البرغوثي.. عائلة فلسطينية حملت "السيف والقلم" وقاومت الاحتلال

ثمة عائلات فلسطينية لا ينقطع تكرار اسمها في وسائل الإعلام منذ عقود، لانخراط أبنائها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتركها بصمة واضحة في نفوس الشعب الفلسطيني.

من أبرز هذه الأسر عائلة البرغوثي في الوطن والشتات، فمنها الشعراء والأدباء والكتاب والشهداء والأسرى والجرحى والقادة والعلماء.

تاريخ وأصول

ويذكر المؤرخ مصطفى مراد الدباغ في كتابه الموسوعي "بلادنا فلسطين"، أنه يقال للعائلة البراغثة وأن التسمية جاءت من اسم الجد المؤسس للعائلة واسمه برغوث والذي يعود بجذوره إلى عشيرة بني زيد وهي بطن من بطون قبيلة بني حرام من جذام القحطانية.

وقد ارتحل برغوث إلى دير غسانة الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، وما زال الناس يعتبرون زعامة ومشيخة بني زيد في آل البرغوثي.

وكان عمر الصالح البرغوثي المولود في دير غسانة عام 1894 ممن تحدثوا عن تاريخ العائلة، وقد شارك في حكومة هزاع المجالي الأردنية عام 1959 وزيرا للمعارف (التربية والتعليم لاحقا).

ويذكر الوزير عمر في مذكراته أن البراغثة يعودون بنسبهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنهم ارتحلوا من الحجاز إلى مصر في أعقاب ما حصل للصحابي الجليل عبد الله بن الزبير في عهد الأمويين.

وارتحلوا من مصر إلى تونس ثم توجهوا إلى فلسطين استجابة لنفير الجهاد الذي أطلقه بطل حطين المجاهد صلاح الدين الأيوبي لتحرير بيت المقدس وفلسطين من احتلال الفرنجة الذين كانوا يتسترون وراء الصليب.

وصلوا أولا إلى شرقي الأردن وأقاموا في منطقة الشوبك (معان)، ثم انتقلوا إلى القدس وتولوا حراسة أحد أبوابها المسمى باب الداعية (الحديد).

وهناك روايات أخرى لتاريخ وأصول آل البرغوثي، منها ما جاء في كتاب "قاموس العشائر في الأردن وفلسطين" لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري أن العائلة من عشائر فلسطين.

وينقل عنهم قولهم إن أصلهم من بلدة بيت ريما في منطقة رام الله ويسكنون فيها وفي عابود وكوبر وعرابة.

كما يورد كتاب "معجم العشائر الفلسطينية" لمؤلفه الباحث محمد شرَّاب أسماء خمس عشائر وعائلات فلسطينية تحمل اسم البرغوثي تتوزع على بيت ريما وكفرعين ودير غسانة والقدس.

ويذكر أن دير غسانة هي المركز الرئيس لآل البرغوثي ومنها توزَّعوا إلى أنحاء مختلفة.

وتقول الصحفية أغصان البرغوثي لـ"الاستقلال": "البراغثة كانوا جميعهم من قرية دير غسانة وهي بلد الشاعرين مريد وابنه تميم، ولكن العائلة تفرقت لاحقا".

وتوضح أنهم أصبحوا الآن في ست قرى هي: دير غسانة، بيت ريما، دير أبو مشعل، كفرعين، كوبر، عابود.

ولفتت إلى أن العائلة واحدة وبين أفرادها أصبحت القرابات في هذا الزمن بعيدة بعض الشيء.

رموز العائلة

يعد الأسير نائل البرغوثي (64 عاماً)، من بلدة كوبر شمال غربي رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، واحدا من أبرز رموز هذه العائلة، وفي 11 أغسطس/ آب 2022، أرجأت لجنة الاعتراضات العسكرية الإسرائيلية إصدار قرارها بشأنه رغم توقع كثيرين الإفراج عنه.

