إفريقيا.. كيف تحولت إلى ساحة مواجهة خفية بين إسرائيل وحزب الله؟

إسرائيل تواجه تحديات في فرض نفوذها داخل القارة الإفريقية
برزت إفريقيا في السنوات الأخيرة كساحة مواجهة غير معلنة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني؛ حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والاستخباراتية في معركة خفية.
وكشفت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية عمّا أسمته "الأدوار المتزايدة للشبكات اللبنانية في تمويل الحزب عبر استثمارات وتجارات غامضة"، وعن الجهود الإسرائيلية لتعقب هذه الأنشطة بالتعاون مع أجهزة المخابرات المحلية.
كما تناولت عمليات الاعتقال والاستجواب التي تستهدف شخصيات يشتبه في ارتباطها بحزب الله، إلى جانب استخدام تجارة الألماس والمخدرات كمصادر تمويل بديلة له.
وفي ظل هذه المواجهة المعقدة، تقول الصحيفة: إن "إسرائيل تواجه تحديات في فرض نفوذها داخل القارة؛ حيث تحظى الجالية اللبنانية بنفوذ اقتصادي قوي، ما يجعل إفريقيا مسرحا جديدا لصراع استخباراتي بعيدا عن الأضواء".
العميل الغامض
وتطرقت الصحيفة إلى عبدالمحسن جمال حسين الشطي، أحد الأشخاص الذين استهدفتهم إسرائيل عام 2017، عبر رجال مقنَّعين في ليبرفيل، عاصمة الغابون.
وقبل أيام قليلة، اعتُقل الشطي مرة أخرى في عملية سرية بقرار اتخذ بمبادرة من أحد حلفاء الغابون، بحسب ما أفادت به الصحيفة.
وبحسب ما ورد عنها، فإن الشخص الذي يقف وراء هذه العملية وصل إلى البلاد قبل بضعة أسابيع، مقدما نفسه كدبلوماسي، لكنه في الحقيقة عميل لجهاز الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية).
وتوضح الصحيفة الفرنسية أن هذا العميل يتمركز في الكاميرون، الدولة المجاورة التي تتمتع فيها الاستخبارات الإسرائيلية بحضور قوي.
وفي هذا السياق تشير إلى أن العلاقات بين أجهزة الاستخبارات في الغابون وإسرائيل تقتصر عادة على تبادل الوثائق والصور؛ إذ يدير الموساد عملياته في الغابون من ياوندي ودوالا بالكاميرون دون وجود مكتب رسمي في ليبرفيل.
وادعت الصحيفة أن "الطلبات الإسرائيلية تقتصر على مراقبة أهداف محددة، وهو ما تستجيب له السلطات الغابونية بسهولة بسبب استخدام الرئيس، علي بونغو أونديمبا، تقنيات مراقبة إسرائيلية".
ومع وصول مبعوث من الموساد إلى الغابون لطلب خدمة استثنائية، تبيّن أن "الاستخبارات الغابونية على دراية بأن تل أبيب تراقب الجالية اللبنانية في إفريقيا بسبب علاقتها بحزب الله".
وجدير بالذكر هنا أنه كانت هناك شكوك حول تورط بعض أفراد الجالية اللبنانية في غسيل الأموال لصالح الحزب، وفق مزاعم الصحيفة الفرنسية.
نتنياهو يتدخل
وفي هذا الإطار، أفادت بأنه في محاولة لاستجواب عبدالمحسن الشطي، الذي صدر بحقه حكم غيابي بالسجن في الكويت، طلب الموساد من إثيوبيا اعتقاله، ولكن أُفرج عنه سريعا.
ثم قرر الموساد محاولة استجوابه في الغابون؛ حيث أبلغ السلطات الغابونية برغبته في إجراء تحقيق سري، بحسب الصحيفة.
لكن الأجهزة الأمنية الغابونية كانت مترددة؛ إذ أكدت أنها بحاجة لموافقة رئيس الدولة؛ والذي رفض أولا بسبب مخاوفه من إغضاب الجالية اللبنانية.
وثانيا لعدم السماح لقوة أجنبية بتنفيذ اعتقال دون طلب رسمي من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حسب الصحيفة الفرنسية.
وبعد 8 ساعات، كما أفادت "جون أفريك"، عاد المبعوث الإسرائيلي بالرسالة المطلوبة، مما دفع بونغو أونديمبا للموافقة على مطلب إسرائيل.
