قيس سعيد يطلق حربا ضد منصات التواصل الاجتماعي.. لماذا يخشى من المدونين؟ 

تونس- الاستقلال | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، يواصل نظام الرئيس التونسي قيس سعيد اتخاذ قرارات وإجراءات ووضع قوانين من شأنها فرض مزيد من القيود على حرّية الرأي والتعبير والإعلام.

وآخر هذه الإجراءات بلاغ مشترك صادر عن وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال في تونس، في ساعة متأخرة من ليل 23 أغسطس/آب 2023، أعلنت فيه عن متابعة أصحاب صفحات على منصات التواصل الاجتماعي قالت إنها "تضر بالأمن العام ومصالح الدولة التونسية وتسعى لتشويه رموزها".

هذا البلاغ جاء بعد وقت قصير من اجتماع عقده سعيد مع الوزراء الثلاثة لمناقشة الموضوع، وفي وقت تزداد فيه القبضة الأمنية شدة بملاحقة المعارضين السياسيين والناشطين والمدونين والزج بالعديد منهم في السجن.

تكميم الأفواه 

في اجتماع ضمّ وزيرة العدل ليلى جفال ووزير الداخلية كمال الفقي ووزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي وعددا من الإطارات الامنية، أشار قيس سعيد إلى أن التهديد بالقتل وهتك الأعراض وبث الشائعات والسب والشتم لا علاقة له لا بحرية التفكير والتعبير.

وبحسب بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية، بحث سعيد ما أسماه الجرائم السيبرانية ودور الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية، داعيا إلى ضرورة التنسيق مع عدد من الدول لـ "وضع حدّ لهذا الانفلات الواقع على صفحات التواصل الاجتماعي".

وأكد في نفس اللقاء يوم 23 أغسطس/آب 2023 على أنه "لا تراجع في مواجهة هذا الانفلات عن هذه الحريات أو غيرها كما يشيع ذلك أصحاب بعض المواقع التي توصف بأنها اجتماعية".

وعقب الاجتماع، أعلنت وزارة الداخلية في بلاغ أصدرته عن إجراءات جديدة متعلقة بما تصفه بـ"الجرائم الإلكترونية" المتعلقة أساسا بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وجاء في البلاغ أنها "أثارت تتبعات جزائية للكشف عن هوية مستغلي الصفحات والحسابات والمجموعات الإلكترونية التي تعتمد المنصات لإنتاج وترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار وبيانات وشائعات كاذبة أو نسبة أمور غير حقيقية".

وبين أن أولئك يلجأون إلى تلك الأساليب "بهدف التشهير وتشويه السمعة أو الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام والسلم الاجتماعي ومساس مصالح الدولة التونسية والسعي إلى تشويه رموزها".

ويصر الرئيس التونسي منذ فترة طويلة على مهاجمة مواقع التواصل الاجتماعي وروادها، ويحمّلها مسؤولية بث الشائعات واستهداف مؤسسات الدولة ورموزها، في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية وتشهد الأسواق التونسية فقدان عدد من المواد الأساسية وارتفاع غير مسبوق للأسعار.

وتجمع أجهزة الدولة التونسية بعد انقلاب 25 يوليو 2021 على رفض أي انتقادات تتوجه لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع بعدد من الوزراء إلى رفع دعاوى قضائية لملاحقة مدونين وصحفيين.

ففي 26 أغسطس 2023، قالت وزارة الخارجية التونسية إنها تتعرض لما سمتها "هجمات مشبوهة وحملات مغرضة" تستهدف عددا من بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية على مواقع التواصل الاجتماعي، محذرة مرتكبي هذه الأفعال من متابعتهم قضائيا.

وفي بيان نشرته عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، أكّدت الوزارة أنها "لن تسمح لأن تكون هذه المواقع المفتوحة ساحة للإساءة إلى رموز الدولة ومسؤولي الوزارة وموظفيها"، محذرة من أن "كل من يعمد إلى فعل ذلك يضع نفسه تحت طائلة القانون والتتبعات الجزائية".

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، دعا فاخر الفخفاخ محافظ صفاقس السابق (شرق البلاد) رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى حظر موقع فيسبوك بعد احتجاجات شهدتها المدينة نتيجة تدهور الوضع البيئي فيها. 

عقوبات قاسية 

ويرى الحقوقيون في تونس أن وضع الحريات دخل مرحلة هي الأسوأ في تاريخ البلاد بعد صدور المرسوم الرئاسي رقم 54 في سبتمبر 2022 لمكافحة ما أسماه الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.

ويتضمن المرسوم الرئاسي 38 فصلا وعقوبات مشددة، إذ تنص المادة 24 منه بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى 16 ألف دولار، بتهمة نشر أخبار زائفة أو الإضرار بالأمن العام والدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.

وتحوّل هذا المرسوم إلى أداة قمع بيد السلطة التنفيذية تلاحق به المدونين والصحفيين، وتسبب في ملاحقة العشرات منهم في قضايا رأي والزج بالبعض منهم في السجن على ذمة عدد من القضايا.

ووفق اللجنة الدولية للحقوقيين فإن المرسوم يتيح "التحكم بما يقوله الأشخاص، في ما في ذلك السياسيون، والصحفيون، والمدافعون عن حقوق الإنسان، من خلال الرقابة، والعقوبات الجزائية، في انتهاكٍ للالتزامات القانونية لتونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية". 

