تويتر ماسك وثريدز زوكربيرغ.. منافسة حقيقية أم تكنيز للمال واستعباد للبشر؟

علي صباحي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تعج منصات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة بتفاعل كبير من قبل ملايين المستخدمين مع إطلاق الملياردير الأميركي مارك زوكربيرغ منصة "ثريدز" لسحب البساط من "تويتر" المملوكة لمواطنه الملياردير أيضا إيلون ماسك.

وتأتي هذه الخطوة في خضم منافسة شرسة متواصلة منذ 2016 بين الاثنين - اللذين يعدان من أغنى رجال العالم- على استعباد البشر وتوجيه أفكارهم وقيمهم وسرقة أوقاتهم لتحقيق أكبر المكاسب المادية الممكنة.

اللافت أن هذا الزخم الذي تفاعل معه غالبية الشعوب الفقيرة في ظل عدم إطلاق التطبيق الجديد بأوروبا، أسهم في وصول "ثريدز" إلى 83 مليون مشترك في أقل من يومين، ما يعني مكاسب بمليارات الدولارات لرجال لا يؤمنون أصلا بالإنسان ويمضون قدما لإحلال الآلة مكانه.

في المقابل، تواصل عديد من الجهات البحثية نشر دراسات علمية تفضح أضرار منصات التواصل الاجتماعي ودورها فيما بات يعرف بـ"العبودية الإلكترونية" التي تجلب للإنسان أمراضا كثيرة، في مقدمتها الإدمان والضغط النفسي والاكتئاب، مقابل منافع محدودة.

جبهة جديدة

بعد تكهنات استمرت أسابيع، أطلقت عملاق التكنولوجيا الأميركي، شركة "ميتا"، في 5 يوليو/ تموز 2023، تطبيقا حمل اسم "ثريدز"، يرتكز على المنشورات النصية، فيما عده الملايين منافسا حقيقيا لتطبيق "تويتر"، الذي كان المنصة الأكثر موثوقية في هذا المجال.

وبعد سويعات من إطلاقه، كتب رئيس ميتا، زوكربيرغ، في أول تدوينة له عن التطبيق: "لنبدأ الآن. أهلا بكم في ثريدز".

ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ومنصات إلكترونية أخرى، سجّل 10 ملايين شخص اشتراكهم في "ثريدز" في غضون 7 ساعات من طرحه.

وكان في مقدمة المشتركين، مشاهير عالميون مثل المغنية شاكيرا والممثلة جنيفر لوبيز، إضافة إلى وسائل إعلام دولية مثل "رويترز" و"واشنطن بوست" و"ذي إيكونوميست"، ومنصات إعلامية مثل "هوليوود ريبورتر"، و"فايس"، و"نتفليكس".

علما أن الوصول للتطبيق مقتصر على مئة بلد فقط حاليا في أميركا الجنوبية وإفريقيا وآسيا، في ظل القيود التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي بخصوص خصوصية البيانات الشخصية.

واعتمد "ثريدز" في انطلاقته على قاعدة المستخدمين الخاصة بتطبيق "إنستغرام" التي تتخطى ملياري حساب، ما وفر عليه تحديا مهولا وهو البدء من الصفر مثل بقية التطبيقات.

لذا قال مصدر في ميتا لوكالة "رويترز" البريطانية، في 6 يوليو 2023، إنه تم إرجاء إطلاق التطبيق في دول الاتحاد الأوروبي، حيث تخضع الشركة لـ"قانون الأسواق الرقمية" الذي يفرض قواعد مشددة على شركات الإنترنت الكبرى.

وإحدى هذه القواعد، وفق رويترز، تقيّد نقل البيانات الشخصية بين المنتجات المختلفة، كما هو الحال بين إنستغرام وثريدز، وسبق أن ضُبط زوكربيرغ من قبل الهيئات المنظمة الأوروبية وهو يقوم بذلك عندما اشترى تطبيق "واتسآب" من قبل "فيسبوك" عام 2014.

ويمكن للمستخدمين تسجيل الدخول إلي ثريدز بشكل مستقل، أو بواسطة بيانات دخولهم إلى إنستغرام ومتابعة الحسابات نفسها التي يتابعونها هناك.

