رون ديرمر.. عقل نتنياهو وصندوق أسراره وحلقة الوصل مع إدارة بايدن

خالد كريزم | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

يعد الأقل شهرة بين نظرائه، لكن أدواره ومهامه تعد الأهم بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يشن عدوانا مدمرا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إنه وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، الذي يلعب دورا كبيرا خلال العدوان على صعيد التواصل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والحصول على دعمها ودفعها لتجاوز النقاط الخلافية المشتركة.

حلقة وصل

ويعد ديرمر (53 عاما) واحدا من خمسة أعضاء في مجلس الحرب برئاسة نتنياهو، ويعمل كقناة اتصال رئيسة لإسرائيل مع إدارة بايدن. 

وبرز دور ديرمر في وقت تخوض الولايات المتحدة ما يمكن أن تكون الفترة الأكثر تحديا في علاقاتها مع إسرائيل منذ سنوات كثيرة.

وتتطلب هذه الفترة “موازنة الدعم لحرب إسرائيل ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مع الضغط لوقف القصف ضد قطاع غزة من أجل جهود الإغاثة الإنسانية”، وفق ما تقول صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وأضافت أنه “قبل عقد من الزمن (أثناء عمله سفيرا)، كان ديرمر مصدرا متكررا للضغط والتوتر للبيت الأبيض، لكن اليوم يبذل مسؤولون أميركيون قصارى جهدهم للتأكيد على أن علاقاته الوثيقة مع نتنياهو ومعرفته العميقة بالمشهد السياسي في واشنطن، تجعلان منه وسيطا قيما في هذه الأزمة”.

ورأت أن “لدى ديرمر القدرة على التعامل مع الجانب الأميركي، وكان له حضور بنّاء في كثير من الاجتماعات والاتصالات الهاتفية”.

وترى الصحيفة أن “التقلبات التي اتسمت بها العلاقة الطويلة معه أصبحت بمثابة مصدر للألفة، وليس الضغينة”.

وتابعت: “يمكن اختبار هذا الارتياح عندما تنتقل الأزمة من المرحلة العسكرية إلى الدبلوماسية والسياسة، وهما مجالان يمكن لديرمر خلالهما قطع مساحة أوسع”.

ونقلت الصحيفة عن أنشيل فيفر، الذي تولى كتابة سيرة ذاتية بعنوان “بيبي: حياة بنيامين نتنياهو المضطربة وأوقاته” بأنه “قد حرص على التأكد من أن ديرمر جزء من حكومة الحرب”.

وأضاف: “من الواضح أن الشخص الوحيد الذي يثق به هو رون ديرمر، الذي يتمتع بخبرة عسكرية قليلة أو منعدمة”، حيث لم يخدم الوزير المذكور في الجيش.

وبعد العدوان على غزة، تطرق ديرمر إلى الخلافات القديمة، وعلق بالقول: “أعتقد أن التنسيق والتعاون (مع الأميركيين) أصبحا أفضل من أي وقت مضى، خاصة في وقت الحرب، إنهم يدركون موقفنا، ونحن نعي موقفهم”.

ومع أدواره الحالية في مجلس الحرب، استدعى كثيرون مواقفه وأدواره وخلافاته القديمة مع الإدارات الأميركية.

فأثناء وجوده في واشنطن، اصطدم ديرمر مع الرئيس الأسبق باراك أوباما بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، الذي عارضته إسرائيل بشدة، وكذلك التوسع في المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية المحتلة. 

ومثل نتنياهو، فإن ديرمر ليس من الداعمين لحل الدولتين، الذي قال الرئيس جو بايدن قريباً إنه “محوري لمستقبل إسرائيل والفلسطينيين بعد الحرب”.

ويميل ديرمر نحو الجمهوريين، الذين يبدون تأييدا أكبر لنتنياهو ومواقفه فيما يتعلق بالعدوان على غزة ويوجهون سهام الانتقاد لإدارة بايدن، وقد عزز خلال عمله سفيرا بين عامي 2013 و2021، علاقاته معهم.

وكانت لدى ديرمر علاقات أكثر دفئاً مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي الإيراني، ولم يعترض على المستوطنات، واقترح ضم إسرائيل لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بجانب نقله السفارة الأميركية إلى القدس، الأمر الذي لطالما طلبته إسرائيل.

ووقتها عمل ديرمر مع الجمهوريين على صياغة خطاب أمام جلسة مشتركة للكونغرس ألقاه نتنياهو عام 2015، وصف خلاله الاتفاق النووي الذي اقترحه أوباما بأنه "صفقة رديئة للغاية".

كما كان لوزير الشؤون الإستراتيجية، دور مهم في تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، عام 2020، خلال عهد ترامب.

