حال اجتياح إسرائيل رفح واحتلال محور فيلادلفيا.. كيف سيكون رد فعل مصر؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

بينما يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لهجوم بري على مدينة رفح في جنوب غزة، تستعد مصر للأسوأ، مع أزمة إنسانية وتهديد لمعاهدة السلام مع إسرائيل.

وتمثل رفح الملاذ الأخير لنحو 1.4 مليون فلسطيني فارين من القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة.

وهنا، يلفت موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، بنسخته الفرنسية، إلى أن منطقة رفح صُنفت ذات يوم على أنها "منطقة آمنة" للنازحين قسرا من شمال غزة، ولكنها أصبحت أخيرا هدفا لعمليات قصف جوي تنفذها الطائرات الإسرائيلية.

وفي هذا التقرير، يوضح الموقع مخاوف الدولة المصرية من هذا السيناريو، كما يستشرف مآلاته على العلاقات الإسرائيلية المصرية.

ممر فيلادلفيا

واصفين إياها بـ"الكارثة"، حذر عمال الإغاثة في حديث مع "ميدل إيست آي" من أن "أي عملية برية إسرائيلية في المنطقة المكتظة بالسكان ستؤدي إلى كارثة إنسانية وصحية".

ويضيف الموقع إلى ذلك احتمال نشر قوات إسرائيلية على طول الحدود المصرية مع غزة، وهو ما قد يكون له، بحسب مصادر مصرية، عواقب على معاهدة السلام مع إسرائيل.

وبهذا الشأن، يقول الموقع إنه "عندما وقعت إسرائيل ومصر معاهدة السلام عام 1979، وجدت مدينة رفح نفسها منقسمة". 

حيث انسحبت القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها منذ عام 1967، ثم أُنشئت حدود بين مصر وقطاع غزة، مما قسم رفح إلى قسمين؛ قسم مصري والآخر فلسطيني.

وينص أحد البنود الرئيسة للمعاهدة على تحديد أربع مناطق منزوعة السلاح في سيناء وفلسطين المحتلة.

ويُعد الجانب المصري من رفح جزءا من المنطقة (ج)، والتي تسمح فقط بنشر قوة شرطة مدنية بأسلحة خفيفة، بالإضافة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

لكن إسرائيل سمحت باستثناءات في هذا البند على مدى العقد الأخير، حيث نشرت حكومة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، قوات في المنطقة لمحاربة تنظيم الدولة والجماعات المسلحة.

والحفاظ على السلام والأمن يعتمد على طول الحدود على طريق فيلادلفيا السريع، المعروف أيضا باسم ممر فيلادلفيا.

وهي -بحسب الموقع- منطقة عازلة منزوعة السلاح بطول 14 كيلومترا وعرض 100 مترا، تمتد على طول الحدود بأكملها بين غزة ومصر. 

وكانت إسرائيل، التي احتلت قواتها غزة آنذاك، قد مُنحت السيطرة على الممر بموجب معاهدة عام 1979.

وفي وقت لاحق، بعد اتفاق فيلادلفيا عام 2005 وفك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة، سيطرت السلطة الفلسطينية على الممر. ثم أشرفت حماس على المنطقة منذ عام 2007.

وبالعودة إلى الوقت الحالي، في شهر يناير/ كانون الثاني 2024، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن "إسرائيل يجب أن تعيد احتلال الممر". 

وأضاف أن "ممر فيلادلفيا يجب أن يكون في أيدينا وأن يصبح منطقة مغلقة. ومن الواضح أن أي ترتيب آخر لا يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه".

مواجهة مستبعدة

في إطار هذه الأحداث، من جانبها، ردت الحكومة المصرية بإعلانها أن "إعادة احتلال الممر سيشكل انتهاكا لمعاهدة السلام".

وبحسب جاويدة سياجي، المحامية الدولية، فإن احتلال إسرائيل لممر فيلادلفيا وأي نشر لمركبات مدرعة في هذه المنطقة سيشكل "انتهاكا صارخا" لمعاهدة السلام.

وفي حديث لها مع "ميدل إيست آي"، قالت: "سيعد ذلك احتلالا غير قانوني لهذا الشريط الضيق من الأرض".

