من مخيم كينيا إلى مراكز الاحتجاز بليبيا.. 1.7 مليار دولار من الاتجار بالأعضاء البشرية

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أدى نمو الفقر في كينيا بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن آثار تغير المناخ والتضخم وسياسات التقشف التي فرضتها الحكومة، إلى زيادة أنشطة الجريمة المنظمة المرتبطة بالاتجار بالبشر.

وكشف تحقيق للشرطة عن نشاط شبكة في مخيم داداب للاجئين، تستدرج الشباب وتخدعهم بالهجرة إلى أوروبا، وتقوم بنقلهم سرّا عبر عدة دول إفريقية إلى ليبيا؛ حيث ينتهي بهم الأمر في جحيم مراكز الاحتجاز.

وفي تقريرها عن هذه الانتهاكات، أشارت صحيفة "نيغريسيا" الإيطالية إلى “آليات نقل هؤلاء البائسين من خلال وكالات وهمية إلى دول الخليج والشرق الأوسط بوعدهم بالعمل المربح قبل أن يسقطوا ضحايا استغلال بين أيدي من لا ضمير لهم”.

وذكرت الصحيفة كذلك انتشار جماعات إجرامية لها شبكات دولية تعمل على نقل المهاجرين من دول إفريقية إلى شمال القارة على أمل الهجرة إلى أوروبا.

مخيم اللاجئين

وتنشط إحدى هذه الشبكات محل تحقيق أطلقته إدارة التحقيقات الجنائية في كينيا منذ أشهر، في مخيمات اللاجئين وطالبي اللجوء الثلاثة في داداب بمحافظة غاريسا شرق البلاد قرب الحدود الصومالية.

وتأسس أكبر مخيم في العالم عام 1991 بعد سقوط الحكومة المركزية في الصومال ويستضيف حاليا أكثر من 468 ألف شخص، معظمهم من الصومال وجنوب السودان، وأكثر من نصفهم (52 بالمئة) تحت سن 17 عاما.

وبحسب تعبير الصحيفة الإيطالية، "في هذا المخيم يصطاد المتاجرون بالبشر فرائسهم ويرسلونهم إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا".

وبحسب ما نقل موقع "كينيا إنسايت" الإخباري عن محققين، الفئة العمرية المستهدفة تتراوح بين 15 و24 عاما.

ويتعلق الأمر بشباب غير متعلمين في الغالب وفي حالة يأس بسبب غياب أي آفاق للمستقبل والظروف المعيشية الصعبة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب الصعوبات المتزايدة التي تواجهها الوكالات الدولية في تقديم المساعدات الإنسانية.

وتبين من التحقيقات أن عملية "التجنيد" في المخيم تبدأ عن طريق التناقل الشفهي أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة “تيك توك” و"واتساب". 

وبعد ذلك، يُعزل "المرشح" ويتم تخويفه من مغبة الكشف عن خطته للهجرة لأي شخص حتى أقرب أفراد عائلته، وقد يُستخدم بعد ذلك في النصب على شباب آخرين ويُطلب منه تقديم أسماء أقران قد يكونون مهتمين بالهجرة إلى أوروبا.

للوصول إلى ليبيا يعبر المُتحيّل عليهم الحدود مع أوغندا وإثيوبيا في رحلة طويلة ومحفوفة بالمخاطر.

تجارة الأعضاء

في طريق الهجرة الأول، تمر مجموعات المهاجرين السريّين عبر نيروبي أو مدينة مومباسا الساحلية الكينية نحو العاصمة الأوغندية، ثم يواصلون الرحلة إلى جنوب السودان ومن هناك إلى ليبيا. 

بينما يمر مسلك الهجرة الثاني عبر جنوب إثيوبيا والسودان وهو الأكثر خطورة؛ لأنه يعبر عن طريق مناطق تشهد قتالا.

وهناك أيضا طريق هجرة ثالث وهو الأقصر، ينطلق من إيزيولو ويعبر مقاطعة توركانا وينقل المهاجرين مباشرة إلى جنوب السودان.

ويُنقل المهاجرون في ظروف غير إنسانية؛ لتجنب اكتشافهم من قبل قوات الأمن، ويموت البعض على طول الطريق بسبب الجوع أو الاختناق أو الأمراض التي يصابون بها أثناء الرحلة.

