"ترويج ممنهج".. كيف توظف إسرائيل زلزال تركيا لتحسين صورتها أمام العالم؟

منذ اليوم الأول لوقوع زلزال تركيا المدمر في 6 فبراير/شباط 2023، عرضت إسرائيل المساعدة في إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض، ضمن محاولة لـ"تبييض" صورتها السوداء أمام العالم كقوة احتلال تمارس انتهاكات وجرائم يومية في الأراضي الفلسطينية.
وتذكر مشاهد استخراج ضحايا زلزال تركيا من تحت الركام بصورة مشابهة تسببت فيها إسرائيل في قطاع غزة عبر العدوان المستمر وعدة حروب شنتها على المنطقة المحاصرة منذ أكثر من 15 سنة.
وشنت إسرائيل حروبا على غزة وهجمات دموية أعوام 2008-2009، 2012، 2014، 2021، 2022، قتلت وجرحت فيها الآلاف، من بينها عائلات كاملة جرى مسحها من السجل المدني بعد هدم منازلها فوق رؤوسها.
بل تلك الجرائم طالت الأتراك أنفسهم، كما حدث مع قافلة "أسطول الحرية" عام 2010، إذ كانت سفينة "مافي مرمرة" التركية في طريقها إلى قطاع غزة لفك حصاره، قبل أن تهاجمها قوات الاحتلال وتقتل 10 مواطنين أتراك كانوا على متنها.
وهذه السفينة التي أقلت على متنها نحو 750 ناشطا حقوقيا وسياسيا من 37 دولة أبرزها تركيا، حملت مساعدات إنسانية لإغاثة المحاصرين في قطاع غزة، لكنها تعرضت لاعتداء وحشي من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
تحرك مفضوح
وفي تحرك مفضوح يبتغي منه تبييض صورته، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 6 فبراير/شباط 2023، أن تل أبيب تعمل على إرسال مساعدات عاجلة لمساعدة الأتراك والسوريين بعد الزلزال المدمر.
وضرب الزلزال في ذات التاريخ فجرا، تركيا وسوريا وبلغت قوته 7.4 درجات على مقياس ريختر، مخلفا خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات في البلدين.
وخلال تصريحات من مستشفى قرب تل أبيب، قال نتنياهو: "خلال الساعات الماضية وقع زلزال عنيف للغاية في تركيا، أثر أيضا على مناطق أخرى، أمرت بإرسال فرق إنقاذ ومساعدات طبية، بناء على طلب الحكومة التركية".
وفي بادرة نادرة حيال دولة عربية تناصبها إسرائيل العداء، في إشارة إلى النظام السوري المدعوم من إيران، قال نتنياهو إننا "مستعدون لتقديم المساعدة لضحايا الزلزال في سوريا أيضا، وبما أنه تم استلام طلب لمساعدة المنكوبين السوريين فأوعزت بالقيام بذلك أيضا".
ولم يفصح نتنياهو عن الجهة التي تقدمت بالطلب المتعلق بتقديم مساعدات لسوريا.
لكن التصريحات أثارت شكوكا حول مصداقيتها، خاصة أن تل أبيب تواصل قصف أماكن في البلد المذكور، بحجة "مكافحة التهديد" القادم من إيران وحليفه النظام السوري.
ونفى مصدر رسمي من النظام سوري لوسائل إعلامية "مزاعم المسؤولين الإسرائيليين التي تتحدث عن طلب تقدمت به دمشق من الكيان الإسرائيلي للمساعدة في أعمال الإغاثة".
وقال المصدر بحسب ما نقلت صحيفة "وطن" الموالية لنظام بشار الأسد إن "كل ما ينشر في وسائل إعلام العدو لا يتعدى كونه حملة دعائية لرئيس وزرائه".
وتساءل: "كيف لسوريا أن تطلب المساعدة من كيانٍ قتلَ وشارك في قتل السوريين طوال العقود والسنوات الماضية".