وقال مايكل أورين، الذي سبق ديرمر بمنصب سفير إسرائيل في واشنطن إنه "الرجل الذي يملك الصلاحيات كافة”، في إشارة إلى أنه يتمتع بسلطة كاملة للعمل نيابة عن حكومته بالخارج.

أصله وتاريخه

ولد رون في مدينة ميامي بيتش بولاية فلوريدا عام 1971، وهو الابن الأصغر لجاي ديرمر، محامٍ من نيويورك والذي انتخب عمدة للمدينة المذكورة عام 1967، ويافا روزنتال، التي ولدت في فلسطين وانتقلت إلى الولايات المتحدة مع والديها.

التحق رون ديرمر بمدرسة نهارية يهودية في المنطقة وحصل على درجة البكالوريوس، كما حصل على درجة الدكتوراه في المالية والإدارة من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا عام 1993. 

وتخرج لاحقا بجامعة أكسفورد بدرجة الماجستير في الفلسفة والسياسة والاقتصاد عام 1996، وفي نفس السنة، انتقل إلى إسرائيل  وبدأ عملية التحول إلى “مواطن إسرائيلي”. 

وشرع بكتابة عمود رأي لصحيفة جيروزاليم بوست الناطقة بالإنجليزية وذلك لمدة ثلاث سنوات . 

وفي أغسطس/آب 1998، تزوج من الفنانة الإسرائيلية آدي بلومبرغ، التي توفيت عام 2000. وتزوج لاحقا من رودا باجانو ولديهما خمسة أطفال ويعيش في القدس المحتلة.

خلال الانتخابات الإسرائيلية عام 1999، عمل ديرمر كمستشار للسياسي اليميني والوزير السابق، ناتان شارانسكي.

وابتداء من يناير/كانون الثاني 2001، كتب ديرمر ولمدة 3 سنوات عمودا بعنوان "لعبة الأرقام" لصحيفة جيروزاليم بوست الناطقة بالإنجليزية.

وفي عام 2004 شارك هو وشارانسكي في تأليف كتاب يحمل عنوانا مثيرا للسخرية “قضية الديمقراطية: قوة الحرية للتغلب على الاستبداد والإرهاب”، في إشارة إلى ما أسماه الأخير حق اليهود بإقامة دولة على أراضي فلسطين.

وفي عام 2005، جرى تعيين ديرمر من قبل وزير المالية وقتها بنيامين نتنياهو ليكون مبعوثا اقتصاديا إلى الولايات المتحدة، وهو المنصب الذي تطلب منه التنازل عن جنسيته الأميركية.

 بعد عودته إلى إسرائيل عام 2008، أصبح ديرمر مستشارا سياسيًا مقربا لنتنياهو، الذي انتخب رئيسا للوزراء عام 2009. 

وفي مارس/آذار 2013، ترك ديرمر مكتب نتنياهو بعد أربع سنوات في المنصب المذكور.

وأعلن نتنياهو في 9 يوليو/تموز 2013 أن ديرمر سيخلف مايكل أورين سفيرا لإسرائيل في الولايات المتحدة. 

وعندما أصدر نتنياهو، قرار تعيينه سفيرا لدى واشنطن، دخل مساعدو أوباما، الذين نظروا إلى ديرمر بوصفه ناشطا سياسيا يمينيا، وليس دبلوماسيا، في نقاش حول ما إذا كان ينبغي للبيت الأبيض رفض أم قبول أوراق اعتماده، لكنهم تخلوا عن الفكرة لاحقا. 

وبالفعل قدم ديرمر في 3 ديسمبر/كانون الأول 2013، أوراق اعتماده رسميا إلى أوباما. 

وكتب في سجل الزوار الرسمي للبيت الأبيض: “أشعر بالفخر للعمل كسفير لإسرائيل لدى الولايات المتحدة.. أميركا بلد يدين له الشعب اليهودي بالكثير وأنا، بوصفي ابنا لأميركا، مدين له شخصيا”.

وتابع: “إنني أتطلع إلى العمل معكم ومع إدارتكم لجعل الروابط بين إسرائيل وأميركا أقوى من أي وقت مضى”.

وفي مارس 2017، وافقت حكومة نتنياهو على تمديد ولاية ديرمر لمدة عام إضافي، مشيرة إلى الحاجة للاستمرارية مع استقرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في واشنطن. 

ورغم أنه كان يأمل في العودة إلى إسرائيل، وافقت حكومة نتنياهو على تمديد ولاية ديرمر لمدة عام آخر في يونيو/حزيران 2018، وبقي حتى عام 2021 في هذا المنصب.

وجرى تعيينه وزيرا للشؤون الإستراتيجية في الحكومة السابعة والثلاثين بعد انتخابات 2022.

مواقف وولاءات

خلال العدوان على غزة، برز ديرمر بتصريحات مثيرة للجدل تتعلق بمصر والمجاعة في القطاع المحاصر و"العملية العسكرية" في رفح.