وبعد اعتقال الاستخبارات الغابونية الشطي، سُمح للإسرائيليين باستجوابه؛ حيث كان السؤال الرئيس عن "اتصالاته مع حزب الله".
وبعد 9 ساعات من التحقيق أُطلق سراحه، لكن الموساد استمر في مراقبته، بحسب ما ورد عن الصحيفة.

ثم في 12 أغسطس/آب 2017، اعتقل الشطي في الكويت بفضل معلومات استخباراتية من الموساد وجهاز المخابرات الأميركية نتج عنها الإطاحة بخلية "العبدلي".
وهذه الخلية هي مجموعة تضم نحو 20 كويتيا وإيرانيا متهمين بالعمل لصالح طهران وحليفها حزب الله.
"الشك التلقائي"
من جهة أخرى، تسلط "جون أفريك" الضوء على أنه "على بعد آلاف الكيلومترات، في الطرف الآخر من خليج غينيا، تتبنى السلطات الإيفوارية نهجا مماثلا، لكن التحديات هناك أكبر بكثير".
وتابعت: "ففي ساحل العاج، توظف الشركات التي يملكها أفراد من الجالية اللبنانية ما لا يقل عن 300 ألف شخص، وتسهم بشكل ملموس في الاقتصاد المحلي".
وأردفت: "يعيش في البلاد نحو 100 ألف لبناني؛ 80 بالمئة منهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية، بينما 10 بالمئة تعود أصولهم أو روابط عائلية لهم إلى منطقة النبطية، أحد معاقل حزب الله في جنوب لبنان".
وفي هذا الصدد، تبرز الصحيفة أن "الجميع بالنسبة للإسرائيليين موضع ريبة وشك".
وبهذا الشأن، يقول أحد المصادر التي عملت في بيروت وأبيدجان: "هناك شك تلقائي مفاده أن أي لبناني شيعي، خاصة إذا كان من جنوب لبنان، يعد ممولا محتملا لحزب الله".
ويؤكد خبير إسرائيلي هذا الأمر قائلا: "يعتمد حزب الله على التبرعات الطوعية من العديد من التجار في غرب إفريقيا؛ حيث يستطيع فرض شكل من أشكال الضريبة. فإما أن يدفع اللبنانيون هذه المساهمات، أو يُهمشوا داخل مجتمعهم".
شبكات الألماس
ومن جهة أخرى، تزعم الصحيفة الفرنسية أن "الشتات اللبناني لا يقتصر على كونه مجتمعا يُفرض عليه ضرائب، بل يمتلك أيضا شركات تُستخدم لغسل الأموال الناتجة عن أنشطة إجرامية، بما في ذلك تمويل حزب الله".
وهنا، توضح أن "حزب الله كان قد أدرك ضرورة تمويل المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات الخيرية حول العالم لتوحيد المجتمعات التي تصبح بعد ذلك جزءا من شبكة غسل أمواله".
وبحسب الصحيفة، أُسست هذه الهيكلية بشكل خاص من قبل طلال حمية ومنظمة الأمن الخارجي "الوحدة 910".
وطلال حمية أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله اللبناني، أطلق عليه لقب "الشبح" بسبب حياته السرية وندرة ظهوره، وهو من الرعيل الأول المؤسس للهيكل العسكري للحزب وقائد "الوحدة 910" المسؤولة عن العمليات الخارجية ضد إسرائيل.

وجزء من نشاطات هذه الشبكة يعود إلى إفريقيا الوسطى؛ حيث استقرت عائلة تاج الدين في الكونغو الديمقراطية.
وفي يوليو/تموز 2020 عاد إلى بيروت رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين الذي أطلقت الولايات المتحدة سراحه بعد قضائه ثلاث سنوات في السجن بتهمة "التحايل على قانون العقوبات الأميركية".
وتتهم واشنطن تاج الدين، الذي وضعته في عام 2009 على لائحة الإرهاب، بأنه من "أبرز ممولي حزب الله اللبناني" الذي تصنفه كمنظمة إرهابية.
إضافة إلى ذلك، يوجد إبراهيم أحمد عيسوي، أحد القياديين في شبكة حزب الله في إفريقيا الوسطى، والذي وُضع تحت مراقبة الأجهزة الإسرائيلية بسبب نشاطاته المالية في لبنان.
