قانون أميركي لمناهضة التطبيع مع نظام الأسد.. ما تأثيره على الدول العربية؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

تواصل الولايات المتحدة التضييق على النظام السوري وكبح أي خطوات لإعادة تأهيله من جديدة وتعويمه سياسيا، وذلك عبر سن مزيد من التشريعات الهادفة لمعاقبة المطبعين معه.

وأقر مجلس النواب الأميركي منتصف فبراير/ شباط 2024 مشروع "قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد"، بتأييد كبير من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

عائق قانوني

ويقضي مشروع القانون بأن "سياسة الولايات المتحدة تحظر أي إجراء رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد".

والتشريع يحمل نظام بشار الأسد مسؤولية دعم الإرهاب والقتل الجماعي للشعب السوري، ويؤكد أن الولايات المتحدة مستعدة لفرض تكاليف على الحكومات التي تسعى إلى التطبيع أو إبرام اتفاقيات تجارية معه.

وتمت الموافقة على مشروع القانون في قاعة مجلس النواب بأغلبية 389 صوتا مقابل رفض 32 صوتا.

ويعمل هذا التشريع على تحسين وتعزيز التزام الحزبين بمعاقبة الجناة بسوريا، مع توفير حماية إضافية للمنظمات الإنسانية التي تخدم الشعب السوري.

وينتظر مشروع القانون الآن التصويت في مجلس الشيوخ لإقراره بشكل نهائي ليصبح قانونا نافذا.

وقد رحب على الفور النائب جو ويلسون (الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا)، رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية المعنية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى بمجلس النواب، بإقرار مشروع القانون.

وقال ويلسون: "إن هذا التشريع التاريخي ينبه كلا من بشار وأسماء (زوجته التي تدير اقتصاد العائلة) إلى أن الولايات المتحدة سوف تستهدفهما بشكل فعال، ومموليهما، وممكنيهما".

وراح يقول: "إن تطبيع الأسد هو تطبيع للموت والفجور.. لا يمكن إعادة تأهيل مجرم يستخدم الأسلحة الكيميائية ضد الأطفال ويدير مركزا للإرهاب على أرض مسروقة من الشعب السوري".

ورأى النائب ويلسون: أن "هذا التصويت يوضح أن الشعب الأميركي يقف في معارضة ساحقة من الحزبين لاستمرار حكم الإرهاب الذي يمارسه الأسد ويدعم ظهور سوريا الحرة".

وكانت الإمارات الأولى التي أنهت سنوات من الالتزام "ظاهريا" بالقطيعة العربية المتخذة ضد النظام السوري منذ عام 2011، بإعلان تطبيع العلاقات رسميا عام 2018 بفتح أبوظبي سفارتها في دمشق ثم تبعتها في نفس العام البحرين.

وتعد الإمارات من أشد الدول العربية حرصا على إعادة تأهيل النظام السوري، وتعهدت في سبتمبر/أيلول 2021 بإعادة تطوير المنظومات والبنى التحتية المائية في مناطق نفوذ الأسد.

وقد كسرت الإمارات العزلة العشرية لبشار الأسد المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد السوريين وتشريدهم وقتل مئات الآلاف منهم، باستقباله في أبوظبي في 18 مارس/آذار 2022 ثم تبعها زيارة ثانية لهذا البلد في عام 2023.

وقد كان الأسد منبوذا عربيا ودوليا باستثناء زيارات قام بها خلال العقد الأخير إلى إيران وروسيا داعمتيه الأساسيتين في حربه ضد المدنيين.

ثم أعلن الأردن انتهاء عهد الجفاء السياسي والاقتصادي مع النظام السوري، طوى فيه عقدا من القطيعة، على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011.

وذلك حينما أعلن عن استقبال الملك عبد الله الثاني اتصالا هاتفيا من بشار الأسد، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، معلنا صفحة جديدة من "العلاقات المشتركة".

