إضعاف النفوذ.. هذه أهداف حملة إعفاءات واعتقالات مقربين من رئيس برلمان العراق

يوسف العلي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أثارت الإعفاءات والاعتقالات التي استهدفت عددا من الشخصيات التنفيذية بمحافظة الأنبار غرب العراق، العديد من التساؤلات بخصوص أبعادها في الوقت الحالي، لا سيما أن من شملتهم الحملة الحكومية هذه كلهم مقربون من رئيس البرلمان الحالي، محمد الحلبوسي.  

وخصوم الحلبوسي يتهمونه بأنه يسيطر عبر متنفذين بالحكومة على موارد المحافظات السنية المتضررة من سيطرة "تنظيم الدولة" عليها عام 2014 إلى 2017 (الأنبار، نينوى، كركوك، ديالى، صلاح الدين) والمناصب العليا المخصصة لها، ويستخدمها لأغراض سياسية وانتخابية.

هدر وفساد

ونالت حملة الحكومة أواخر يونيو/ حزيران 2023، رئيس صندوق إعادة إعمار المحافظات المتضررة من العمليات الإرهابية، محمد العاني، بإعفائه من منصبه، واعتقال مدير هيئة التقاعد في الأنبار، أنس ياسين، وثمانية من كبار موظفيه، بقضايا فساد مالي وتزوير المعاملات.

وقال المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، إنه "وضمن إجراءات الحكومة في تدقيق شبهات الفساد وسوء الإدارة في استثمار التخصيصات المالية لتقديم الخدمات للمواطنين، وبناء على التقارير الواردة وما توفر من معلومات، تشكلت لجان تدقيق وتحقيق انتهت بجملة توصيات تمت المصادقة عليها من رئيس مجلس الوزراء".

وأوضح العوادي خلال بيان له في 25 يونيو 2023 أن "التوصيات تتضمن إنهاء تكليف، محمد هاشم العاني، من مهام إدارة صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية، وتكليف سعد فيصل أمين الجبوري بمهام إدارة الصندوق بدلا عنه".

ونوه المتحدث بأن "الحكومة أعدت برنامجا تفصيليا لإجراء الإصلاحات الإدارية في الصندوق، وإعفاء الموظفين المقصرين أو المتلكئين، الذين تسببوا بهدر المال العام، وعدم تحقق الغرض المطلوب من الصندوق".

وبعد ذلك بيومين، أعلنت هيئة النزاهة العراقية (حكومية) في بيان لها اعتقال مدير هيئة التقاعد في محافظة الأنبار، أنس ياسين، للتحقيق في قضايا فساد، دون الإشارة إلى تفاصيل التهم أو مكان اعتقاله.

وفي 29 يونيو 2023، كشفت صحيفة "المدى" العراقية نقلا عن مصدر حكومي في الأنبار (لم تكشف هويته) عن اعتقال 8 من المتورطين بعمليات تزوير معاملات التقاعد والمتضررين جراء العمليات الإرهابية.

وأكدت الصحيفة أن "قوة أمنية قادمة من بغداد اعتقلت 8 من المتورطين بعمليات تزوير معاملات التقاعد والمتضررين جراء العمليات الإرهابية في عملية أمنية استهدفت مناطق مختلفة من مدينة الرمادي بعد صدور أوامر باعتقالهم من لجنة النزاهة الاتحادية".

وأشارت إلى أن "عملية الاعتقال جاءت بعد ساعات من اعتقال مدير دائرة تقاعد الأنبار واعترافه على عدد من مافيا التزوير في المحافظة، وأن لجنة النزاهة مسنودة بقوة أمنية عثرت على أختام مزورة ومبالغ مالية ضخمة عند مداهمتها منازل المستهدفين".

وفي 27 يونيو 2023، كشفت قناة "الشرقية" العراقية أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني يعتزم إجراء حملة مماثلة في يوليو/ تموز من العام نفسه، تشمل إعفاء قائد شرطة الأنبار، هادي رزيج، ومدير الاستخبارات في المحافظة، رايد فارس الخليفاوي، وعددا من الضباط الآخرين.

إضعاف النفوذ

وتعليقا على هذه الإجراءات، قال مصدر سياسي عراقي إن "رئيس الحكومة يسعى إلى إضعاف نفوذ الحلبوسي قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، ولاسيما أن هذه الشخصيات المقالة كانت تمده بالمال".

ولفت المصدر في حديث لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته إلى أن "عدم إضعاف الحلبوسي قبل الانتخابات المحلية يعني أنه سيهيمن مرة أخرى عليها، لأن كل لحظة بقاء تعني إعطاءه فرصة قوة له، وهذا ما لن يسمح به السوداني فهو يسعى إلى تقليص نفوذه".

من جهته، قال الكاتب العراقي، يحيى الكبيسي، خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 28 يونيو 2023 إن "رئيس الوزراء أصدر قرارا بإعفاء رئيس صندوق إعادة الإعمار، وهو من أتباع رئيس البرلمان، وعيّن بديلا له يتبع فاعلا سياسيا سنيا آخر".

وأوضح الكبيسي أن "القرار جاء في اليوم نفسه الذي تم فيه نشر قانون الموازنة العامة الاتحادية للأعوام 2023 ـ 2025 في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ، ولا يمكن حقيقة قراءة هذه الخطوة بعيدا عن الصراع المعلن بين رئيسي الوزراء والبرلمان، بل لا يمكن فهمها إلا على أن هذا الصراع قد دخل مرحلة كسر العظم بينهما".

وأوضح أن "هذا الصندوق كان أداة الحلبوسي الرئيسة ليس للاستثمار في المال العام وحسب، بل في رشوة الجمهور انتخابيا لمصلحة مرشحيه في انتخابات مجلس النواب التي جرت عام 2021، والذي لولاه لما استطاع أن يحصل على هذا العدد الكبير من المقاعد (حصل حزبه على 37 مقعدا)".

