تحولات لافتة.. لماذا قررت واشنطن وبرلين الدفاع عن أباطرة غسل الأموال في أبوظبي؟

داود علي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على مدار السنوات الأخيرة، ارتبط اسم الإمارات بعمليات غسل الأموال والتهرب الضريبي، وبأنها "ملاذ آمن" لكبار رجال الأعمال الفاسدين حول العالم.

وأصبحت الإمارات تواجه عقبات متصاعدة، انتهت بإضافتها إلى ما يعرف بـ"القائمة الرمادية" لغسل الأموال، التابعة لـ"فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية" التي تتخذ من باريس مقرا لها، في 5 مارس/ آذار 2022.

وكانت التهمة الرئيسة أن الدولة الخليجية لديها "قصورا حادا" في معالجة الأموال غير المشروعة، لا سيما أن تلك القائمة تعني وجود خلل إستراتيجي في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة المحرمة دوليا.

وتكمن خطورة هذا التصنيف أنه وضع أبوظبي على بعد خطوة واحدة فقط من "القائمة السوداء" المرعبة لمجموعة العمل المالي، ما مثل ضربة كبيرة لسمعة أكبر مركز مالي في الشرق الأوسط، وهدد كذلك بإضعاف التصنيف الائتماني طويل الأجل للبلاد، رغم أن ذلك لم يحدث بعد.

وزاد من تعقيد الأزمة الإماراتية أنه في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بدأت بروكسل، تقديم مقترح للبرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي بإضافة الإمارات إلى قائمة الدول الثالثة بدرجة عالية من المخاطر، وهو ما يعني أنها ستكون في مرمى العقوبات الدولية.

لكن في الآونة الأخيرة، حدثت تحولات لافتة في وجهات بعض العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن وبرلين، بتقريرهم الدفاع الكامل عن الإمارات والسعي المحموم لرفعها من القائمة الرمادية وشطبها تماما "وكأن شيئا لم يكن".

اجتماع موريشيوس

في 21 يونيو/ حزيران 2023, نشرت مجلة "بوليتيكو" الإسبانية تقريرها عن استخدام العواصم الغربية، تحديدا واشنطن وبرلين وروما وأثينا، آليات دفاعية قوية لمساعدة الإمارات وحذفها من "القائمة الرمادية" لغسل الأموال.

وذكرت أنه "مع تغير الرياح الجيوسياسية، أصبحت الحكومات الأميركية والأوروبية تغض الطرف عن مشكلة غسل الأموال في الإمارات".

وقالت المجلة إن "هذه الدول على رأسهما أميركا وألمانيا تقوم بالضغط على المؤسسة الرقابة الدولية، ومقرها باريس، لكي تمنح علامة نجاح للإمارات، في مكافحتها لغسل الأموال، رغم الإشارات المستمرة أن البلد لا يزال ملجأ كبيرا للعقود غير الشرعية".

وأوردت أن "النقاد في وحدة التعاون الدولي، عبروا عن دهشتهم من رفض ممثلي الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا واليونان، معالجة مظاهر قلقهم، حسب أشخاص على معرفة بالأمر، وتجاهل كل الاتهامات والسلبيات الموجهة للحكومة الإماراتية". 

وأظهر اجتماع موريشيوس لوحدة مراجعة التعاون الدولي، الذي جرى في مايو/ أيار 2023، حجم التباينات والخلافات بين الشركاء الدوليين.

وكان بطل الاجتماع ممثل بلجيكا، ميشيل فيرفلويت، الذي قاد حملة رفض التوجه بشطب الإمارات من "القائمة الرمادية"، وذلك في ظل غياب التقدم الملموس في مكافحة عمليات غسل الأموال.

لكن ممثل بلجيكا اصطدم بصخرة ألمانيا، حيث أعلن وفدها لاجتماع موريشيوس أن على الوحدة اتخاذ قرارها بناء على المعلومات التي وفرتها لهم الإمارات، حتى لو شكوا في عدم دقة المعلومات.

