هاجس مشترك.. هل تتحد المعارضة التونسية لإطاحة قيس سعيد في الانتخابات؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

أنهى إعلان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، فاروق بوعسكر، عن موعد الانتخابات الرئاسية خريف 2024، تردد السلطة ومسانديها وشكوك المعارضة حول التزام الرئيس قيس سعيّد في إقامتها في موعدها.

وفتح هذا الإعلان في 13 مارس/آذار 2024 الباب على مصراعيه لنقاشات في صفوف الطبقة السياسية عموما في تونس، على اختلاف مواقعها في الحكم أو المعارضة، في ظل وضع سياسي يتميز بالانغلاق وتسيطر عليه أخبار الملاحقات الأمنية والقضائية لأبرز المعارضين. 

حملة مبكرة 

ومنذ انتهاء الدور الثاني للانتخابات المحلية في 4 فبراير/شباط 2024، كثف سعيّد من حراكه الميداني وزياراته إلى المناطق الشعبية والمهمشة، في خطوة وصفها معارضون ومحللون بأنها "حملة انتخابية رئاسية مبكرة"، ومحاولات لامتصاص الانصراف الشعبي عن الشأن العام.

وشهدت الانتخابات الأخيرة مقاطعة واسعة اقتربت من 90 بالمئة من الناخبين في الدورين الأول والثاني، رغم رهان السلطة عليها بوصفها أبرز التغييرات التي أدخلها سعيّد على النظام السياسي في البلاد.

وتحوّلت الانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2024. إلى هاجس يؤثر على سعيّد في جلّ لقاءاته وتصريحاته، حيث تكرر ذكرها على لسانه في أكثر من مناسبة.

وقال الرئيس التونسي إن من دعوا إلى "مقاطعة انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) والجهات والأقاليم (الغرفة البرلمانية الثانية)، يعدون العدّة بكل الوسائل للموعد الانتخابي الرئاسي القادم".

جاء ذلك خلال تصريحات لسعيد في 13 فبراير 2024، خلال استقباله بقصر قرطاج، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وفق بيان للرئاسة التونسية.

كما أطلق سعيّد في 28 فبراير تصريحات شديدة اللهجة اتهم فيها المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية بـ"الارتماء في أحضان الخارج" و"العمالة للصهيونية".

وأفاد بأنه "لا تسامح مع من يرتمي في أحضان الخارج استعدادا للانتخابات ويتمسّح كل يوم على أعتاب مقرات الدوائر الأجنبية، فمرة يقال فلان مرشح مدعوم من هذه العاصمة أو تلك، ومرة يشاع اسم شخص يتخفى وراءه آخر ويُقدّم على أنه مدعوم من الخارج من هذه العاصمة أو تلك"، وفق كلامه.

نقاش مفتوح

في الجهة المقابلة، تضاعف حراك قوى المعارضة السياسية في تونس، رغم عدم اتخاذ أغلبها قرارا نهائيا من المشاركة في الاستحقاق الرئاسي من عدمه.

ففي 11 مارس 2024، أعلن الحزب الجمهوري المعارض ترشيح أمينه العام عصام الشابي المعتقل منذ فبراير 2023، وهي ذات الخطوة التي أعلن عنها الديوان السياسي للحزب "الحر الدستوري" بترشيحه لرئيسته عبير موسي المعتقلة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

في الوقت نفسه، أعلن المحامي والناشط السياسي والحقوقي العياشي الهمامي، تصوّره للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة، ، مؤكدا فيه أن هذه الانتخابات يمكن أن تكون "فرصة جديّة لإنقاذ البلاد والتخلّص من الاستبداد والخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة لو توفّرت بعض الشروط".

ورأى الهمامي عبر مقال نشره عبر صفحته على "فيسبوك" في 28 فبراير أن " هذه الانتخابات تستوجب أيضا توحّد طيف واسع من المعارضة ومكونات المجتمع المدني حول مرشّح واحد يتمّ اختياره بعد صياغة أرضية الحدّ الأدنى الديمقراطي الاجتماعي المشترك تتضمن برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مشتركا، ويخوض مسارا نضاليا نحو الانتخابات".

من جهته، رأى المحلل السياسي التونسي، الحبيب بوعجيلة، أن "الانتخابات الرئاسية المقبلة ليست أكثر من فرصة لإحداث ديناميكية وإعادة نسبية للتدرب على أجواء التعددية ومعاودة الاقتراب من الناس بعد أن تم إغلاق الحياة السياسية بشكل لم يثر أي احتجاج شعبي أو غضب نخبوي وازن".

وأرجع بوعجيلة ذلك في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "الحياة السياسية في العشرية السابقة لم تكن تعني أحدا أكثر من النشطاء الذين شاركوا فيها و تداولوا فيها على مواقع الحكم والمعارضة دون أن تكون هناك منجزات اجتماعية أو اقتصادية ملموسة تجعل استمرار عشرية الانتقال مصلحة لعموم المواطنين".

