فاليري غيراسيموف.. رئيس أركان جيش روسيا الذي لجأ إليه بوتين لحل معضلة أوكرانيا

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل تلمس روسيا لقلب الموازين، كلف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال فاليري غيراسيموف، بقيادة "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا بدءا من 11 يناير/ كانون الثاني 2023.

وتسلم غيراسيموف المهمة الجديدة، خلفا للجنرال سيرغي سوروفيكين (56 عاما) الملقب بـ"جنرال حرب نهاية العالم" الذي قاد الغزو منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بهدف إعادة الجهود الحربية إلى مسارها بعد انتكاسات روسية عديدة بأوكرانيا.

لكن سوروفيكين الذي يشغل منصب القائد العام للقوات الجوية الروسية والذي تطارده اتهامات بالوحشية في أوكرانيا وسوريا فضلا عن تهم فساد، بقي نائبا لـ "غيراسيموف".

ومن هنا يتضح تسليم الرئيس فلاديمير بوتين، غيراسيموف هذه المهمة المفصلية في تاريخه، كون بلاده تواجه نكسات متتالية على أرض المعركة في أوكرانيا.

ويأتي ذلك في ظل دعم الغرب لكييف بأسلحة تكتيكية غاية في التطور تناسب كل مرحلة من مراحل التغيرات الميدانية.

وطرحت تساؤلات كثيرة عن تقلد فاليري غيراسيموف هذه المهمة، وهو الرجل الثاني في التسلسل الهرمي العسكري الروسي بعد شويغو، منذ عشر سنوات.

وتراوحت الأسئلة بين اعتراف موسكو بالعجز عبر تغيير القيادة العسكرية لغزو أوكرانيا، أو أنه نذر تصعيد لقلب الموازين هناك، والتي تتطلب قرارات تكتيكية نادرة.

في روسيا وفي بلدان أخرى، من النادر جدا تعيين رئيس أركان لعملية واحدة، فالشخص الذي ينسق ويقيم التهديد، لا يمكنه أن يكون هو نفسه الذي يقود المعارك ميدانيا.

إذ يؤكد محللون عسكريون أن المرة الأخيرة التي حصل هذا الأمر فيها كانت في العام 1941 أثناء الغزو النازي.

ويجمع الخبراء على أن هذا القرار مؤشر على تسريع العملية الروسية، فالحديث عن هجوم جديد جار منذ أشهر، فيما لا تستبعد فرضية تعبئة جديدة، بعد تعبئة أولى في سبتمبر/أيلول 2022 حشدت قرابة 300 ألف مجند.

النشأة العسكرية

ولد فاليري غيراسيموف عام 1955 في مدينة قازان الروسية، وتخرج عام 1977 في كلية قازان القيادية العليا للدبابات.

وبعد تخرجه قاد فصيلا وسرية وكتيبة في بولندا بمجموعة القوات الشمالية ومنطقة الشرق الأقصى العسكرية.

في عام 1987 تخرج غيراسيموف في الأكاديمية العسكرية للقوات المدرعة، وفي 1997 تخرج في الأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العامة بالقوات المسلحة الروسية.

وشغل مناصب عدة في حياته العسكرية، وعلى رأسها رئاسة المديرية الرئيسة للتدريب القتالي وخدمات القوات المسلحة الروسية عام 2005.

وكذلك، ترأس أركان منطقة شمال القوقاز العسكرية عام 2006، وعين قائدا على منطقة لينينغراد عام 2007، وقائدا لمنطقة موسكو العسكرية عام 2009.

عام 2010 شغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات الروسية، قبل أن يصدر مرسوم رئاسي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بتعيين فاليري غيراسيموف رئيسا لهيئة الأركان العامة، والنائب الأول لوزير الدفاع في روسيا، وجرت ترقيته إلى رتبة جنرال عام 2013.

عام 2016 منحه الرئيس الروسي لقب "بطل روسيا" نتيجة جهوده في العملية العسكرية الروسية الناجحة في سوريا.

إذ تدخلت روسيا نهاية سبتمبر 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط وارتكبت مجازر وحشية بحق المدنيين، وشردت الملايين منهم داخليا وخارجيا.

كما حاز غيراسيموف، على عدد من الأوسمة منها وسام "القديس جاورجيوس" من الدرجة الثانية والرابعة، ووسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى، ووسام الاستحقاق العسكري.

المهمة الأصعب

لا جدال في ولاء غيراسيموف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولهذا دفع به الأخير في هذا الوقت للملمة التعثر في أوكرانيا.

لكن فشل هذا الرجل العسكري في المهمة، في وقت باتت أوكرانيا تشهد صراعا مفتوحا قد يقوده إلى "خفض ترتيبه بشكل تعسفي"، وفق مراقبين وصفوه بـ "النرد الأخير".

ولا سيما أن القائد السابق سوروفيكين والمعروف بصرامته، قد نظم انسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون الأوكرانية مطلع نوفمبر 2022 الذي شكل نكسة كبيرة للكرملين.

وخيرسون هي إحدى المقاطعات الأربع التي أعلن بوتين في 30 سبتمبر 2022، ضمها إلى روسيا إلى جانب مناطق دونيتسك، ولوغانسك، وزابوريجيا، وجميعها تشكل ما نسبته 15 بالمئة من مساحة أوكرانيا.

ويتهم المدونون العسكريون والقوميون المتطرفون في روسيا، غيراسيموف بشكل متزايد بسوء إدارة الحرب.

إذ انتقد غيراسيموف مسؤولان روسيان لهما دور فاعل وبارز في الحرب: الأول رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف والثاني قائد مجموعة فاغنر شبه العسكرية يفغيني بريغوزين.

