تغير الأولويات.. ما علاقة انسحاب الدنمارك من سوريا والعراق بتحركات روسيا؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل انخراطها في دعم أوكرانيا عسكريا لمواجهة الغزو الروسي، اتخذت الدنمارك خطوة تكتيكية لتعزيز جبهتها الداخلية وللرد على تحركات روسيا بالقطب الشمالي عبر إعلان سحب جميع قواتها من سوريا والعراق.

وأرجعت الدنمارك قرار سحب القوات، إلى "مواجهة التهديدات القريبة على حدودها"، علما أنها من أبرز الدول المتحمسة في أوروبا لإرسال أسلحة ثقيلة لكييف لصد الهجوم الروسي المتواصل منذ 24 فبراير/ شباط 2022.

مواجهة التهديدات

وفي 22 إبريل/ نيسان 2023، أفاد رئيس وحدة المراقبة الجوية في الجيش الدنماركي العقيد بجارك لومبورغ في بيان، بأن وزارة الدفاع قررت سحب جميع قواتها من المتخصصين العسكريين التابعين لها من العراق وسوريا.

وقال لومبورغ: "منذ عام 2016، شارك متخصصون دنماركيون في مراقبة المجال الجوي وإدارة العمليات الجوية في القتال ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا في عملية العزم الصلب التي تقودها الولايات المتحدة. والآن تم سحب المساهمة نتيجة تغير الاحتياجات والأولويات".

وبرر لومبورغ خطوة سحب الوحدة العسكرية الدنماركية وعودتها إلى موطنها في هذا التوقيت، بقوله: "يرجع جزئيا إلى أن تنظيم الدولة قد جرى تقليص حجمه بدرجة كبيرة بحيث لم تعد هناك حاجة لوجودنا، وجزئيا لأننا بحاجة إلى إعادة بناء القوة القتالية للتهديدات التي نراها بجوار منطقتنا".

وأوضح البيان أن مهمة القوات الدنماركية كانت "التأكد من تحديد هوية الطائرات المجهولة التي تتحرك في المنطقة -يمكن أن تكون روسية أو للنظام السوري.

وذلك لضمان فصل الحركة الجوية المدنية والعسكرية، ثم بالطبع تنفيذ مهام تتراوح بين التزود بالوقود والمراقبة وحماية القوات والقواعد المتحالفة ومهام الهجوم الفعلي".

والدنمارك عضو في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة منذ يوليو/تموز 2014 وكان لديها 300 جندي ومستشار عسكري في العراق وسوريا.

وكان العراق أعلن عام 2017 تحقيق النصر على تنظيم الدولة باستعادة كامل أراضيه، التي كانت تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد، إذ اجتاحها التنظيم صيف 2014، إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة ويشن هجمات بين فترات متباينة.

وفي مارس/آذار 2019 أعلنت واشنطن القضاء على تنظيم الدولة في سوريا، وجرى أسر نحو 8 آلاف عنصر من التنظيم والزج بهم في سجون خاصة بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا تديرها حليفة الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

رغم ذلك، فإن تقريرا صادرا عن مجلس الأمن الدولي في يناير/ كانون الثاني 2022، قد أشار إلى أن تنظيم الدولة قد "حافظ على قدرته على شن الهجمات بمعدل ثابت في العراق، بما في ذلك تنفيذ عمليات كر وفر ونصب الكمائن وزرع القنابل على جنبات الطرق، مع تركز نشاطه بشكل ملحوظ في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين".

وأضاف التقرير حينها أن التنظيم يستغل "سهولة اختراق الحدود" بين العراق وسوريا، وله "ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل في كلا البلدين حيث يشكّل خلايا ويدرب عناصر لشن الهجمات".

كما تنتشر خلايا تنظيم الدولة في سوريا قرب الحدود السورية العراقية حيث تسرح وتمرح في الصحراء الشاسعة، وسط محاولات دائمة لتجميع قواها وشن عمليات ضد قوات "قسد" وسجونها.

مراقبة عسكرية

وغير الهجوم الروسي على أوكرانيا المعادلات العسكرية للدول الأوروبية وزاد من مخاوفهما الأمنية ودفعها لزيادة الإنفاق العسكري عام 2022 بوتيرة سريعة غير مسبوقة لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة.