لهذا لم يكن مستغربا أن ينجح ثريدز في أن يقف على مشارف 100 مليون مشترك في أقل من 48 ساعة، فيما لا يزال تويتر لم يتجاوز حاجز 400 مليون مشترك رغم مرور نحو 17 عاما منذ تأسيسه عام 2006.

ويشبه التطبيق الجديد تويتر إلى حد بعيد، فهو يتيح وضع منشورات نصية قصيرة يمكن للمستخدمين الإعجاب بها وإعادة نشرها والرد عليها، لكنه لا يوفر خاصية إرسال رسائل مباشرة.

ويمكن أن يصل طول المنشور إلى 500 حرف، وأن يشمل روابط وصورا ومقاطع فيديو تصل مدتها إلى 5 دقائق.

صراع الأباطرة

من الواضح أن التقارير والتحليلات الدولية اجتمعت على أن زوكربيرغ استغل تخبط تويتر في ظل إدارة مالكه الجديد ماسك لإطلاق هذا التطبيق المنافس، ويأمل من ورائه أن يصبح قناة التواصل المفضلة للسياسيين والمشاهير والشركات والجهات الرسمية.

وبعد سيناريو دراماتيكي، أكمل ماسك في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، استحواذه على موقع تويتر، مقابل 44 مليار دولار، مدعيا في بيان الصفقة الضخمة أن الأمر بالنسبة له "لا يتعلق بالمال بل لخدمة الإنسانية".

وإلى جانب تويتر، يمتلك ماسك الذي تبلغ ثروته نحو 245 مليار دولار، الشركتين العملاقتين في مجاليهما "سبيس أكس" لإطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية و"تيسلا" للسيارات الكهربائية.

بينما زوكربيرغ البالغة ثروته 103 مليارات دولار، فيمتلك إلى جانب ثريدز، أشهر مواقع التواصل الاجتماعي عالميا وأكثرها تفاعلا، وهي فيسبوك، وإنستغرام، وواتسآب، ويمتلك كل واحد من الثلاثة أكثر من ملياري مستخدم.

و"ثريدز" ليس الخلاف الأول بين قطبي التكنولوجيا الأميركيين، بل إن الصراع بينهما بدأ منذ سنوات، حين أطلقت شركة سبيس إكس المملوكة لماسك في 2016 صاروخا من نوع "فالكون 9" كان يحمل القمر الصناعي "عاموس 6" الخاص بفيسبوك، والذي صُرِف عليه 195 مليون دولار ضمن تجربتها لنشر الإنترنت في المواقع النائية بقارة إفريقيا.

وأثناء تجربة اعتيادية لإطلاق القمر الصناعي انفجر، ما تسبب في خيبة أمل كبيرة لزوكربيرغ، الذي عبر عن ذلك أكثر من مرة محملا ماسك مسؤولية ما حدث.

وفي عام 2017، انتقد ماسك علنا زوكربيرغ حول آرائه في الذكاء الاصطناعي الذي يدعمه الأخير بشدة ويحاول صناعة عالم "الميتافيرس" الافتراضي ليعيش فيه البشر، وذلك رغم أن ماسك نفسه يمتلك شركة "نورالينك" التي تجري اختبارات لزرع شرائح ذكية في أدمغة البشر.

كما انتقد ماسك في أكثر من مناسبة سياسات واتسآب وفيسبوك، واتهم التطبيقين بالتجسس وسرقة البيانات الشخصية.

لدرجة أنه طالب في تغريدة عبر تويتر عام 2021 من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بحذف "واتسآب" واستخدام تطبيق "سيغنال"، وهو تطبيق مراسلة يوفر حماية للبيانات الشخصية.

ولم يكتفِ الثنائي الأميركي بتنافسهما في قائمة أغنياء العالم، أو امتلاك شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر تأثيرا، لكنهما قررا نقل المنافسة إلى حلبة النزال الحقيقي.

فمع تداول أن شركة "ميتا" عزمها إطلاق منصة جديدة تنافس تويتر، رد ماسك بتغريدة في 21 يونيو/ حزيران 2023، انتقد فيها أن تكون كل منصات التواصل تحت سيطرة زوكربيرغ، ليحذره أحد المتابعين ساخرا بألا يتجاوز في حق مارك، لأنه يتدرب على رياضة الجوجيتسو القتالية.

فرد عليه ماسك قائلا: "أنا مستعد لخوض نزال في القفص إذا كان هو مستعدا".