وتابع الكبيسي: "وهذا يعني أن خطوة إزاحة رئيس صندوق الإعمار من موقعه قبيل انتخابات مجالس المحافظات التي ستجرى في ديسمبر 2023، ستضعف الحلبوسي كثيرا، وتفقده الأداة التي كان يخطط لاستخدامها لتكريس سلطته المطلقة في الأنبار، وربما تكرار التجربة في محافظات أخرى".

ولفت إلى أنه "بعد إرسال مشروع قانون الموازنة العامة إلى مجلس النواب منتصف مارس/ آذار 2023، بات واضحا أن الصراع بين السوداني والحلبوسي لم يعد بالإمكان إخفاؤه، حين أراد الأول تمرير موازنة ثلاث سنوات وليس سنة واحدة، وهو ما رفضه الثاني لأنه يدرك أن ذلك سيحدُّ من الضغط على الحكومة، فضلا عن خلافات بينهما حول بنود الموازنة نفسها".

وفي 12 يونيو 2023، صوّت البرلمان العراقي على الموازنة المالية لثلاث سنوات دفعة واحدة، وذلك بعد أشهر من الخلافات والسجالات بين القوى السياسية حيال العديد من فقراتها.

انتزاع الهيمنة

وعلى الصعيد ذاته، قال السياسي والبرلماني السابق، مشعان الجبوري، إن "إنهاء تكليف أحد أزلام العجي (الطفل) من إدارة صندوق إعادة الاعمار ينتزعه من هيمنته حيث كان يتحكم بأمواله ومشاريعه ويوظفها لخدمة مصالحه الشخصية والحزبية"، في إشارة إلى الحلبوسي.

وأضاف الجبوري خلال تغريدة على "تويتر" في 26 يونيو 2023 أن "الخطوة الأخرى التي ننتظرها من دولة رئيس الوزراء هي توجيه هيئة النزاهة بفتح التحقيق في أوجه صرف ميزانيات الصندوق خلال السنوات الماضية ومحاسبة كل من تورط في سرقتها أو تبديدها".

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علاء مصطفى، عبر "تويتر" في 26 يونيو 2023، إن "صندوق الإعمار لم يكن أداة للاستثمار في المال العام فحسب، بل بتوظيفه انتخابيا".

وتابع: "وذلك عبر منح المشاريع للشخصيات المؤثرة وإطلاق حملات الإعمار في مناطق محددة تنسجم وطبيعة الشخصيات المرشحة للانتخابات ضمن قائمة الطرق المسيطر.. أما وقد تم تحييد الصندوق فإن العدالة الانتخابية ستتحقق هذه المرة".

وعلى الوتيرة ذاتها، كتبت الكاتبة هايدة العامري على "تويتر" في 28 يونيو 2023، نقلا عن مصادر في هيئة النزاهة (لم تسمها) إنها "وجدت في منزل مدير تقاعد الأنبار، أنس ياسين، ملايين الدولارات ومئات هويات التقاعد التي تتيح لحاملها سحب الرواتب التقاعدية وسيارات قيمتها تبدأ من 200 ألف دولار صعودا لمئات ألوف الدولارات".

من جانبه، أشاد القيادي في "تحالف الأنبار الموحد"، ضاري الدليمي، بقرار السوداني إبعاد العاني الذي وصفه بأنه "أحد أهم أذرع الفساد" لرئيس البرلمان عن رئاسة صندوق إعمار المحافظات المتضررة.

وقال الدليمي لوكالة "المعلومة" العراقية في 25 يونيو 2023، إن "مصادقة السوداني على إقالة رئيس صندوق إعمار المحافظات محمد هاشم العاني، يمثل قرارا صائبا، كون الأخير لديه الكثير من الشبهات عندما كان بمنصبه من خلال إحالة العديد من المشاريع إلى شركات غير رصينة تعمل لصالح الحلبوسي بصورة غير مباشرة".

وأضاف الدليمي الذي ينتمي إلى كيان سياسي ينافس حزب "تقدم" بزعامة الحلبوسي أن "الكل يعرف جيدا بأن العاني هو أحد أذرع الفساد التابعة لرئيس البرلمان، وقد سبق للسوداني أن طلب منه استبداله، إلا أن هذا لم يحدث، وبالتالي اضطر لإصدار قرار بإقالته"، فيما لم يصدر أي تعقيب فوري من الحلبوسي بخصوص هذه الاتهامات.

وتولى الحلبوسي (42 عاما) رئاسة البرلمان في 9 يناير/ كانون الثاني 2022، فهو أول من يعاد انتخابه رئيسا للبرلمان للمرة الثانية منذ عام 2003، وأصغر سياسي عراقي استطاع في غضون سنوات قليلة الدخول لعالم السياسة وحجز مكانة بارزة في المشهد، ولاسيما السني منه.

وفاز برئاسة البرلمان للمرة الأولى في عام 2018 واستمر حتى 2021، إذ جرت انتخابات مبكرة استجابة لمطلب المظاهرات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي انتهت باستقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إثر مقتل نحو 800 متظاهر وإصابة 30 ألفا آخرين برصاص القوات الأمنية والمليشيات الموالية لإيران.

وبين الحين والآخر يطرح موضوع إقالة الحلبوسي من منصبه، سواء من قوى سياسية سنية منافسة أو من بعض السياسيين والمحللين المحسوبين على الإطار التنسيقي الشيعي، والذي تكهن البعض أنه بعد إقرار الموازنة المالية ستبدأ مرحلة الإطاحة به من رئاسة البرلمان.