توقيف القضاء اللبناني الحاكم السابق للبنك المركزي.. عدالة أم مسرحية؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

تباينت ردود فعل ناشطين على توقيف القضاء اللبناني الحاكم السابق للبنك المركزي رياض سلامة، في بيروت بتهمة غسل الأموال والاحتيال والاختلاس المرتبط بشركة أبتيموم إنفيست اللبنانية للوساطة المالية، بين مُحْتفٍ ومشيدٍ بالخطوة، وبين مؤكدٍ أنها مسرحية.

النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار أمر في 2 سبتمبر/أيلول 2024، بتوقيف سلامة (74 عاما) بعد استجوابه على مدى 3 ساعات حول شبهات اختلاس من مصرف لبنان تفوق 40 مليون دولار وغسيل أموال وثراء غير مشروع.

وهذه هي المرة الأولى التي يمثل فيها سلامة أمام القضاء منذ انتهاء ولايته في 31 يوليو/تموز 2023، كما تأتي الخطوة قبل أسابيع قليلة من احتمال تصنيف لبنان ضمن القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي "فاتف" (FATF)، مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم أساسا.

وتركزت التحقيقات مع سلامة حول العقود المبرمة بين مصرف لبنان وشركة "أبتيموم إنفيست"، والتي شملت عمليات شراء وبيع سندات الخزينة وشهادات الإيداع بالليرة اللبنانية، فضلا عن حصول الشركة على عمولات من هذه العمليات.

أطول حاكم

وشغل رياض سلامة منصب حاكم مصرف لبنان لمدة 30 عاما من 1993 حتى 2023، وكان من المفترض أن يبقى في منصبه حاكما للمصرف ست سنوات فقط من تاريخ تعيينه، لكنه أعيد تعيينه ثلاث مرات أعوام 1999 و2005 و2011.

وأصبح بذلك واحدا من أطول حكام المصارف المركزية خدمة في العالم، وكان خلالها مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد اللبناني ما بعد الحرب الأهلية بين عامي 197 إلى 1990.

وسلامة الذي ولد في 17 يوليو 1950 ببلدة كفردبيان بمنطقة المتن بجبل لبنان، هو الحاكم الخامس للمصرف منذ تأسيسه في 1946، وانتهت فترة حكمه في 31 يوليو/تموز 2023، ولاحقته اتهامات اللبنانيين له بالفشل في إدارة أزمة الانهيار الاقتصادي الذي لحق لبنان منذ 2019 وحملوه المسؤولية.

وفي 23 فبراير/شباط 2023، اتهم القضاء اللبناني حاكم المصرف السابق بارتكاب جرائم بينها اختلاس أموال عامة وغسل أموال.

وأصبح سلامة مستهدفا بتحقيقات قضائية محلية وأوروبية حول ثرواته وأدائه طوال فترة حكمه للمصرف، وفرضت أميركا وبريطانيا وكندا عليه في أغسطس/آب 2023 عقوبات اقتصادية بتهم فساد مالي وتحقيق ثراء لنفسه ولشركائه.

وسبق ذلك تسليم بيروت مذكرة من منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول)، في مايو/أيار 2023، إثر إصدار قاضية فرنسية مذكرة توقيف دولية بحق سلامة، في إطار تحقيقها فيما إذا كان قد اختلس أكثر من 300 مليون دولار من أموال مصرف لبنان المركزي.

وفي الشهر ذاته أبلغت ألمانيا لبنان شفهيا بأن قضاءها أصدر مذكرة اعتقال بحق حاكم مصرف لبنان.

وذهب ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية بمنصة إكس وتدويناتهم على فيس بوك، ومشاركتهم في وسم #رياض_سلامة، إلى أن توقيف رئيس البنك المركزي اللبناني السابق تسوية رئاسية، فيما رأى آخرون أنها تصفية حسابات، مؤكدين أن سلامة الصندوق الأسود.

وألمحوا إلى أن توقيف سلامة هو لحمايته من الملاحقة الدولية وحماية شركائه في الفساد والسرقة، مستبعدين أن يكون توقيفه لاستعادة حقوق الشعب اللبناني وأموال المودعين، ومعربين عن استيائهم من القضاء اللبناني الذي التزم الصمت حيال ملفات الفساد كافة بلبنان.

حفاوة وإشادة

وحفاوة بتوقيف سلامة وإشادة بالقضاء، قال المستشار القانوني صفاء الثابتي الشمري: "حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة قيد التوقيف لحين موعد محاكمته.. عندما تُحترم الدولة".

وأكد المحامي علي عباس، أن رياض سلامة مكانه السجن وغيره كثيرون، داعيا القضاء للضرب بيد من حديد على كل الفاسدين لكي تكون الاستقلالية الفعلية دون حاجة لأي قانون ملقى في الأدراج.