وأخذ مالك "ميتا" الأمر بجدية، ليجيب عبر حسابه على إنستغرام قائلا: "أرسل لي الموقع"، وعندها اختار ماسك حلبة "فيغاس أوكتاغون" في مدينة لاس فيغاس الأميركية، لكن لم يُحدد موعد بعد للمواجهة.

ويشتهر زوكربيرغ بتدربه على رياضة الجوجيتسو، حيث يشارك في البطولات الخاصة باللعبة، وينشر لقطات من تدريبه بشكل مستمر عبر حسابه على إنستغرام، فيما يمارس ماسك بعض الفنون القتالية المختلفة.

ومع تلقي ماسك صفعة "ثريدز"، أرسل محامي تويتر أليكس سبيرو، رسالة إلى زوكربيرغ، بحسب عدة وسائل إعلام أميركية، بينها وكالة أسوشيتيد برس، اتهمه فيها بـ"الغش والتقليد". 

وقال المحامي إن زوكربيرغ قام "بتعيين موظفين سابقين في الشركة كانوا ولا يزالون يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى الأسرار التجارية وغيرها من المعلومات السرية للغاية لدى تويتر".

وكتب سبيرو في رسالته أن "ميتا كلفت هؤلاء الموظفين بتطوير تطبيق مقلِّد يسمى  (Threads، مدّعيا أن الشركة استخدمت أسرار "تويتر" التجارية وملكيتها الفكرية لتسريع تطوير تطبيق منافس.

وعلق ماسك على الرسالة قائلا: "لا بأس بالمنافسة، لكن الغشّ غير مقبول".

لكن المتحدث باسم "ميتا"، آندي ستون، أجاب في منشور على "ثريدز": "ما من أحد في فريق الهندسة الخاص بثريدز كان موظفا سابقا في تويتر".

ولاحقا، رد ماسك عبر "تويتر"، على إحدى التغريدات بشأن هل تطبيق ميتا الجديد يهدد تويتر قائلا: "ثريدز هو مجرد إنستغرام دون صور، وهو أمر لا معنى له، نظرا لأن الصور هي السبب الرئيس لاستخدام الأشخاص لهذا التطبيق".

وتابع في تغريدة أخرى تعليقا على إغلاق ميتا أي حساب في ثريدز ينشر أفكارا "مخالفة" لقيم المنصة: "تخيل لو كانت جميع وسائل التواصل الاجتماعي تحت إبهام زوكربيرغ".

استعباد البشر

ومع الحديث عن قيم وسياسات المنصات الإلكترونية، تجدر الإشارة إلى أنه مهما تمايز وتنافس ماسك وزوكربيرغ، إلا أن كليهما يجمعه الجشع والطمع في تحقيق أكبر قدر من النفوذ المادي والثقافي، دون أي رعاية لحياة الإنسان وبيئته وثقافته.

وهذا ما تثبته عديد من الدراسات الدولية والتجارب العلمية، ومنها دراسة نشرتها جامعة ستانفورد الأميركية في عام 2015، بعنوان "منصات التواصل الاجتماعي والأخلاق".

وتؤكد هذه الدراسة أن "ظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي الحديثة وتعامل الأشخاص فيها أكثر من تعاملهم مع بعض نشأ عنه معاناة نفسية كبيرة".

وأضافت أن هذه المنصات "تجعل الفرد يشعر دائما أنه على اتصال بمجتمع أكبر، لكن هذا التواصل السهل في نطاق البيئة الإلكترونية له جوانبه السلبية على الأخلاقيات والقيم".

ومن أبرز هذه التأثيرات، وفق الدراسة، تدهور التواصل المجتمعي، وإهمال الواجبات الأسرية، والإدمان، والتنمر، وانخفاض الإنتاجية، وقتل الإبداع، وتناقض الشخصية، وفضح الخصوصية، فضلا عن جرائم الإنترنت والاكتئاب، ونفاد الصبر، ومتلازمة السرعة.

وفي يوليو 2019، قدم عضو مجلس الشيوخ الأميركي، جوش هاولي، اقتراحا تشريعيا للحد من إدمان منصات التواصل الاجتماعي.

وكان يهدف المقترح إلى وضع إجراءات صارمة على الممارسات بمنصات التواصل التي تستغل نفسية الإنسان ووظائف الدماغ وتُعيق حرية الاختيار، ويمنع هذا الاقتراح خصائص أصيلة بمواقع التواصل مثل التصفح اللانهائي والتشغيل التلقائي.

