الأحزاب الممثلة في البرلمان التدخل، يمكن حينها إطلاق تحقيق فعال.
ما أهمية هذا القانون بهذا التوقيت تحديدا؟
لا شك أن ما يجرى في غزة يعد من أهم الأحداث التي تشغل أجندتنا. ونحن نبذل قصارى جهدنا لإبقاء مأساة غزة على طاولة الأحداث في تركيا والعالم الذي يشهد تطورات متلاحقة بوتيرة سريعة.
وهذا المشروع هو إحدى مبادراتنا لتحقيق هذا الهدف بشكل مؤسسي ودائم ومن ثم التوصل إلى حل للأزمة. ونعتقد أن هذا المشروع سيعزز من موقف تركيا على صعيد المسؤوليات التي تقع على عاتقها بخصوص غزة.
وفي حال مصادقة البرلمان على هذه المشروع وتحوله إلى قانون، ستصبح تركيا في الواقع قد تقدمت خطوة كبيرة على المستوى المحلي والدولي في ضوء مساعي التوصل لحل للأزمة.
وهذه هي أمنية جل الشعب التركي الذي يريد أن تتحمل بلده مسؤولياتها وتتخذ خطوات فيما يتعلق بما يجري في غزة.
وبإذن الله إذا صار هذا المشروع قانونا فستستطيع تركيا اتخاذ خطوات تضيق بها الخناق على الكيان الصهيوني في المنطقة.
إذ سيمنح هذا القانون شجاعة كبيرة للمسؤولين الأتراك، ومن ناحية أخرى سيضيق الخناق أيضا على اللوبي الصهيوني الموجود داخل تركيا بشكل كبير.
وسيتم الكشف عن الأسر التي ذهبت للمشاركة في جريمة الإبادة الجماعية بغزة.

نتائج منتظرة
ما النتائج المترتبة إذا ما تم اعتماد مشروع القانون من قبل البرلمان؟
إذا تم اعتماد القانون فسيتولد حق إطلاق تحقيق قوي وفعال ضد المرتكبين المباشرين لهذه الجريمة وفي مقدمتهم زعيم العصابة الصهيونية بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته، ومن ثم رفع دعاوى قضائية ضدهم وحتى إصدار أحكام بالقبض عليهم.
إلى جانب ذلك، سيتولد حق محاكمة العسكريين الصهيونيين الذين شاركوا في الإبادة ومنعهم من دخول تركيا ومصادرة أموالهم الموجودة في تركيا.
والأكثر أهمية من هذا أن تركيا لو خطت هذه الخطوة فستتوالى وراءها خطوات عديدة الواحدة تلو الأخرى، طالما توفرت أرضية قانونية لذلك.
ما موقف حزب العدالة والتنمية (الحاكم) وبقية الأحزاب التركية من مشروع القانون؟
لقد تقدمنا بهذا المشروع في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ومر حوالي 7 شهور عليه، وفي النهاية وافق البرلمان التركي على مناقشة مشروع القانون.
وبعدما تقدمنا بهذا المشروع أجرينا لقاءات مع مختلف الكتل الحزبية في البرلمان، بعضها جرى على مستوى رئيس الحزب والبعض الآخر على مستوى نوابه. وأبلغناهم بشكل صحي بتفاصيل المشروع وطلبنا منهم دعما للمشروع. وقد مرت هذه اللقاءات بصورة إيجابية بنسبة كبيرة.
وأعرب جل الأحزاب تقريبا عن دعمهم المبدئي لمشروع القانون، لكن في عملية التصويت عليه، نال المشروع تأييدا واسعا من الأحزاب كافة، باستثناء حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، وحزب الشعوب الديمقراطي (علماني كردي).
تركيا والعالم الإسلامي
ما الواجبات المنتظرة من تركيا ومؤسساتها إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة؟
في الحقيقة، جريمة الإبادة الجماعية تفرض مسؤوليات كبيرة على كاهل جميع الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لعام 1951، لمنع وقوعها ومعاقبة مرتكبيها، نظرا لأنها تعد من أكبر الجرائم ضد الإنسانية جمعاء.
وتركيا بطبيعة الحال واحدة من هذه الدول، وتتمتع تركيا بقدرات تمكنها من اتخاذ عدة خطوات في هذا السياق، في ضوء الروابط التاريخية التي تربطها بهذه المنطقة وموقعها المهم في معادلات المنطقة.
وهناك أمنيات كبيرة ينتظرها الشعب التركي من حكومته في هذا السياق، وفي مقدمة هذه الأمنيات تأتي ضرورة قطع العلاقات التجارية المباشرة وغير المباشرة مع هذا الكيان الإرهابي، وهو وصف نعته به الرئيس أردوغان أكثر من مرة.
فإسرائيل ليست دولة، إنما نظام إرهابي وتتعامل مثل الإرهابيين. ويجب تَبني موقف حاسم في هذا الشأن. فيجب وقف أشكال التجارة كافة سواء ما تقوم به الدولة أو القطاع الخاص. وإلا فهذا يعني تقديم دعم لوجيستي لذلك النظام الإرهابي.
وإلى جانب هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى رسوخ مفهوم المقاطعة بشكل كبير في أذهان الشعب التركي. ويمكن للدولة التركية ومنظمات المجتمع المدني مواصلة ترسيخ وتعزيز هذا المفهوم لدى الجمهور.