ومن ناحية أخرى، تلفت الصحيفة إلى أن "صالح عيسي، أحد أركان الجالية اللبنانية في الكونغو، تعرض للعقوبات الأميركية بسبب علاقاته بحزب الله. كما أن شقيقه، المتورط في تمويل الحزب، هو أيضا محل متابعة من قبل القضاء الأميركي.
غسل أموال
وإضافة إلى الشخصيات المذكورة، تحدثت عن "عائلة نصور، التي تتمتع بوجود قوي في الكاميرون".
ويقود العائلة رضوان نصور، الذي يقيم في مدينة دوالا ويدير العديد من الشركات، بما في ذلك تلك التي تعمل في قطاع الألماس بجمهورية إفريقيا الوسطى.
ورضوان نصور يمتلك روابط مع إبراهيم أحمد عيسوي وأقارب آخرين متورطين في شبكات حزب الله، وفق مزاعم الصحيفة الفرنسية.
وفي هذا الصدد تشير إلى أن "الألماس يُعد سلعة مفضلة للشبكات الإجرامية نظرا لسهولة نقله وبيعه في أماكن لا تُراقب فيها أصوله".
وهنا، تدعي الصحيفة أن "الألماس يُنقل من جمهورية إفريقيا الوسطى عبر شبكة نصور إلى دبي، التي تُعد مركزا لغسل الأموال بفضل ضعف الرقابة".
وتلفت إلى أن "الألماس يُخفى بسهولة في الأمتعة المسجلة على الرحلات من مطار دوالا إلى لبنان؛ حيث يتلقاه حزب الله لدعم المجهود الحربي".
وبالإشارة إلى أن "الكوكايين هو المصدر الثاني لتمويل حزب الله"، تدعي الصحيفة أن "الجالية اللبنانية في أميركا الجنوبية تمكنت من التعاون مع كبار تجار المخدرات في دول مثل الأرجنتين والبرازيل وباراغواي".
وفي عام 2018، كانت العدالة الأميركية تحدثت عن دور حزب الله في تجارة المخدرات الدولية، من أميركا إلى أوروبا مرورا بالساحل الأطلسي لإفريقيا.
وبحسب التقديرات، تظهر الصحيفة أن ميزانية حزب الله السنوية تصل إلى حوالي 700 مليون إلى مليار دولار.
ويُقدر أن 40 بالمئة من هذه الأموال تأتي من الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك تجارة الكوكايين، وفق زعمها.
جالية مؤثرة
وفي ضوء ما ذكرته الصحيفة، تتساءل: “كيف يمكن أن تعمل الشبكة التي يديرها رضوان نصور في الكاميرون، وهي دولة مزودة بالخدمات الإسرائيلية منذ وقت طويل؟”
وفي إجابته على هذا السؤال، يقول أحد الخبراء الإسرائيليين: "لا ينبغي المبالغة في تقدير علاقات إسرائيل بالكاميرون أو غيرها من البلدان.
وأردف: "صحيح أن لدينا جنرالات متقاعدين ذوي نفوذ في ياوندي، ولكن الجالية اللبنانية أيضا لها تأثير كبير".

ويتابع: "في معظم الأوقات، تستمع السلطات المحلية إلى الجالية اللبنانية وتحقق مصالحها، وذلك على الرغم من أننا ننفذ بين الحين والآخر عمليات دقيقة للغاية".
ويضيف الخبير أن "إسرائيل لا يمكنها أن تثق في الجميع، بما في ذلك في مجال الاستخبارات؛ حيث يمتلك رجال حزب الله أيضا علاقات وموارد ونفوذا".
ومع ذلك، يشدد على "أهمية استمرار مراقبة الشبكات الإفريقية للجماعة الشيعية".
وفي النهاية، مع الحرب الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يزعم الخبير أن "حزب الله أصبح أكثر انقطاعا عن إيران، التي كانت تموله بنسبة 70 بالمئة، والتي ركز عليها الإسرائيليون والأميركيون في السنوات الأخيرة".
وبهذا الشأن، يعتقد الخبير الإسرائيلي أن "الحزب قد يضطر إلى تطوير أنشطته في غسيل الأموال والتهريب بشكل أكبر، وبالتالي الاعتماد على شبكاته الإفريقية في ذلك".
ولذلك، تختتم الصحيفة بالقول: إنه "من كينشاسا إلى أبيدجان، مرورا بدوالا، يبدو أن الحرب السرية بين جواسيس إسرائيل وحزب الله بعيدة عن نهايتها".