وضمن تحركات إسرائيل، هاتف وزير الخارجية إيلي كوهين، نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، وقدم له التعازي في أعقاب الهزات الأرضية الشديدة التي ضربت بلاده.
الحديث عن المساعدات لم يقتصر على المستوى السياسي، إذ أعرب وزير الجيش الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن استعداد دولته تقديم المساعدة لتركيا إثر الزلزال.
وفي اتصال هاتفي أجراه مع نظيره خلوصي أكار، بحسب تغريدة نشرها يوم وقوع الزلزال، قال غالانت: "بعد الكارثة التي حلت بتركيا أجريت محادثة مع وزير الدفاع التركي للتعبير باسم المنظومة الأمنية عن حزني العميق".
وأوضح أن "القوات الأمنية الإسرائيلية في حالة تأهب واستعدت لتقديم جميع أشكال المساعدة اللازمة للشعب التركي في جهود البحث والإنقاذ".
ولاحقا، أوضح بيان صادر عن مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في 8 فبراير، أن فريقا مكونا من 230 شخصا وصل إلى تركيا لإنشاء مستشفى ميداني في منطقة الزلزال.
وأضاف أن الفريق يضم أفرادا من فرق البحث والإنقاذ وأطباء وممرضين ومسعفين.
وفي وقت لاحق، ذكر مصدر دبلوماسي في السفارة الإسرائيلية بأنقرة لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية، أن عدد أفراد فرق الإغاثة التي وصلت إلى تركيا بلغ 450 عنصرا.
وبينت الوكالة أن "الفرق الإسرائيلية أنقذت حتى الآن 4 أشخاص بينهم أطفال من تحت الأنقاض".
تحسين الصورة
المختص في شؤون الدعاية، حيدر المصدر، يرى أن "ما يفعله جيش الاحتلال من توثيق لعمل فرق إغاثة تابعة له في المناطق المتضررة من الزلزال، هي جهود تندرج تحت إطار الدبلوماسية الرقمية الناعمة".
وبين أن تلك التحركات تقع ضمن "جهود اتصالية ممنهجة لترويج صورة إنسانية عن إسرائيل عبر استغلالها أحداث وكوارث لترويج نفسها ككيان إنساني يشعر بالآخر ويقدم المساعدة له، وفق ما قال المصدر لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" في 8 فبراير 2023.
ويرى أن هذه دبلوماسية قديمة يشترك فيها أكثر من مكون رسمي وغير رسمي، منها الجيش تحت إطار ما يسمى "الهاسبارا 2"، وهي حملات إلكترونية يقودها ضباط الاستخبارات والأمن السيبراني.
وHasbara أو هاسبارا تعبير يستخدم في تل أبيب للدلالة على البروباغندا التي تستهدف جمهور ما وراء البحار، بهدف "إفهام العالم بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وخلق حالة وعي جماعي متضامن معها ومكافحة الدعاية المناهضة لها".
وتسعى "هاسبارا" إلى تفسير سياسات وأعمال الحكومة الإسرائيلية لتصدّر إلى المجتمع الدولي وخاصة الغرب، معلومات وصورا إيجابية عنها، في المقابل تصوّر العرب وخاصة الفلسطينيين بطريقة سلبية.
ورأت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 6 فبراير 2023، أن "التحرك الإسرائيلي سيكون مهما لإظهار تضامن إسرائيل أمام الشعب التركي، من خلال مساعدة النازحين وبث صورة إيجابية للعلاقات في المنطقة، فضلا عن التعايش من النوع الذي تصوره اتفاقيات أبراهام (التطبيعية مع دول عربية)"، على حد قولها.
وأعلنت إسرائيل أن بعثة مشتركة للجيش الإسرائيلي ووزارة الصحة توجهت إلى تركيا لإقامة وتشغيل مستشفى ميداني في المناطق المنكوبة وأطلقت على الفريق اسم "غصن الزيتون"، في محاولة لـ"أنسنة" هذا التحرك.
