ضم شركة نفط موريتانية لإمبراطوريته.. أخنوش يخدم المغاربة أم استثماراته؟

الرباط - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يواصل عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية ومالك مجموعة "أكوا" القابضة، تضخيم استثماراته الشخصية، في وقت يتجاهل معاناة الشعب المغربي وشكواه من الغلاء والتضخم وسوء الأوضاع الاقتصادية.

وأواخر أكتوبر/تشرين الأول 2022، كشفت مواقع محلية موريتانية ومغربية، أن الشركة المغربية المعروفة اختصارا بـ"أكوا" استحوذت على "توتال موريتانيا" التابعة لعملاق المحروقات الفرنسي "توتال إنرجيز".

وذكرت المواقع، أنه جرى إبلاغ مجلس المنافسة (هيئة حكومية تعنى بضمان الشفافية في العلاقات الاقتصادية)، بمشروع عملية تركيز اقتصادي تخص تولي المراقبة الحصرية لشركة توتال موريتانيا من قبل شركة "أكوا" إفريقيا".

وأوضحت أن شركة "أكوا" تملك نسبة 100 بالمئة من رأسمال "توتال"، وحقوق التصويت المرتبطة به، كما قدرت قيمة صفقة استحواذ مجموعة أخنوش على شركة "توتال" موريتانيا بـ 185 مليون دولار.

وبدأت "توتال موريتانيا" العمل في البلاد منذ سنة 1999، وتوزعت أنشطتها بين مجالات التنقيب وإنتاج النفط والغاز، والبيع بالتجزئة للعملاء في محطات الضخ.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة من رئيس الحكومة البحث عن حلول ومبادرات للحد من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الأساسية، يعزز أخنوش استثماراته خارج المغرب عبر الاستحواذ على شركة "توتال" موريتانيا.

وتسيطر مجموعة رئيس الحكومة المعروفة باسم "أكوا" المغربية القابضة، على نسبة كبيرة من سوق توزيع المحروقات بالمغرب، فترفع أسعارها كيفما شاءت دون أي رقيب أو حسيب، وهو ما أثار جدلا واسعا بالمملكة، واتهامات لشركات المحروقات بـ"الاحتكار والجشع". 

وتستحوذ شركة رئيس الحكومة "إفريقيا غاز" على 36 بالمئة من سوق المحروقات في المغرب، 29% من الديزل و42% من البنزين الممتاز.

فهل أصبحت مهمة رئيس الحكومة هي كيفية تعزيز انتشار استثماراته ومضاعفة ثروته عوض البحث عن حلول للمشاكل المعيشية لحوالي 40 مليون مغربي؟

ثروته في تزايد

سبق لتقرير لجنة استطلاعية برلمانية صدر في 2018، أن وجه أصابع الاتهام لـ"شركة إفريقيا غاز" المملوكة لأخنوش مع باقي شركات المحروقات بتحقيق أرباح خارج نطاق القانون وبشكل غير مشروع.

وبلغت الأرباح غير المشروعة التي حصلت عليها تلك الشركات مطلع 2021 نحو 45 مليار درهم (4.5 مليارات دولار)، حسب ما نقل موقع محلي عن الحسين العيماني، الخبير في مجال المحروقات والقيادي في نقابة الكونفدرالية المغربية للشغل.

وحسب تقرير سابق لـ"الاستقلال"، فإن ثروة وأرباح أخنوش بدأت تتزايد أكثر من خلال شركاته الخاصة به، مستفيدا بشكل مباشر من الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات.

وفي آخر تحديث لمجلة "فوربس" الأميركية لأكثر الأفارقة ثراء، عام 2022، تجاوزت ثروة عزيز أخنوش، ملياري دولار بداية من أبريل/نيسان 2022، محافظا على مرتبته الـ13 كأكثر إفريقي ثراء في القارة السمراء ضمن 18 شخصا.

ويبدو أن قطاع البترول والغاز الذي يعد المصدر الأساسي لثروة أخنوش وفق "فوربس"، هو الذي يقف وراء الزيادة الحالية في أمواله، نظير أسعار البنزين "الصاروخية".

أما مجال الأكسجين الطبي، فيعاني من احتكار واضح لصالح رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عبر شركته "مغرب أكسجين".

وتنفرد شركة أخنوش بتزويد المستشفيات العامة والمصحات الخاصة بهذه المادة الحيوية، مقابل مبالغ مالية توصف بالكبيرة والمبالغ فيها.

ورغم أهميته، فإنه لحد الآن لم يجر تقنين سعره، كباقي الأدوية، لكي يكون معلوما لدى عامة المواطنين، وكي لا يكون موضع احتكار من جهة أو جهات معينة.