الأكثر جدلية في الاجتماع أن وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، لم يرد على أسئلة الصحفيين ومنهم مراسل مجلة "بوليتيكو"، من أنه جرى التلاعب بالبيانات المقدمة إلى مجموعة العمل المالي للتقييم، من قبل الدولة محل الاتهام "الإمارات".

وعلى النسق الألماني، مضت وزارة الخزانة الأميركية التي رفضت بدورها التعليق على فكرة دفعها لشطب الإمارات من القائمة الرمادية، واكتفت بالتحفظ.

وجاء الدور على ممثل بنك إيطاليا، روبرتو أنغليتي، الذي يعمل رئيسا مشاركا لوحدة التعاون الدولي، وأعلن أنه سيوصي بزيارة ميدانية للإمارات، وهي الخطوة الأخيرة في عملية المراجعة التي تؤشر إلى شطب البلد من القائمة الرمادية.

وجاءت تلك الدفاعات الغربية عن الإمارات رغم أنها لم تلتزم بالمعايير التي طلبتها مجموعة العمل المالي من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما حدا لفرض تساؤلات عن أسباب ذلك الدفاع وسعي دول غربية لإنقاذ أبوظبي من أزمتها.

الدافع الألماني

لا شك أن الغزو الروسي لأوكرانيا، ترك عواقب وخيمة على أوروبا خاصة ألمانيا، باعتبارها قائدة الاتحاد وأكبر اقتصادات القارة، حيث أجبرت للبحث عن الطاقة من دول الخليج.

وفي 25 سبتمبر/ أيلول 2022، سافر المستشار الألماني، أولاف شولتز، إلى أبوظبي، ووقع صفقة غاز تساعد برلين على عبور موسم الشتاء بأقل خسائر ممكنة.

وهناك أعلن عن اتفاق واسع لتسريع أمن الطاقة والصناعة، بين ألمانيا والإمارات، وكذلك المساعدة في تطبيق عاجل لمشاريع المنارة الإستراتيجية والتركيز على الطاقة المتجددة والهيدروجين والغاز الطبيعي والتحرك في مجال التغيرات المناخية.

وفي تلك الزيارة، أبرمت عملاق البترول الإماراتي "أدنوك" اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال لشركة "آر دبليو إي" الألمانية.

وبموجبها قامت "أدنوك" بتصدير أول شحنة غاز طبيعي مسال إلى ألمانيا، لاستخدامها في التشغيل التجريبي لمحطة استيراد الغاز الطبيعي العائمة في مدينة برونسبوتل الألمانية، والتي كانت ستعتمد على الغاز الروسي لولا الحرب الأوكرانية، حسبما أورد موقع "دويتشه فيله" الألماني.

كما خصصت "أدنوك" وفقا للاتفاقية شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال لعدد كبير من العملاء الآخرين في ألمانيا.

ووقعت كذلك عددا من الاتفاقيات مع شركات "استياج جي إم بي إتش" و"أوربيس ايه جي"، لتصدير شحنات تجريبية من الأمونيا منخفضة الكربون، التي تعد وقودا ناقلا للهيدروجين يلعب دورا محوريا في الحد من الانبعاثات في القطاعات التي يصعب الحد من انبعاثاتها.

 وهي مسألة غاية في الحيوية لقطاع الصناعة الألماني الضخم والمعتمد بشكل رئيس على تلك المواد والشحنات، التي باتت الإمارات موردا أساسيا لها.

حينها كتب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد عبر حسابه على "تويتر" في 25 سبتمبر 2022 قائلا: "تجمعنا صداقة وثيقة وشراكة إستراتيجية متميزة مع ألمانيا الاتحادية.."

وأضاف "سعدت باستقبال المستشار شولتس لدفع هذه العلاقات قدما وتمكين النمو الاقتصادي المشترك والمستدام عبر تعزيز التعاون في مجالات ذات أولوية تشمل أمن الطاقة والحد من الانبعاثات والعمل المناخي".

وكشف موقع "الحرة" الأميركي في تقرير نشره في 22 يونيو 2023، أن ذلك الأمر كان سببا مباشرا في تعامل برلين بليونة في قضية "القائمة الرمادية" لغسل الأموال. 