ويشاركها هذا الرأي مهند صبري، الخبير والكاتب المتخصص في شؤون سيناء، حيث يرى أن "إعادة الاحتلال ستشكل (انتهاكا صارخا) للبنود الأمنية للمعاهدة".

ورغم ذلك، يعتقد المتخصص في سيناء أنه "حتى لو انتهكت إسرائيل المعاهدة، فمن غير المرجح حدوث مواجهة عسكرية كاملة مع مصر".

وبحسب الموقع، وكما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، فإن "معاهدة السلام لن يُتخلى عنها وستظل كما هي".

وبالمثل، يؤكد جوست هيلترمان، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، أن تعليق المعاهدة "لن يحدث".

ويضيف هيلترمان أن "التصريحات المتناقضة في وسائل الإعلام مخصصة للاستهلاك العام. وما يهم هو ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، في اجتماعات التنسيق الاستخباراتي في القاهرة والعواصم الأخرى".

ووفق التقرير، من وجهة نظر المحلل السياسي، فإن "العلاقات بين إسرائيل ومصر لا تزال قوية، على الرغم مما يحدث في غزة".

وفي مواجهة الغزو الإسرائيلي لغزة، يقول مهند صبري، إن "مصر لم تفعل أي شيء تقريبا على الرغم من مقتل ما يقرب من 30 ألف فلسطيني والتهجير القسري لمئات الآلاف الآخرين على حدودها".

موضحا أن مصدر القلق الرئيس لمصر بشأن الهجوم على رفح هو "التدفق الهائل للفلسطينيين، وليس القلق بشأن السلام مع إسرائيل".

ويضيف صبري: "إن إعادة احتلال رفح، بممر فيلادلفيا أو بدونه، لم يكن مرفوضا في حد ذاته، وإنما هو مقبول في ظل ظروف معينة بالنسبة للنظام المصري".  

جدار خرساني

بالنسبة لمصر والولايات المتحدة، يشير موقع "ميدل إيست آي" إلى أن "أي هجوم إسرائيلي على رفح، حيث يُقال إن أربع كتائب تابعة لحماس تتمركز، يمكن التسامح معه شريطة أن يتمكن المدنيون الفلسطينيون من الاحتماء بأمان تام".

وفي رأي الموقع، أن السؤال الملح بالنسبة لمصر والمجتمع الدولي هو "إلى أين يمكن للفلسطينيين أن يهربوا إذا غزت إسرائيل رفح؟"

وبهذا الشأن، يلفت الموقع الأنظار إلى "بعض الدلائل التي تشير إلى أن مصر تستعد لتدفق اللاجئين".

حيث صرحت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، يوم الأربعاء 14 فبراير/ شباط 2024، بأن "السلطات المصرية تعد منطقة عازلة بطول 10 كيلومترات لاستيعاب الفلسطينيين النازحين".

كما قال المقاولون في المشروع للمنظمة الحقوقية إن "العمل يجرى تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ومن المتوقع الانتهاء منه خلال عشرة أيام".

وبحسب ما ورد عن الموقع، فإن صور الأقمار الصناعية، التي نُشرت يوم الخميس 15 فبراير/ شباط 2024، تظهر بناء جدار خرساني على طول الحدود. 

وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "السلطات المصرية كانت تبني "مجمعا مسورا" تبلغ مساحته حوالي 20,719 كيلومترا مربعا لاستيعاب ما يصل إلى 100,000 فلسطيني".

وبحسب الصحيفة، فقد سُلم عدد كبير من الخيام إلى الموقع.

وأكد مصدر عسكري لـ "ميدل إيست آي" -شريطة عدم الكشف عن هويته- "المعلومات الواردة من مؤسسة سيناء". لكنه نفى في الوقت نفسه أن "مصر ستقبل تدفقا هائلا للفلسطينيين".

ووفق الموقع، يوضح المصدر أن البناء يهدف إلى "إنشاء منطقة مركزية عازلة للحد من تسلل المقاتلين إلى سيناء والاستعداد للأسوأ".

إضافة إلى أنه أشار إلى أن هذه الخطوة ليست جديدة، وأن منطقة مماثلة أُنشئت عقب حرب مصر عام 2014 ضد الجماعات المقاتلة في شمال سيناء. 