واعتقل الاحتلال نائل أول مرة عام 1978 وحكم عليه بالسّجن المؤبّد، و18 عاماً، وأفرج عنه في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، وعاش الحرّيّة 32 شهراً فقط، ثم أعاد الاحتلال اعتقاله في يونيو/حزيران عام 2014، وحكم عليه بالسّجن لـ30 شهراً في 10 مايو/أيار 2015.

وبعد انتهاء مدة الحكم البالغة 30 شهراً أعاد له حكمه السّابق بالمؤبد و18 عاماً، بذريعة وجود "ملف سرّيّ"؛ وما يزال معتقلا.

والأسير البرغوثي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، ووصل مجموعها إلى ما يزيد عن 42 عاماً، قضى منها 34 عاما بشكل متواصل، وفقد غالبية أفراد عائلته خلال سنوات اعتقاله، وكان آخرهم شقيقه عمر (أبو عاصف).

وأبو عاصف يعد واحدا من أبرز المناضلين في العقود الأربعة الماضية، وهو أسير محرر قضى نحو 30 عاما في سجون الاحتلال، ورحل متأثرا بإصابته بفيروس كورونا في مارس/ آذار 2021 عن عمر 67 عاما.

وأفرج عنه من سجون الاحتلال في يناير/كانون الثاني (قبل وفاته بشهرين) بعد قضاء 9 شهور في الاعتقال الإداري. 

كما كان يعد واحدا من رموز المقاومة، وهو من أبرز قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة الغربية، وقد أعاد الاحتلال اعتقاله لساعات قبل وفاته بشهرين وحذّره من ترشيح نفسه للانتخابات التشريعية.

وقتل الجيش الإسرائيلي نجله صالح في ديسمبر/ كانون الأول 2018، فيما اعتقل الآخر عاصم مطلع يناير 2019، وحكم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات.

وقضى ابن عمهما فخري البرغوثي 33 عاماً في سجون الاحتلال، بينما يقبع ابنه شادي في المعتقل وهو محكوم 27 عاماً قضى منها 19.

ومن الأسرى أيضا عبد الله البرغوثي أحد قادة كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، ويعد صاحب أعلى حكم لأسير فلسطيني في تاريخ محاكم الاحتلال (67 مؤبدا)، إضافة إلى 5200 عام لمسؤوليته عن سلسلة عمليات استشهادية نفذت خلال انتفاضة الأقصى بين عامي 2000 و2003.

وعبد الله هو أحد أعمدة الأدب في سجون الاحتلال، فقد ألّف عددا من الكتب والروايات التي خرجت إلى الفضاء الخارجي وشكلت علامة فارقة في تاريخ أدب السجون. ومضى على اعتقاله 20 عاما قضى منها 10 سنوات في العزل الانفرادي.

ومن قامات العائلة أيضا الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي ونجله تميم. ونفيت هذه الأسرة من رام الله ولم يتسنَّ للأب الفرصة ليعود إليها مرةً أخرى لمدة ثلاثين عامًا.

وكتبَ عن تجربة المنفيّ العائد إلى دياره في مذكرات لا تُنسى حصلت على ثناء نقديّ: "رأيتُ رام الله"، وفي كتابه: "وُلِدت هُناك، وُلِدت هُنا".

ومنهم أيضا الشاعر حسين البرغوثي (1954-2002) من قرية كوبر الذي توفي بالسرطان بعد رحلة أصدر خلالها ما يزيد عن 16 إصداراً توزعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلورية والعشرات من الأبحاث والدراسات الفكرية والنقدية بعدة لغات وفي العديد من الكتب والمجلات والصحف. 

ووضع البرغوثي سيناريوهات لأربعة أفلام سينمائية وكتب نحو سبع مسرحيات لفرق محلية وعالمية إضافة إلى كتابة العديد من الأغاني لفرق موسيقية مختلفة.

وتقول أغصان البرغوثي لـ"الاستقلال": "حسين الكاتب المعروف كان من الحالات البارزة والنادرة على مستوى فلسطين ومن كتبه البارزة: الضوء الأزرق، سأكون بين اللوز".