أما الاستدارة السعودية نحو النظام السوري بإعلان إعادة تطبيع العلاقات معه فقد كانت عبر استقبال وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد في جدة بدعوة رسمية من نظيره السعودي فيصل بن فرحان ولقائهما بتاريخ 12 إبريل/نيسان 2023، في زيارة رسمية للمملكة لأول مرة منذ 12 عاما.

وعقب هذا المد الجديد نحو نظام الأسد، منحت الجامعة العربية النظام السوري "أنفاسا جديدة" حينما قرر وزراء الخارجية العرب في 7 مايو/أيار 2023، بإعادته لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية.

ثم جرى دعوة رأس النظام بشار الأسد إلى السعودية لحضور القمة العربية في جدة في 19 مايو 2023، في خطوة "تشجيعية" لجر مزيد من الدول العربية لقطار التطبيع مع نظام الأسد الذي قتل نحو نصف مليون سوري وهجر نصف الشعب داخليا وخارجيا وما يزال يغيب قسرا أكثر من 130 الف سوري في سجونه.

"تأثير مستقبلي"

ويأتي القانون الأميركي الجديد، بعد أن "أنعش" تطبيع عدد من الدول العربية على رأسها السعودية آمال نظام الأسد بإخراجه من العزلة الدولية.

إلا أن التشريع الأميركي هذا قد يقلب الحسابات العربية تجاه التقارب مع نظام الأسد ومد يد العون له لا سيما بعد إعادة سوريا إلى الجامعة العربية في مايو 2023 بعد طرد النظام منها منتصف نوفمبر 2011 لقمعه ثورة الشعب السوري بالحديد والنار. 

ولهذا يرى كثير من الخبراء أن قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد" سيكون له آثار سلبية على النظام السوري والحلفاء الذين يعملون في الفترة الأخيرة على تعويم النظام من أبواب مختلفة.

وفي السياق، رأى الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد قربي أن "قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد على المدى القريب لن يؤثر على الخطوات السياسية التي قامت بها الدول العربية المطبعة معه؛ لأن الدول العربية ماضية في قطاع التطبيع مع النظام السوري لجملة عوامل رئيسة".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن العوامل الأساسية التي دفعت بعض الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد هو الرغبة في تسوية نزاعات المنطقة ومحاولة إنهاء فكرة الربيع العربي خصوصا في ظل التقارب الإيراني السعودي".

ورأى قربي أن "الموقف الأميركي لا شك هو عامل أساسي في تسريع وإبطاء عملية التطبيع مع نظام الأسد".

ومضى يقول: "الكل يعلم أن عملية التطبيع من نظام الأسد التي حصلت لم تكن لتحصل لولا الضوء الأخضر الأميركي".

ولهذا فإن "الضغط من قبل المشرع الأميركي على الإدارة الأميركية قد يبطئ من نطاق التطبيع بمعنى يبطئ الخطوات الاقتصادية تجاه النظام السوري التي قد تسير بشكل أعجل مما يعني إبطاء التعاون معه في مجال الخدمات ودعم مشاريع التعافي المبكر في مناطق سيطرته في ظل هذا الضغط الأميركي في حال تم تمرير القانون ويصبح نافذا". 

وذهب قربي للقول: "القانون الأميركي الجديد سيؤثر لا شك على توسيع نطاق التطبيع مع نظام الأسد خارج الدول العربية حيث إن بعض الدول العربية كانت لا تخفي أنها تريد تعويم الأسد على المستوى العالمي وبالتالي فإن هذه المساعي ستعلق بعد إقرار هذا القانون، خاصة أن هذه الدول العربية لن تستطيع أن تقنع الدول بإعادة علاقاتها مع نظام الأسد من جديد".

تفعيل العملية السياسية

ورحب "الائتلاف الوطني السوري" المعارض بإقرار الكونغرس الأميركي مشروع قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد"، ويرى أن القانون "يشكل دافعا نحو تفعيل العملية السياسية وتنفيذ القرارات الدولية ذات العلاقة بسوريا".