و"غصن الزيتون" هي كلمة شهيرة جاءت ضمن خطاب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1974 في الأمم المتحدة، وتشير إلى السلام، عندما خير العالم بينه وبين البندقية، قائلا: "لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
وعلق سفير فلسطين لدى جمهورية غينيا وسيراليون، ثائر أبوبكر، بالقول: "في الكوارث الطبيعية البُعد الإنساني هو الأساس وقد رأينا دولا تعاملت بناء على هذا المبدأ لا غير، ولكن الذي لفت انتباهي، أن الكيان المصطنع إسرائيل حتى في هذه الظروف أبت إلا أن تمارس هوايتها بالسرقة فكان عنوان حملتها غصن الزيتون".
وأردف عبر تغريدة على تويتر في 9 فبراير، "للعلم لا علاقة لهم بالزيتون لا من قريب ولا من بعيد، وهو شعار الفلسطيني للتمسك بأرضه مثلما حاولت مضيفاتهم سرقة الزي العربي والمأكولات العربية والخ، سيبقى كيان مسخ للأبد".
1: #إسرائيل_تمارس_حرفتها_بالسرقة حتى في #زلزال_ترکیا_وسوريا في الكوارث الطبيعية البُعد الإنساني هو الأساس وقد رأينا دول تعاملت بناء على هذا المبدا لاغير مثل السعودية بلد الخير والاردن والجزائر ومصر وفلسطين وغيرها من الدول ولكن الذي لفت إنتباهي
— Thaer Abubaker د.ثائر أبوبكر (@Abubaker3Thaer) February 9, 2023
ولم تكتف إسرائيل بإرسال الفرق والتصريحات، بل أضاءت مبنى بلديتي تل أبيب وأشدود ووضعت العلم التركي بجوار علم الكيان الإسرائيلي تضامنا مع ضحايا زلازل تركيا، في محاولة لنزع الصورة الإجرامية عن الكيان.
Tel Aviv Belediye Başkanı Ron Huldai'nin talimatıyla Tel Aviv Belediyesi binası Türk halkına destek için bu akşam Türk Bayrağı ile aydınlatıldı. pic.twitter.com/TAFvbBoL2f
— İsrail Türkiye'de (@IsraelinTurkey) February 6, 2023
تغير جذري؟
جاء هذا الدعم الإسرائيلي بعد شهور من استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا بشكل كامل وإعادة إرسال السفيرين والقنصلين العامين، وفق ما أعلن الطرفان في أغسطس/آب 2022.
كما أن إعادة العلاقات الدبلوماسية جاءت "في سياق التطور الإيجابي للعلاقة بين الطرفين الذي شهدته الفترة الماضية، منذ زيارة رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة والزيارات المتبادلة على مستوى وزراء الخارجية"، وفق ما أعلنته تل أبيب في أغسطس 2022.
ويمكن النظر إلى هذه المساندة ضمن سياق "دبلوماسية الكوارث"، إذ أرسلت إسرائيل طائرات إطفاء لمكافحة حريق غابات في شمال قبرص المدعومة من أنقرة في العام 2022، وشاركت في مهمات مماثلة في تركيا خلال السنوات الأخيرة.
ورغم ذلك، تشير القراءة الإسرائيلية إلى أن ما تسميه "دبلوماسية الكوارث" الطويلة الأمد بين إسرائيل وتركيا، لم تؤد إلى تغيير جذري في العلاقات بين الدولتين، مثل اليونان وأرمينيا، ما يستدعي تنحية الاعتبارات السياسية جانبا.
وقال الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، رامي دانيال، إنه "فيما تشهد تركيا حاليا إحدى أسوأ الكوارث في تاريخها، تسعى إسرائيل لأن تكون صور جنودها العاملين في الساحة رمزاً للعلاقات الحميمة بين الجانبين، كما حصل في زلزال 1999، حيث شهدت علاقاتهما آنذاك مرحلة الذروة".