ومن أفراد العائلة البارزين عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني "فتح"، مروان البرغوثي (63 عاما) الذي قضى حتى الآن 21 عاما في السجون الإسرائيلية.

ومروان محكوم بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، بتهمة "المسؤولية عن عمليات، نفذتها مجموعات مسلحة، محسوبة على حركة فتح، وأدت إلى مقتل وإصابة إسرائيليين". 

ويتخوف قادة السلطة الفلسطينية الحاليين من فوزه بأي انتخابات رئاسية قادمة بسبب شعبيته الجارفة في الشارع.

قالوا عنها 

تقول الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر إن "عمر البرغوثي وشقيقه نائل، من أوائل من قاوموا الاحتلال، ودفعوا عقوداً طويلة من أعمارهم في سجونه، ثم حمل أبناء أبي عاصف الراية، وورثوا العنفوان والإباء والشجاعة المدهشة عن والدهم وعمهم".

وأضافت في تدوينة نشرها موقع الجزيرة نت في يونيو/حزيران 2020: "قُدّر لي أن ألتقي في سجن الدامون بأم عاصف البرغوثي مطلع العام الماضي (2019)، فكانت رفقتها فرصة لفهم كنه هذه العائلة الفذة وسرّ فرادتها وأصالتها".

وأردفت: "كانت امرأة محبة لبنيها، تشتاق لهم وتحزن على فراقهم، ويوجعها أثر الشوكة في أيديهم، لكنها ما كانت تضنّ بهم عن دروب المواجهة، فكانت أطياف من الفخر والاعتزاز تطوف فضاء عينيها إذا ما تحدثت عنهم، في طفولتهم وشبابهم".

وواصلت بالقول: "يدرك الاحتلال جيداً ما الذي يمكن أن تصنعه أنفاس أمثال هؤلاء الناس حين تكون حاضرة في ساحة مستنزفة مثل الضفة، وإلى أي مدى يمكن لصنيعهم ولوجودهم ولكلماتهم أن تستنهض العزائم وتستعيد ما اندثر من بطولات، ولذلك يحرص على تغييبهم في سجونه، وعلى دفعهم أثماناً باهظة لخياراتهم العالية".

ومع كل حدث جديد بمر بالعائلة، يتفاعل ناشطون مع تفاصيله ويشيدون بصمود هذه الأسرة أمام سياسات الاحتلال. 

وقال معاذ عبر تغريدة بتاريخ 10 فبراير/ شباط 2022 في موقع تويتر ذيلها بصورة لعائلة أبو عاصف ومروان وعبدالله: "وإن سألوك عن فلسطين قل لهم هي عائلة البرغوثي".

وكتب الناشط المقدسي صالح الزغاري: "العائلة التي حملت كل هموم الوطن، فمنها الأسير صاحب أكبر حكم في العالم، ومنها عميد الأسرى الفلسطينيين، ومنها الشهداء، والمبعدونÇ

وأضاف: هذه عائلة البرغوثي التي لم تَكِلّ منذ عام 1936 التي خرج منها أحد قيادات الثورة الفلسطينية الشيخ عمر البرغوثي، وحتى يومنا هذا، لن تَمِلّ". 

أما ياسمين فكتبت عن عائلة الشاعرين: "كتاب في حضرة الانتظار، أين أهرب من جمال عائلة البرغوثي؟ لقد أخذني مريد في مذكراته إلى القاع حيث المأساة! أوجعتني وأضحكتني المعاناة بشتى مفاهيمها وصورها وأجمل ما فعله أن أهداني على غير موعد زيارة إلى رام الله".

وقال الناشط المصري محمد سيف الدولة: "غريب أمر عائلة البرغوثى الفلسطينية؛ فأينما وليت وجهك، ستجد برغوثي هنا او برغوثية هناك يتقدمون الصفوف فى مواجهة العدو الصهيونى، وكأنها عائلة تشكل أمة قائمة بذاتها، يحمل كل أفرادها راية النضال جيلا وراء جيل. ما أروع فلسطين الطيبة الولادة".