لكنه اليوم، أصبح أعلى رجل عسكري محترف يقود رسميا غزو أوكرانيا، وهي تعد المهمة الأصعب في مسيرته.

الجنرال المفضل

نقلت صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية في تقرير لها بتاريخ 13 يناير 2023، عن الخبير العسكري والعميد السابق في الجيش البريطاني بن باري قوله عن تكليف غيراسيموف: "إن السيناريو المعقول عن حرب أوكرانيا هو أنه داخل الكرملين، كان غيراسيموف يطالب بتحسين الإستراتيجية العسكرية وتحسين القيادة والسيطرة".

ومضى يقول: "إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون ما قاله بوتين: حسنا، أفضل شخص لتنفيذ هذه الأفكار هو الشخص الذي اقترحها".

تفيد صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في تقرير لها بتاريخ 12 يناير 2023، بأن المحللين العسكريين الروس يشككون في أن تغييرات الأفراد ستحل المشاكل التي يواجهها الجيش الروسي بأوكرانيا، ولا سيما القيادة الهرمية غير المرنة ونقص المعدات وسوء توفير الجنود.

يقول مراقبون، إن الجنرال غيراسيموف سيتعين عليه الآن خوض حرب حقيقية واسعة النطاق لإرضاء الكرملين، وقد يلجأ إلى التخريب الروسي الذي حدث في أوكرانيا عام 2014 بضم القرم.

والآن بات لدى غيراسيموف، سلطة استخدام أي وسائل وأسلحة من أجل حل المهام الموكلة إلى قواته المشاركة في معارك أوكرانيا.

ولهذا تشير وسائل إعلام روسية إلى أنه من الواضح أن القائد السابق، الجنرال سوروفكين، لم يكن يتمتع بهذه الصلاحيات، وربما كان عليه أن يطلب الإذن لاستخدام وسائل معينة.

ومع قناعة بوتين بأن الغرب سيمد أوكرانيا بأسلحة هجومية جديدة امتنع عنها سابقا، فإن كثيرين يرون أن روسيا مستعدة لاستخدام كل ما بحوزتها من أسلحة في الحرب بما فيها النووية، بعد تعيين غيراسيموف.

وخاصة أن غيراسيموف هو الرجل الثالث بعد بوتين وشويغو الذي يحمل حقيبة نووية تسمى بالروسية الـ"شيغيت".

في بعض الأحيان، يغيب غيراسيموف أسابيع دون ظهور علني في ظل حرب أوكرانيا، وخاصة عندما لم يشاهد في موكب يوم النصر في موسكو عام 2022 مما أدى في ذلك الوقت إلى تكهنات حول منصبه.

"عقيدة غيراسيموف"

في الغرب، أصبح الجنرال غيراسيموف معروفا على نطاق واسع بعد أن نشر نص "قيمة العلم في التبصر" عام 2013، الذي حدد فيه ملامح النزاعات العسكرية المستقبلية.

واتضح أن الأطروحات التي عبر عنها رئيس هيئة الأركان العامة كانت ذات صدى كبير لدرجة أنه بعد نشر هذا النص أطلق عليه في الخارج لقب "عقيدة غيراسيموف".

وشكلت "عقيدة غيراسيموف"، أساس المفهوم الروسي لـ "حرب الجيل الجديد"، التي بحسب شروطها، فإن الأعمال العسكرية تتساوى مع الإجراءات غير العسكرية، ولا سيما الإجراءات السياسية والإنسانية.

في عام 2016، اعترف قائد مشاة البحرية الأميركية السابق، الجنرال روبرت نيلر، بأنه قرأ مقال غيراسيموف ثلاث مرات وفكر كثيرا في كيفية تخطيط الروس لخوض حروب المستقبل.

وكثيرا ما توغل غيراسيموف شخصيا في عمق الجبهات الأوكرانية، لدرجة أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قالت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن السلطات الأوكرانية حاولت اغتياله عندما كان على خط الجبهة، دون ذكر معلومات عن المحاولة.

كما أن نائب رئيس لجنة مجلس "الدوما" (البرلمان) للشؤون الدولية، أليكسي تشيبا، أكد أن منع واشنطن كييف من محاولة اغتيال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، يؤكد ضلوعها التام بالنزاع في أوكرانيا.

وغيراسيموف حسب وسائل إعلام أوكرانية، متهم رئيس في قضية "الأحداث المأساوية التي وقعت بالقرب من إيلوفيسك، عندما توفي 366 من العسكريين الأوكرانيين وضباط إنفاذ القانون" في أغسطس/آب 2014.

وفرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات عليه في اليوم التالي لغزو أوكرانيا، قائلة إنه كان واحدا من ثلاثة من كبار الروس إلى جانب بوتين الذين كانوا مسؤولين بشكل مباشر عن الحرب.

وسبق أن أدرج في قائمة العقوبات الموسعة للاتحاد الأوروبي ضد كبار المسؤولين الروس عام 2014.

وتمتلك عائلة رئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف عقارات بقيمة إجمالية تتراوح من 100 إلى 150 مليون روبل.

وهي عبارة شقة في مجمع سكني في شمال غرب موسكو ومنزل صيفي على بعد حوالي 30 كيلو مترا من المدينة، وفق تحقيق نشر عام 2019.

في عام 2013، استحوذت زوجة غيراسيموف على ملكية شقة في موسكو في مجمع بريفات سكوير السكني من فئة رجال الأعمال، إذ تبلغ عقارات زوجة رئيس هيئة الأركان العامة حوالي 50 مليون روبل، وفق التحقيق.