وأضاف "لا أرى في الأفق المنظور لانتخابات 2024 إمكانية للخروج من سياق 25 يوليو/تموز 2021 (انقلاب سعيد) بما هو سياق عودة صرامة الدولة وضبط المجال السياسي وتضييق هامش الحريات المفتوح وإعادة المكانة لسلطة الأجهزة الذي يسمى باستعادة (هيبة الدولة)".

وأكد بوعجيلة أن "المعارضة على العموم وبالإضافة للملاحقات القضائية التي أبرزت ضعفها وعجزها عن الدفاع عن المكسب الديمقراطي، تعيش حاليا حالة من الانقسام والضعف التنظيمي والاهتزاز في مصداقيتها وعلاقتها بعموم الشعب الذي لم يعد معنيا بالسياسة....".

واستطرد: "تقديري إذن أن الأمر ليس أكثر من ديناميكية ربما تمنح المعارضة القدرة على التأثير في اختيار أحد العروض التي سيقدمها عرابو 25 يوليو إذا أراد التغيير أو الاستمرار".

وفي تعليقه على مبادرة الناشط السياسي العياشي الهمامي وتقديم الجمهوري لترشح أمينه العام، رأى بوعجيلة أنها "لا تتجاوز محاولات كفاحية للبقاء في الصورة نسبيا وإلقاء بعض الحصى في المياه الهادئة".

وتابع: "لا يمكن أن ترقى إلى افتكاك المعارضة للمبادرة التي فقدتها بعد 25 يوليو حين فوتت على نفسها فرصة الالتقاء النضالي على مناهضة الانقلاب على دستور 2014 ومخرجاته وفوتت على نفسها استثمار الفرصة لتجاوز استقطابها المزيفة وسهلت إيقاف مسار الانتقال إلى الديمقراطية".

وشدد المحلل السياسي على أن "كل المبادرات الحالية لا أفق لها ما لم تتجه نحو إعادة البناء الإستراتيجي للمجال السياسي، وهو ما لا أراه في خطاب وممارسات الفاعل السياسي الحالي، رغم حسن النوايا والصدق النضالي والاستعداد الكفاحي للتضحية".

منافسة جدية

إلا أنه وفي جهة أخرى من المشهد السياسي التونسي، بعيدا عن الصراع الدائر بين سعيّد والمعارضة، مثّل البيان الذي نشره الوزير الأسبق منذر الزنايدي والذي تولّى عددا من الحقائب الوزارية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي حلقة متقدّمة في سلسلة الانتخابات الرئاسية.

ورأى كثير من المراقبين أن ترشح الزنايدي للانتخابات الرئاسية هو الترشح الأكثر جدّية، وقد ساهم في تحريك الساحة السياسية وخلق نوع من الديناميكية رغم عدم إعلان أي جهة سياسية دعمها لهذا الترشح.

وفي البيان الذي نشره عبر صفحته على فيسبوك في 29 فبراير، قال الزنايدي "واثقون أن محاولات الترهيب والتخوين وتكميم الأفواه لن تفل من عزمنا على الاستجابة إلى نداء الواجب الوطني، ومدركون أن زمن الصراعات الأيديولوجية الضيقة وأشكال التنظم القديمة والزعيم المنقذ والمراهنة على الخارج قد ولى وانقضى".

وأضاف الزنايدي "نعبر عن استعدادنا للاحتكام إلى التونسيين ولا لغيرهم، والتوجه إليهم ببرامجنا ومقترحاتنا في المحطات السياسية والاستحقاقات الانتخابية القادمة والاحتفاظ بحقنا في اختيار التوقيت والشكل وطرق العمل والتنظّم السلمية والقانونية المناسبة لذلك".

وأظهرت عدد من استطلاعات الرأي التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي ظهور اسم الزنايدي بين الأسماء الخمسة الأولى التي ينوي التونسيون منحها أصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ففي 14 مارس 2024، تداولت وسائل إعلام محلية استطلاعا للرأي صادر عن مؤسسة "تونيزيا ماتر" لسبر الآراء تحت عنوان "الباروميتر السياسي مارس 2024".

ومن أهم النسب التي تم الإعلان عنها حصول سعيد على 23.9 بالمئة من نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يليه في المرتبة الثانية الكاتب والناشط السياسي الصافي سعيد بـ11.7 بالمئة وفي المرتبة الثالثة الوزير الأسبق الزنايدي بـ7.1 بالمئة من الأصوات.

وأجمعت جلّ استطلاعات الرأي على أن سعيّد غير قادر على حسم الانتخابات من الدور الأول، ما يجعل من إمكانية هزيمته انتخابيا نظريا ممكنة في صورة وجود اتفاق بين معارضيه على دعم المرشح المنافس، وهو ما يبقى مرتبطا بتوفر شرط نزاهة الانتخابات وحياد مؤسسات الدولة.