وينتهي الأمر بالناجين في مراكز الاحتجاز بليبيا، بعد بيعهم للمليشيات المحلية وهناك يبدأ الكابوس بالنسبة لهم ولأسرهم، في إشارة إلى تعرضهم لجميع أنواع التعذيب والانتهاكات.

بينما تتعرض أسرهم لابتزاز هذه المليشيات التي تطالبهم بدفع مبالغ مالية تتراوح بين 15 و23 ألف دولار مقابل الكف عن التعذيب ونقل ذويهم إلى أوروبا، وفي حال عدم الاستجابة، يُترك الضحايا للموت أو يُباعون لمليشيات أخرى.

وتكشف التحقيقات أن أنظمة الدفع التي تطالب المليشيات باستخدامها لتحويل الأموال هي "الحوالات" وتطبيق "رميتلي"، التي يصعب تعقبها من قبل قوات الأمن.

فيما يُجبر مهاجرون آخرون أقوى جسديا وفي حالة صحية أفضل، إلى الانضمام لتنظيمات مثل "تنظيم الدولة" في ليبيا، بينما يتم إجبار آخرين على العمل القسري أو بيع أعضائهم البشرية.

وشهد الاتجار غير المشروع بالأعضاء ازدهارا في السنوات الأخيرة في إفريقيا، وتشير التقديرات إلى أن البلدان الأكثر تضررا هي مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا وكينيا وليبيا.

وفي ليبيا على وجه الخصوص، دق مدير الشؤون العلمية في "مركز القانون الدولي الإنساني"، أحمد الزيداني، ناقوس الخطر بشأن تزايد هذه الظاهرة في فبراير/شباط 2024.

 ودعا إلى فتح تحقيقات مستقلة في الاتجار بالبشر؛ "حتى لا تصبح ليبيا بلدا (مرجعيا) للمنظمات الإجرامية الدولية التي تتاجر بالأعضاء البشرية". 

وأشار الزيداني لصحيفة "ليبيا هيراد" إلى أن "هناك تقارير مؤكدة عن حصول عصابات دولية على أعضاء بشرية لمهاجرين غير نظاميين من مليشيات ليبية".

الإفلات من العقاب

فيما ذكرت الصحيفة الإيطالية أن "المتلقين النهائيين لهذه الأعضاء غالبا ما يقيمون في دول شمال إفريقيا، وأيضا في إسرائيل والولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي".

ويقدر مركز أبحاث "النزاهة المالية العالمية" ومقره واشنطن ويركز على الفساد والتجارة غير المشروعة وغسيل الأموال، أن ما بين 840 مليون و1,7 مليار دولار يتم جَنْيها سنويا من الاتجار بالأعضاء البشرية.

وبالعودة إلى كينيا، تحدثت الصحيفة الإيطالية عن الفساد والإفلات من العقاب فيما يتعلق بهذا النشاط في ظل تواطؤ الشرطة ومسؤولين حكوميين وفي بعض الحالات القضاة.

وأشار تقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2024 حول الاتجار بالبشر بوضوح إلى أن "الفساد والتواطؤ الرسمي في جرائم الاتجار بالبشر في كينيا لا يزالان يشكلان مصدر قلق كبير، مما يعوق إجراءات إنفاذ القانون".

وذكر أن "ضباط شرطة استمروا في قبول الرّشا لتحذير المتاجرين من العمليات والتحقيقات الوشيكة، وأن المتورطين تمكنوا في بعض الأحيان من الإفلات من الإدانة من خلال رشوة القضاة ومسؤولي المحكمة أو عن طريق ترهيب أو رشوة الشهود للإدلاء بشهادات كاذبة".

وأشار التقرير أيضا إلى أن "عصابات الجريمة تواطأت مع مختلف إدارات الشرطة والهجرة، بما في ذلك تلك الموجودة عند نقاط التفتيش الحدودية والمطارات، لنقل ضحايا الاتجار بالبشر دون عقاب". 

وذكر أن المتاجرين “يحصلون بسهولة على وثائق هوية مزورة من مسؤولين متواطئين؛ لتسهيل تحركاتهم وتنقلات ضحاياهم دون أن تتخذ الحكومة أي إجراء قانوني ضد المسؤولين الفاسدين”.

ورغم الجهود الكبيرة، خلص التقرير إلى أن "حكومة كينيا لا تفي بالكامل بالمعايير الدنيا للقضاء على الاتجار بالبشر".