نظرة جديدة.. كيف حسّن مونديال قطر وإنجازات المغرب رؤية العرب لأنفسهم؟

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

من المحيط إلى الخليج، صدحت أصوات المسلمين، عربا وعجما في الدعاء للمنتخب المغربي، بعد تأهله إلى دور نصف نهائي مونديال قطر 2022، للمرة الأولى في تاريخ فريق عربي وإفريقي.

وكان الدعم العربي لـ"أسود الأطلس" واضحا وجليا في كل البلدان العربية، تجلى عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بشكل أحيا في النفوس قوله تعالى "وإن هذه أمتكم أمة واحدة".

ولم يقتصر التعبير عن الفرح باللحمة العربية خلف المنتخب المغربي على فئة دون أخرى، بل شملهم عامة، ومن مختلف المجالات والمستويات والمناطق، ولا سيما أن "أسود الأطلس" بعثوا بإشارات إيجابية خلال مشاركتهم، سواء فيما تعلق بمعاني "رضا الوالدين" أو "دعم فلسطين" أو "السجود لله".

صار حقيقة

عدد من المفكرين والسياسيين والأكاديميين العرب، تحدثوا عما خلفته مشاركة المنتخب المغربي من تجديد للوحدة العربية وتأكيد على معنى الأمة بين أبناء الوطن العربي والإسلامي.

وفي هذا الصدد، استعرض حزب "العدالة والتنمية" بالمغرب، تعليقات عدد من قادته عبر مقال نشره بموقعه الإلكتروني في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، والذين هنأوا أسود الأطلس على إنجازهم الرياضي غير المسبوق، مثمنين رسائله الثقافية والاجتماعية.

ومن ذلك ما عبرت عنه الوزيرة السابقة، سمية بنخلدون، والتي قالت إن "منتخب الكرة رفع راية البلد عاليا، وأسعد الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية".

وشددت بنخلدون على أن هذا الإنجاز "هو موضع فخر".

من جهته، أكد الباحث والروائي، إدريس الكنبوري، أن "انتصار الفريق الوطني وتأهله إلى نصف النهائي في كأس العالم أيقظ شعورا بالانتماء إلى أمة".

 وفي تدوينة عبر فيسبوك في 11 ديسمبر 2022، قال الكنبوري: "ما يقوله الغرب عن الأمة المتخيلة أو الافتراضية صار حقيقة في كأس العالم".

وأضاف "تبين أن الحدود الجغرافية حدود سياسية فقط لا حضارية، وأن تعدد الأنظمة لا يحجب وحدة الأمة، في جميع بقاع العالم الإسلامي شعر الناس أن فوز المنتخب المغربي هو فوز له عنوان إسلامي".

أما الباحث السياسي المغربي، يحيى عالم، فرأى أن الدعم العربي الواسع للمنتخب المغربي "دليل على قوة الرابطة المعنوية بين شعوب المنطقة أو الشعور المشترك".

وذكر عالم في مقال رأي نشره موقع "الجزيرة نت" في 11 ديسمبر 2022، أن "الروح الجماعية التي ظهر بها الجمهور العربي تبرز أن الانقسام الحاصل هو انقسام على مستوى أنساق السلطة والخيارات السياسية وحسب، بينما المجتمعات لم يتفكك فيها الشعور الوحدوي والرابطة المعنوية الجامعة ولم ينفصما".

وشدد على أن "معالم هذا الشعور والرابطة اتضحت من خلال عناصر عدة، ومنها تشجيع الفرق العربية والتعبير الجماعي عن الفرح والحزن معا، ما يعكس بعدا تضامنيا وإحساسا بالروابط المشتركة، ثم الالتفاف حول العلم الأيقونة، علم فلسطين، والالتفاف حول الموقف القطري في القضايا التي أثيرت في الإعلام الدولي بداية المونديال".

بدوره، أكد المستشار المصري، وليد شرابي، أن "ما فعله منتخب المغرب أعظم تأثيرا في وحدة الأمة من كافة اجتماعات وبيانات وخطابات جامعة الدول العربية منذ إنشائها وحتى اليوم".

وأضاف في تدوينه على حسابه بفيسبوك في 14 ديسمبر 2022، "البطولة كانت مطلبا وأمنية لنا جميعا، لكن ما حققه فريق المغرب كان أكثر من المطلوب".

وعي عربي

في تفسيره لهذه اللُحمة التي خلفتها انتصارات المنتخب المغربي على المستوى العربي، قال الكاتب الأردني عماد الحطبة، إن "الاصطفاف العربي وراء المنتخب المغربي يؤكد الحقيقة الراسخة، من أن الوعي التاريخي لأنباء هذه الأمة من محيطها إلى خليجها مازال وعيا عربيا اختياريا".