ولهذا فإن الدنمارك العضو في حلف شمال الأطلسي "ناتو" الذي تأسس عام 1949 لمواجهة الاتحاد السوفيتي، بدأت بتكثيف مراقباتها العسكرية في القطب الشمالي.

ويرى مراقبون عسكريون أن الوحدة الدنماركية المنسحبة هي متخصصة في مجال الدفاع الجوي، ولذلك فإن انسحابها من التحالف الدولي هو استكمال لانسحابها التدريجي منذ عام 2018.

 وهو يصب في خطة الاستثمار الدنماركية لتعزيز المراقبة العسكرية في غرينلاند وفي الدفاع عن القطب الشمالي وشمال الأطلسي منذ عام 2021، ولا سيما عقب غزو أوكرانيا.

وطالب سياسيون عام 2022 في غرينلاند التابعة للدنمارك من الحكومة الدنماركية أن تتعهد بإشراك غرينلاند في ميزانية الدفاع الوطني.

حيث شدد رئيس وزراء غرينلاند "ميت بي إيجي" أيضا على أهمية التنمية السلمية في منطقة القطب الشمالي، لا سيما في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا.   

وقد شهدت الحرب في أوكرانيا عودة التوترات الجيوسياسية الشديدة في منطقة القطب الشمالي، وقامت روسيا بتحديث بعض قواعدها العسكرية بالقرب من غرينلاند.

كما أن خطوة الدنمارك تتسق مع مراجعة "الناتو" لسياسته الدفاعية بسبب الحرب في أوكرانيا.

وأعلنت الدنمارك أنها عززت استعدادها العسكري ردا على الغزو الروسي الذي وصفته بـ "غير المقبول" لأوكرانيا من خلال وضع كتيبة تابعة لحلف شمال الأطلسي في حالة تأهب.

وكوبنهاغن داعم أساسي لكييف في حربها ضد موسكو، إذ أعلنت وزارة الدفاع الدنماركية في 20 أبريل 2023، أنها ستشتري مع هولندا 14 دبابة من طراز (ليوبارد 2إيه4") بقيمة 165 مليون يورو، لإرسالها إلى أوكرانيا.

وفي منتصف مارس/آذار 2023، أعلنت الحكومة الدنماركية، أنها ستؤسس صندوقا بقيمة مليار دولار لمساعدة أوكرانيا عام 2023 وحده، وذلك بعد اتفاق في هذا الشأن بين جميع أحزاب البرلمان تقريبا، وهو مشروع دعمه 159 من أعضاء البرلمان الـ179.

إستراتيجية "الناتو"

وبحسب وسائل إعلام أميركية، تتطلب إستراتيجية "الناتو" الجديدة من حلفائه في أوروبا عدم انتظار الدعم الأميركي في حالة وقوع هجوم روسي على بلدانهم.

وكانت كوبنهاغن أعلنت في فبراير/شباط 2021 عن استثمار بقيمة 1,5 مليار كورونة (200 مليون يورو) يشمل طائرات مراقبة مسيرة فوق غرينلاند، والأراضي الدنماركية المتمتعة بالحكم الذاتي، ومحطة رادار في جزر فارو.

وتهدف الخطة التي أشارت إلى زيادة النشاط الروسي في القطب الشمالي، إلى الرد على "الثقوب السوداء" في قدرات المراقبة الدنماركية في غرينلاند وشمال المحيط الأطلسي.

وسبق أن أفادت وزارة الدفاع الدنماركية أنها تخطط لتعزيز الاتصالات مع "جزر فارو" هذا الأرخبيل الواقع في شمال المحيط الأطلسي، في مجال الدفاع في منطقة القطب الشمالي، وذلك نظرا لأن الوضع الأمني في المنطقة خطير.

وهذه الجزر الدنماركية تتمتع بحكم ذاتي، وتبلغ مساحة الأرخبيل 1400 كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكان جرزه الـ18 نحو 50 ألف نسمة.

وقد كشفت وزارة الدفاع الدنماركية عن نواياها لتحصين الاتصالات المتعلقة بالدفاع مع جزر فارو، الواقعة في منطقة القطب الشمالي، في محاولة لمعالجة الوضع الأمني ​​غير المستقر في المنطقة.