وقال ديرمر في 22 مايو إن “المشكلة في غزة هي أن مصر لم تسمح لسكانها بالدخول لأراضيها”، في إشارة إلى عدم قبولها مخطط تهجيرهم.

كما أضاف أن “مصر تمنع عبور ألفي شاحنة مساعدات إنسانية من الدخول إلى غزة، لأن لديها قضية سياسية بخصوص معبر رفح”، وفق تعبيره.

وقبل بدء العدوان البري على رفح في مايو، صرح ديرمر في مارس 2024 بأن "الجيش لإسرائيلي سيغزو المدينة ويلحق الهزيمة بحركة حماس حتى لو بات العالم بأجمعه ضد إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة".

وتابع: “سنقاتل حتى لو اضطرت إسرائيل إلى فعل ذلك بمفردنا، وحتى لو أدار العالم كله ظهره لإسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة".

وفي الأول من أبريل/نيسان 2024، فقد ديرمر، أعصابه بعد أن قال مسؤولون أميركيون له خلال اجتماع افتراضي، إن الخطة الإسرائيلية لاجتياح رفح “ليست واقعية”، وفق ما نقلت شبكة “إن بي سي” الأميركية بعدها بأيام، عن مسؤولين في الإدارة الأميركية ومسؤول أميركي سابق مطلع.

وعُقد الاجتماع الافتراضي بهدف مناقشة خطة اجتياح رفح، وشارك فيه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، وأكثر من سبعة مسؤولين كبار آخرين من البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين.

بينما شارك من الجانب الإسرائيلي ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي.

وقال المسؤولون الأميركيون إن واشنطن رفضت خلال الاجتماع الخطة الإسرائيلية لإجلاء 1.4 مليون مدني فلسطيني من رفح.

وإثر ذلك بدأ ديرمر بالصراخ والتلويح بذراعيه خلال دفاعه عن الخطة، وأن المسؤولين الأميركيين في الاجتماع "حافظوا على الهدوء ولم يردوا بالمثل".

وأشار مسؤولان في إدارة بايدن إلى أنه كان من المعتاد منذ فترة طويلة أن يصبح ديرمر "مفعما بالحيوية" خلال الاجتماعات مع المسؤولين الأميركيين، ووصفا الاجتماع بأنه ليس أكثر إثارة للجدل من المحادثات الأخيرة الأخرى بين الحكومتين. 

ويتبنى ديرمر بذلك نفس نهج نتنياهو الذي يرفض التخلي عن اجتياح رفح ويعد بـ"النصر الكامل"، على عكس أعضاء آخرين في مجلس الحرب يعطون الأولوية لإتمام صفقة تبادل أسرى.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز: “إذا كان ولاء ديرمر الوطني لإسرائيل، فإن ولاءه الشخصي لنتنياهو”.

ويصف أصدقاؤه هذا الولاء بأنه “لا يتزعزع”، إلى درجة أنه حمل نفسه ذات مرة اللوم عن فضيحة طالت نتنياهو عام 2018. 

وقتها قال ديرمر إنه فشل في نقل تحذيرات إلى رئيس الوزراء بشأن “سوء السلوك الجنسي” الخاص بالمتحدث باسمه، ديفيد كيز، الذي استقال بعد أن أصبحت المزاعم علنية.

وفي موضوع آخر مرتبط بالعدوان، نفى ديرمر نهاية مايو خلال مقابلة تلفزيونية، “وجود أيّ مجاعة أو إبادة في قطاع غزة” قائلا إن ذلك “ادعاءات كاذبة وباطلة”، مستشهدا بشهادة بايدن الذي يدعم العدوان دون تردد.

ولدفع ملف التطبيع، أشار ديرمر في أغسطس/آب 2023 إلى أن إسرائيل قد تكون منفتحة على احتمال قبول طلب السعودية ببناء محطة طاقة نووية مدنية، كجزء من اتفاق لتدشين العلاقات بوساطة أميركية.

وأكد ديرمر وقتها على الفرق بين السعي للطاقة النووية للأغراض السلمية والسعي للأسلحة النووية.

لكنه شدد بالقول: “لن نوافق على أي برنامج أسلحة نووية لأي من جيراننا.. والسؤال سيكون، بما يتعلق بتفاصيل اتفاق، ما هي الضمانات؟ وماذا يحدث إذا سلكوا طريقا آخر، علينا التفكير في هذا الأمر برمته”.

وأضاف: “دعونا لا نقلل من التأثير الذي يمكن أن يكون لاتفاق سلام إسرائيلي سعودي على المنطقة والعالم”. 

وقال إن مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يدفع “العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى” إلى أن تحذو حذوها، مضيفا: “أعتقد أنه أكبر تغيير لقواعد اللعبة”.