وشدد الحطبة في مقال نشره بموقع "الميادين" اللبناني، في 14 ديسمبر 2022، على أن "هذا الاحتفاء يأتي رغم كل ما فعله الاستعمار والأنظمة المرتبطة به بالأمة".

واسترسل: "الجماهير أعلنت عن نفسها بأنها جماهير عربية تمتلك وعيا بعروبتها يحدد نظرتها إلى العالم وسلوكها تجاه ما يحيط بها".

وأردف الكاتب الأردني: "يحاول بعض المشككين الاستخفاف بما حدث والنظر إليه على أنه حالة وجدانية مؤقتة ستنتهي بانتهاء أحداث المونديال، لكن ما حدث يقول لكل من يحمل جذوة العروبة في قلبه.. أن الأمة مازالت بخير وأنه ماض على الطريق الصحيح".

عدد من الباحثين نظروا إلى أن مونديال قطر، وطبيعة المشاركة المغربية فيه، وما خلفه من مشاعر إيجابية بين أبناء الأمة العربية، يتجاوز الفرحة الكروية، إلى الأمل بتحقيق الوحدة العربية.

ومن هؤلاء الأستاذ في علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالمغرب، محسن بنزاكور، والذي أكد أن "هذه الفرحة المغربية/العربية لا يمكن حصرها في الجانب الرياضي فقط، أن تخرج الشعوب إلى الشوارع وتهدي الحلويات وترفع الأعلام.. وغيرها، سيكون من الغباء أن نتحدث عن فرحة كروية فقط، هناك أشياء لابد من الوقوف عندها".

وأضاف بنزاكور لموقع "منارة" المحلي، في 13 ديسمبر 2022، أن "للأمر بعدين، بعد الوحدة العربية، حيث تبين أنها مازالت في العقول وفي العواطف وتنتظر فقط من يحققها".

وتابع: "البعد الثاني هو أن العالم العربي يعيش إحباطات تأسست على المستوى الاقتصادي والسياسي، ولكن أيضا على مستوى كرة القدم، فالعالم العربي كان يُنظر إليه على أن له فرقا صغرى وأنها لم تحقق أبدا حتى الصعود إلى الدور الأول".

واستطرد بنزاكور: "هذا الإقصاء النفسي والإعلامي كان دائما حاضرا، وبالتالي جاء هذا الانتصار لرد الاعتبار بأننا لسنا أقل قدرة أو كفاءة من الآخرين، وتجاوز عقدة الدونية".

ونوه بنزاكور بالأمهات، ويرى أن الفضل في تشبث هؤلاء اللاعبين بهويتهم "يرجع إلى الأمهات بالأساس والآباء حتى لا نبخسهم حقهم.. هذا الذي فرح بحضن أمه وسط الجماهير العربية، لم ينشأ في بيئة مغربية بل في أوروبا، لكن الأم هي من تحافظ على هذه اللحمة".

وفي تأكيد رسالة الوحدة أيضا، ذكر وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق بالمغرب، خالد الصمدي، أن "من رسائل مشاركة المنتخب في مونديال قطر، بعث معاني تجذر الامتداد الواحد في الفضاء العربي والإسلامي".

وأوضح الصمدي، عبر تدوينة في 12 ديسمبر 2022، أن هذا الامتداد "جسده مؤشر استرجاع لحمة الأوطان العربية والإسلامية، وإعادة إحياء قواسمها الروحية والحضارية المشتركة التي ينبغي استثمارها، وفي صلبها نصرة المستضعفين والدفاع عن حقوقهم".

ولفت إلى أن "هذا الاستثمار يتم من خلال رفع الراية الفلسطينية إلى جانب العلم الوطني في كل الاحتفالات، لإعطاء الدليل على أن فلسطين روح تسري في نفوس جميع المغاربة، وتجد آثارها في كل بيت من بيوتاتهم بدون استثناء".

عودة الروح

الروح التي بثها المنتخب المغربي في أوصال الأمة العربية بل في أوصال إفريقيا كلها، كانت قوية وبادية للعيان، ثقافيا وسياسيا وكرويا أيضا.

وأبرز رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات، محمد مصباح، أن "نجاح المغرب في بطولة كأس العالم بقطر أعاد الشعور بالهوية الجهوية والإقليمية العربية، ولو بدا كأنها خبت فيما مضى، لكنها برزت بقوة في بطولة كأس العالم هذه".

وفي حديث لجريدة "العرب" اللندنية في 14 ديسمبر 2022، أضاف مصباح: "نعلم أن القضايا التي كانت تجمع الناس في العالم العربي وفي هذه المنطقة غالبا ما كانت قضايا سياسية حزينة وحساسة، كالقضية الفلسطينية والربيع العربي.. ولكن هذه أول مرة تجمعنا كرة القدم وهذه قضية مفرحة وليست كالأزمات السياسية".