وكتبت جومانا جواهر: "أخيرا  رياض سلامة في السجن".

وتمنى ميمو أبو حبيب، إعدام رياض سلامة وشركائه الزعماء والسياسيين.

مسرحية معدة

في المقابل، رفض ناشطون الثناء على القضاء اللبناني وذكروا بأن رياض سلامة ملاحقا من القضاء الأوروبي والغربي منذ سنوات بينما تجاهل القضاء اللبناني كل التهم الموجهة له وغض النظر عن اتهامات اللبنانيين له بالفساد، مؤكدين أن ما يحدث مسرحية لا تنطلي على أحد.

واستنكر توصيف البعض للقاضي جمال الحجار الذي أمر بتوقيف سلامة بأنه بطل، والزعم بأن القضاء اللبناني بخير، مؤكدا أن ما حدث مع سلامة مسرحية سيظهر مع الأيام مخرجها.

وهاجم القاضي حجار قائلا: “في عندو كتير ملفات ليش ما فتح غير هيدا الملف إذا هو هلقد قوي.”

وعد ميشكا هنري عازار، توقيف رياض سلامة هروب إلى الأمام، قائلا إنه "أهون الشرور له ولداعميه والمتواطئين معه في سلب أموال وأرواح ومستقبل كل اللبنانيين."

وتوقع المالكي، أن توقيف رياض سلامة في بيروت لن يطول، وسيخرج بسبب حجم الأسرار عنده.

وقال صاحب حساب صوت الكورة: "قد تكون محاكمة رياض سلامة فقط لتنظيف سجله، لأنه يملك من الأسرار ما يدين معظم الطبقة الحاكمة".

ووصف نجاد كبار، ما يحدث بأنه "تمثيلية"، مشيرا إلى أن نهايتها توقيف رياض سلامة ومحاكمته صوريا لأنها الطريقة الوحيدة لتبرئته وإقفال الملف الذي يطالهم جميعا.

وأكد وسام شاكر، أن توقيف سلامة مسرحية لا أكتر و لا أقل.

وكتب نبيل كنان: "إذا كان توقيف رياض سلامة جدّيا.. فسيكون هنالك رؤوس قد أينعت وحان قطافها.. وبما أن هذه الرؤوس مازالت (فجّة) إلى أجلٍ غير مسمّى.. فإن هذه المسرحية الدرامية الهزلية التراجيدية الغنائية الراقصة سيتسلّى بها العباد ويتغاضون عن أحداث الجنوب ونتنياهو وانتخابات اميركا".

تحليلات وقراءات

وفي تحليل لتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق وقراءة للحدث ورصد للتوقعات بشأن ملاحقته دوليا، قال المحلل السياسي منير رابح: "يمكن لتوقيف رياض سلامة أن يشكل منعطفا أو تحولا في المسار اللبناني السياسي والمالي والنقدي. بالتأكيد أن هناك محظورا قد سقط، وأغطية رفعت، لكن العبرة تبقى بالنتائج".

وأضاف: "إذا كان هذا التوقيف سيسهم في تكبير كرة الثلج وتكرّ السبحة، أم أنه سيكون دفعة سياسية على دفتر حساب مفتوح للداخل والخارج، خصوصا على أبواب استحقاقات دستورية تسعى بعض القوى السياسية إلى التقارب مع بعضها البعض، لنسج تفاهمات وخلق تقاطعات."

وأوضح رابح، أن المنتصر الأكبر بالمعنى السياسي من توقيف سلامة هو التيار الوطني الحر، والذي يعد انتصاره متأخراً ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وانتصارا لقاضية مقرّبة منه هي غادة عون طُلب كفّ يدها عن ملف التحقيق مع سلامة. 

وأوضح فوزي فيري، أن بحسب القانون الأوروبي، إذا تمت محاكمة رياض سلامة في لبنان، فهذا يعني أن لا إمكانية لملاحقته بالخارج، تحت مبدأً لا يحاكم الشخص على ذات الجريمة مرتين.

وتهكم قائلا إن “تهريب سلامة من ملاحقته بالخارج وإقفال الملف ومنع توسيع التحقيق إلى بقية شركائه الفاسدين، تقتضي محاكمته بلبنان، وعفا الله عما مضى.”

وقالت الصحفية رولا إبراهيم: "إذا كان توقيف رياض سلامة مطلوبا ومحاكمته واجبة، فإن المطلوب أكثر من القضاء أن يفتح كل ملفاته من جريمة تضييع أموال المودعين بالتكافل مع مافيا المصارف، إلى ملفي شركتي فوري وأوبتيموم والاختلاس وتبييض الأموال والاثراء غير المشروع، لا أن يوقف في (أصغر) الملفات".

وأكد الصحفي مروان متني، أن المافيا الحاكمة في لبنان يهمها حماية رياض سلامة، كما يهمها حماية نفسها منه.