وأردف في مقال نشره موقع "القناة 12" العبرية في 6 فبراير 2023 أن "دبلوماسية الكوارث بين تركيا وإسرائيل لم تبدأ في التسعينيات فقط، لأنه منذ الخمسينيات، وبغض النظر عن مستوى العلاقات السياسية بين أنقرة وتل أبيب، فقد تواصلتا عندما واجهت أنقرة كوارث طبيعية".
وأشار إلى أنه "في كل مرة يقع حدث من هذا النوع، ويجري تقديم المساعدة، يكون هناك خلط بين الاعتبارات الإنسانية والسياسية، وحتى اليوم لا يسع المرء إلا أن يفكر في العواقب السياسية المحتملة لهذه الخطوة".
ويعتقد أن "المساعدة في حالات الطوارئ لا تؤدي إلى تغيير جذري في العلاقات بينهما، وفي الحالة الأكثر إيجابية، يمكن لمثل هذه المساندة أن تسرع من عمليات التقارب الموجودة بالفعل، لكن لا تدشنها منذ البداية".
بدورهم، تفاعل ناشطون مع هذا الحدث وأكدوا أن سلوك إسرائيل لإزالة "الطبيعة الإجرامية" عنها تجاه الفلسطينيين محاولات فاشلة لن تمحى بمجرد مساعدات لحظية أهدافها مكشوفة.
وعلق الناشط سامي كمال الدين بالقول على تويتر: "من قتلتهم إسرائيل ودمرت منازلهم في فلسطين ومصر وسوريا والأردن يوازي عددهم مئات الآلاف مقارنة بمن ماتوا في الزلزال".
إسرائيل تضيء مبنى بلدية أشدود وتضع العلم التركي بجوار علم الكيان الإسرائيلي تضامنا مع ضحايا الزلازل في تركيا.. من قتلتهم إسرائيل ودمرت منازلهم في فلسطين و مصر و سوريا و الأردن يوازي عددهم مئات الآلاف مقارنة بمن ماتوا فى #زلزال_سوريا_تركيا pic.twitter.com/HBgtuasSen
— سامي كمال الدين (@samykamaleldeen) February 8, 2023
وقال الكاتب محمد جرادات: "هنا في فلسطين، حيث الاختبار الحقيقي للتسامح والنجدة الإسرائيلية، تتجلى الوحشية أيّما تجلٍّ، حتى في أوقات الكوارث الطبيعية، وهو ما كان مساء الأربعاء (8 فبراير) عندما وقعت هزة شعر بها أهل فلسطين، بمن فيهم المحتلون، وتبيّن أن مركزها في نابلس".
وأردف في مقال نشره موقع "الميادين" في 9 فبراير، أن "جوّا من الذعر ساد المشروع، لكن لم يتفرغ (الاحتلال) ولو مؤقتا لمواجهة جوّ الزلازل أو الهزّات الارتدادية التي تعصف بالمنطقة برمّتها، ولكنه بدلا من ذلك هاجم المنطقة الشرقية من نابلس بعد ساعة من الهزّة ليجرح ويعتقل".
وتابع بالقول: "وهكذا وجد أهل نابلس أنفسهم في عتمة الأربعاء بين ذعر الهزة واحتمال تجدّدها ومنخفض جويّ شديد البرودة، مع مواجهة هجوم إسرائيلي وحشي، لم يكد يمر على سابقه يوم واحد استشهد فيه الصبيّ حمزة الأشقر برصاصهم الغادر، بما يكشف حقيقة المسار الإسرائيلي".
المصادر
- بعد طلبين من سوريا وتركيا.. إسرائيل ترسل مساعدات لضحايا الزلزال المدمر
- إسرائيل تعرض على تركيا المساعدة لمكافحة آثار الزلزال
- فرق من إسرائيل وبلجيكا لإنشاء مشافٍ ميدانية في تركيا
- إسرائيل تعلن تطبيع العلاقات بشكل كامل مع تركيا وإعادة تبادل السفراء
- Turkey-Syria earthquake: 6 ways it could affect the Middle East - analysis
- סיוע לטורקיה - יותר חובה אנושית מאשר הזדמנות מדינית
- عندما يرقص الإسرائيلي على وتر الزلزال