وفي بيان له، قال الائتلاف إن القانون يعد خطوة مهمة في سياق اتخاذ موقف حازم تجاه التطبيع مع نظام الأسد، الذي ارتكب أشنع جرائم الحرب بحق السوريين.

وأعرب "الائتلاف الوطني" عن أمله بإقرار مشروع القانون من قبل مجلس الشيوخ وتوقيعه من رئيس الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن، ليدخل حيز التنفيذ من أجل الوصول إلى الغاية منه على الوجه الأمثل".

وذكر البيان أن "سياسات التطبيع مع نظام الأسد لم تؤثر على نهج النظام الإجرامي".

موضحا أن النظام "استمر في انتهاكاته وجرائمه بحق السوريين، وزاد من تهديده للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، عبر دعم الإرهاب وتصدير الكبتاغون إلى دول المنطقة والعالم، كما أنه استمر في تعنته وعرقلته للعملية السياسية، ورفضه لتطبيق القرارات الدولية".

وعطل نظام الأسد على مدى السنوات الأخيرة، تحقيق أي تقدم في سلال العملية السياسية السورية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وباتت العملية السياسية مختزلة باللجنة الدستورية والتي انطلقت برعاية أممية أواخر عام 2019 ولم تنجز مادة دستورية واحدة.

وقد اعترف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إحاطاته الصحفية بتعطيل نظام الأسد لتلك العملية عبر اتباع "سياسية المماطلة".

"إنجاز سياسي"

من جانبه، رحب النائب الأميركي فرينش هيل، بهذه "الإنجاز السياسي"، وقال عبر حسابه في "إكس"، “إنني أشيد بتمرير مجلس النواب لقانون مكافحة التطبيع مع نظام الأسد اليوم”.

وأضاف: "أنا فخور لكوني الراعي الأصلي لمشروع القانون الجيد الذي يعارض التطبيع مع الأسد".

 ويرعى القانون عدد من النواب الأميركيين، وبجهود "التحالف الأميركي لأجل سوريا"، وهي مظلة انضوت تحتها عشرة منظمات أميركية مختصة بالشأن السوري، وتنشط في العاصمة الأميركية واشنطن.

ويرتقب من قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، أن يلقي بقراراته الصارمة على الدول المطبعة مع الأسد. 

إذ رأى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي جو ويلسون في حديث لـ "تلفزيون سوريا" المعارض، أنه بعد إقرار مشروع القانون سيكون "طريق التطبيع خطير مع هذا النظام الوحشي".

وأشار عضو الكونغرس الأميركي إلى أنه "لا ينبغي لدول العالم أن تسلك طريق التطبيع مع نظام بشار الأسد"، مشيرا إلى "وجود تكاليف ستفرض على التطبيع وعلى من يعترف بالأسد".

ويعد  "قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد" هو الثالث في سلسلة التشريعات الأميركية المفروضة على النظام السوري بعد إقرار الكونغرس بمجلسيه (النواب- الشيوخ)  15 ديسمبر/كانون الأول 2022 مشروع قرار يضع إستراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد.

وسبق ذلك إقرار واشنطن في 2020 قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على النظام، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.

وضمن هذا السياق، علق عبد المجيد بركات نائب رئيس  "الائتلاف الوطني السوري" على "قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد" معتبرا أنه "أداة سياسية توازي العقوبات الاقتصادية على النظام السوري".

وأضاف بركات في تصريحات صحفية: "هذا القانون له طابع سياسي بالدرجة الأولى، فموضوع مناهضة التطبيع يعني إيقاف التطبيع، لأنه في فترة من الفترات كانت هناك دول تعطي النظام جوائز من خلال التطبيع معه".

ومضى يقول: "نرفض أن يكون هناك جوائز مجانية للنظام السوري، وأن يصل إلى مرحلة التطبيع دون أن يكون هنالك أي عملية سياسية تسير بشكل جيد".