ورأى أن "بطولة العالم أكدت مرة أخرى أن انتماء المغرب إلى هذه المنطقة هو تاريخي وحضاري، وأنه لا يمكن أن ننزع منه جزءا من هويته، طبعا لا يمكن أن ننسى دولا إفريقية ودولا في مناطق أخرى من العالم تعاطفت مع المغرب، لأنه نادرا ما تحقق دولة ليس لها هذا التراكم في كرة القدم مثل هذه الإنجازات".

وفي هذا الاتجاه، عبرت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، عن شكرها لأسود الأطلس، على ما أهدوه للأمة "من بهجة وعنفوان وحّدت العرب جميعهم".

وفي تدوينة عبر فيسبوك في 14 ديسمبر، قالت مستغانمي: "شكرا لأنهم كانوا صورة لأمّتنا العربية والإسلامية في الفوز كما في الخسارة، وغادروا في الحالتين الملعب ساجدين.. نحن أمة إذا أعطانا الله سجدنا، وإذا منعنا حمدنا.. سيذكر العالم رقيّ ديننا".

وفي هذا الصدد، قال المعلق الرياضي خليل البلوشي، في 14 ديسمبر، "شكرا لكم يا أبطال.. شكرا لكم يا رجال.. كنتم عند حسن الظن وفعلتم ما يجعلنا نفخر بكم دائما".

وتابع: "ما قدمتموه يرفع هاماتنا عاليا، ونحن نرفع لكم القبعة على هذا الإنجاز".

أمة واحدة

"أمة واحدة"، هو العنوان الأبرز الذي أكد عليه عدد من الباحثين والفاعلين، والذين شددوا على أن المنتخب المغربي وطبيعة الدعم الذي تلقاه من كل العرب، هو تجسيد عملي لمعنى الأمة.

وفي هذا السياق، نوه القيادي بحركة "التوحيد والإصلاح" المغربية، الفلولي رشيد، بالأداء والملاحم والمعارك التي خاضها أسود الأطلس.

وخلال تدوينة نشرها بحسابه الفيسبوكي في 14 ديسمبر 2022، قال رشيد إن "المنتخب المغربي ولو أنه لعب كرة القدم، إلا أنه وحّد الأمة العربية الإسلامية، وقدم دروسا للعالم في عدد من القيم".

أما وزير الشغل المغربي السابق، محمد يتيم، فقال في تدوينة مرفقة بمقطع فيديو لدعم جماهير غفيرة من إندونيسيا للمنتخب المغربي، في 11 ديسمبر 2022، إن "الأمة قد تمرض ولكنها لا تموت"، مشددا على أن هذه هي "رسالة مونديال قطر".

وتوقف يتيم عند الإشارات الدالة على هذه الوحدة، ومنها أن "يتجمع المسلمون في الساحات والفضاءات العمومية وفي النوادي والمقاهي... وأن يتسمر بعضهم قريبا من شاشة التلفاز وهم يرفعون أكف الضراعة لله أن ينصر الفريق المغربي ضد نظيره البرتغالي في آخر دقائق المباراة".

ورأى أن "كل ذلك وغيره، شيء غير مسبوق ووعي ويقظة جديدة، وإيذان بعودة الروح والشعور بالانتماء للأمة".

واستطرد يتيم: "أن يعبر العجمي منهم والعربي والمسلم وغير المسلم على الإعجاب بالفريق الوطني.. وأن يجد العرب والمسلمون وغير المسلمين أيضا أنفسهم في الفريق الوطني.. شيء كبير وغير مسبوق".

وأكد أن "كل هذا يبين أنه رغم الطابع الرياضي للمونديال، إلا أنه كان ساحة للتدافع الحضاري والتعبير السلمي الراقي أن هذه الأمة ما تزال حية، وأنها استطاعت إثبات وجودها في أكبر محفل دولي تتابعه البشرية كلها.

وخلص يتيم للقول: "ليس من الغريب أن يتضايق خصوم الأمة والصهاينة والمتصهينون.. فمونديال قطر أكبر من تظاهرة رياضية، بل إنه كان مناسبة لإثبات أن هذه الأمة قد تضعف وتمرض لكنها لن تموت.. هو إعلان عن دورة حضارية جديدة مبشرة تتجه فيه الأمة الى أخذ زمام أمورها بيدها".

ونجح المغرب في كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والإفريقية بعد وصوله لدور نصف نهائي كأس العالم، واحتلاله المرتبة الرابعة عالميا في مونديال قطر الذي انطلق في 20 نوفمبر/تشرين الثاني واختتم في 18 ديسمبر/كانون الأول 2022.