وعلى المستوى الدبلوماسي، نحن نعرف أن العلاقات مقطوعة في الوقت الراهن، والموظفون الإداريون والدبلوماسيون قد غادروا تركيا، لكننا نريد أن تعلن تركيا موقفا واضحا ومحددا، عبر حظر دخول الدبلوماسيين الإسرائيليين إلى البلاد وعدم تأسيس أي علاقة دبلوماسية مع إسرائيل.
وبجانب ذلك، على تركيا لعب دور أكثر فعالية في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وأن تعلن أنها ستواصل متابعة هذه القضية عن قرب.
ومن أهم النقاط أيضا في هذا السياق، هو توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة، وفي هذا الشأن يقع على كاهل مؤسسات المجتمع المدني كثير من المهام، ونحن نعرف أنها تبذل كثيرا من الجهود، لكن على الدولة أن تعقد تفاهمات واتفاقات مع دول المنطقة والدول الإسلامية وتؤسس مسارا لإيصال المساعدات بشكل ضروري.

كيف ترى موقف الدول العربية والإسلامية من العدوان الإسرائيلي على غزة؟
موقف الدول العربية والإسلامية من العدوان الإسرائيلي على غزة يتسم بالفوضى، ليس فقط بشأن هذه القضية بل وفي قضايا أخرى كثيرة. لدرجة أنه قد يرقى موقف حكام بعض الدول إلى مستوى الخيانة.
وأمام هذه المذبحة التي تحدث أمام أعيننا، لم نر في المراحل الأولى سوى بيانات إدانة وعند النظر إلى منظمة التعاون الإسلامي نرى أنه لم يصدر عن اجتماعها الذي عقدته بشأن الأزمة أي نتيجة، كل ما رأيناه مجرد بيان إدانة ضعيف جدا.
وعند النظر إلى المرحلة التي بلغناها، نجد أنه أصلا لا يوجد أي حديث أو تطلع لإرسال قوات أو التدخل المباشر في غزة. وكذلك لا توجد تقريبا أي مبادرة لمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية في غزة.
وهذا يعكس الهوة الكبيرة بين شعوب هذه الدول وحكامها. وعليه، إنه لأمر محزن جدا ألا تتحد هذه الدول أمام مذبحة بهذه الوحشية وألا تستطيع اتخاذ أي خطوات ملموسة على الأقل في هذا السياق.
وهذا الأمر بطبيعة الحال يظهر عمق الأزمة في العالمين العربي والإسلامي. وأنا أؤمن بأن دول المنطقة لو تبنت هذه القضية بشكل حقيقي فسيتم اتخاذ مجموعة من الخطوات المهمة.
لكن مع الأسف يخيم صمت عميق على هذه الدول، وذلك نظرا لتشتتها داخليا وبحثها عن مصالحها الخاصة على المستوى الدولي، وفي أحيان أخرى قد تلعب دور قاطرة أو منفذة المشاريع الصهيونية.
وهذا أشبه بصمت الموت ويرسم لوحة حزينة للغاية للدول العربية والإسلامية.
حزب مهم
ما الدور الذي يقوم به حزب “هدى بار” داخل تركيا على المستوى الشعبي لدعم غزة؟
يبذل حزبنا جهودا كبيرة في مسارين، الأول هو تجميع المساعدات الإنسانية بالتعاون مع مؤسسات مجتمع مدني عديدة وتوجيهها لغزة.
والمسار الثاني يتعلق بإثارة قضية غزة بصورة مستمرة والحرص على عدم سقوطها من الأجندة الشعبية والسياسية للبلد.
وفي هذا الإطار التقى رئيس الحزب قبل نحو 3 أشهر مع أكثر من 250 مؤسسة مجتمع مدني وجمعية مختلفة ونظم مؤتمرا صحفيا في إسطنبول أثار فيه أسئلة من قبيل كيف آلت الظروف في غزة؟ وماذا ينتظر الفلسطينيون هناك منا؟ وماذا يمكن لشعبنا أن يفعله لغزة؟
وشارك رئيس الحزب ما توصلنا إليه في المؤتمر مع الرأي العام. ونوصل أيضا خلاصات هذه اللقاءات إلى بقية الأحزاب السياسية والحكومة.
ناهيك عن التصريحات الإعلامية الأسبوعية عن غزة عقب صلاة الجمعة، والمسيرات الاحتجاجية التي تنظم نهاية الأسبوع بصورة دورية، والتظاهرات الكبرى.
لماذا يعد حزب “هدى بار” الآن حاجة ملحة للساحة السياسية التركية؟
حزبنا أسس في نهاية عام 2012، وفي السياسات التي تبناها حتى اليوم أعطى أولوية خاصة لمصالح الشعب والمسلمين، ووضع مصلحة الأمة في القضايا الدولية بقلب أجندته.
ويبذل قصارى جهده لإنتاج حلول مؤسسية دائمة للأزمات. وهذا الأمر لا يقتصر على تركيا فقط، بل لدينا أيضا علاقات قوية مع أحزاب وحركات سياسية ومثقفين وعلماء ورموز مجتمعية خارج تركيا أيضا.
وللعلم، فحزبنا ليس قائد الحكومة، ولا شريكا فيها، إنما لديه 4 نواب بالبرلمان، لكن يتمتع بصوت قوي في هذه القضايا المهمة.