والقطب الشمالي كان منطقة نفوذ لروسيا، وكثيرا ما دافع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن حق موسكو في تعزيز وجودها العسكري في أراضي هذا القطب.

والولايات المتحدة هي واحدة من ثماني دول تحيط بالقطب الشمالي إلى جانب كندا والدانمارك وفنلندا وآيسلندا والنرويج وروسيا والسويد، التي تتنافس جميعها حاليا على ملكية البحار المجمدة في المنطقة.

 وقد قدمت العديد من الدول بالفعل أوراقا رسمية إلى هيئة تابعة للأمم المتحدة تطالب بأجزاء من قاع البحر في منطقة القطب الشمالي الشاسعة.

ووفقا لموقع "لايف ساينس" العلمي، يمتلك القطب الشمالي احتياطيات ضخمة من النفط والغاز.

إذ يضم قاع البحر تحت المحيط المتجمد الشمالي ما يقدر بنحو 90 مليار برميل من النفط، أي ما يعادل حوالي 13 بالمئة من احتياطيات النفط غير المكتشفة في العالم.

فضلا عما يقدر بنحو 30 بالمئة من الغاز الطبيعي غير المستغل على كوكب الأرض، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

منع التوترات الداخلية

وفي أعقاب الكشف عن قيام روسيا على الأرجح بعمليات مراقبة سرية قرب "جزر فارو" التابعة للمملكة، دق زعيم حزب الشعب المحافظ الدنماركي "سورين بابي بولسن" ناقوس الخطر  ووصف الوضع بأنه غير مقبول.

ومضى يقول في تصريحات صحفية بتاريخ 24 إبريل 2023: "إنه لأمر مخيف أن الروس يحتمل أن يتجسسوا على أراضي المملكة".

وأضاف: "أريد حوارا وثيقا مع حكومات شمال الأطلسي على وجه الخصوص فيما يتعلق بالتسوية الدفاعية المقبلة".

واستدرك قائلا: "معا، يجب أن نضمن استمرار تنفيذ مهام الدفاع بشكل مرض في القطب الشمالي وشمال المحيط الأطلسي".

كما حذر مارتن ليديجارد، وزير الخارجية السابق، زعيم الحزب الاجتماعي الليبرالي الدنماركي، من أن نشاط المراقبة الروسية يمكن أن يؤجج التوترات الداخلية داخل المملكة.

لكن وفقا لما ذكرته دائرة الأمن بالشرطة النرويجية، فإن أجهزة الراديو الموجودة على السفن قادرة على إرسال واستقبال المعلومات، لذا تقوم السفن المدنية بوظيفة مزدوجة.

حيث يمكنها جمع ونقل المعلومات إلى موسكو، ولا سيما أن "جزر فارو" ما تزال تدافع عن صفقة الصيد مع روسيا، إذ تأتي ما يصل إلى خُمس الناتج المحلي الإجمالي السنوي لجزر فارو من صناعة صيد الأسماك.

وفي مثال على النشاط المشبوه، عبرت سفينة صيد روسية عام 2022 كابلين تابعين تحت الماء في إقليم سفالبارد الشمالي النرويجي بما لا يقل عن 130 مرة، قبل أن تتلف الكابلات في نهاية المطاف.

وأمام ذلك، تتطلع الدنمارك إلى تركيب رادار دفاع جوي جديد في جزر فارو لمراقبة شمال الأطلسي، والذي يغطي أيضا المجال الجوي لأيسلندا والنرويج وبريطانيا.

حيث جرى الإعلان عن هذه الخطوة خلال اجتماع عقد في شهر إبريل/نيسان 2023 بين وزير الدفاع الدنماركي ترولز لوند بولسن ووزير خارجية جزر فارو هوغني هويدال .

وسيكتشف نظام الرادار الجديد التهديدات في منطقة 400 كيلومتر (248 ميل)، وهو يمثل وفق "بولسن" مساهمة كبيرة في أمننا المشترك".

كما يعد الاستحواذ والتركيب جزءا من خطة الإنفاق في القطب الشمالي الدنماركية التي جرى تمريرها مطلع عام 2023 والتي ستبلغ ميزانيتها الإجمالية 56 مليون دولار.