ولفت المصدر إلى أن "الجديد هو تأمين الموقع بجدران أعلى وتركيب أبواب دخول وخروج محمية بشكل جيد".

ولكن وفق ما ذكره الموقع، فإن مهند صبري، المتخصص في شؤون سيناء، يرى أن "هناك مؤشرات واضحة للغاية على أن مصر توصلت بالفعل إلى اتفاق شبه نهائي لاستقبال الفلسطينيين من غزة، سواء جزئيا أو كليا". قائلا إن "الأيام المقبلة هي ما ستكشف عن الحقيقة". 

"أحداث 2008"

بالعودة إلى يناير/ كانون الثاني عام 2008، يشير "ميدل إيست آي" إلى تعرض مصر بالفعل لتدفق الفلسطينيين من غزة. 

حيث واجهت غزة أزمة إنسانية ناجمة عن الحصار الإسرائيلي للقطاع، والتي تفاقمت بسبب إغلاق مصر لمعبر رفح الحدودي.

وردا على ذلك، يذكر الموقع أن الفلسطينيين دمروا جزءا من السياج على طول الحدود، ما سمح لعدد كبير من سكان غزة بالعبور إلى مصر بحثا عن الغذاء والضروريات الأساسية.

وفي ذلك الوقت، كان حسني مبارك، رئيس مصر آنذاك، قد أمر قواته بعدم مهاجمة الفلسطينيين.

وأوضح المصدر العسكري، الذي لم يكشف عن هويته، لـ "ميدل إيست آي" أنه "نظرا للوضع المتوتر للغاية، تتخذ مصر جميع الإجراءات اللازمة وتدرس جميع السيناريوهات".

لافتا إلى أن "الدولة لا تريد أن تسترجع أحداث عام 2008، عندما أدت الفوضى في قطاع غزة إلى دخول مئات الأشخاص إلى مصر بدون أوراق وبدون شيكات، مما يعرض حياتهم وأمن مصر للخطر".

وبحسب الموقع، يقول المصدر إن "القاهرة تدرك أن الفلسطينيين سيهربون شمالا أو إلى مصر إذا هاجمت إسرائيل رفح".

ويضيف: "يمكن أن تكون هذه المنطقة قيد الإنشاء مكانا آمنا للسلطات المصرية من جانب لمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين، وللشرطة المصرية من جانب آخر للتحقق من وثائق الهوية".

ويؤكد المصدر العسكري المجهول على أن "القلق الرئيس للحكومة المصرية هو تسلل المقاتلين الذين يمكنهم العمل من سيناء واستهداف إسرائيل، مما يعطي الإسرائيليين سببا للانتقام".

وبشأن العلاقات بين مصر وإسرائيل، أوضح مهند صبري أنه "لا يوجد ما يشير إلى زعزعة كبيرة في العلاقات منذ اندلاع الحرب على غزة".

وشدد على حقيقة أن "مصر امتثلت حتى الآن لجميع الشروط الإسرائيلية". فعلى سبيل المثال، امتثلت مصر لطلب الكيان المحتل فيما يخص "عدم إرسال مساعدات مباشرة إلى غزة وعدم كسر الحصار". 

ونتيجة لذلك، أُرسلت المساعدات عبر نيتسانا والعوجا (40 كيلومترا جنوب رفح) لتُفحص أولا من قبل الإسرائيليين، الذين يقررون بعد ذلك ما إذا كان ينبغي تسليم المساعدات أم لا. 

وبنفس الشكل، يلفت صبري إلى "ضرورة موافقة إسرائيل على أسماء المصابين الفلسطينيين، وكذلك الأشخاص العاديون، قبل إجلائهم إلى مصر".

وفي إشارة إلى ما كشفه موقع "ميدل إيست آي" عن أن "شركة مرتبطة بجهاز المخابرات تتقاضى من الناس آلاف الدولارات من المنظمات الإنسانية لتوصيل المساعدات إلى المدنيين في غزة"، يؤكد المتخصص في شؤون سيناء أن "الشيء الوحيد المؤكد الذي فعلته مصر هو الاستفادة من شحنات المساعدات وعمليات النقل".

الكلمات المفتاحية