وأوضحت الدراسة الأميركية أنه "لهذه الشبكات قوة لها أبعادها الاجتماعية بمقدار ما لها من قوة سياسية واقتصادية وثقافية، فتوجه المعلومات والعادات والتقاليد وفق رؤى مالكيها، وخلق قيم جديدة عند الحاجة".

وهذا ما يحدث حاليا في ملفات مثل الشذوذ الجنسي والاحتلال الإسرائيلي، سواء عن طريق فرض دعايا قسرية على المستخدم، أو حظر ومنع أي انتقاد أو تفاعل مضاد ولو كان فكريا فقط ضد رؤى الملاك وخوارزمياتهم، ما يعني حرفيا نهاية التعددية الفكرية التي يروجون لها بالأصل وإحلال نوع جديد من العبودية.

وعن هذه الجزئية، يقول الكاتب عامر القشي، إن "الناشط الحقوقي والثائر الأميركي مارتن لوثر كينغ قال إنه (لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا انحنيت) فهل هناك انحناء في مواقع التواصل الاجتماعي؟"

ويضيف في مقال بموقع "الجزيرة نت" في ديسمبر/ كانون الأول 2016: "نعم هناك انحناء في المبادئ وانحناء في الأخلاق وربما عمى مؤقت، ما يخلق عبودية إلكترونية تظهر عند كثيرين بشكل واضح وجلي".

ويتابع: "أصبح كثيرون يتعمدون الابتعاد عن شخص معين وعن تغريداته وعن نشرها كي لا يتعرض للحظر أو عدم النشر.. أليست هذه عبودية؟"

وخلص القشي إلى القول: "يقول توفيق الحكيم (عندما نُلغي الجوع ستلغي في نفس الوقت عبودية الإنسان للإنسان) وأقول جازما لو أن توفيق الحكيم لا يزال على قيد الحياة وعاصر تلك المواقع لما قال ما قال".

زاوية أخرى

فيما تشير دراسة علمية نشرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية منتصف 2015 إلى أن الدماغ يرغب في تفقد مواقع التواصل الاجتماعي مرة كل 31 ثانية.

كما حذرت دراسة أخرى من خطورة إدمان المراهقين على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك تجنبا لإصابتهم بالضغوط النفسية التي قد تقودهم إلى الأفكار الانتحارية.

وأكدت دراستان أخريان، أشارت إليهما الصحيفة أيضا، وجود صلة بين استخدام المراهقين وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعتين يوميا وبين قابليتهم لتعاطي المخدرات وإصابتهم بأمراض الاكتئاب.

ونقلت "بي بي سي" في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، عن منظمة "علاج الإدمان في المملكة المتحدة" (UKAT) إنها لاحظت زيادة قدرها 5 بالمئة في عدد الأشخاص الذين ينشدون المساعدة للعلاج من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

ويقول نونو ألبوكيركي، أحد المرشدين بالمنظمة: "لا ريب في أن المجتمع صار يعاني من اعتماد قوي على وسائل التواصل الاجتماعي، وشبكة الإنترنت بشكل عام".

ويضيف: "وقد أدى الوعي المتزايد بتلك المخاوف إلى إقلاع المزيد من الأشخاص، أو على الأقل إلى تقليص الوقت الذي يقضونه عليها".

ويتماشى هذا مع إعلان شركة ميتا نهاية 2022، أن "عدد المستخدمين اليوميين النشطين لمنصاتها انخفض للمرة الأولى في تاريخها".

كذلك سُربت نهاية 2022، وثيقة من تويتر تشير إلى أن الأشخاص الذين كانوا في السابق هم المستخدمون الأكثر نشاطا أضحوا ينشرون تغريدات أقل، ولم ينف تويتر دقة ذلك التسريب.

بل إن ماسك نفسه تساءل في أكثر من مناسبة: "هل تويتر بصدد الاحتضار؟"

فهل يصب هذا الزخم الكبير الذي تسبب ماسك وزوكربيرغ فيه، في إعادة ازدهار مواقعهما وزيادة التفاعل عليها من جديد، ما يسهم بصورة واضحة في زيادة الإعلانات ومن ثم الأرباح؟!