حرص أخنوش على تعزيز استثماراته ومصالحه ليس وليد اليوم، فقد سبق له أن عقد في 29 يوليو/تموز 2021، اتفاقا عبر شركته إفريقيا غاز، وبين "ساوند إنيرجي" Sound Energy لشراء أصول في الشركة البريطانية بقيمة 2.8 مليون دولار، مع بيع الغاز الطبيعي المسال المستخرج من مشروع تندرارة بإقليم فكيك (شرق المملكة).

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كشف موقع "الصحيفة" المحلي، في تحقيق له، أنه بعد أن أصبح أخنوش مالكا لجزء من أسهم الشركة البريطانية، جرى تخفيض الضرائب على "ساوند إنرجي" البريطانية، مما يؤكد وجود شبهة تضارب مصالح في هذه الصفقة.

وأفاد الموقع المحلي، أنه بعد أن أصبح أخنوش مساهما في الشركة البريطانية التي تملك "غاز تندرارة"، نشر موقع Morningstar البريطاني معطيات لافتة تتعلق بإدارة الضرائب المغربية التابعة لوزارة المالية التي كان يرأسها محمد بنشعبون (عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار قائد الحكومة الحالية).

وبين أن تلك الإدارة تخلت عن المطالبات الضريبية المتعلقة بالاستحواذ على الأصول غير الملموسة بين عامي 2016 و2018 الخاصة بشركة Sound Energy البريطانية، بَعد عدة جلسات جرت مع لجنة من إدارة الضرائب شكلت لهذا الغرض.

تبييض الأرباح

وفي تعليقه على حرص أخنوش على تعزيز استثماراته داخل المغرب وخارجه عوضا عن التفكير في سبل التخفيف من غلاء المعيشة بالمغرب، رجح القيادي بحزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، احتمال وجود صفقة تبادل مصالح عابرة للقارات في قضية الاستحواذ على "توتال موريتانيا".

واستغرب أفتاتي، في حديث لـ"الاستقلال"، من "ابتلاع فرع توتال للطاقة الموريتاني" من قبل مجموعة أخنوش في الظرف الحالي.

وسجل أن ظرفية الغلاء بمختلف أسبابه لا يمكن إلا أن تجعل "ثمن" البيع (185 مليون دولار) باهظا بمقاييس السوق كما هو متعارف عليها.

وقال إنه "يصعب على أي متتبع أن يستوعب ابتلاع أخنوش لفرع من فروع توتال، كإحدى كبريات الشركات العابرة للقارات في مجال الطاقة، والتي يعلم الجميع ما حققته في الآونة الأخيرة إلى جانب مثيلاتها في مجال المحروقات".

ونبه أفتاتي، إلى أنه ينبغي الانتباه لمسألتين أساسيتين في عملية الاستحواذ، الأولى هي أن هذا "الماكرو ابتلاع" يأتي في سياق تبييض "أرباح" خيالية.

 وأضاف أنه يكفي التذكير بتقرير وآراء بنك المغرب (البنك المركزي) ومعظم المؤسسات الدستورية ذات الصلة بتداعيات هذا النوع من النشاط على الاقتصاد الوطني.

 وتابع أن بنك المغرب كان أول من أشار في مناسبتين بين 2016 و2017 إلى عدم التزام شركات المحروقات بالربط العادي بين أسعار الاقتناء من الخارج وبين الأسعار المطبقة في الداخل وخاصة حين انخفاض الأثمنة دوليا.

وأشار إلى أن تقرير اللجنة الاستطلاعية النيابية كان واضحا في مخرجاته والتي تفيد بتحقيق شركات المحروقات أرباحا خيالية تتراوح بين 13 مليار درهم (مليار و300 مليون دولار) و17 مليار درهم (مليار و700 مليون دولار) في سنتي 2016 و2017.

وأوضح أن مجلس المنافسة "لم يجد بدا من تأكيد شبه تغييب المنافسة في مجال المحروقات"، وكذا "تقديم ما يفيد شفط 4،56 مليار درهم (حوالي 5 ملايين دولار) في سنة 2020".

إذ سجل المجلس أن شركات المحروقات استفادت بشكل غير مستحق من 0،55 درهم للتر الواحد سنة 2020.

وتابع أنه "يصعب استيعاب الابتلاع الجاري مع استحضار هذه الأرباح الفلكية بين 2016 و2020 ناهيك عن ما جرى شفطه كذلك في 2021 و2022، والتي يعد أخنوش أحد فرسانها ورموزها (يقصد الأرباح)، حيث لا تقل حصته من هذه الماكرو غلة عن 25 بالمئة".

أما المسألة الثانية في ملف الاستحواذ فهي، حسب أفتاتي، "الالتباس بين "الفاعل الرسمي" و"رجل الأعمال" بالنظر للموقع الذي يحتله أخنوش على رأس الجهاز التنفيذي.

وأكد أنه يخشى أن يجري تقديم هذا الاستثمار على أساس مغرض مع استمرار موجات الغلاء الجارية والتي تورطت فيها شركات المحروقات في كل الأصقاع بدون أدنى شك.