الدافع الأميركي

وتحدث موقع "الحرة" أيضا أن لواشنطن رؤية خاصة لدعم الإمارات وإسنادها في أزمتها، إذ أرادت أن تظهر للسعودية التي أثبتت أنها شريك صعب لمواجهة الصين وإيران وروسيا، وأن لديها حلفاء أقوياء في الخليج وأهمهم الإمارات.

وفي 15 فبراير/ شباط 2023, التقى وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في واشنطن، لبحث سبل تطوير التعاون الثنائي في مجالات الأمن والمناخ والتبادل التجاري والاستثمار.

وفي تلك الزيارة التقى أيضا مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية وترقية الاستثمارات والتبادل التجاري بين البلدين.

حينها ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، أن الإمارات هي أكبر سوق للصادرات الأميركية في الشرق الأوسط، كما تسهم الشراكات الاقتصادية في توفير الوظائف وفرص الابتكار والنمو الاقتصادي في كلا البلدين.

لكن لا يمكن إغفال أن التقارب والتعاون الأميركي الإماراتي قائم على قاعدة من التباينات والخلافات من الصعب تجاهلها، والتي ترجح أن واشنطن ربما سعت في خطوتها الأخيرة تلك الخاصة بالقائمة الرمادية، ومساعدة أبو ظبي في محنتها أن تعبر ذلك الواقع من الأساس.

وفي 17 مايو 2023, نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريرها عن الجفاء مع الإمارات، وقالت إن "رئيس الإمارات يستحوذ على روسيا والصين ويختبر العلاقات الأميركية، بجعل بلاده أكثر قربا للمحور الشرقي".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن "واشنطن حذرت ابن زايد من التعاون الوثيق للغاية مع موسكو وبكين".

وأضافت أن "البيت الأبيض كان يتابع جهود الرئيس الإماراتي لتعزيز العلاقات مع ذلك المحور في السنوات الأخيرة".

وأشار المسؤول إلى أن "واشنطن أخبرت الإمارات بشكل قاطع أن التعاون مع روسيا والصين، خاصة في المجالين العسكري والاستخباراتي سيضر بالعلاقات معنا".

وتابع: "لذلك أوقف ابن زايد مشروع بناء قاعدة عسكرية صينية سرية قرب أبوظبي عام 2021 تحت ضغط من الحكومة الأميركية".

وأوردت الصحيفة أن "تعزيز العلاقات بين أبوظبي وبكين، كانت سببا في شكوك وقف بيع صفقة مقاتلات (إف 35) الحديثة للإمارات". 

وعارضت واشنطن كذلك استعانة الإمارات بشركة "هواوي" الصينية لبناء شبكة اتصالات.

وعلى الجانب الآخر، كتبت "وول ستريت جورنال" تقول إن "مسؤولين إماراتيين أعربوا عن شكوكهم في التزام واشنطن بتعهداتها منذ الهجمات على المنشآت النفطية السعودية وناقلات النفط في الخليج عام 2019".

واشتكى مسؤولون إماراتيون من تعامل واشنطن مع هجمات مليشيا "الحوثيين" على أبوظبي بالطائرات المسيرة والصواريخ في يناير/ كانون الثاني 2022، الأمر الذي عدوه "خطرا وجوديا".

وشددت "وول ستريت جورنال" على أن "ابن زايد أعرب خلال الحديث مع الرئيس جو بايدن في يوليو/ تموز 2022 عن خيبة أمله مما عده تخلي واشنطن عن ضماناتها الأمنية.

وذكر بأن "القوات الإماراتية كانت تحارب إلى جانب الأميركيين خلال 30 سنة".

ويرى مراقبون أن الموقف الأميركي الداعم للإمارات لإزالتها من القائمة الرمادية، قد يكون محل تجاوز تلك الخلافات والأزمات والسعي إلى مرحلة جديدة، تجذب فيها واشنطن الإمارات بعيدا عن محور خصومها سواء موسكو أم بكين.