ورغم موقف قيس سعيد الأخير من مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يعتمدها كوسيلة تواصل أساسية لمشاركة أنشطته ومختلف الرسائل التي يرغب في توجيهها لمؤيديه أو معارضيه.

وفي المقابل ومنذ توليه السلطة، لم يجرِ قيس سعيد سوى حوار إعلامي وحيد مع التلفزيون الرسمي التونسي، كان قد وعد به في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.

وفي حديث لـ "الاستقلال" رأى عضو المكتب السياسي لحزب العمل والإنجاز عدنان الكرايني أن "السلطة القائمة في تونس حاولت الحد من ممارسة حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي".

ولكنها لم تنجح في زرع الخوف في نفوس الناس، والمتصفح لموقع فيسبوك أو تويتر وغيرها يلاحظ منسوب الحرية والوضوح في المنشورات والتعاليق التي تعارض السلطة وتناوئها، وفق قوله.

وأضاف أن "طبيعة كل سلطة انقلابية أن تسعى للتضييق على الحريات ولكن غالبا تخيب مساعيها لأن فطرة الإنسان على الحرية تتغلب على كل الإجراءات القمعية، ومن اللحظات الأولى للانقلاب تصدى طيف واسع من التونسيين لتأثيرات الصدمة النفسية التي جعلت حرية التعبير على المحك.

ورأى الكرايني أن "المرسوم 54 وكل الإحالات على القضاء التي تمت على أساسه، وأخيرا البيان الثلاثي حول الصفحات التي تتناول أوضاع البلاد، يعد تحريضا مستمرا من قبل قيس سعيد على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقيم الحجة على أن للسلطة تخوفات حقيقية من مدى تأثير هذه المواقع على الرأي العام الوطني".

وأكد أن "البيان الثلاثي أظهر هشاشة السلطة في مواجهة صفحات فيسبوكية ولم يستطع إثبات عكس ما أوردته، فانبرى يهدد ويتوعد وهو يعلم يقينا أنه في مواجهة حقائق تقلقه جدا لأنها تكشف حقيقة إدارته للبلاد وحقيقة الوضع".

خوف وارتباك 

ولا تخفي السلطات في تونس تخوفها من تأجج الأوضاع واندلاع احتجاجات على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وفقدان عدد كبير من المواد الأساسية من الأسواق.

فالرئيس التونسي قيس سعيد يكرر في أكثر من مناسبة توجيه الاتهام لأطراف وصفها بالشبكات الإجرامية تريد أن تؤجج الأوضاع عبر إخفاء المواد الغذائية الأساسية، حسب وصفه.

وهو تخوّف جدي، حيث إن كل التحركات السابقة التي شهدتها البلاد منذ عام 2010 قد جرت الدعوة لها ومتابعتها وتغطيتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الأكثر استخداما في تونس مقارنة ببقية المنصات، وهو ما قد يفسر اختيار الرئيس التونسي له للتواصل مع التونسيين، والتحريض على مستعمليه وعلى الصفحات المهتمة بالشأن السياسي فيها.

ووفق دراسة أجرتها منظمة "ميديا نات" ونشرتها في يناير/كانون الثاني 2023، فإن تونس تحتل المركز الرابع من بين أكثر 10 دول إفريقية تستخدم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للعام 2022.

ويرى الناشط السياسي طلال عياري في حديث لـ "الاستقلال" أن "هذه الإجراءات المتتالية من قبل السلطة تؤكد وجود خوف حقيقي لدى السلطة من نجاح المعارضة بالتأثير على الرأي العام.

فالمعارضة في الفضاء العمومي حققت نتائج جيدة حيث إن كل التحركات التي حصلت بعد الانقلاب كان منطلقها من مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف: "التضييقات الحاصلة لها علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية المتوقعة نهاية العام 2024، فأغلب الشخصيات السياسية التي من الممكن أن تكون منافسا جديا لقيس سعيد في هذه الانتخابات جرى اعتقالها والزج بها في السجون".

كما جرى التضييق على وسائل الإعلام التقليدية والسلطة تريد أن تضع حدا لكل الأصوات الناقدة لها على مواقع التواصل، وفق قوله.

ورأى الناشط السياسي التونسي أن "السلطة نجحت نسبيا في الترويج لمناخ يتميز بالخوف والخشية من الملاحقة الأمنية بسبب التدوين أو التعبير عن الرأي عبر مواقع التواصل، ولكن لا يزال هناك من يعبر عن رأيه وقناعاته ويواصل انتقاد السلطة القائمة رغم كل التهديدات". 

ويذكر أنه خلال حملته الانتخابية عام 2019، دعمت صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي قيس سعيد، وتحولت المجموعات الفيسبوكية إلى منطلق لفريق حملته الانتخابية في الجهات منذ مرحلة تجميع التوقيعات للترشح.

ووفق التقرير العام لمحكمة المحاسبات التونسية حول نتائج مراقبة الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 ومراقبة مالية الأحزاب، فإن هناك اختلافا في تعداد الصفحات التي استُعملت كأداة لتنشيط الحملة الانتخابية لكل مرشّح من بينهم قيس سعيد.